الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ لَا يُحْصَدُ إلا مَرَّةً، كَالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ، فَهُوَ لِلْبَائِعِ مُبَقَّى إِلَى الْحَصَادِ، إلا أنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ.
ــ
1706 - مسألة: (وإنْ كانَ فيها زَرْعٌ لا يُحْصَدُ إلَّا مَرَّةً؛ كالبُرِّ، والشَّعِيرِ، فهو للبائِعِ مُبَقَّى إلي الحَصَادِ، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَه المُبْتَاعُ)
إذا كان في الأرْضَ زَرْعٌ لا يُحْصَدُ إلَّا مَرَّةً، كالبُرِّ، والقَطَاني (1)، وما المَقْصُودُ منه مُسْتَتِرٌ، كالجَزَرِ، والفُجْلِ، والثُّومِ، وأشْباهِ ذلك، فاشْتَرَطَهُ المُشْتَرِي، فهو له، قَصيلًا كان أو ذَا حَبٍّ، مُسْتَتِرًا أو ظَاهِرًا، مَعْلُومًا أو مَجْهُولًا؛ لكونِه دَخَلَ في البَيعِ تَبَعًا للأرْض، فلم يَضُرَّ جَهْلُه وعَدَمُ كما لِه، كما لو اشْتَرَى شَجَرَةً فاشْتَرَطَ ثَمَرَتَها بعد تَأبِيرِها. وإنْ أطْلِقَ البَيعُ، فهو للبائِعِ، لأنَّه مُودَع في الأرْضِ، فهو كالكَنْزِ، والقُماشِ. وهذا قولُ أبي حَنِيفَةَ، والشّافِعِيِّ. ولا أَعْلَمُ فيه مُخالِفًا. إذا ثَبَتَ ذلك،
(1) القطاني: كل حب يدخر كالعدس والحمص والأرز.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنّه يكونُ للبائِع مُبَقَّى في الأرْضِ إلى الحَصَادِ بغَيرِ أجْرَةٍ؛ لأنَّ المَنْفَعَة حَصَلَتْ مُسْتَثْنَاةَ له، وعليه حَصَادُه في أوَّلِ وَقْتِ حَصَادِه وإنْ كان بَقاؤه أنفَعَ له، على ما نَذْكُرُ في الثَّمَرَة. وبهذا قال الشّافِعِيُّ. وقال أبو حَنِيفَةَ: عليه نَقْلُه عَقِيبَ البَيعِ. كقَوْلِه في الثَّمَرَةِ، وسَنَذْكُرُ ذلك. وهكذا الحُكْمُ في القَصَبِ الفارِسِيِّ (1)؛ لأنَّ له وَقْتًا يُقْطَعُ فيه، إلَّا أنَّ العُروق للمُشتَرِي؛ لأنها تتْرَكُ في الأرْضِ للبَقَاءِ فيها. والقَصَبُ كالثَّمَرَةِ. وإنْ لم يكُنْ ظَهَرَ من القَصَبِ شيء، فهو للمُشْتَرِي. فأمّا قَصَبُ السُّكَّرِ، فهو كالزَّرْعِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ كالقَصَبِ الفارسِيِّ؛ لأنه يُؤخَذُ سَنَةً بعدَ سَنَةٍ. فإنْ حَصَدَه قبلَ أوانِ الحَصادِ ليَنْتَفِعَ بالأرْضِ في غيرِه، لم
(1) القصب الفارسي: البوص.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَمْلِكْ الانْتِفَاعَ بها؛ لأنَّ مَنْفَعَتَها إنَّما حَصلَتْ مُسْتَثْناةً عن مُقْتَضَى العَقْدِ ضَرُورَةَ بَقاءِ الزَّرْعِ، فَتَتَقَدَّرُ ببَقائِه، كالثَّمَرَةِ على الشَّجَرِ، وكما لو كان المَبِيعُ طَعامًا لا يُنْقَلُ مِثْلُه عادَةً إلَّا في شَهْر، لم يُكَلَّفْ إلَّا ذلك، فإن تَكَلَّفَ نَقْلَهُ في أقَلَّ من شَهْر؛ ليَنْتَفِعَ بالدّارِ في غيرِه، لم يَجُزْ، كذا