الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنْ شَرَطَ ألا يَبِيعَهُ عِنْدَ الْحُلُولِ، أوْ إِنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ، وَإلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ، لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ. وَفِي صِحَّةِ الرَّهْنِ رِوَايَتَانِ.
ــ
إمْساكُ الرَّهْنِ وحِفْظُه. فإن كان المُتَراهِنانِ أذِنا له في بَيعِ الرَّهْنِ، فقال القاضِي: قِياسُ المَذْهَبِ أنَّ له بَيعَ بَدَلِه؛ لأنَّ له بَيعَ نَماءِ الرَّهْنِ تَبَعًا للأصْلِ، فالبَدَلُ أوْلَى. وقال أصحابُ الشافعيِّ: ليس له ذلك؛ لأنَّه مُتَصَرِّف بالإذْنِ، فلا يَمْلِكُ بَيعَ ما لم يُؤْذَنْ له في بَيعِه، والمَأذُونُ في بَيعِه قد تَلِف، وبَدَلُه غيرُه. وللقاضِي أنَّ يَقُولَ: إنَّه قد أذِنَ له في بَيعِ الرَّهْنِ، والبَدَلُ رَهْنٌ ثَبَتَ له حُكْمُ الأصْلِ مِن كَوْنِه يَمْلِكُ المُطالبَةَ به وإمْساكَه واسْتِيفاءَ دَينه مِن ثَمَنِه، فكذلك بَيعُه. فإن كان البَدَلُ مِن جِنْسِ الدَّينِ، وقد أذِنَ له في وَفائِه مِن ثَمَنِ الرَّهْنِ، مَلَك إيفاءَه منه؛ لأنَّ بَدَلَ الرهْنِ مِن جِنْسِ الدَّينِ، فأشْبَهَ ثَمَنَ المَبِيعِ.
1807 - مسألة: (فإن شَرَط أنَّ لا يَبيعَه عندَ الحُلُولِ، أو إن جاءَه بحَقِّه)
في مَحِلِّه (وإلّا فالرَّهْنُ له، لم يَصِحَّ الشَّرْطُ. وفي صِحَّةِ الرَّهْنِ رِوايَتان) الشرُوطُ في الرَّهْنِ (1) قِسْمان؛ صَحِيحٌ، وفاسِدٌ. فالصَّحِيحُ
(1) في م: «الرهان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مثلَ أنَّ يَشْتَرِطَ كَوْنَه على يَدَيْ عَدْلٍ، أو عَدْلَين، أو أكْثَرَ، أو أنَّ يَبِيعَه العَدْلُ عندَ حُلُولِ الحَق. ولا نَعْلَمُ في صِحَّتِه خِلافًا. فإن شَرَط أنَّ يَبِيعَه المُرْتَهِنُ، صَحَّ. وبه قال أبو حنيفةَ، ومالكٌ. وقال الشافعيُّ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّه تَوْكِيل (1) فيما يَتَنافَى فيه الغَرَضانِ، فلم يَصِحَّ، كما لو وَكَّلَه في بَيعِه مِن نَفْسِه. ووَجْهُ التَّنافِي أنَّ الرّاهِنَ يُرِيدُ الصَّبْرَ على المَبِيعِ والاحْتِياطَ في تَوْفِيرِ الثَّمنِ، والمُرْتَهِنُ يُرِيدُ تَعْجِيلَ الحَق وإنْجازَ البَيعِ. ولَنا، أنَّ (2) ما جاز تَوْكِيلُ غيرِ المُرْتَهِنِ فيه، جاز تَوكِيلُ المُرْتَهِنِ فيه، كبَيعِ عَين أُخْرَى، ولأنَّ مَن جاز أنْ يُشْتَرَطَ له الإِمْساكُ، جاز اشْتِراطُ البَيعِ له، كالعَدْلِ، ولا يَضُرُّ اخْتِلافُ الغَرَضَين إذا كان غَرَضُ المُرْتَهِنِ مُسْتَحَقًّا له، وهو اسْتِيفاءُ الثَّمَنِ عندَ حُلُولِ الحَقِّ وإنْجازُ البَيعِ، على أنَّ الرّاهِنَ إذا وَكَّلَه مع العِلْمِ بغَرَضِه، فقد سَمَح له بذلك، والحَقُّ له، فلا يُمْنَعُ مِن السَّماحَةِ به، كما لو وَكَّلَ فاسِقًا في بَيعِ مالِه وقَبْضِ ثَمَنِه. ولا نُسَلِّمُ أنَّه لا يَجُوز تَوْكِيلُه في بَيعِ شيءٍ مِن نَفْسِه، ولَئِن سَلَّمْنا، فلأنَّ الشَّخْصَ
(1) في م: «وكيل» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الواحِدَ يَكُونُ بائِعًا مُشْتَرِيًا، ومُوجِبًا [وقابِلًا](1)، وقابِضًا مِن نَفْسِه لنَفْسِه، بخِلافِ مسَألَتِنا.
