الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَرْجِعُ فِي الْكَيلِ وَالْوَزْنِ إِلَى عُرْفِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَمَا لا عُرْفَ لَهُ بهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُعْتَبَرُ عُرْفة فِي مَوْضِعِهِ،
ــ
لأَنَّهما لم يَتَسَاوَيا في حالِ الكَمالِ، ولأنَّه يَتَجَافَى في المِكْيالِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «التَّمْر بالتَّمْرِ [مُدْى بمُدْىٍ](1). ولأنَّهُما تَسَاوَيَا في حالٍ على وَجْهٍ لا يَنْفَرِدُ أحَاهما بالنُّقْصَانِ، فجازَ، كما لو كان في كلِّ واحِدٍ نَواة. ويجوز بَيع النَّوَى بالنَّوى كَيلًا كذلك.
1694 - مسألة: (والمَرْجِعُ في الكَيلِ والوَزْنِ إلى عُرْفِ أهْلِ الحِجَازِ في زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وما لا عُرْفَ لهم به
(2)، ففيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، يُعْتَبَر عُرْفُه في مَوْضِعِه) ولا يُرَدُّ إلى أَقْرَبِ الأشْيَاءِ شَبَهًا به
(1) في م: «مدًّا بمد» . والحديث تقدم تخريجه في صفحة 23.
(2)
أي بالحجاز. المبدع 4/ 147.
وَالْآخَرُ يُرَدُّ إِلَى أقْرَبِ الْأَشْيَاءِ شَبَهًا بِهِ بِالحِجَازِ.
ــ
بالحِجازِ، ونحوُ هذا مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ. وقال أبو حَنِيفَةَ: الاعْتِبارُ في كُلِّ بلَدٍ بعَادَتِه. ولَنا، ما رَوَى [عبدُ اللهِ بنُ عمرَ] (1) عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:«المِكْيَالُ مِكْيالُ المَدِينَةِ، والمِيزَانُ مِيزَانُ مَكَّةَ» (2). والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنّما يُحْمَلُ كلامُه على بَيانِ الأَحْكام. ولأَنَّ ما كان مَكِيلًا بالحجازِ في زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ التَّحْرِيمُ إليهَ في تَفَاضُلِ الكَيلِ، فلا يجوزُ أنْ يَتَغَيَّرَ بعد ذلك، وهكذا الوَزْنُ. فأمّا ما لا عُرْفَ له بالحِجَازِ، ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما (يُرَدُّ إلى أقْرَبِ الأَشْيَاءِ شَبَهًا به بالحِجَازِ) كما أنَّ الحَوادِثَ تُرَدُّ إلى أَشْبَهِ المَنْصُوصِ عليه بها، وهو القِيَاسُ. والثانِي، يُعْتَبَرُ عُرْفُه في مَوْضِعِه؛ لأنَّ ما لم يكُنْ له في الشَّرْعِ حَدٌّ، يُرْجَعُ فيه إلى العُرْفِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالقَبْضِ، والحَرْزِ، والتَّفَرُّقِ. وعلى هذا، إنِ اخْتَلَفَتِ البِلادُ، فالاعْتِبَارُ بالغالِبِ، فإنْ لم يكُنْ غالِبٌ، تَعَيَّنَ الوَجْهُ الأولُ. ومَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كهَذينِ الوَجْهَينِ.
فصل: والبُرُّ والشَّعِيرُ مَكِيلانِ، مَنْصُوصٌ عليهما بقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«البُرُّ بالبُرِّ كَيلًا بكَيلٍ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ كَيلًا بكَيلٍ» (1). وكذلك سائِرُ الحُبُوب، والأبازِيرِ، والأُشْنَانُ والجِصُّ والنُّورَةُ وما أشبَهَها. والتَّمْرُ مَكِيلٌ، وهو من المَنْصُوصِ عليه، وكذلك سائِرُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ من الرُّطَبِ والبُسْرِ وغيرِهما، وسائِرُ ما تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ من الثِّمارِ؛
(1) تقدم تخريجه في صفحة 23.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مثلَ الزَّبِيبِ، والفُسْتُقِ، والبُنْدُقِ، واللَّوْزِ، والعُنَّابِ، والمِشْمِشِ، والزَّيتُونِ، والبُطْمِ. والمِلْحُ مَكِيلٌ، وهو من المَنْصُوصِ عليه بقَوْلِه عليه السلام:«المِلْحُ بالمِلْحِ [مُدْىٌ بمُدْىٍ] (1)» . والذَّهَبُ والفِضَّةُ مَوْزُونانِ بقَوْلِه عليه السلام: «الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ وَزْنًا بوَزْنٍ» (2). وكذلك ما أَشْبَهَهُما من جَواهِرِ الأرْضِ؛ كالحَدِيدِ، والرَّصَاصِ، والصُّفْرِ، والنُّحاسِ، والزُّجاج، والزِّئْبَقِ. وكذلك الإِبرِيسَمُ، والقُطْنُ، والكَتَّانُ، والصُّوفُ، وغزْلُ ذلك، وما أَشْبَهَه.