ههُنا. ومتى حُصِدَ الزَّرْعُ وبَقِيَتْ له عُرُوقٌ تَسْتَضِرُّ بها الأرْضُ، فعلى البائِعِ إزَالتها. وإنْ تحَفَّرَتِ الأرْضُ، فعليه تَسْويَةُ حُفَرِها؛ لأنَّه اسْتِصْلاحٌ لمِلْكِه، فهو كما لو باعَ دَارًا فيها خابِيَةٌ كِبيرَة لا تخْرُجُ إلَّا بهَدْمِ البابِ، فهَدَمَه، كان عليه الضَّمانُ، وكذلك كُلّ نَقْص دَخَلَ على مِلْكِ شَخْص لاسْتِصْلاح مِلْكِ آخَرَ من غيرِ إذْنِ الأوَّلِ ولا فِعْلٍ صَدَرَ عنه النَّقْصُ وأسْنِدَ إليه، كان الضَّمانُ على مُدْخِلِ النَّقْصِ (1).
(1) إلى هنا نهاية الجزء الثالث من نسخة جامعة الرياض.
فَصْل: وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤبَّرًا؛ وَهُوَ مَا تَشَقَّقَ طَلْعُهُ، فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ مَتْرُوكًا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ إِلَى الجِذاذِ، إلا أنْ يَشتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ.
ــ
فصل (1): قال الشيخُ، رحمه الله:(ومَنْ باعَ نَخْلًا مُؤبَّرًا؛ وهو ما تَشَقَّقَ طَلْعُه، فالثَّمَرُ للبائِعِ مَتْرُوكًا في رُءُوس النَّخْلِ إلى الجذَاذِ (2)، إلَّا أنْ يَشْتَرِطَهُ المُبْتَاعُ) الإِبارُ: التَّلْقِيحُ. قاله ابنُ عبدِ البَرِّ، إلَّا أنّه لا يكُونُ حتى يَتَشَقَّقَ الطَّلعُ، فَعُبِّرَ به عن ظُهُورِ الثَّمَرَةِ؛ للزُومِه منه. يُقالُ: أبرتُ النَّخْلَةَ -بالتَّخْفِيفِ والتَّشْدِيدِ- فهي مُؤبَّرَة
(1) أول الجزء الرابع من نسخة أحمد الثالث؛ ونشير إليها على أنها الأصل، وتجد أرقام أوراقها في مواضعها من التحقيق.
(2)
اختلف رسم هذه الكلمة في الكتب الثلاثة، فقد جاءت في النسخ الخطية للشرح: الأصل، ق، ر 1:«الجذاذ» بالجيم والذال وهذا يتفق مع النسخة الخطية للمقنع. وفي ر: «الحداد» غير منقوطة. وفي النسخة المطبوعة: «الجزاز» بالجيم والزاي وهو ما يتفق مع رحمها في المغني 6/ 130. وفي متن المبدع: «الجداد» بالجيم والدال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومَأبورَةٌ. ومنه قولُه عليه السلام: «خَيرُ المالِ سِكَّةٌ مَأبورَةٌ» (1). والسِّكَّةُ: النَّخْلُ المَصْفُوفُ. [وأبَرْتُ النَّخْلَةَ آبُرُها أبرًا وإبَارًا، وأبرْتُهَا تأبِيرًا، وتأبَرتِ النَّخْلَةُ، وائْتَبَرَتْ](2). والحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بالظُّهُورِ دونَ نَفْسِ التَّلْقِيحِ؛ ولذلك فَسَّرَه ههُنا به. قال القاضِي: وقد يَتَشَقَّقُ الطَّلْعُ بنَفْسِه، وقد يُشَقِّقُه الصَّعَّادُ فيَظْهَرُ. وأيهما كان فهو المُرادُ ههُنا. وهذا قَوْلُ أكثرِ أهلِ العِلْمِ. وحَكَى ابنُ أبِي مُوسَى رِوَايَةً عن أحمدَ، أنَّه إذا تَشَقَّقَ طَلْعُه ولم يُؤبَّرْ، أنّه للبائِعِ؛ لظاهِرِ الحَدِيثِ. والمَشْهُورُ الأولُ.
