الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ، فَيَحْرُمُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِن كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَإنْ كَان يَسِيرًا كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَينِ وَحَبَّةٍ بِحَبتين. وَعَنْهُ، لَا يَحْرُمُ إلا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَكُلِّ مَطْعُومٍ.
ــ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فقال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أوَّه، عَينُ الرِّبَا، عَينُ الرِّبَا، لا تَفْعَل، وَلَكِنْ إنْ أردْتَ أنْ تَشْتَرِىَ، فَبعِ التَّمْرَ بِبَيعٍ آخرَ، ثمَّ اشْتَرِ بِه» . مُتَّفقٌ عليهما (1). قال التِّرْمِذِيُّ: على حَدِيثِ أبي سَعِيدٍ العَمَلُ عندَ أهْلِ العِلْمِ من أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهم، وقولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لا رِبًا إلَّا في النّسِيئَةِ» . مَحْمُولٌ على الجِنْسَينِ.
1675 - مسألة: (فأمَّا رِبَا الفَضْلِ، فيَحْرُمُ في الجِنْسِ الواحِدِ من كُلِّ مَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ وإن كان يَسِيرًا كتَمْرَةٍ بتَمْرَتَينِ وحَبَّةٍ بحَبَتينِ. وعنه، لا يَحْرُمُ إلَّا في الجِنْسِ الوَاحِدِ من الذَّهَبِ والفِضَّةِ وكُلِّ مَطْعُومٍ
.
(1) الأول أخرجه البخاري، في: باب بيع الفضة بالفضة، من كتاب البيوع. صحيح البخاري 3/ 97. ومسلم، في: باب الربا، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1208، 1209.
كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في الصرف، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 249، 250. والنسائي، في: باب بيع الذهب بالذهب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 244، 245. والإمام مالك، في: باب بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 632، 633. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 4، 9.
والثاني أخرجه البخاري، في: باب إذا باع الوكيل شيئًا فاسدا فبيعه مردود، من كتاب الوكالة. صحيح البخاري 3/ 133. ومسلم، في: باب بيع الطعام مثلا بمثل، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1215.
كما أخرجه النسائي، في: باب بيع التمر بالتمر متفاضلا، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 239، 240. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 62.
وَعَنْهُ، لَا يَحْرُمُ إلا فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا.
ــ
وعنه، لا يَحْرُمُ إلَّا في ذلك إذا كانَ مَكِيلًا أو مَوْزُونًا) رُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الرِّبَا أحَاديثُ كَثِيرَةٌ، مِن أتَمِّها حَدِيثُ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«الذَّهَبُ بالذَّهَبِ مِثْلًا بمِثْل، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ مِثْلًا بمِثْل، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ مِثْلًا بمِثْل، والبُرُّ بالبُرِّ مِثْلًا بمِثْلٍ، والمِلْحُ بالمِلْحِ مِثْلًا بمِثْلٍ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ مِثْلًا بمِثْل، فمَنْ زادَ أو ازْدَادَ فقد أرْبَى، بِيعُوا الذَّهَبَ بالفضَّةِ كيفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وبِيعُوا الشَّعِيرَ بالتَّمْرِ كيفَ شِئتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وبِيعوا البُرَّ بالتَّمْرِ كيفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» . رَواهُ مُسْلِمٌ (1). فهذه الأعْيَانُ السِّتَّةُ المَنْصُوصُ عليها يَثْبُتُ الرِّبَا فيها بالنَّصِّ والإِجْمَاعِ (2). واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فيما سِوَاها. فحُكِيَ عن طاوُس، وقَتَادَةَ، أنّهما قَصَرا الرِّبَا عليها. وبه قال دَاودُ ونُفَاةُ القِيَاسِ، وقالُوا: ما عَدَاها على أصْلِ الإِباحَةِ؛ لقَوْلِ اللهِ تَعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ} (3). واتَّفَقَ القائِلُونَ
(1) في: باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1210، 1211.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الصرف، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 222، 223. والنسائي، في: باب بيع الشعير بالشعير، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 240، 241، 242. وابن ماجه، في: باب الصرف وما لا يجوز متفاضلا يدا بيد، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 757، 758. والدارمي، في: باب في النهي عن الصرف، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 259. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 320.
