الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أَسْلَمَ إِلَى مَحِلِّ يُوجَدُ فِيهِ عَامًّا، فَانْقَطَعَ، خُيِّرَ بَينَ الصَّبْرِ وَبَينَ
ــ
وهو قَوْلُ مالِكٍ، والشّافِعِيِّ، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال الثَّوْرِيُّ، والأوْزَاعِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْي: يُشْتَرَط أنْ يكونَ جِنْسُه مَوْجُودًا حال العَقْدِ إلى حالِ المَحِلِّ؛ لأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ يَجُوز أنْ يكونَ مَحِلًّا للمُسْلَم فيه لمَوْتِ المُسْلَمِ إليه، فاعْتُبِرَ وُجُودُه فيه، كالمَحِلِّ. ولَنا، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المَدِينَةَ وهم يُسْلِفُونَ في الثِّمارِ [السَّنةَ والسَّنَتَين](1)، فقال:«مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ في كَيلٍ مَعْلُومٍ، ووَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلى أجَلٍ معْلُومٍ» (2). ولم يَذْكُرِ الوُجُودَ، ولو كان شَرْطًا لذَكَرَه، ولَنَهاهُم عن السَّلَفِ سَنَتَينِ (3)؛ لأَنَّه يَلْزَمُ منه انْقِطاعُ المُسْلَمِ فيه أوْسَطَ السَّنَةِ، ولأنَّه (4) يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ، ويُوجَدُ في مَحِلِّه غالِبًا، أشْبَه المَوْجُودَ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ الدَّينَ يَحِلُّ بالمَوْتِ، وإنْ سَلَّمْنا، فلا يَلْزَمُ أنْ يشْتَرِطَ ذلك الوُجُودَ، إذْ لو لَزِمَ أفْضَى إلى أنْ تكُونَ آجالُ السَّلَمِ مَجْهُولَةً، والمَحِلُّ ما جَعَلَة المُتَعاقِدَانِ مَحِلًّا، وههنا لم يَجْعَلَاهُ.
1740 - مسألة: (وإنْ أَسْلَمَ إلى مَحِلٍّ يُوجَدُ فيه عَامًّا، فانْقَطَعَ
،
(1) في م: «السنتين والثلاث» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 218.
(3)
في ر: «سنين» .
(4)
في م: «لا» .
الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِرأَسِ مَالِهِ، أَو عِوَضِهِ إِنْ كَانَ مَعْدُومًا، فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ. وَفِي الْآخَرِ، يَنْفسِخُ بِنَفْسِ التَّعَذُّرِ.
ــ
خُيِّرَ بينَ الصَّبْرِ وبينَ الفَسْخِ والرُّجُوعِ برَأْسِ مالِه، أو عِوَضِه إنْ كان مَعْدُومًا، في أحَدِ الوَجْهَينِ. وفي الآخَرِ، يَنْفَسِخُ بنَفْسِ التَّعَذُّرِ) وجُمْلَةُ ذلك، أنّه إذا (1) تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ المُسْلَمِ فيه عندَ مَحِلِّه، إمّا لغَيبَةِ المُسْلَمِ إليه، أو عَجْزِه عن التَّسْلِيمِ حتى عَدِمَ المُسْلَمَ فيه، أو لم تَحْمِلِ الثّمارُ تلك السنَةَ، فالمُسْلِمُ بالخِيَارِ بينَ الصَّبْرِ إلى أنْ يُوجَدَ فيُطَالِبَ به، وبينَ أن يَفْسَخَ العَقْدَ ويَرْجِعَ بالثَّمَنِ إن كان مَوْجُودًا، أو بمِثْلِه إنْ كان مِثْلِيًّا، وإلَّا قِيمَتِه. وبذلك قال الشافعيُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. وفيه وَجْهٌ آخرُ، أنَّه يَنْفَسِخُ بنَفْسِ التَّعَذُّرِ، لكَوْنِ المُسْلَمِ فيه من ثَمَرَةِ العامِ،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بدَلِيلِ وجُوبِ التَّسْلِيمِ منها (1)، فإذا هَلَكَتِ انْفَسَخَ العَقْدُ به (2)، كما لو باعَهُ قَفِيزًا من صُبْرَةٍ فهَلَكَتْ. والأَوَّلُ أصَحُّ؛ فإنَّ العَقْدَ قد صَحَّ، وإنَّما تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ، فهو كَمن اشْتَرَى عَبْدًا فأبَقَ قبلَ القَبْضِ. ولا يَصِحُّ دَعْوَى التَّعْيِينِ في هذا العامِ، فإنَّهُما لو تَرَاضَيَا على دَفْعِ المُسْلَمِ فيه من غيرِها، جازَ، وإنّما أُجْبِرَ على دَفْعِهِ من ثمَرَةِ العامِ؛ لتَمَكُّنِه من دَفْعِ ما هو بصِفةِ (3) حَقِّه، ولذلك يَجِبُ عليه (4) الدَّفْعُ من ثمَرَةِ نَفْسِه إذا قَدَرَ ولم يَجِدْ غَيرَها، وليست مُتَعَيِّنَةً. فإن تَعَذَّرَ البَعْضُ، فللمُشْتَرِي الخِيارُ بينَ الفَسْخِ في الكُلِّ والرُّجوعِ بالثَّمَنِ، وبينَ أن يَصبِرَ إلى حينِ الإمكانِ ويُطالِبَ بحَقِّه. فإن أحبَّ الفَسْخَ في المُتَعَذِّرِ وَحْدَه، فله ذلك؛ لأنَّ الفَسَادَ طَرَأ بعدَ صِحَّةِ العَقْدِ، فلم يُوجِبِ الفَسادَ في الكُلِّ، [كما لو اشترى صُبْرَتَينِ فَتَلِفَتْ إحداهما. وفيه وجهٌ آخرُ، ليس له الفَسْخُ إلَّا في الكُل](5) أو يَصْبِرُ، على ما نَذْكُرُه من الخِلافِ في الإقَالةِ في بَعْضِ السَّلَمِ.
(1) في الأصل: «منهما» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في ر 1، م:«نصف» .
(4)
سقط من: م.
(5)
سقط من: م.
فَصْلٌ: السَّادِسُ، أَنْ يَقْبِضَ رأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ.
ــ
وإنْ قُلْنا: إنَّ الفَسْخَ يَثْبُتُ بنَفْسِ التَّعَذُّرِ. انْفَسَخَ في المَفْقُودِ (1) دونَ المَوْجُودِ؛ لما ذَكَرْنا من أنَّ الفَسَادَ الطَّارِئَ على بَعْضِ المَعْقُودِ عليه لا يُوجِبُ فسادَ الجَمِيعِ، ويَثْبُتُ للمُشْتَرِي خِيَارُ الفَسْخِ في المَوْجُودِ، كما ذَكَرْنَا في الوَجْهِ الأَوَّلِ.
فصل: وإذا أسْلَمَ ذِمِّيٌّ إلى ذِمِّيٍّ في خَمْرٍ، ثم أسْلَمَ أحَدُهما. فقال ابنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ من نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، أنَّ المُسْلِمَ يَأْخُذُ دَراهِمَه؛ لأنَّه إنْ كان المُسْلِمُ المُسَلِّمَ فليس له اسْتِيفاءُ الخَمْرِ، فقد تَعَذَّرَ اسْتِيفاءُ المَعْقُودِ عليه، وإن كان الآخَرُ فقد تَعَذَّرَ عليه الإيفَاءُ، فصارَ الأمْرُ إلى رَأْسَ مَالِه.