وهذه المسألةُ تَشْتَمِلُ على فُصُولٍ؛ أحدُها، أنَّ البَيعَ متى وَقَعَ على نخْل مُثْمِرٍ، ولم يَشْتَرِطِ الثَّمَرَةَ، وكانتِ الثمَرَةُ مُؤبَّرَةً، فهي للبائِعِ. وإن كانت غيرَ مُؤبَّرَةٍ، فهي للمُشْتَرِي. وبهذا قال مالِكٌ، واللَّيثُ، والشّافِعِيُّ. وقال ابنُ أبي لَيلَى: هي للمُشْتَرِي في الحالينِ؛ لأنّها مُتَّصِلَةٌ بالأصْلِ اتِّصَال خِلْقَةٍ، فكانتْ تابِعَةً له؛ كالأغْصَانِ. وقال أبو حَنِيفَةَ،
(1) أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 3/ 268.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأوْزَاعِيُّ: هي للبائِعِ [في الحالينِ](1)؛ لأنه نماءٌ له حَدٌّ، فلم يتْبَعْ أصْلهُ [في البَيع](1)، كالزَّرعِ في الأرضِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَنْ تُؤبَّرَ، فثَمَرَتُها للَّذي بَاعَها، إلَّا أنْ يَشتَرِطَ المُبْتَاعُ» . مُتَّفَقٌ عليه (2). وهذا صَرِيحٌ في رَدِّ قَوْلِ ابنِ أبي لَيلَى، وحُجَّةٌ على أبي حَنِيفَةَ، والأوْزَاعِيِّ بمَفْهُومِه؛ لأنه جَعَلَ التَّأبِيرَ حَدًّا لمِلْكِ البائِعِ للثَّمَرَة، فيكونُ ما قَبْلَه للمُشْتَرِي، وإلَّا لم يكُنْ حَدًّا، ولا كان التَّأبِيرُ مُفِيدًا. ولأنه نماءٌ كامِنٌ، لظُهُورِه غايَةٌ، فكانَ تابِعًا لأصْلِه قبلَ ظُهُورِه [وغيرَ تابع له بعد ظُهورِ](8)، كالحَمْلِ في الحَيَوانِ، فأمّا الأغْصَانُ، فإنّها تَدْخُلُ في اسمِ النَّخْلِ، وليس لانْفِصالِها غايَةٌ، والزَّرْعُ ليس من نماءِ الأرْضِ، وإنَّما هو مُودَعٌ فيها.
