الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا الْمُزَابَنَة؛ وَهِيَ بَيعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ، إلا فِي الْعَرَايَا؛ وَهِي بَيعُ الرُّطَب فِي رُءُوسِ النَّخْلِ خَرْصًا بِمِثْلِهِ مِنَ التَّمْرِ كَيلًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ لِمَنْ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى أَكْلِ الرُّطَبِ، وَلَا ثَمَنَ مَعَهُ.
ــ
1687 - مسألة: (ولا)
يَجُوزُ بَيعُ (المُزَابَنَةِ؛ وهو بَيعُ الرُّطَبِ في رُءُوسِ النَّخْلِ بالتَّمْرِ، إلَّا في العَرَايا؛ وهي بَيعُ الرُّطَبِ في رءُوسِ النَّخْلِ خرْصًا بمثْلِه من التَّمْرِ كيلًا فيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ لمن به حاجَةٌ إلى أَكْلِ الرُّطَبِ ولا ثَمَنَ معه) لا يَجُوزُ بَيعُ المُزَابَنَةِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن المُزَابَنَةِ، وهو بَيعُ الثَّمَرِ (1) بالتَّمْرِ. مُتَّفَقٌ عليه (2). ورَوَى البُخارِيُّ، عن أنس، أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن المُزَابَنَةِ. فأمّا العَرَايَا، فيَجُوزُ في الجُمْلَةِ، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العِلْمِ؛ منهم مالِكٌ في أهْلِ المَدِينةِ، والأوْزَاعِيُّ في أهْلِ الشامِ، والشّافِعِيُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال أبو حَنِيفَةَ: لا يَحِلُّ بَيعُها؛ لِما ذَكَرْنَا من الحَدِيثِ. ولأنَّه
(1) في م: «الرطب» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 52.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَيعُ الرُّطَبِ بالتَّمْرِ من غيرِ كَيلٍ في أحَدِهِما، فلم يَجُزْ، كما لو كان على وَجْهِ الأرْضَ. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيرَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ في العَرَايَا في خَمْسَةِ أَوسُقٍ، أو دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ. مُتَّفَقٌ عليه (1). ورَواهُ زَيدُ بنُ ثابِتٍ، وسَهْلُ بنُ أبي حَثْمَةَ وغيرُهما. وحَدِيثُهم في سِيَاقِه:«إلَّا العَرَايَا» . كذلك في المُتَّفَقِ عليه (2). وهذه زِيَادَةٌ يَجِبُ الأخْذُ بها. ولو قُدِّرَ التَّعَارُضُ وَجَبَ تَقْدِيمُ حَدِيثنا؛ لخُصُوصِه، جَمْعًا بين الحَدِيثين، وعَمَلًا بكِلَا النَّصَّينِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: الذي نَهَى عن المُزَابَنَةِ هو الذي أرْخَصَ في العَرايَا، وطَاعَةُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أوْلَى. والقِياسُ لا يُصارُ إليه مع النَّصِّ، مع أنَّ في الحَدِيثِ أنّه أرْخَصَ في العَرَايَا. والرُّخْصَةُ اسْتِباحَةُ المَحْظُورِ مع وجُودِ السَّبَبِ الحاظِرِ، فلو مَنَعَ وُجُودُ السَّبَبِ من الاسْتِبَاحَةِ، لم يَبْقَ لَنَا رُخْصَةٌ بحالٍ.
(1) أخرجه البخاري، في: باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب والفضة، من كتاب البيوع. صحيح البخاري 3/ 99. ومسلم، في: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1171.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في مقدار العرية، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 226. والنسائي، في: باب بيع العرايا بالرطب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 235. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 237.