فصل: الشّرْطُ (السّادِسُ، أنْ يَقْبِضَ رَأْسَ مالِ السَّلَمِ في مَجْلِسِ
(1) في م: «المعقود» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العَقْدِ) فإنْ تَفَرَّقَا قبلَ ذلك، بَطَلَ العَقْدُ (1). وبذلك قال أبوٍ حَنِيفَةَ، والشافعيُّ. وقال مالِكٌ: يَجُوزُ أنْ يَتَأَخَّرَ قَبْضُه يَوْمَينِ وثَلاثة وأكْثَرَ، ما لم يكُنْ ذلك شَرْطًا؛ لأَنَّه مُعَاوَضَةٌ لا تَخْرُجُ بتَأْخِيرِ قَبْضِه من أنْ تكونَ سَلَمًا، فأشْبَهَ تَأْخِيرَه إلى آخِرِ المَجْلسِ. ولَنا، أنّه عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لا يَجُوزُ فيه شَرْطُ تَأْخِيرِ العِوَضِ المُطْلَقِ، فلا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ فيه قبلَ القَبْضِ، كالصَّرْفِ، ولا يَصِحُّ قِياسُه على المَجْلِسِ، بدَلِيلِ الصَّرْفِ. وإنْ قَبَضَ بَعْضَه ثمَّ تَفَرَّقَا، فكَلامُ الخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أنْ لا يَصِحَّ. وحُكِيَ ذلك عن ابنِ شُبْرُمَةَ، والثَّوْرِيِّ. وقال أبو الخَطَّابِ: هل يَصِحُّ في غيرِ (1) المَقْبُوضِ؟ على وَجْهَينِ، بِناءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وهذا الذي يَقْتَضِيهِ مَذْهبُ الشافعيِّ. وقد نَصَّ أحمدُ في رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُور، إذا أَسْلَمْتَ ثلاثمائةِ دِرْهَمٍ في أصْنافٍ شَتَّى؛ مائَةً في حِنْطَةٍ، ومائَة في شَعِيرٍ، ومائَةً في شيءٍ آخرَ، فخَرَجَ فيها زُيُوفٌ، رُدَّ على الأصْنافِ الثَّلَاثَةِ، على كُلِّ صِنْفٍ بقَدْرِ ما وُجِدَ من الزُّيُوفِ. فصَحَّحَ العَقْدَ في الباقِي بحِصَّتِه من الثَّمَنِ. وقال الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، في مَن أسْلَفَ ألْفًا إلى رَجُلٍ، فَقَبَّضَهُ نِصْفَهُ، وأحَاله بنِصْفِه، أو كان له دَينٌ على المُسْلَمِ إلَيهِ بقَدْرِ نِصْفِه،
(1) زيادة من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فحَسَبَهُ عليه من الأَلْفِ، صَحَّ السَّلَمُ في النِّصْفِ المَقْبُوضِ، وبَطَلَ في الباقِي. وحُكِيَ عن أبي حَنِيفَةَ أنّه قال: يَبْطُلُ في الحَوَالةِ في الكُلِّ. وفي المسألِة (1) الأُخْرَى؛ يَبْطُلُ فيما لم يُقْبَضْ وحدَه، بناءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
فصل: وإنْ قَبَضَ الثَّمَنَ، فوَجَدَه رَدِيئًا فَردَّهُ، والثَّمَنُ مُعَيَّنٌ، بَطَلَ العَقْدُ برَدِّهِ، فإن كان الثَّمَنُ أحَدَ النَّقْدَينِ، وقُلْنا: تَتَعَيَّنُ النُّقُودُ بالتَّعْيِينِ، بَطَلَ، ويَبتَدِئانِ عَقْدًا آخَرَ إنِ اخْتَارَا (2). وإن كان في الذِّمَّةِ، فله إبْدَالُه في المَجْلِسِ، ولا يَبْطُلُ العَقْدُ برَدِّهِ؛ لأنَّ العَقْدَ إنَّما وَقَعَ على ثَمَن سَلِيم،
(1) في الأصل: «المسلمة» .