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 304.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصلُ الثاني: أنّه مَتَى اشْتَرَطَها أحَدُ المُتَبَايِعَينِ، فهي له، مُؤبَّرَةً كانت أو غيرَ مُؤبَّرَةٍ، البائِعُ والمُشْتري فيه (1) سَواءٌ. وقال مالِكٌ: إنِ اشْتَرَطَها المُشْتَرِي بعد التَّأبِيرِ، جازَ؛ لأنهُ بمَنْزِلَةِ شِرائِها (2) مع أصْلِها، وإنِ اشْتَرَطَها البائِعُ قبلَ التَّأبِيرِ، لم يَجُزْ، لأنَّ ذلك بمَنْزِلَةِ شِرائِه لها قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها بشَرْطِ التبقِيَةِ. ولَنا، أنّه اسْتَثْنَى بَعْضَ ما وَقَعَ عليه العَقْدُ، وهو مَعْلُومٌ، فصَحَّ، كما لو باعَ حائِطًا واسْتَثْنَى نَخْلَةً بعَينها. ولأنه أحَدُ المُتَبَايعَينِ، فصَحَّ اشْتِرَاطُه للثَّمَرَةِ (3)، كالمُشْتَرِي، وقد ثَبَتَ الأصْلُ بالاتِّفاقِ عليه. ولو اشْتَرَطَ أحدُهما (1) جزءًا من الثمَرَةِ مَعْلُومًا، كان كاشْتِراطِ جَمِيعِها في الجَوازِ، في قَوْلِ الجُمْهُورِ. وقال ابنُ القاسِمِ من أصحاب مالِكٍ: لا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَعْضِها؛ لأنَّ الخَبَرَ إنما وَرَدَ باشْتِرَاطِ جَمِيعِها. ولَنا، أنَّ ما جازَ اشْتِراطُ جَمِيعِه، جَازَ اشْتِرَاطُ بَعْضِه، كمُدَّةِ الخِيارِ. وهكذا الحُكْمُ في مالِ العَبْدِ إذا اشْتَرَطَ بَعْضَهُ.
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «مشريها» .
(3)
في الأصل: «للثمن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفصلُ الثالثُ: أنَّ الثَّمَرَةَ إذا بَقِيَتْ للبائِعِ، فله تَرْكُها في الشَّجَرِ إلى أوانِ الجِذاذِ، سَواءٌ اسْتَحَقَّها بشَرْطِه، أو بظُهُورِها. وبه قال مِالِكٌ، والشّافِعِيُّ. وقال أبو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُه قَطْعُها وتَفْرِيغُ النَّخْلِ منها؛ لأنه مَبِيعٌ مَشْغُولٌ بمِلْكِ البائِعِ، فَلَزِمَ نَقْلُه وتَفْرِيغُه، كما لو باعَ دارًا فيها طَعامٌ له أو قُماشٌ. ولَنا، أنَّ النَّقْلَ والتَّفْرِيغَ للمَبِيعِ على حَسَبِ (1) العادةِ، كما لو باعَ دارًا فيها طَعامٌ، لم يَجِبْ نَقْلُه إلَّا على حَسَبِ العادَةِ في ذلك، وهو أنْ يَنْقُلَه نَهارًا، شَيئًا بعد شيءٍ، ولا يَلْزَمُه النَّقْلُ لَيلًا، ولا جَمْعُ دَوَابِّ البَلَدِ لنَقْلِه، كذلك ههُنا، تَفْرِيغُ النَّخْلِ من الثَّمَرَةِ في أوَانِ تَفرِيغِها، وذلك أوانُ جِذاذِها، وقِياسُه حُجَّةٌ لَنَا؛ لما بَيَّناهُ. إذا تَقَرَّرَ هذا، فالمَرْجِعُ في جَذِّه إلى ما جَرَت به العادَةُ، فإنْ كان المَبِيعُ نَخْلًا، فحِينَ تَتَنَاهَى حَلَاوَة ثَمَرِها، وإنْ كان ممّا بُسْرُه خَيرٌ من رُطَبِهِ، أو ما جَرَتِ العادَةُ بأخْذِه بُسْرًا، فإنّه يَجُذُّه حينَ تَسْتَحْكِمُ حَلَاوَةُ بُسْرِه؛ لأنَّ هذا هو العادَةُ، فإذَا اسْتَحْكَمَتْ حَلَاوَتُه، فعليه قَطْعُه. وإنْ قيلَ: بَقاؤه في شَجَرِه خَيرٌ له وأبقَى. لم يَمْنَعْ وجُوبَ القَطْعِ؛ لأنَّ العادَةَ في ذلك قد وُجِدَت، فليس له إبْقاؤه بعد ذلك. وإنْ كان المَبِيعُ عِنَبًا أو فاكِهَةً سِوَاهُ فأخذُه حينَ يَتَنَاهَى إدْراكُه ويُجَذُّ مِثْلُه. وهذا قَوْلُ مالِكٍ، والشّافِعِيِّ.
(1) بعده في م: «العرف و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنْ أُبِّرَ بَعْضُه دونَ بَعْض، فما أُبِّرَ للبائِعِ، وما لم يُؤبَّرْ للمُشْتَرِي. نَصَّ عليه أحمدُ، واخْتارَه أبو بكْرِ؛ للخَبَرِ الذي عليه مَبْنَى هذه المَسْألةِ. وقال ابنُ حامِدٍ: الكُلُّ للبائِعِ. وهو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ، لأنَّا إذا لم نجْعَلِ الكُلَّ للبائِعِ أدَّى إلى الإِضْرارِ، باشْتِرَاكِ الأيدِي، فيَجِبُ. أنْ نَجْعَلَ ما لم يُؤبَّرْ تَبَعًا لما أُبِّرَ، كثَمَرِ النَّخْلَةِ الواحِدَةِ، إذا أُبِّرَ بَعْضُها فإنَّ الجَمِيعَ للبائِعِ بالاتِّفاقِ، وقد يَتْبَعُ الباطِنُ الظّاهِرَ منه، كأساساتِ الحِيطانِ تَتْبَعُ الظَّاهِرَ منه. وهذا الخِلافُ في النَّوْعِ الواحِدِ؛ لأنَّ الظّاهِرَ أنّه يَتَقَارَبُ ويَتَلاحَقُ فيَخْتَلِطُ، فأمّا إنْ أُبِّرَ نَوْع، لم يَتْبَعْهُ النَّوْعُ الآخَرُ. ولم يُفَرِّقْ أبو الخَطَّابِ بين النَّوْعِ والجِنْسِ كُلِّه. وهو ظاهِرُ مذهبِ الشّافِعِيِّ؛ لأنَّه يُفْضِي إلى سوءِ المُشَارَكَةِ واخْتِلافِ الأيدِي، كما في النَّوْعِ الواحِدِ. والأشبهُ الفَرْقُ بين النَّوْعِ والنَّوْعينِ، لأنَّ النَّوْعَينِ يَتَباعَدَانِ، ويَتَمَيَّزُ أحَدُهما عن الآخَر، ولا يُخْشَى اخْتِلاطُهما، أشْبَها الجِنْسَينِ. وما ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بالجِنْسينِ، ولا يَصِحُّ الِقياسُ على النَّوْعِ الواحِدِ؛ لافْتِراقِهما فيما ذَكَرْنا. ولو باعَ حائِطَينِ قد أَبَّرَ أحَدَهُما، لم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَتْبَعْه لآخَرُ؛ لأنَّه لا (1) يُفْضِي إلى سُوءِ المُشارَكَةِ واخْتِلافِ الأيدِي؛ لانْفِرادِ كُلِّ واحِدٍ منهما عن صاحِبِه. ولو أَبَّرَ بَعْض الحائِطِ، فأفرَدَ بالبَيعِ ما لم يُؤبَّرْ، فللمَبِيعِ حُكْمُ نَفْسِه، ولا يَتْبَعُ غيرَه. وخَرَّجَ القاضِي وَجْهًا في أنَّه يَتْبعُ غيرَ المَبِيعِ، فيكونُ للبائِعِ، كما لو باعَ الحائِطَ كُلَّه. وهو أحَدُ الوَجْهَينِ لأصْحابِ الشّافِعِيِّ. ولَنا، أنَّ المَبِيعَ لم يُؤَبَّرْ منه شيءٌ، فوَجَبَ أنْ يكونَ للمُشْتَرِي؛ لمَفْهُومِ الحَدِيثِ، وكما لو كان مُنْفَرِدًا في بُسْتانٍ وَحْدَه. ولأنَّه لا يُفْضِي إلى سُوءِ المُشارَكَةِ، ولا اخْتِلافِ الأيدِي، ولا إلى ضَرَرٍ، فبَقِيَ على حُكْمِ الأصْلِ. فإنْ بيعَتِ النَّخْلَةُ المُوبَّرَةُ كُلُّها أو بَعْضُها، ثم حَدَثَ طَلْعٌ، فهو للمُشْتَرِي؛ لأَنَّه حَدَثَ في مِلْكِه، أشْبَهَ ما لو حَدَثَ بعد أخْذِ الثَّمَرَةِ، ولأنَّ ما أطْلَعَ بعدَ تَأبِيرِ غيرِه لا يَكادُ يَشْتَبِهُ به (1)؛ لتَباعُدِ ما بَينَهُما.