فصل: إذا رَهَنَه أمَةً، فشَرَطا (2) كَوْنَها عندَ امْرَأةٍ، أو ذِي مَحْرَمٍ لها (3)، أو كَوْنَها في يَدِ المُرْتَهِنِ أو أجْنَبِي، على وَجْهٍ لا يُفْضِي إلى الخَلْوَةِ بها، مثلَ أن يَكُونَ لهما زَوْجات، أو سَرارِيّ، أو نِساءٌ مِن مَحارِمِهما معهما في دارِهما، جاز؛ لأنَّه لا يُفْضِي إلى مُحَرَّم. وإن لم يَكُنْ كذلك، فَسَد الشَّرْطُ؛ لإفْضائِه إلى الخَلْوَةِ المُحَرَّمَةِ، فلا يُؤْمَنُ عليها، ولا يَفسُدُ الرَّهْنُ؛ لأنَّه لا يَعُودُ إلى نَقْصٍ ولا ضَرَرٍ في حَقِّ المُتَعاقِدَين، ويَكُونُ الحُكْمُ كما لو رَهَنَها مِن غيرِ شَرْطٍ، يَصِحُّ الرَّهْنُ، ويَجْعَلُها الحاكِمُ على يَدِ مَن تَجُوزُ أنْ تَكُونَ عِنْدَه. وإن كان الرَّهْنُ عَبْدًا، فشَرَطَ مَوْضِعَه، جاز، [وإن لم يَشْتَرِطْ مَوْضِعَه، صَحَّ](4)، كالأمَةِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحَّ؛ لأنَّ للأمَةِ عُرْفًا، بخِلافِ العَبْدِ. والأوَّلُ أصَحُّ،
(1) في م: «قابلا» .
(2)
في ق: «فشرط» .
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «أيضًا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّ الأمَةَ إذا كان المُرْتَهِنُ مِمَّنْ يَجُوزُ وَضْعُها عِنْدَه كالعَبْدِ، وإذا كان مُرْتَهِنُ العَبْدِ امْرَأةً لا زَوْجَ لها، فشَرَطَتْ كَوْنَه عِنْدَها على وَجْهٍ يُفْضِي إلى خَلْوَتِه بها، لم يَجُزْ أيضًا، فاسْتَوَيا.