(1) في م: «مدا بمد» .
والحديث تقدم تخريجه في صفحة 23.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 23.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنه الخبزُ، واللَّحْمُ، والشَّحْمُ، والجُبْنُ، والزُّبْدُ، والشَّمْعُ، والزَّعْفَرَانُ، والعُصْفُرُ، والوَرْسُ، وما أشْبَهَ ذلك.
فصل: والدَّقِيقُ والسَّويقُ مَكِيلانِ؛ لأَنَّ أَصْلَهُما مَكِيلٌ، ولم يُوجَدْ ما يَنْقُلُهما عنه، ولأَنَّهُما يُشْبِهانِ ما يُكَالُ. وذكَرَ القاضِي في الدَّقِيقِ، أنّه يَجُوزُ بَيعُ بَعْضِه بِبَعْضٍ وَزْنًا، ولا يَمْتَنِعُ أنْ يكونَ مَوْزُونًا، وأَصْلُه مَكِيلٌ، كالخُبْزِ. ولَنا، ما ذَكَرْناهُ، ولأنَّه يُقَدَّرُ بالصّاعِ، بدَلِيلِ أنّه يُخْرَجُ في الفِطْرِ صَاعٌ من دَقِيقٍ، وقد جاءَ ذلك في الحَدِيثِ. والصّاعُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنّما يُقَدَّرُ به المَكِيلاتُ، وعلى هذا يكونُ الأَقِطُ مَكِيلًا؛ لأنَّ في حَدِيثِ صَدَقَةِ الفِطْرِ: صاعٌ من أَقِطٍ (1). فأمَّا اللَّبَنُ وغَيرُه من المائِعَاتِ؛ كالأدْهانِ، من الزَّيتِ، والشَّيرَجِ، والعَسَلِ، والدِّبْسِ، والخَلِّ، ونحو ذلك، فالظّاهِرُ أنَّها مَكِيلَة. قال القاضِي في الأَدْهانِ: هي مَكِيلَةٌ. وفي اللَّبَنِ: يَصِحُّ السَّلَمُ فيه كَيلًا. وقال أصحابُ الشّافِعِيِّ: لا يُبَاعُ اللَّبَنُ بَعْضُه بِبَعْض إلَّا كَيلًا. وقد رُوِيَ عن أحمدَ، أنّه سُئِلَ عن السَّلَفِ في اللَّبَنِ، فقال: نعم، كَيلًا أو وَزْنًا. وذلك لأنَّ الاءَ مُقَدَّرٌ بالصّاعِ، ولذلك (2) قالُوا: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بالمُدِّ، ويَغْتَسِلُ بالصّاعِ (3)، ويَغْتَسِلُ هو وزَوْجَتُه من الفَرَقِ (4). وهذه مَكايِيلُ قُدرَ بها الماءُ، وكذلك سائِرُ المائِعاتِ. ورُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه نَهَى عن بَيعِ ما في ضُرُوعِ الأَنْعَامِ
(1) تقدم تخريجه في 7/ 80.
(2)
في الأصل، ق:«كذلك» .
(3)
تقدم تخريجه في 2/ 144، 145.
(4)
تقدم تخريجه في 2/ 148.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلَّا بكَيلٍ. روَاهُ ابنُ ماجَه (1). وأمّا غيرُ المَكِيلِ والمَوْزُونِ، فما لم يكُنْ له أصْلٌ بالحِجازِ في كيل ولا وَزْنٍ، ولا يُشْبِهُ ما جَرَى فيه عُرْفٌ بذلك، [كالثِّيابِ، والحَيَوانِ](2)، والمَعْدُودَاتِ؛ من الجَوْزِ، والبَيضِ، والرُّمَّانِ، والقِثَّاءِ، والخِيَارِ، وسائِرِ الخُضَرِ، والبقُولِ، والسَّفَرْجَلِ، والتُّفّاحِ، والكُمَّثْرَى، والخَوْخِ، ونحوها، فهذه إذا اعْتَبَرْنا التَّماثُلَ فيها، فإنّه يُعْتَبَرُ في الوَزْنِ؛ لأنَّه أخْصَرُ. ذَكَرَه القاضِي في الفَواكِهِ الرَّطْبَةِ. وهو أحَدُ الوَجْهَينِ لأَصْحابِ الشّافِعِيِّ. والآخَرُ، قالُوا: يُعْتَبَرُ ما أَمْكَنَ كَيلُه بالكَيلِ؛ لأنَّ الأَصْلَ الأَعْيَانُ الأرْبَعَةُ، وهي مَكِيلَةٌ، ومن شأْنِ الفرْعِ أنْ يُرَدَّ إلى أصْلِه بحُكْمِه، والأصْلُ حُكْمُه تحريمُ التَّفاضُلِ بالكَيلِ، فكذلك يكونُ حُكْمُ فُرُوعِها (3). ولَنا، أنَّ الوَزْنَ أَخْصَرُ، فوَجَبَ اعْتِبارُه في غيرِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ، كالذي لا يُمكِنُ كَيلُه، وإنَّما اعْتُبرَ الكَيلُ في المَنْصُوص؛ لأَنَّه يُقدَّرُ به في العادَةِ، وهذا بخِلافِه.