(2)
حديث زيد بن ثابت يأتي تخريجه في صفحة 69. وحديث سهل يأتي تخريجه في صفحة 71.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإنّما يَجُوزُ بشُرُوطٍ خَمْسَةٍ؛ أحَدُها، أنْ يكُونَ فيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ، في ظاهِرِ المَذْهَبِ، ولا خِلافَ في أنّها لا تَجُوزُ في زِيادَةٍ على خَمْسَةِ أوْسُقٍ، وأنّها تَجُوزُ فيما نَقَصَ عن خَمْسَةِ أوْسُقٍ، عندَ القائِلِينَ بجَوازِها. فأمّا الخَمْسَةُ الأوْسُقُ، فظاهِرُ المَذْهَبِ أنّه لا يَجُوزُ فيها. وبه قال ابنُ المُنْذِرِ، والشّافِعِيُّ في أَحَدِ قَوْلَيه. وقال مالِكٌ، والشّافِعِيُّ في قَوْلٍ: يَجُوزُ. ورَواهُ إسْماعِيلُ بنُ سَعِيدٍ عن أحمدَ؛ لأنَّ في حَدِيثِ زَيدٍ وسَهْلٍ أنّه رَخَّصَ في العَرَايَا مُطْلَقًا، ثم استَثْنَى ما زادَ على الخَمْسَةِ، وشَكَّ الرّاوي في الخَمْسَةِ، فبَقِيَ المَشْكُوكُ فيه على أصْلِ الإِباحَةِ. ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن المُزَابَنَةِ. والمُزَابَنَةُ؛ بَيعُ الثَّمَرِ (1) بالتَّمْرِ، ثم أزخَصَ في العَرِيَّةِ فيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ. وشَكَّ في الخَمْسَةِ، فيَبْقَى على العُمُومِ في التَّحْرِيمِ. ولأنَّ العَرِيَّةَ رُخْصَةٌ بُنِيَتْ على خِلافِ النَّصِّ والقِياسِ فيما دُونَ الخَمْسَةِ، والخَمْسَةُ مَشْكُوكٌ فيها، فلا تَثْبُتُ إِباحَتُها مع الشَّكِّ. ورَوَى ابنُ المُنْذِرِ (2) بإسْنَادِه، أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ
(1) في ق، م:«الرطب» .
(2)
وأخرجه البيهقي، في: باب ما يجوز من بيع العرايا، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 5/ 311.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في بيعِ العَرِيَّةِ في الوَسْقِ والوَسْقَينِ والثّلاثَةِ والأرْبَعَةِ. والتَّخْصِيصُ بهذا يَدُلُّ على أنَّه لا تَجُوزُ الزِّيادَةُ في العَدَدِ عليه، كما اتَّفَقْنا على أنَّه لا تَجُوزُ الزّيَادَةُ على الخَمْسَةِ؛ لِتَخْصِيصِه إيّاهَا بالذِّكْرِ. ولأنَّ خَمْسَةَ الأوْسُقِ في حُكْمِ ما زادَ عليها في وجُوبِ الزَّكاةِ فيها دونَ ما نَقَصَ عنها. فأمّا قَولُهم: أرْخَصَ في العَرِيَّةِ مُطْلَقًا. فلم يَثْبُتْ أنّ الرُّخْصَةَ المُطْلَقَةَ سابِقَةٌ على الرُّخصَةِ المُقَيَّدَةِ، ولا مُتَأخِّرَةٌ عنها، بل الرُّخْصَةُ واحِدَة، رَوَاها بَعْضُهم مُطْلَقَةً وبعضُهم مُقَيَّدَةً، فيَجِبُ حَمْلُ المُطْلَقِ على المُقَيَّدِ، ويَصِيرُ القَيدُ المَذْكُورُ في أحَدِ الحَدِيثَينِ كأنَّه مَذْكُورٌ في الآخَرِ، ولذلك يُقَيَّدُ فيما زادَ على الخَمْسَةِ، اتّفَاقًا.
