الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ أمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، إِنْ تَلِفَ بِغَيرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيهِ، وَلَا يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ شَيْءٌ مِنْ دَينهِ.
ــ
صَلاحٌ لِما يَبْقَى، فله ذلك. وإن أرادَ تَحْويلَه كلَّه، لم يَمْلِكْ ذلك. وإن قِيلَ: هو الأوْلَى. لأنَّه قد لا يَعْلَقُ، فيَفُوتَ الرَّهْنُ. وإنِ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِن فِعْلِ هذا كلِّه، لم يُجْبَرْ عليه؛ لأنَّه لا يَلْزَمُه فِعْلُ ما فيه زِيادَةُ الرَّهْنِ.
فصل: وكلُّ زِيادَةٍ تَلْزَمُ الرّاهِنَ، إذا امْتَنَعَ منها أجْبَرَه الحاكِمُ عليها، فإن لم يَفْعَل، اكْتَرَى الحاكِمُ مِن مالِه، فإن لم يَكُنْ له مالٌ، اكْتَرَى مِن الرَّهْنِ. فإن بَذَلَها المُرْتَهِنُ مُتَطَوِّعًا، لم يَرْجِعْ بشيءٍ. وإن كان بإذنِ الرَّاهِنِ مُحْتَسِبًا بالرُّجُوعِ، رَجَع. فإن أنْفَقَ بإذْنِ الرَّاهِنِ؛ ليَكُونَ الرَّهْنُ رَهْنًا بالنَّفَقَةِ والدَّينِ الأوَّلِ، لم يَصِحَّ، ولم يَصِبرْ رَهْنًا بالنَّفَقَةِ؛ لِما ذَكَرْنَا. وإن قال الرَّاهِنُ: أنْفَقْتَ مُتَبَرِّعًا. وقال المُرْتَهِنُ: بل أنْفَقْت مُحْتَسِبًا بالرُّجُوعِ. فالقَوْلُ قولُ المُرْتَّهِنِ؛ لأنَّ الخِلافَ في نِيَّته، وهو أعْلمُ بها، وعليه اليَمِينُ؛ لأنَّ ما قاله الرَّاهِنُ مُحْتَمِلٌ. وكلُّ مُؤْنَةٍ لا تَلْزَمُ الرّاهِنَ، كَنَفَقَةِ المُداوَاةِ والتَّأبيرِ وأشْباهِهما، لا يَرْجِعُ بها المُرْتَهِنُ إذا أنْفَقَها، سواء أنْفَقَها مُحْتَسِبًا أَو مُتَبَرِّعًا.
1792 - مسألة: (وهو أمانَةٌ في يَدِ المُرْتَّهِنِ، إن تَلِف بغَيرِ تَعَدٍّ منه، فلا شيءَ عليه، ولا يَسْقُطُ بهَلاكِه شيءٌ مِن دَينِه)
وجُمْلَةُ ذلك، أنَّ الرَّهْنَ إذا تَلِف في يَدِ المُرْتَّهِنِ، فإن كان تَلَفُه بتَعَدٍّ أو تَفْرِيطٍ في حِفْظِه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ضَمِنَه. لا نَعْلَمُ في ذلك خِلافًا؛ لأنَّه أمانَةٌ في يَدِه، فلَزِمَه ضَمانُه إذا تَلِف بتَعَدِّيه أو تَفْرِيطِه، كالوَدِيعةِ. فأمَّا إن تَلِف مِن غيرِ تَعَدٍّ منه ولا تَفْرِيطٍ، فلا ضَمانَ عليه، وهو مِن مالِ الرَّاهِنِ. يُرْوَى ذلك عن عليٍّ، رضي الله عنه. وبه قال عطاءٌ، والزُّهْرِيُّ، والأوْزاعِيُّ، والشّافعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. ورُوِيَ عن شُرَيحٍ، والنَّخَعِيِّ، والحَسَنِ، أنَّ الرَّهْنَ يُضْمَنُ بجَمِيعِ الدَّينِ، وإن كان أكثَرَ مِن