(2)
تقدم الاختلاف عن ابن عباس في ربا الفضل في صفحة 6، 7.
(3)
سورة البقرة 275.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالقِياسِ على أنَّ الرِّبَا فيها بعِلَّةٍ، وأنَّه يَثْبُتُ في كُلِّ ما وُجِدَت فيه عِلَّتُها؛ لأنَّ القِياسَ دَلِيلٌ شَرْعِيّ، فيَجِبُ اسْتِخْرَاج عِلَّةِ هذا الحُكْمِ وإثْبَاتُه حَيثُ وُجِدَتْ عِلَّتُه. ولأنَّ قولَ الله تِعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . يَقْتَضِي تَحْرِيمَ كُلِّ زِيَادَةٍ، إذ الرِّبَا في اللُّغةِ الزِّيادةُ، إلَّا ما أجْمَعْنا على تَخْصِيصِه. وهذا يُعارِضُ ما ذَكَرُوه. ثم اتَّفَقَ أهلُ العلمِ على أنَّ رِبا الفَضْلِ لا يَجْرِى إلَّا في الجِنْسِ الوَاحِدِ، إلَّا سَعِيدَ بنَ جُبَير، فإنّه قال: كُلُّ شَيئَينِ يَتَقَارَبُ الانْتِفَاعُ بهما لا يَجُوزُ بَيعُ أحَدِهما بالآخَرِ مُتَفَاضِلًا، كالحِنْطَةِ والشَّعِيرِ، والتَّمْرِ والزَّبيبِ، والذُّرَةِ والدُّخْنِ؛ [لأنَّهما يَتَقَارَبُ نَفْعُهُما، فجَرَيا](1) مَجْرَى نوْعَىِ الجِنْسِ. وهذا مُخَالِفٌ لقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «بيعُوا الذَّهَبَ بالفِضَّةِ كيفَ شِئْتُم يَدًا بِيَدٍ، وبيعُوا التَّمْرَ بالبُرِّ كيفَ شِئْتُم» . فلا يُعَوَّلُ عليه. واتَّفَقَ المُعَلِّلُونَ على أنَّ عِلَّةَ الذَّهَب والفِضَّةِ واحِدَةٌ، وعِلَّةَ الأعْيَانِ الأرْبَعَةِ واحِدَةٌ، ثمَّ اخْتَلَفُوا في عِلَّةِ كُلِّ واحِدٍ منهما، فرُويَ عن أحمدَ في ذلك ثلاثُ رِوَايَاتٍ، أشْهَرُهُنَّ أنَّ عِلَّةَ الرِّبَا في الذَّهَبِ والفِضَّةِ كَوْنُه مَوْزُونَ جِنْس، وعِلَّةَ الأعْيَانِ الأرْبَعَةِ كَوْنُه مَكِيلَ جِنْسٍ. نَقَلَها عن أحمدَ الجماعَةُ، وذَكَرَها الخِرَقِيُّ، وابنُ أبي مُوسَى، وأكثَرُ الأصْحَابِ. وبه قال النَّخَعِيّ، والزُّهْرِيّ،
(1) في م: «لأنها يتقارب نفعها فجرى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثَّوْرِيُّ، وإسْحاقُ، وأَصْحابُ الرَّأي. فعلى هذه الرِّوَايَةِ، يَجْرِي الرِّبَا في كُلِّ مَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ بجِنْسِه، مَطْعُومًا كان أو غيرَ مَطْعُومٍ، كالحُبُوبِ، والأُشْنَانِ، والنُّورَةِ، والقُطْنِ، والصُّوفِ، والكَتَّانِ، والحِنَّاءِ، والحَدِيدِ، والنُّحاسِ، ونحو ذلك. ولا يَجْرِي في مَطْعُومٍ لا يُكَالُ ولا يُوزَنُ، كالمَعْدُودَاتِ؛ لِما رَوَى ابنُ عمرَ، قال: قال رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بالدِّينَارَينِ، ولا الدِّرْهَمَ بالدِّرْهَمَينِ، ولا الصّاع بالصَّاعَينِ، فإنِّي أَخافُ عليكم الرَّمَاءَ» . وهو الرِّبَا. فَقامَ إليه رَجُلٌ، فقال: يا رَسُولَ اللهِ، أرأيتَ الرَّجُلَ يَبِيعُ الفَرَسَ بالأَفْرَاس، والنَّجِيبَةَ بالإِبِلِ؟ فقال:«لا بَأسَ إذا كان يَدًا بِيَدٍ» . رَواهُ أحمدُ في المُسْنَدِ (1) عن [أبي جَنَابٍ](2)، عن أبِيه، عن ابنِ عمرَ. وعن أنَسٍ، أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«ما وُزِنَ مِثْلًا بمِثْلٍ إذا كان نَوْعًا واحِدًا» . رَواه الدّارَقُطْنِيُّ (3). وعن عمّارٍ أنَّه قال: العَبْدُ خَيرٌ مِن العَبْدَينِ، والثَّوْبُ خَيرٌ من الثَّوْبَينِ، فما كان يَدًا بيَدٍ فلا بَأسَ به، إنَّما الرِّبَا في النَّساءِ، إلَّا ما كِيلَ أو وُزِن (4). ولأنَّ قَضِيَّةَ البَيعِ المُسَاوَاةُ، والمعْتَبَرُ في تَحْقِيقِها الكَيلُ والوَزْنُ والجِنْسُ، فإنَّ الوَزْنَ أو الكَيلَ يُسَوِّي بَينَهُما صُورَةً،
(1) 2/ 109.
(2)
في الأصل، ق، ر 1:«أبي حيان» ، وفي م:«ابن حبان» والمثبت من المسند. وانظر تهذيب الكمال 7/ 487.
(3)
في: كتاب البيوع. سنن الدارقطني 3/ 18.
(4)
أخرجه ابن حزم، في: المحلى 9/ 532.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والجِنْسَ يُسَوَّى بينهما مَعْنًى، فكانا عِلَّةً، وَوَجَدْنَا الزِّيَادَةَ في الكَيلِ مُحَرَّمَةً دونَ الزِّيادَةِ في الطَّعْمِ؛ بدَلِيلِ بَيعِ الثَّقِيلَةِ بالخَفِيفَةِ، فإنَّه جائِزٌ إذا تَسَاوَيَا في الكَيلِ. والرِّوَايَةُ الثانِيَةُ، أنَّ العِلَّةَ في الأثْمانِ الثَّمَنِيَّةُ، وفيما عَدَاها كونُه مَطْعُومَ جِنْسٍ، فيَخْتَصُّ بالمَطْعُومَاتِ، ويَخْرُجُ منه ما عَدَاها. قال أبو بَكْرٍ: رَوَى ذلك عن أحمدَ جماعَةٌ. ونحوُ ذلك قولُ الشّافِعِيِّ، فإنّه قال: العِلَّةُ الطَّعْمُ، والجِنْسُ شَرْطٌ. والعِلَّةُ في الذَّهَبِ والفِضَّةِ جَوْهَرِيَّةُ الثَّمَنِيَّةِ غالِبًا، فيَخْتَصُّ بالذَّهَبِ والفِضَّةِ؛ لما رَوَى مَعْمَرُ بنُ عبدِ الله أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيعِ الطَّعامِ بالطَّعَامِ، إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ. رَواهُ مُسلِمٌ (1). ولأنَّ الطَّعْمَ وَصْفُ شرَفٍ، إذْ به قِوامُ الأُبْدَانِ، والثَّمَنِيَّةُ وَصْفُ شَرَفٍ، إذْ بها قِوامُ الأموالِ، فيَقْتَضِي التَّعْلِيلَ بهما، ولأنَّه لو كانتِ العِلَّةُ في الأثمانِ الوَزْنَ، لم يَجُزْ إسْلامُهما في المَوْزُوناتِ؛ لأنَّ أحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبا يَكْفِي في تَحْرِيمِ النَّسَاءِ. والرِّوَايَةُ الثالِثَةُ، العِلَّةُ فيما عَدا الذَّهَبَ والفِضَّةَ كَوْنُه مَطْعُومَ جِنْسٍ مَكِيلًا أو مَوْزُونًا، فلا يَجْرِي الرِّبَا في مَطْعُومٍ لا يُكَالُ ولا يُوزَنُ، كالتُّفَّاحِ، والرُّمّانِ، والبِطيخِ، والجَوْزِ، والبَيضِ، ولا فيما ليس بمَطْعُومٍ، كالزَّعْفَرَانِ، والأُشْنانِ، والحَدِيدِ. ويُرْوَى ذلك عن
(1) في: باب بيع الطعام مثلًا بمثل، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1214.
كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 400.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ. وهو قَدِيمُ قَوْلَي الشَّافِعِيِّ؛ لِما رُوِيَ عن سَعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:«لا رِبًا إلَّا فيما كِيلَ أو وُزِنَ ممّا يُؤْكَلُ أو يُشْرَبُ» أخْرَجَه الدّارَقُطْنِيُّ (1)، وقال: الصَّحِيحُ أنَّه من قَوْلِ سعيدٍ، ومَنْ رَفَعَه فقد وَهَمَ. ولأنَّ لكلِّ واحدٍ مِن هذه الأوصافِ أثرًا، والحكمُ مقرونٌ بجميعِها في المنصوصِ عليه، فلا يَجُوزُ حذفُه. ولأنَّ الكَيلَ والوَزْنَ والجِنْسَ لا يَقْتَضِي وجوبَ المُماثَلَةِ، وإنّما أثَرُه في تَحْقِيقِها، و (2) العِلَّةُ ما يَقْتَضِي ثُبُوتَ الحُكْمِ، لا ما تَحَقَّقَ شَرْطُه، والطَّعْمُ بمُجَرَّدِه لا تَتَحَقَّقُ المُماثَلَةُ به؛ لعَدَمِ المِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ فيه، وإنّما تَجِبُ المُماثَلَةُ في المِعْيارِ الشَّرْعِيِّ، وهو الكَيلُ والوَزْنُ، ولهذا وجَبَتِ المُسَاوَاةُ في المَكِيلِ كَيلًا، وفي المَوْزُونِ وَزْنًا، فَوَجَبَ أن يَكُونَ الطَّعْمُ مُعْتَبَرًا في المَكِيلِ والمَوْزُونِ دُونَ غَيرِهما. والأحَادِيثُ الوَارِدَةُ في هذا البابِ يَجِبُ الجَمْعُ بينها، وتَقْيِيدُ كُلِّ واحِدٍ منها بالآخَرِ، فنَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن بَيعِ الطّعامِ إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ، يَتَقَيَّدُ بما فيه مِعْيارٌ شَرْعِيٌّ من كَيلٍ أو وَزْنٍ، ونهْيُه عن بَيعِ الصّاعِ بالصّاعَينِ، يَتَقَيَّدُ بالمَطْعُومِ المَنْهِيِّ عن التَّفاضُلِ فيه. وهذا اخْتِيَارُ شَيخِنا. وقال مالِكٌ: العِلَّةُ القُوتُ، أو ما يَصْلُحُ به القُوتُ من جِنْسٍ واحِدٍ من المُدَّخَراتِ. وقال رَبِيعَةُ: يَجْرِي
(1) في: كتاب البيوع. سنن الدارقطني 3/ 14.كما أخرجه الإمام مالك، في: باب بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 635.