القسمُ الثّانِي، الشُّرُوطُ الفاسِدَةُ، وهو أنَّ يَشْتَرِطَ ما يُنافِي مُقْتَضَى الرَّهْنِ، نحو أنْ لا يُباعَ الرِّهْنُ عندَ حُلُولِ الحَقِّ، أو لا يُسْتَوْفَى الدَّينُ مِن ثَمَنِه، أو لا يُباعَ ما خِيف تَلَفُه، أو بَيعَ الرَّهْنِ بأيِّ ثَمَن كان، أو أنَّ لا يَبِيعَه إلَّا بما يُرْضِيه. فهذه شُرُوط فاسِدَة؛ لمُنافاتِها مُقْتَضَى العَقْدِ، فإنَّ المَقْصُودَ مع الوَفاءِ بهذه الشُّروطِ مَفْقُودٌ. وكذلك إن شَرَطا الخِيارَ للرّاهِنِ، أو أنَّ لا يَكُونَ العَقْدُ لازِمًا في حَقِّه، أو تَوْقِيتَ الرَّهْنِ، أو أنَّ يَكُونَ رَهْنًا يَوْمًا ويَوْمًا لا، أو كَوْنَ الرَّهْنِ في يَدِ الرّاهِنِ، أو أنْ يَنْتَفِعَ به، [أو يَنْتَفِعَ به](1) المُرْتَهِنُ، أو كَوْنَه مَضْمُونًا على المُرْتَهِنِ أو العَدْلِ، فهذه كلها فاسِدَةٌ؛ لأنَّ منها ما يُنافِي مُقْتَضَى العَقْدِ، ومنها ما لا يَقْتَضِيه العَقْدُ، ولا هو مِن مَصلَحَتِه. وعن أحمدَ، إذا شَرَط في الرَّهْنِ أنَّ يَنْتَفِعَ به المُرْتَهِنُ، أنَّه يَجُوزُ في البَيعِ. قال القاضِي: مَعْناه أنَّ يَقُولَ: بِعْتُك هذا الثَّوْبَ بدِينارٍ، بشَرْطِ أنَّ ترْهَنَنِي عَبْدَكَ يَخْدِمُنِي شَهْرًا. فيَكُونُ بَيعًا وإجارَةً، فهو صَحِيحٌ. وإن أطْلَقَ، فالشَّرْطُ باطِلٌ؛ لجَهالةِ الثَّمَنِ.
(1) سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال مالكٌ: لا بَأْسَ أنَّ يَشْتَرِطَ في البَيعِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ (1) إلى أجَلٍ في الدُّورِ والأرَضِينَ. وكَرِهَه في الحَيَوانِ والثِّيابِ، وكَرِهَه في القَرْضِ. ولَنا، أنَّه شَرَط في الرَّهْنِ ما يُنافِيه، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَطَه في القَرْضِ. فإن شَرَط شيئًا منها في عَقْدِ الرَّهْنِ، فقال القاضِي: يَحْتَمِلُ أنَّ يَفْسُدَ الرَّهْنُ بها بكلِّ حالٍ؛ لأنَّ العاقِدَ إنما بَذَل مِلْكَه بهذا الشَّرْطِ، فإذا لم يُسَلَّمْ له، لم يَصِحَّ العَقْدُ؛ لعَدَمِ الرِّضَا به بدُونِه. وقيلَ: إن شَرَط الرَّهْنَ مُؤَقتًا، أو رَهَنَه يَوْمًا ويَوْمًا لا، فَسَد الرَّهْنُ. وهل يَفْسُدُ بسائِرِها؟ على وَجْهَين، بناءً على الشُّرُوطِ الفاسِدَةِ في البَيعِ. ونَصَر أبو الخَطَّابِ في «رُءُوسِ المَسائلِ» صَحَّتَه. وبه قال أبو حنيفةَ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» (2). وهو مَشْرُوطٌ فيه شَرْطٌ فاسِدٌ. ولم يُحْكَمْ بفَسادِه. وقِيلَ: ما يَنْقُصُ حَقَّ المُرْتَهِنِ يُبْطِلُه، وَجْهًا واحِدًا، وما لا، فعلى وَجْهَين. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ المُرْتَهِنَ شُرِطَتْ له زِيادَةٌ لم تَصِحَّ له، فإذا فَسَدَتِ الزِّيادَةُ، لم يَبْطُلْ أصْلُ الرَّهْنِ.
(1) في ر 1: «المرتهن» .