فصل: ولا يَجُوزُ أنْ يَشْتَرِيَ أكْثَرَ من خَمْسَةِ أوْسُقٍ فيما زادَ على صَفْقَةٍ، سواءٌ اشْتَرَاهَا مِن واحِدٍ أو مِن جَماعَةٍ. وقال الشّافِعِيُّ: يَجُوزُ للإِنْسانِ بَيعُ جميعِ حائِطِه عَرايَا، مِن رِجُلٍ واحِدٍ، ومِن رِجَالٍ في عُقُودٍ مُتَكَرِّرَةٍ، لعُمُومِ حَدِيثِ زيدٍ، ولأن كُلَّ عَقدٍ جازَ مَرَّةً جازَ أنْ يتَكَرَّرَ، كسائِرِ البُيُوعِ. ولَنا، عمومُ النَّهْي عن المُزَابَنَةِ، اسْتَثْنَى منه العَرِيَّةَ فيما دونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ، فما زادَ يَبْقَى على العُمُومِ في التَّحْرِيمِ. ولأنَّ ما لا يَجُوزُ عليه العَقْدُ مَرَّةً إذا كان نَوْعًا واحِدًا، لا يَجُوزُ في عَقدَينِ، كالذي على وَجْهِ الأرْضِ، وكالجَمْعِ بين الأخْتَينِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا تُعْتَبَرُ حاجَةُ البائِعِ، فلو باعَ رَجُلٌ عَرِيَّةً من رَجُلَينِ فيها أكثرُ من خَمْسَةِ أوْسُقٍ، جازَ. وقال أبو بكْرِ، والقاضِي: لا يَجُوزُ، لِما ذَكَرْنا في المُشْتَرِي. ولَنا، أنّ المُغَلِّبَ في التَّجْويزِ حاجَةُ المُشْتَرِي، بدَلِيلِ ما رَوَى محمودُ بنُ لَبِيدٍ، قال: قُلْتُ لزَيدِ بنِ ثابِتٍ: ما عَرَايَاكُم هذه؟ فسمّى رِجَالًا مُحْتاجِينَ من الأنْصَارِ شَكَوْا إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ الرُّطَبَ يَأْتِي، ولا نَقْدَ بأيدِيهِم يَبْتَاعُونَ به رُطَبًا يأْكُلُونَه، وعِنْدَهم فُضُولٌ من التَّمْرِ، فرَخَّصَ لهم أنْ يَبْتَاعُوا العَرايَا بخَرْصِها من التَّمْرِ الذي في أيدِيهم، يَأْكُلُونَه رُطَبًا (1). وإذا كان سَبَبُ الرُّخْصَةِ حاجَةَ المُشْتَرِي، لم تُعْتَبَرْ حاجَةُ البائِعِ إلى البَيعِ، فلا يَتَقَيَّدُ في حَقِّه بخَمْسَةِ أوْسُقٍ. ولأنَّنَا لو اعْتَبَرْنَا الحاجَةَ من المُشْتَرِي، وحاجَةَ البائِعِ إلى البَيعِ، أفْضَى إلى أنْ لا يَحْصُلَ الإِرْفاقُ، إذْ لا يكادُ يَتَّفِقُ وجُودُ الحاجَتَينِ، فَتَسْقُطُ الرُّخْصَةُ. فإنْ قُلْنا: لا يَجُوزُ ذلك. بَطَلَ العَقْدُ الثاني. وإنِ اشْتَرَى عَرِيَّتينِ، أو باعَهُما، وفيهما أقَلُّ من خَمْسَةِ أوْسُقٍ، جازَ، وَجْهًا واحِدًا.
الثاني، أنْ يكونَ مُشْتَرِيها مُحْتَاجًا إلى أكْلِها رُطَبًا، ولا يَجُوزُ بَيعُها لغَنِيٍّ. وهو أحَدُ قَوْلَي الشّافِعِيِّ. وله قَوْلٌ آخرُ، أنّها تُباحُ مُطْلَقًا لكلِّ
(1) ذكره الزيلعي في نصب الراية 4/ 13، 14، وقال: لم أجد له سندًا بعد الفحص البالغ. وذكره الشافعي، في: باب بيع العرايا، من كتاب البيوع. الأم 3/ 47.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحَدٍ؛ لأنَّ كُلَّ بَيعٍ جازَ للمُحْتَاجِ، جازَ للغَنِيِّ، كسائِرِ البِياعاتِ (1)، ولأنَّ حَدِيثَ أبي هُرَيرَةَ وسَهْلٍ مُطْلَقان. ولَنا، حَدِيثُ زَيدِ بنِ ثابِتٍ الذي ذَكَرْنَاهُ. وإذا خُولِفَ الأصلُ بشَرْطٍ، لم تَجُزْ مُخَالفَتُه بدُونِ ذلك الشَّرْطِ، ولا يَلْزَمُ من إباحَتِه للحَاجَةِ إباحَتُه مع عَدَمِها، كالزَّكَاةِ للمَسَاكِينِ. فعلى هذا، مَتَى كان المُشْتَرِي غيرَ مُحْتَاجٍ إلى أكْلِ الرُّطَبِ، لم يَجُزْ شِراؤها بالتَّمْرِ، ولو باعَها لواهِبِها تحَرُّزًا من دُخُولِ صاحِبِ العَرِيَّةِ حائِطَهُ، كمَذْهَبِ مالِكٍ، أو لغَيرِه، لم يَجُزْ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يباحُ. ويَحْتَمِلُه كلامُ أحمدَ؛ لان الحاجَةَ وُجِدَتْ من الجانِبَينِ، فجازَ، كما لو كان المُشْتَرِي مُحْتَاجًا إلى أكلِها. ولنا، حَدِيث زَيدٍ الذي ذَكَرْنَاهُ، والرُّخْصَةُ لمَعْنًى خاصٍّ، لا تَثْبُتُ مع عَدَمِه، ولأنّ في حَدِيثِ زَيدٍ وسَهْلٍ:«يَأْكُلُها أَهْلُها رُطَبًا» . ولو جازَتْ لتَخْلِيصِ المُعَرَّى لَما شَرَطَ ذلك.