(2)
في م: «في» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرِّبَا فيما تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ دونَ غَيرِه. وقال ابنُ سِيرِينَ: في الجِنْسِ الواحِدِ. وهذا القَوْلُ لا يَصِحُّ؛ لقَوْلِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم في بَيعِ الفَرَسِ بالأفْرَاسِ، والنَّجِيبَةِ بالإِبِلِ:«لا بَأسَ إذا كان يَدًا بِيَدٍ» (1). ورُوِيَ أنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ابْتَاعَ عَبْدًا بعَبْدَينِ. رواه أبو داوُدَ والتّرْمِذِيُّ (2)، وقال: هو حَدِيثٌ حَسَنٌ (3) صَحِيحٌ. وقولُ مالِكٍ يَنْتَقِضُ بالحَطَبِ والإِدَامِ يُسْتَصْلَحُ به القُوتُ ولا رِبًا فيه. عنده، وتَعْلِيلُ رَبِيعَةَ يَنْعَكِسُ بالمِلْحِ، والعَكْسُ لازِمٌ عندَ اتِّحادِ العِلَّةِ. فالحاصِلُ أنَّ ما اجْتَمَعَ فيه الكَيلُ والوَزْنُ والطَّعْمُ، من جنْسٍ واحِدٍ، ففيه الرِّبَا رِوايَةً واحِدَةً؛ كالأُرْزِ، والدُّخْنِ، والذُّرَةِ، والقُطْنِيَّاتِ، والدُّهْنِ، واللَّبنِ، ونحوه. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العِلْمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: هذا قَوْلُ عُلَماءِ الأمْصَارِ في القَدِيمِ والحَدِيثِ. وما يُعْدَمُ فيه الكَيلُ والوَزْنُ والطَّعْمُ واخْتَلَفَ جِنْسُه،
(1) تقدم تخريجه في صفحة 11.
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب في ذلك إذا كان يدا بيد، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 225. والترمذي، في: باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي 5/ 247.
كما أخرجه مسلم، في: باب جواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضلا، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1225. والنسائي، في: باب بيعة المماليك، من كتاب البيعة، وفي: باب بيع الحيوان بالحيوان يدا بيد متفاضلا، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 135، 257. وابن ماجه، في: باب البيعة، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 958.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلا رِبًا فيه، رِوايَةً واحِدةً. وهو قولُ أكثرِ أهْلِ العِلْمِ، وذلك كالتِّينِ، والنَّوَى، والقَتِّ، والماءِ، والطِّينِ إلَّا (1) الأرمَنِيَّ، فإنَّه يُؤكَلُ دواءً، فيَكونُ مَوْزُونًا مَأكُولًا، فهو إذًا من القِسْمِ الأوَّلِ، وما عَداهُ إنّما يُؤكَلُ سَفَهًا، فجَرَىَ مَجْرَى الرَّمْلِ والحَصَى. وما وُجِدَ فيه الطَّعْمُ وَحْدَه، أو الكَيلُ والوَزْنُ من جِنْس واحِدٍ، ففيه رِوَايَتَانِ، واخْتَلَفَ أهلُ العِلْمِ فيه. والأولَى، إنْ شاءَ اللهُ، حِلُّه؛ إذْ ليس في تَحْرِيمِه دَلِيلٌ مَوْثُوقٌ به، ولا مَعْنًى يُقَوِّي التَّمَسُّكَ به، وهي مع ضَعْفِها. يُعَارِضُ بَعْضُها بَعْضًا، فوَجَبَ اطِّراحُها، والجَمْعُ بَينَها، والرُّجُوعُ إلى أصْلِ الحِلِّ الذي يَقْتَضِيهِ الكِتَابُ والسُّنَّةُ والاعْتِبَارُ. ولا فرقَ في المَطْعُوماتِ بينَ ما يُؤكَلُ قُوتًا، كالأُرْزِ والذُّرَةِ، أو أُدْمًا كالقُطنِيَّاتِ، واللَّحْمِ، واللَّبَنِ، أو تَفَكُّهًا، كالثِّمارِ، أو تَداويًا، كالإِهْلِيلَجِ، والسَّقَمُونْيا، فإنَّ الكُلَّ في بَابِ الرِّبا واحِدٌ.
فصل: وقَولُه: في كُلِّ مَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ. أي ما كانَ جِنْسُه مَكِيلًا أو مَوْزُونًا، وإنْ لم يَتَأَتَّ فيه كَيلٌ ولا وَزْنٌ؛ إمّا لقِلَّتِه، كالحَبَّةِ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والحَبَّتَينِ، والحَفْنَةِ والحَفْنَتَينِ، وما دُونَ الأُرْزَةِ مِن الذَّهَبِ والفِضَّةِ، أو لكَثْرَتِه، كالزُّبْرَةِ العَظِيمَةِ، فإنَّه لا يَجُوزُ بَيعُ بَعْضِه بِبَعْضٍ إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ، ويَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فيه. وبهذا قال الثَّوْرِيُّ، والشّافِعِيُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. ورَخَّصَ أبو حَنِيفَةَ في بَيعِ الحَفْنَةِ بالحَفْنَتَين، والحَبَّةِ بالحَبَتّينِ، وسائِرِ المَكِيلِ الذي لا يَتَأتى كيله، ووافَقَ في المَوْزُونِ، واحْتَجَّ بأنَّ العِلَّةَ الكَيلُ، ولم يُوجَدْ في اليَسِيرِ. ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«التَّمْرُ بالتَّمْرِ مِثْلًا بمِثْل، والبُرُّ بالبُرِّ مِثْلًا بمِثْل، من زَادَ أو ازْدَادَ فقد أربَى» (1). ولأنَّ ما جَرَى الرِّبَا في كَثِيرِه جَرَى في قَلِيله، كالمَوْزُونِ. ولا يَجُوزُ بَيعُ تَمْرَةٍ بتَمْرَةٍ، ولا حَفْنَةٍ بحَفْنَةٍ. وهذا قولُ الثَّوْرِيِّ؛ لأنَّ ما أصْلُه الكَيلُ لا تَجُوزُ (2) المُماثَلَةُ في غَيرِه.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 9.
(2)
في م: «تجري» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمّا ما لا وَزْنَ للصِّناعةِ فيه، كمَعْمُولِ الحدِيدِ، والرَّصاصِ، والنُّحاسِ، والقُطْنِ، والكَتَّانِ، والصُّوفِ، والحَرِيرِ، فالمَنْصُوصُ عن أحمدَ في الثِّيابِ والأكْسِيَةِ أنّه لا يَجْرِى فيه الرِّبَا، فإنّه قال: لا بَأسَ بالثَّوْبِ بالثَّوْبَينِ، والكِسَاءِ بالكِسَاءَينِ. وهذا قولُ أكْثَرِ أهلِ العِلْمِ. وقال: لا يُبَاعُ الفَلْسُ بالفَلْسَينِ، ولا السِّكِّينُ بالسِّكِّينَينِ، ولا الإِبرَةُ بالإِبرَتَينِ، أصْلُه الوَزْنُ. ونَقَلَ القاضِي حُكْمَ إحْدَى المسألَتَين إلى الأُخرَى، فجَعَلَ في الجَمِيعِ رِوَايَتَينِ، إحداهُما، لا يَجْرِي في الجَمِيع. وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وأبي حَنِيفَةَ، وأكثَرِ أهْلِ العِلمِ؛ لأنَّه ليس بمَوْزُونٍ ولا مَكِيلٍ. وهذا هو الصَّحِيحُ؛ إذ لا مَعْنَى لثُبُوتِ الحُكْمِ مع انْتِفاءِ العِلَّةِ، وعَدَمِ النَّصِّ والإِجْماعِ فيه. والثانِيَةُ، يَجْرِي الرِّبَا في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجمِيعِ. اخْتَارَها ابنُ عَقِيلٍ؛ لأنَّ أصْلَه الوَزْنُ، فلا يَخْرُجُ بالصِّنَاعَةِ عنه، كالخُبْزِ، وذَكَرَ أنَّ اخْتِيارَ القاضِي، أنَّ ما كانَ يُقْصَدُ وَزْنُه بعد عملِه كالأسْطالِ (1) ففيه الرِّبا، وإلَّا فَلَا.
فصل: ويَجْرِي الرِّبَا في لَحْمِ الطَّيرِ، وعن أبي يُوسُفَ: لا يَجْرِي فيه؛ لأنَّه يُباعُ بغيرِ وَزْنٍ. ولَنا، أنَّه لَحْمٌ، فأشْبَهَ سائِرَ اللُّحْمَانِ. وقَوْلُه: لا يُوزَنُ. قلنا: هو مِن جِنْسِ ما يُوزَنُ، ويُقْصَدُ ثِقْلُهُ، وتَخْتَلِفُ قِيمَتُه بثِقْلِه وخِفَّتِه، أشْبَهَ ما يُباعُ من الخُبْزِ عَدَدًا (2).