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 250.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإنْ شَرَط أنَّه مَتَى حَلَّ الحَقُّ ولم يُوَفِّنِي فالرَّهْنُ لي بالدَّينِ، أو فهو مَبِيعٌ لي بالدَّينِ الذي عليك. فهو شَرْطٌ فاسِدٌ. رُوِيَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ، وشُرَيح، والنَّخَعِيِّ، ومالكٍ، والثَّوْرِيِّ، والشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْي. ولا نَعْلَمُ عن غيرِهم خِلافَهم؛ لِما رَوَى عبدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» . رَواه الأثْرَمُ. قُلْتُ لأحْمَدَ: ما مَعْنَى قَوْلِه: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» ؟ قال: لا يَدْفَعُ رَهْنًا إلى رجل، ويَقُولُ: إن جِئْتُكَ بالدَّراهِمِ إلى كذا وكذا، وإلَّا فالرَّهْنُ لك. قال ابنُ المُنْذِرِ: هذا مَعْنَى قَوْلِه: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» . عندَ مالكٍ، والثَّوْرِيِّ، وأحمدَ. وفي حَدِيثِ مُعاويَةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، أنَّ رَجلًا رَهَن دَارًا بالمَدِينَةِ إلى أجَل مُسَمًّى، فمَضَى الأجَلُ، فقال الذي ارْتَهَنَ: مَنْزِلِي. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ» . ولأنَّه عَلَّقَ البَيعَ على شَرْطٍ، فإنَّه جَعَلَه مَبِيعًا بشَرْطِ أنَّ لا يُوَفِّيَه الحَقَّ في مَحِلِّه، والبَيعُ المُعَلَّقُ بشَرْطٍ لا يَصِحُّ، فإذا شَرَط هذا الشَّرْطَ فَسَد الرَّهْنُ. وفيه رِوايَة أُخْرَى، أنَّه لا يَفْسُدُ؛ لِما ذَكَرْنا في الشُّرُوطِ الفاسِدَة. وهذا ظاهِرُ قولِ أبي الخَطّابِ في «رُءُوسِ المسائِلِ» ، واحْتَجَّ بالحَدِيثِ المَذْكُورِ، نَفَى (1) غَلْقَ الرَّهْنِ دون (2) أصْلِه، فدَلَّ على صِحَّتِه، ولأنَّ الرّاهِنَ قد رَضِيَ برَهْنِه مع هذا الشَّرْطِ، فمع بُطْلانِه أوْلى أنَّ يَرْضَى به. ولَنا، أنَّه رَهْنٌ بشَرْطٍ فاسِدٍ،
(1) في م، ق:«فبقى» .
(2)
في ق، م:«على» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فكان فاسدًا، كما لو شَرَط تَوْقِيتَه، وليس في الخَبَرِ أنَّه شَرَط ذلك في ابْتِداءِ العَقْدِ، [فلا يَكُونُ حُجَّةً](1).
فصل: وإذا قال الغَرِيمُ: رَهَنْتُك عَبْدِي هذا على أنَّ تَزِيدَنِي في الأجَلِ. كان باطِلًا؛ لأنَّ الأجَلَ لا يَثْبُتُ في الدَّينِ، إلَّا أنَّ يَكُونَ مَشْرُوطًا في عَقْدٍ قد وَجَب به، وإذا لم يَثْبُتِ الأجَلُ، لم يَصِحَّ الرَّهْنُ؛ لأنَّه جَعَلَه في مُقابَلَتِه، ولأنَّ ذلك يُضَاهِي رِبا الجاهِلِيَّةِ، كانُوا يَزِيدُونَ في الدَّينِ، ليَزْدادُوا في الأجَلَ.