(1) في: باب النهي عن شراء ما في بطون الأنعام وضروعها وضربة الغائص، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 740.
(2)
في الأصل، ق، م:«كالنبات والحبوب» .
(3)
في م: «فروعه» .
فَصْلٌ: وَأمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ، فَكُلُّ شَيئَينِ لَيسَ أحَدُهُمَا ثَمَنًا، عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ، كَالْمَكِيلِ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ بِالْمَوْزُونِ، لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا، وَإنْ تَفرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ، بَطَلَ الْعَقْدُ.
ــ
فصل: قال، رضي الله عنه:(وأمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ، فكلُّ شَيئَينِ ليس أحَدُهما ثَمَنًا، عِلَّة رِبَا الفَضْلِ فيهما واحِدَةٌ؛ كالمَكِيلِ بالمَكِيلِ، والمَوْزونِ بالمَوْزونِ، لا يجوز النَّساءُ فيهما، وإنْ تَفَرَّقَا قبلَ التَّقائضِ، بطلَ العَقْدُ) متى كان أحَدُ العِوَضَينِ ثمنًا، والآخَر مُثَمَّنًا، جازَ النَّساءُ بَينَهما بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّ الشَّرْعَ أرْخصَ في السَّلَمِ، والأصْل في رَأْسِ مالِ السَّلَمِ الدَّراهِمُ والدَّنانِير، فلو حَرم النَّساءُ ها هنا، لانْسَدَّ بابُ السَّلَمِ في المَوْزونَاتِ، في الغالِبِ. وإنْ لم يكنْ أحَدُهما ثمنًا، فكلُّ شَيئَينِ يَجْرِي فيهما الرِّبَا بعِلّةٍ واحِدَةٍ؛ كالمَكِيلِ بالمَكِيلِ، والمَوْزونِ بالمَوزونِ، والمَطْعُومِ بالمَطْعُومِ عند مَنْ يُعَلِّل به، يَحْرُمُ بَيعُ أحَدِهما بالآخَرِ نسِيئَةً، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه؛ لقَوْلِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم:«فإذا اخْتَلَفَتْ هذه الأصْنَافُ، فبِيعوا كَيفَ شِئْتم يَدًا بِيَدٍ» (1). وفي لَفْظٍ: «لا بَأْسَ بِبَيع
(1) تقدم تخريجه في صفحة 9.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الذَّهَبِ بالفِضَّةِ -والفِضَّةُ أكْثَرُهما- يدًا بِيَدٍ، وأمّا النَّسِيئَةُ فلَا، ولا بَأْسَ بِبَيعِ البُرِّ بالشَّعِيرِ -والشَّعِيرُ أكْثَرُهما- يدًا بِيَدٍ، وأمّا النَّسِيئَةُ فلا». رَواهُ أبو داودَ (1).
فصل: وإنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ، بَطَلَ العَقْدُ. وبه قال الشّافِعِيُّ. وقال أبو حَنِيفَةَ: لا يُشْتَرَطُ التَّقابُضُ في غيرِ النَّقْدَينِ؛ لأنَّ ما عَداهُما ليس بأَثْمانٍ، فلم يُشتَرَطِ التَّقابُضُ فيهمأ، كغَيرِ أمْوال الرِّبَا، وكبيعِ ذلك بأحَدِ النَّقْدَينِ. ولَنا (2)، قَوْلُه عليه السلام:«فإذا اخْتَلَفَتْ هذه الأصْنَافُ فبيعُوا كيفَ شِئْتُم يَدًا بِيَدٍ» . فالمُرادُ به القَبْضُ. ولأَنَّهُما مالانِ من أمْوالِ الرِّبَا عِلَّتُهما واحِدَةٌ، فحَرُمَ التَّفَرُّقُ بينهما قبلَ القَبْضِ، كالذَّهَبِ بالفِضَّةِ.
(1) تقدم ضمن التخريج في صفحة 9.
(2)
في الأصل، ق، م:«أما» .