(1) الأسطال: جمع سَطْل، وهو إناء من معدن كالمِرْجل، له علاقة كنصف الدائرة مركبة في عروتين.
(2)
في م: «عدًّا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والجَيِّدُ والرَّدِئُ، والتِّبرُ والمَضْرُوبُ، والصَّحِيحُ والمَكْسُورُ، سواءٌ في جَوازِ البَيعِ مع التَّماثُلِ. وهذا قَوْلُ أكثَرِ العُلَماءِ، منهم، أبو حَنِيفَةَ، والشّافِعِيُّ. وحُكِيَ عن مالِكٍ جَوازُ بَيعِ المَضْرُوبِ بقِيمَتِه من جِنْسِه، وأنْكَرَ ذلك أصْحابُه. وحَكَى بعضُ أصْحابِنَا عن أحمدَ رِوَايَةً، أنّه لا يَجُوزُ بَيعُ الصِّحاحِ بالمُكَسَّرَةِ؛ لأنَّ للصِّنَاعَةِ قِيمَةً بدَلِيلِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حالةِ الإِتْلَافِ، فَيَصِيرُ كأنَّه ضَمَّ قِيمَةَ الصِّنَاعَةِ إلى الذَّهَبِ. ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الذَّهَبُ بالذَّهَبِ مِثْلًا بمِثْلٍ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ مِثْلًا بمِثْلٍ» . وعن عُبادَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«الذَّهَبُ بالذَّهَبِ تِبْرُهَا وعَينُها، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ تِبْرُهَا وعَينُها» . رواهُ أبو داوُدَ (1). ورَوَى مُسْلِم (2) عن أبي الأشْعَثِ أنَّ مُعَاويَةَ أمَرَ بِبَيعِ آنِيَةٍ من فِضَّةٍ في أُعْطِياتِ النّاسِ، فبَلَغَ عُبادَةَ، فقَدِمَ، فقال: إنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عن بَيعِ الذَّهَبِ بالذَّهَبِ، والفِضَّةِ بالفِضَّةِ، والبُرِّ بالبُرِّ،
(1) في: باب في الصرف، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 222، 223.
كما أخرجه النسائي، في: باب بيع الشعير بالشعير، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 242، 243.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 9.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشَّعِيرِ بالشَّعِيرِ، والمِلْحِ بالمِلْحِ، إلَّا سواءً بسواءٍ، عينًا بعَينٍ، فمَن زادَ أو ازْدَادَ فقد أرْبَى. ورَوَى الأثْرَمُ (1)، عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، أنَّ مُعَاويَةَ باعَ سِقَايَةً من ذَهَبٍ أو وَرِقٍ بأكْثَرَ من وَزْنِها، فقال أبو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عن مِثْلِ هذا، إلَّا مِثْلًا بمِثْلٍ. ولأنَّهُما تَسَاوَيَا في الوَزْنِ، فلا يُوثِّرُ اخْتِلافُهما في الِقيمَةِ، كالجَيِّدِ بالرَّدِئِ. فأما إنْ قال لصائِغٍ: اصْنَعْ لي خَاتَمًا وَزْنُه دِرْهَمٌ، وأعْطِيكَ مثلَ زِنَتِه، وأُجْرَتَك دِرْهَمًا. فليس ذلك بَيعَ دِرْهَمٍ بدِرْهَمَينِ. وقال أصْحابُنا: للصائِغِ أخْذُ الدِّرْهَمَينِ؛ أحَدِهما في مُقابَلَةِ الخاتَمِ، والثَّاني (2) أُجْرَةً له.
فصل: وكُلُّ ما حُرِّمَ فيه رِبَا الفَضْلِ، حُرِّمَ فيه النَّساءُ، بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ. ويَحْرُمُ التَّفَرُّقُ قبلَ القَبْضِ؛ لقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«عَينًا بعَينٍ» .
(1) وأخرجه النسائي، في: باب بيع الذهب بالذهب، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 245. والإمام مالك، في: باب بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 634.
(2)
في م: «الباقي» .