قِيمتِه؛ لأنَّه رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ» (1). وقال مالكٌ: إن كان تَلَفُه بأمْرٍ ظاهِر، كالمَوْتِ والحَرِيقِ، فمِن ضَمانِ الرَّاهِنِ، وإنِ ادَّعَى تَلَفَه بأمْرٍ خَفِيٍّ، لم يُقْبَلْ قَوْلُه، ويَضْمَنُ. وقال الثَّوْرِيُّ، وأبو حنيفةَ: يَضْمَنُه المُرْتَهِنُ بأقَلِّ الأمْرَين مِن قِيمَتِه، أو قَدْرِ الدَّينِ. ويُرْوَى ذلك عنِ عُمَرَ، رضي الله عنه؛ لِما رَوَى عَطاءٌ، أنَّ رَجُلًا رَهَن فَرَسًا، فنَفقَ عندَ المُرْتَّهِنِ، فجاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأخْبَرَه بذلك، فقال:«ذَهَبَ حَقُّك» (2). ولأنَّها عَينٌ مَقْبُوضَةٌ للاستيفاءِ، فيَضْمَنُها مَن قَبَضَها؛
(1) أخرجه البيهقي، في: باب من قال: الرهن مضمون، من كتاب الرهن. السنن الكبرى 6/ 40. والدارقطني، في: كتاب البيوع. سنن الدارقطني 3/ 32. وأبو داود، في مراسيله 135.
(2)
أخرجه البيهقي، في: باب من قال: الرهن مضمون، من كتاب الرهن. السنن الكبرى 6/ 41. وابن أبي شيبة، في: باب في الرجل يرهن الرجل فيهلك، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف 7/ 183. وأبو داود في مراسيله 135.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لذلك، أو مَن قَبَضَها نائِبُه، كحَقِيقَة المُسْتَوْفَى. ولأنَّه مَحْبُوسٌ بدَين، فكانَ مَضْمُونًا، كالمَبِيع إذا حُبِسَ لاسْتِيفاءِ ثَمَنِه. ولَنا، ما رَوَى ابنُ أبي ذِئْبٍ (1)، عن الزُّهْرِيِّ، عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ، لِصَاحِبِه غُنْمُهُ، وَعَلَيهِ غُرْمُهُ» . رَواه الأثْرَمُ، من أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ يونُسَ، عن ابنِ أبي ذِئْب (1). ورَواه الشافعيُّ (2)، عن ابنِ أبي فُدَيكٍ، عن ابنِ أبي ذِئْبٍ (1)، ولَفْظُه:«الرَّهْنُ مِن صَاحِبِه الَّذِي رَهَنَهُ» . وباقيه سواءٌ. قال: ووَصَلَه ابنُ المُسَيَّبِ، عن أبي هُرَيرَةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثلَه أو مثلَ مَعْناه مِن حَدِيثِ ابنِ أبي أُنَيسَةَ. ولأنَّه وَثِيقَة بالدَّينِ، فلا يُضْمَنُ، كالزِّيادَةِ على قَدْرِ الدَّينِ، ولأنَّه مَقْبُوضٌ بعَقْدٍ واحِدٍ بَعْضُه أمانَة، فكان جَمِيعُه أمانَةً، كالوَدِيعةِ. وعلى مالكٍ، أنَّ ما لا يُضْمَنُ به العَقارُ، لا يُضْمَنُ به الذَّهَبُ، كالوَدِيعةِ. فأمَّا حَدِيثُ عطاءٍ فهو مُرْسَلٌ، وقَوْلُه يُخالِفُه. قال الدَّارَقُطنيُّ: يَرْويه إسْماعِيلُ بنُ أُمَيَّةَ، وكان كَذَّابًا. وقِيل: يَرْويه مُصْعَبُ
(1) في م: «ذؤيب» .
(2)
ترتيب مسند الشَّافعي 2/ 163، 164.