فصل: إذا كان له على رجلٍ ألْفٌ، فقال: أقْرِضْنِي ألْفًا، بشَرْطِ أنَّ أرْهَنَكَ عَبْدِي هذا بألْفَين. فنَقَلَ حَنْبَلٌ عنٍ أحمدَ، أنَّ القَرْضَ باطِلٌ. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه قَرْضٌ يَجُرُّ مَنْفَعَة، وهي الاسْتِيثاقُ بالألْفِ الأوَّلِ. وإذا بَطَل القَرْضُ بَطَل الرَّهْنُ. فإن قيلَ: أليس لوٍ شَرَط أنَّ يُعْطِيَه رَهْنًا بما يُقْرِضُه (2) جاز. قُلْنا: ليس هذا قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَة؛ لأنَّ غايَةَ ما حَصَل له تَأْكِيدُ الاسْتِيفَاءِ لبَدَلِ ما أقْرَضَه، وهو مِثْلُه. والقَرْضُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الوَفاءِ، وفي مَسْألَتِنا شَرَط في هذا القَرْضِ الاسْتِيثاقَ لدَينِه الأوَّلِ، فقد شَرَط اسْتِيثاقًا لغيرِ مُوجبِ القَرْضِ. ونَقَل مُهَنَّا أنَّ القَرْضَ صَحِيحٌ. ولعَلَّ أحمدَ حَكَم بصِحَّةِ القَرْضِ مع فَسادِ
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «يقترضه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشَّرْطِ؛ كَيلا يُفْضِيَ إلى جَرِّ المَنْفَعَةِ بالقَرْضِ، أو حَكَم بفَسادِ الرَّهْنِ في الألْفِ الأوَّلِ وَحْدَه. ولو كان مكانَ القَرْضِ بَيعٌ، فقال: بعْنِي عَبْدَك هذا بألْفٍ، على أنْ أرْهَنَك عَبْدِي به وبالألْفِ الآخَرِ الذي عَلَيَّ. فالبَيعُ باطِلٌ، رِوايَةً واحِدَةً؛ لأنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ؛ لكَوْنِه جَعَلَه ألْفًا ومَنْفَعَةً هي وَثِيقَةٌ بالألْفِ الأوَّلِ، وتلك المَنْفَعَةُ مَجْهُولَةٌ، ولأنَّه شَرَط عَقْدَ الرَّهْنِ بالألْفِ الأوَّلِ، فلم يَصِحَّ، كما لو أفْرَدَه، أو كما لو باعَه دارَه بشَرْطِ أنَّ يَبِيعَه الآخَرُ دارَه.
فصل: إذا فَسَد الرَّهْنُ، وقَبَضَه المُرْتَهِنُ، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه قَبَضَه بحُكْمِ أنَّه رَهْنٌ، وكُلّ عَقْدٍ كان صَحِيحًا، مَضْمُونًا أو غيرَ مَضْمُونٍ، ففاسِدُه كذلك. فإن كان مُؤَقَّتًا، أو شَرَط [أنَّه يَصِيرُ للمُرْتَهِنِ](1) بعدَ انْقِضاءِ مُدَّتِه، صار بعدَ ذلك مَضْمُونًا؛ لأنَّه مَقْبُوضٌ بحُكْمِ بَيعٍ فاسِدٍ. وحُكْمُ الفاسِدِ مِن العُقُودِ حُكْمُ الصَّحِيحِ في الضَّمانِ. وإن كان أرْضًا فغَرَسَها قبلَ انْقِضاءِ الأجَلِ، فهو كغَرْسِ الغاصِبِ؛ لأنَّه غَرَس بغَيرِ إذْنٍ. وإن غرَس بعدَ الأجَلِ، وكان قد شَرَط أنَّ الرَّهْنَ يَصِيرُ له، فقد غَرَس بإذْنٍ؛ لأنَّ البَيعَ قد تَضَمَّنَ الإِذْنَ وإن كان فاسِدًا. فعلى هذا، يَكُونُ الرّاهِنُ (2) مُخَيَّرًا بينَ أنَّ يُقِرَّ غَرْسَه له، وبين أخْذِه بقِيمَتِه، وبين أنْ يُلْزِمَه بقَلْعِه ويَضْمَنَ له ما نَقَص.