(2)
في م: «اختاره» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإذا دَفَع إليه مَعِيبًا، كان له رَدُّه والمُطَالبَةُ بالسَّلِيمِ، ولم يُؤَثِّرْ قَبْضُ المَعِيبِ في العَقْدِ. وإن تَفَرَّقَا، ثم عَلِم (1) عَيبَه، فَرَدَّه، ففيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، يَبْطُلُ العَقْدُ برَدِّهِ؛ لوُقُوعِ القَبْضِ بعدَ التَّفَرُّقِ. والثانِي، لا يَبْطُلُ؛ لأنَّ القَبْضَ الأوَّلَ كان صَحِيحًا، بدَلِيلِ ما لو أمْسَكَه ولم يَرُدَّه، وهذا بَدَلٌ (2) عن المَقْبُوضِ. وهذا قَوْلُ أبي يُوسُفَ، ومحمدٍ. وأحَدُ قَوْلَي الشافعيِّ. واخْتِيارُ المُزَنِيِّ، لكنْ من شَرْطِهِ أنْ يَقْبِضَ البَدَلَ في مَجْلِسِ الرَّدِّ. فإن تَفَرَّقَا عن مَجْلِسِ الرَّدِّ قبلَ قَبْضِ البَدَلِ، بَطَلَ، وَجْهًا واحِدًا؛ لخُلُوِّ العَقْدِ عن قَبْضِ الثَّمَنِ بعدَ تَفَرُّقِهما. فإن وَجَدَ بعضَ الثَّمَنِ رَدِيئًا فرَدَّه، ففي المَرْدُودِ ما ذَكَرْنا من التَّفْصِيلِ. وهل يَصِحُّ في غيرِ الرَّدِئِ إذا قُلْنا بفَسادِه في الرَّدِئِ؟ على وَجْهَينِ، بناءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
(1) في م: «علمنا» .
(2)
في م: «يدل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإن ظَهَرَتِ الدَّرَاهِمُ مُسْتَحَقَّةً، والثَّمَنُ مُعَيَّنٌ، لم يَصِحَّ. قال أحمدُ: إذا خَرَجَتِ الدَّرَاهِمُ مَسْرُوقَةً، فليس بينهما بَيعٌ. وذلك لأنَّ الثَّمَنَ إذا كان مُعَيَّنًا (1) فقد اشْتَرَى بعَينِ [مالِ غيرِه](2) بغيرِ إذْنِه، وإنْ كان غيرَ مُعَيَّن، فله المُطَالبَةُ بِبَدَلِه في المَجْلِسِ. وإنْ قَبَضَه ثم تَفَرَّقَا، بَطَلَ العَقْدُ؛ لأنَّ المَقْبُوضَ لا يَصْلُحُ عِوَضًا، فقد تَفرَّقَا قبلَ أخْذِ الثَّمَنِ، إلَّا على الرِّوَايَةِ التي تَقُولُ بصِحَّةِ تصَرُّفِ الفُضُولِيِّ. أو أنَّ النُّقُودَ لا تَتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ. وإن وجد بعضه مُسْتَحَقًّا، بَطَلَ العَقْدُ فيه. وفي الباقِي وَجْهانِ (3)، بناءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
فصل: وإنْ كان له في ذِمَّةِ رَجُلٍ دِينارٌ، فجَعَلَه سَلَمًا في طَعَامٍ إلى أجَلٍ، لم يَصِحَّ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ على هذا كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ. ورُوِيَ عن ابنِ عمرَ، أنّه قال: لا [يصْلُحُ ذلك](4). وذلك لأنَّ المُسْلَمَ فيه دَينٌ. فإذا جَعَلَ الثمَنَ دَينًا، كان بَيعَ دَينٍ بدَينٍ،
(1) في ر 1: «معيبا» .
(2)
في ر 1: «ماله» .
(3)
في م: «على وجهين» .
(4)
في م: «يصح لذلك» .