فصل: وطَلْعُ الفُحَّالِ (2) كطَلْعِ الإِناثِ فيما ذَكَرْنَا. وهو ظاهِرُ كلامِ الشَّافِعِيِّ. ويَحْتَمِلُ أنَّه للبائِعِ بكُلِّ حالٍ؛ لأنَّه (3) يُؤخَذُ للأكلِ
(1) سقط من: م.
(2)
الفُحَّال؛ بضم الفاء المعجمة وتشديد الحاء: ذكر النخل.
(3)
بعده في م: «قد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبلَ ظُهورِه، فهو كثَمَرَةٍ لا تُخْلَقُ إلَّا ظاهِرَةً، كالتِّينِ، ويكونُ ظُهُورُ طَلْعِه كظُهُورِ ثَمَرَةِ غَيرِه. ولنا، أنّها ثَمَرَةُ نَخْلٍ إذا تُرِكَتْ ظَهَرَت، فهي كالإِناثِ، ولأنَّه يَدْخُلُ في عُمومِ الخَبَرِ. وما ذُكِرَ للوَجْهِ الآخَر لا يَصِحُّ، فإنَّ أكْلَه ليس هو المَقْصُودَ منه، وإنّما يُرادُ للتَّلْقِيحِ به، وذلك يكونُ بعد ظُهُورِه، فأشْبَهَ طَلْعَ الإِناثِ. فإنْ باعَ نَخْلًا فيه فُحَّالٌ وإناثٌ لم يَتَشَقَّقْ منه شيء، فالكُلُّ للمُشْتَرِي، إلَّا على الوَجْهِ الآخَر، فإنَّ طَلْعَ الفُحَّالِ يكونُ للبائِعِ. وإنْ تَشَقَّقَ طَلْعُ (1) أحَدِ النَّوْعَينِ دون الآخَر، فما تَشقَّقَ للبائِعِ، وما لم يَتَشَقَّقْ للمُشْتَرِي، إلَّا عندَ مَنْ سَوَّى بينَ الأنْوَاعِ كُلها.
فصل: وكُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ يَجْرِي مَجْرَى البَيعِ، في أنَّ الثَّمَرَةَ المُؤبَّرَةَ تكُونُ لمَن انْتَقَلَ عنه الأصْلُ، وغيرَ المُوبَّرَةِ لمَن انْتَقَلَ إليه، مثلَ أن يُصْدِقَ المَرْأة نَخْلًا، أو يَخْلَعَها به، أو يَجْعَلَهُ عِوَضًا في إجارَةٍ أو عَقْدِ صُلْح؛ لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فجَرَىَ مَجْرَى البَيعِ. وإنِ انْتَقَلَ بغَيرِ مُعاوَضَةٍ، كالهِبَةِ، والرَّهْنِ، أو فَسْخٍ لأجْلِ العَيب، أو فَلَس المُشْترِي، أو رُجُوعِ الأبِ في هِبَةِ وَلَدِه، أو تَقَايَلَا البَيعَ، أَو كان صَداقًا
(1) سقط من: م.