(1) في م: «البيوع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثالِثُ، أنْ لا يَكُونَ للمُشْتَرِي نَقْدٌ يَشْتَرِي به؛ للخَبَرِ المَذْكُورِ.
الرَّابعُ، أنْ يَشْتَرِيَها بخَرْصِها من التَّمْرِ، ويَجِبُ أنْ يكونَ التَّمْرُ الذي يَشْتَرِي به مَعْلُومًا بالكَيلِ، ولا يَجُوزُ جُزافًا. لا نَعْلَمُ خِلافًا في هذا عند مَنْ أباحَ بَيعَ العَرايَا؛ لِما رَوَى زَيدُ بنُ ثابِتٍ، أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ في العَرِايَا أنْ تُباعَ بخَرْصِها كَيلًا. مُتَّفَقٌ عليه (1). ولمُسْلِمٍ: أنْ تُؤخَذَ بمثلِ خرْصِها تَمْرًا يَأْكُلُها أهْلُها رُطَبًا. إذا ثَبَتَ ذلك، فمَعْنَى خَرْصِها بمِثْلِها من التَّمْرِ، أنْ يَنْظُرَ الخارِصُ إلى العَرِيَّةِ، فيَنْظُرَ كم يَجِئُ منها تمْرًا، فيَشْتَرِيها المُشْتَرِي بمثلِه تمرًا. وبهذا قال الشّافِعِيُّ. ونَقَلَ حَنْبَل عن أحمدَ، أنّه قال: يَخْرُصُها رُطَبًا، ويُعْطِي تَمْرًا. وهذا يَحْتَمِلُ الأوَّلَ، ويَحْتَمِلُ أنّه يَشْتَرِيها [بِتَمْرٍ مثلِ](2) الرُّطَبِ الذي عَلَيها؛ لأنَّه بَيعٌ اشْتُرِطَتِ المُماثَلَةُ فيه، فاعْتُبِرَتْ حال البَيعِ، كسائِرِ البُيوعِ. ولأنَّ الأصْلَ اعْتِبارُ المُماثَلَةِ في الحالِ، وأنْ لا يُباعَ الرُّطَبُ بالتَّمْرِ، خُولِفَ في الأصْلِ في بَيعِ الرُّطَبِ بالتَّمْرِ، فبَقِيَ فيما عَدَاهُ على قَضِيَّةِ الدَّلِيلِ. قال القاضِي: والأوَّلُ أصَحُّ؛
(1) أخرجه البخاري، في: باب تفسير العرايا، من كتاب البيوع. صحيح البخاري 3/ 100. ومسلم، في: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1169.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 5/ 181، 188.
(2)
في م: «بمثل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه يَنْبَنِي على خَرْصِ الثِّمارِ في العُشْرِ، والصَّحِيحُ خَرْصُه تمْرًا. ولأنَّ المُماثَلَةَ في بَيعِ التَّمْرِ بالتَّمْرِ مُعْتَبَرَةٌ حالةَ الادِّخارِ، وبَيعُ الرُّطَبِ بمثْلِه تمْرًا يُفْضِي إلى فَواتِ ذلك. فأمّا إنِ اشْتَرَاها بخَرْصِها رُطَبًا، لم يَجُزْ. وهذا أحَدُ الوُجُوهِ لأصْحابِ الشّافِعِيِّ. والثاني، يَجُوزُ. والثالِثُ، لا يَجُوزُ مع اتِّفاقِ النَّوْعِ، ويَجُوزُ مع اخْتِلافِه. وَوَجْهُ جَوازِه، ما رَوَى الجُوزْجانِيُّ، عن أبي صَالِحٍ، عن اللَّيثِ، عن ابنِ شهابٍ، عنِ سالِمٍ، عن ابنِ عمرَ، عن زَيدِ بنِ ثابِتٍ، عن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّه أرْخصَ بعد ذلك في بَيعِ العَرِيَّةِ بالرُّطَبِ أو التَّمْرِ، ولم يُرَخِّصْ في غيرِ ذلك (1). ولأَنَّه إذا جازَ بَيعُها بالتَّمْرِ مع اخْتِصاصِ أحَدِهما بالنَّقْصِ في ثاني الحالِ، فلأنْ يَجُوزَ مع عَدَم ذلك أَوْلَى. ولَنا، ما رَوَى مُسْلِم بإسْنادِه، عن زَيدِ بنِ ثابِتٍ، أنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَخصَ في العَرَايَا أنْ تُؤخَذَ بمِثْل خَرْصِها تمْرًا. وعن سَهْلِ بنِ أبي حَثْمَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بيعِ التَّمْرِ بالثَّمَرِ (2)، وقال:«ذلك الرِّبَا، تِلْك المُزَابَنَةُ» . إلَّا
(1) أخرجه مسلم، في: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1168. والنسائي، في: باب بيع العرايا بالرطب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 235. والدارمي، في: باب في بيع العرايا، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 252.
(2)
في ق، م:«بالتمر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه أرْخَصَ في العَرِيَّةِ، النَّخْلَةِ والنَّخْلَتَينِ يأْخُذُهما أهْلُ البَيتِ بخَرْصِهما تمْرًا، يَأْكُلُونها رُطَبًا (1). ولأنَّه مَبِيعٌ يَجِبُ فيه مِثْلُه تمْرًا، فلم يَجُزْ بَيعُه بمثْلِهِ رُطَبًا، كالتَّمْرِ الجافِّ. ولأنَّ مَنْ له رُطَبٌ، فهو مُسْتَغْن عن شراءِ الرُّطَبِ بأَكْلِ ما عنده، وبَيعُ العَرَايَا يُشْتَرَطُ فيه حاجَةُ المُشْتَرِي، على ما أسْلَفْنَاهُ. وحَدِيثُ ابنِ عُمَرَ (2) شَكٌّ في الرُّطَبِ والتَّمْرِ، فلا يَجُوزُ العَمَلُ به مع الشَّكِّ، لا سِيَّما وهذه الأحَادِيثُ تُثْبتُه، وتُزِيلُ الشَّكَّ.
الخامسُ، التَّقَابُضُ في المَجْلِسِ. وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. ولا نَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا؛ لأنَّه بَيعُ تَمْرٍ بتَمْرٍ، فاعْتُبِرَ فيه شُروطُه، إلَّا ما اسْتَثْناهُ الشَّرْعُ مما لم يمْكِنِ اعْتِبارُه في بَيعِ العَرَايَا. والقَبْضُ في كُل واحِدٍ منهما على حَسَبِه، ففي التَّمْرِ اكْتِيالُه، وفي الثَّمَرِ التَّخْلِيَةُ. وليس من شُرُوطِه حُضُورُ التَّمْرِ عند النَّخِيلِ، بل لو تَبَايَعَا بعد مَعْرِفَةِ التَّمْرِ والثَّمَرَةِ، ثم مَضَيا جَمِيعًا إلى النَّخِيلِ فَسَلَّمَه إلى مُشْتَريه، ثم مَضَيَا إلى التَّمْرِ فَسَلَّمَه البائِعِ، أو تَسَلَّمَ التَّمْرَ أوَّلًا ثم مَضَيَا إلى النَّخْلِ فسَلَّمَه، جازَ؛ لأنَّ التَّفَرُّق لم يَحْصُل قبلَ القَبْضِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ بَيعَ العَرِيَّةِ يَقَعُ على وَجْهَينِ؛ أحَدُهما،
(1) أخرجه البخاري، في: باب بيع الثمر على رءوس النخل بالذهب والفضة، وباب تفسير العرايا، من كتاب البيوع. صحيح البخاري 3/ 99، 100. ومسلم، في: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1170.
(2)
في م: «يحيى» .