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا اشْتَرَى سِلْعَةً، وشَرَط أنَّ يَرْهَنَه بها شَيئًا مِن مالِه، أو شَرَطَ ضمِينًا، فالبَيعُ والشَّرْطُ صَحِيحٌ؛ لأنَّه مِن مَصْلَحَةِ العَقْدِ، غيرُ منافٍ لمُقْتَضاه، ولا نَعْلَمُ في صِحَّتِه خِلافًا إذا كان مَعْلُومًا. ومَعْرِفَةُ الرَّهْنِ تَحْصُلُ بالمُشاهَدَةِ وبالصِّفَةِ التي يُعْلَمُ بها المَوْصُوفُ، كما في السَّلَمِ، ويَتَعَيَّنُ بالقَبْضِ. والضَّمِينُ يُعْلَمُ بالإِشارَةِ إليه، ويَذْكُرُ اسْمَه ونَسَبَه (1)، ولا يَصِحُّ بالصِّفَةِ، بأن يَقُولَ: رجلٌ غَنِيٌّ. مِن غيرِ تَعْيِينٍ، لأنَّ الصِّفَةَ لا تَأْتِي عليه. ولو قال: بشرطِ رَهْنٍ. أو: ضَمِينٍ. كان فاسِدًا؛ لأنَّ ذلك يَخْتَلِفُ، وليس له عُرْفٌ يَنْصَرِفُ إليه بالإِطلاقِ. ولو قال: بشَرْطِ رَهْنِ أحَدِ هذين العَبْدَين. أو: بضَمِينِ (2) أحَدِ هذين الرجُلَين. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ الغَرَضَ يَخْتَلِفُ، فلم يَصِحَّ مع عَدَمِ التَّعْيِينِ، كالبَيعِ. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ. وحُكِيَ عن مالكٍ، وأبي ثَوْرٍ، أنَّه يَصِحُّ الرَّهْنُ المَجْهُولُ، ويَلْزَمُه أنْ يَدْفَعَ إليه رَهْنًا بقَدْرِ الدَّينِ؛ لأنَّه وَثِيقَة، فجاز شَرْطُها مُطْلَقًا، كالشَّهادَةِ. وقال أبو حنيفةَ: إذا قال: على أنَّ أرْهَنَكَ أحَدَ هذين العَبْدَين. جاز؛ لأنَّ بَيعَه جائِزٌ عندَه. ولَنا، أنَّه شَرَط رَهْنًا مَجْهُولًا، فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَط رَهْنَ ما في كُمِّه، ولأنَّه عَقْدٌ يَخْتَلِفُ فيه المَعْقُودُ عليه، فلم يَصِحَّ مع الجَهْلِ، كالبَيعِ. وفارَقَ الشَّهادَةَ، فإنَّ لها عُرْفًا في الشَّرْعِ، فحُمِلَتْ عليه، والكَلامُ مع أبي حنيفةَ قد مَضَى في البَيعِ، فإنَّ الخِلاف فيه واحِدٌ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ المُشْتَرِيَ
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «يضمنني» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إن وَفَّى بالشَّرْطِ، فسَلَّمَ الرَّهْنَ، أو ضَمِن عنه الضامِنُ، لَزِم البَيعُ. وإن أبَى تَسْلِيمَ الرَّهْنِ، أو أبَى الضامِنُ أنَّ يَضْمَنَ، فللبَائِعِ الخِيارُ بينَ فَسْخِ البَيعِ، وإمْضائِه والرِّضَا به بلا رَهْنٍ ولا ضَمِين، فإنْ رَضِيَ، لَزِمَه البَيعُ. وهذا قولُ الشافعيِّ، وأصحابِ الرَّأْي. ولا يَلْزَمُ المُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الرَّهْنِ. وقال مالكٌ، وأبو ثَوْرٍ: يَلْزَمُ الرَّهْنُ إذا شُرِطَ في عَقْدِ البَيعِ، ويُجْبَرُ عليه المُشْتَرِي، وإن وَجَدَه الحاكِمُ دَفَعَه إلى البائِعِ؛ لأنَّ عَقْدَ البَيعِ وَقَع عليه، أشْبَهَ الخِيارَ والأجَلَ. وقال القاضِي: ما عَدا المَكِيلَ والمَوْزُونَ، يَلْزَمُ فيه الرَّهْنُ بمُجَرَّدِ العَقْدِ. وقد مَضَى الكَلامُ فيه. ولَنا، أنّه رَهْنٌ، فلم يَلْزَمْ قبلَ القَبْضِ، كما لو لم يَكُنْ مَشْرُوطًا في البَيعِ، أو كالمَكِيلِ والمَوْزُونِ، وإنَّما لَزِم الخِيارُ والأجَلُ بالشَّرْطِ؛ لأنَّه مِن تَوابعِ البَيعِ لا يَنْفرِدُ بنَفْسِه، والرَّهْنُ عَقْدٌ مُنْفرِدٌ بنَفْسِه، ليس مِن التَّوابعِ، ولأنَّ الخِيارَ والأجَلَ يَثْبُتُ بالقَوْلِ، ولا يَفْتَقِرُ إلى تَسْلِيم، فاكْتُفِيَ في ثُبُوتِه بمُجَرَّدِ القولِ، بخِلافِ الرَّهْنِ. فأمَّا الضَّمِينُ فلا خِلافَ في أنَّه لا يَلْزَمُه الضَّمانُ، إذ لا يَلْزَمُه شَغْلُ ذِمَّتِه ووَفاءُ دَينِ غيرِه باشْتِراطِ غيرِه. ولو وَعَدَه بأنَّه يَضْمَنُ، ثم لم يَفْعَلْ، لم يَلْزَمْهُ، كما لو وَعَدَه أنَّه يَبِيعُه، ثم امْتَنَعَ. ومَتَى لم يَفِ المُشْتَرِي (1) للبائِعِ بشَرْطِه، كان له الفَسْخُ، كما لو شَرَطَ له صِفَةً في الثَّمَنِ، فلم يَفِ بها.
فصل: ولو شَرَط رَهْنًا، أو ضَمِينًا مُعَيَّنًا، فجاء بغيرِهما، لم يَلْزَمِ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البائِعَ قَبُولُه وإن كان ما أتَى به خَيرًا مِن المَشْرُوطِ، مثلَ أنْ يَأْتِيَ بأكْثَرَ قِيمَةً مِن المَشْرُوطِ، أو بضامِن أوْثَقَ مِن المُعَيَّنِ؛ لأنَّه عَقَد على مُعَيَّنٍ، فلم يَلْزَمْه قَبُولُ غيرِه، كالبَيعِ، ولأنَّ الغرَضَ يَخْتَلِفُ بالأعْيَانِ، فمنها ما يَسْهُلُ بَيعُه، ومنها ما هو أقَلُّ مُؤْنَةً وأسْهَلُ حِفْظًا، وبَعْضُ الذِّمَمِ أمْلأُ مِن بَعْض وأسْهَلُ، فلا يَلْزَمُه قَبُولُ غيرِ المُعَيَّنِ، كسائِرِ العُقُودِ.
فصل: فإن تَعَيَّبَ الرَّهْنُ، أو اسْتَحال العَصِيرُ خَمْرًا قبلَ القَبْضِ، فللبائِعِ الخِيارُ بينَ قَبْضِه مَعِيبًا ورِضاه بلارَهْن، فيما إذا تَخَمَّرَ العَصِيرُ، وبينَ فَسْخِ البَيعِ ورَدِّ الرَّهْنِ. وإن عَلِم بالعَيب بعدَ قَبْضِه، فكذلك، وليس له مع إمْساكِه أرْشٌ مِن أجْلِ العَيبِ؛ لأَنَّ الرَّهْنَ إنَّما لَزِم فيما حَصَل قَبْضُه، وهو المَوْجُودُ، والجُزءُ الفائِتُ لم يَلْزَمْ تَسْلِيمُه، فلم يَلْزَمِ الأرْشُ بَدَلًا عنه، بخِلافِ المَبِيعِ. وإن تَلِف أو تَعَيَّبَ بعدَ القَبْض، فلا خِيارَ للبائِعِ. وإنِ اخْتَلَفا في زَمَنِ حُدُوثِ العَيب، فإن كان لا يَحْتَمِلُ إلَّا قولَ أحَدِهما، فالقولُ قَوْلُه مِن غيرِ يَمِين؛ لأنَّ اليَمِينَ إنَّما تُرادُ لرَفْعِ الاحْتِمالِ. وإنِ احْتَمَلَ قَوْلَهما معًا، انْبَنَى على اخْتِلافِ المُتبايِعَين في حُدُوثِ العَيبِ، وفيه رِوايَتانِ، فيَكُونُ ههُنا وَجْهانِ؛ أحَدُهما، القولُ قولُ الرّاهِنِ. وهو قولُ أبي حنيفةَ، والشافعيِّ؛ لأنَّ الأصْلَ صِحَّةُ العَقْدِ ولُزُومُه. والآخَرُ، القولُ قولُ المُرْتَهِنِ. وهو قِياسُ قولِ الخِرَقِيِّ؛ لأنَّهما اخْتَلَفا في قَبْضِ المُرْتَهِنِ للجُزْءِ الفائِتِ، فكان القولُ قولَه، كما لو اخْتَلَفا في قَبْضِ جُزْءٍ مُنْفَصِلٍ منه. وإنِ اخْتَلَفا في زَمَنِ التَّلَفِ، فقال الرّاهِنُ: بعد القَبْضِ. وقال المُرْتَهِنُ: قَبْلَه. فالقولُ قولُه؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه مُنْكِرٌ للقَبْضِ. وإن كان الرَّهْنُ عَصِيرًا فاسْتَحال. خَمْرًا، واخْتَلَفا في زَمَنِ اسْتِحالتِه، فالقولُ قولُ الرّاهِنِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وقال القاضِي: يُخَرَّجُ فيه رِوايَةٌ أُخْرَى، أنَّ القولَ قولُ المُرْتَهِنِ، كالاخْتِلافِ في البَيعِ. وهو قولُ أبي حنيفةَ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ القَبْضِ، فهو (1) كما لو اخْتَلَفا في زَمَنِ التَّلَفِ. ولَنا، أنَّهما اتَّفَقا على العَقْدِ والقَبْضِ، واخْتَلَفا فيما يَفْسُدُ به، فكان القولُ قولَ مَن يَنْفِيه، كما لو اخْتَلَفا في شَرْطٍ فاسِدٍ. وفارَقَ اخْتِلافَهما في حُدُوثِ العَيبِ مِن وَجْهَين؛ أحَدهما، أنَّهما اتَّفَقا على القَبْضِ ههُنا، وثَمَّ اخْتَلَفا في قَبْضِ الجُزْءِ الفائِتِ. الثانِي، أنَّهما اخْتَلَفا ها هنا فيما يُفْسِدُ العَقْدَ، والعَيبُ بخِلافِه.
فصل: ولو وَجَد بالرَّهْنِ عَيبًا بعدَ أنَّ حَدَث عندَه عَيبٌ آخَرُ، فله رَدُّه وفَسْخُ البَيعِ؛ لأنَّ العَيبَ الحادِثَ في مِلْكِ الرّاهِنِ لا يَلْزَمُ المُرْتَهِنَ ضَمانه، بخِلافِ المَبِيعِ (2). وخَرَّجَه القاضِي على رِوايَتَين، بِناءً على البَيعِ. فعلى قَوْلِه: لا يَمْلِكُ الرَّدَّ. [لا يَمْلِكُ الفَسْخَ](3). والصَّحِيحُ ما ذَكَرْناه. وإن هَلَك الرَّهْنُ في يَدِ المُرْتَهِنِ، ثم عَلِم أنَّه كان مَعِيبًا، لم يَمْلِكْ فَسْخَ البَيعِ؛ لأنَّه قد تَعَذَّرَ عليه رَدُّه. فإن قِيلَ: فالرَّهْنُ غيرُ مَضْمُونٍ، ولهذا لا يُمْنَعُ رَدُّه بحُدُوثِ العَيبِ فيه. قُلْنَا: إنَّما لا (4) تُضْمَنُ قِيمَتُه لأنَّ
(1) سقط من: م.
(2)
في م: «البيع» .
(3)
زيادة من: م. وهي موافقة لما في المغني 6/ 503.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العَقْدَ لم يَقَعْ على مِلْكِه، وإنَّما وَقَع على الوَثِيقَةِ، فهو مَضْمُونٌ بالوَثِيقَةِ، أمّا إذا تَعَيَّبَ، فقد رَدَّه، فيَسْتَحِقُّ بَدَلَ ما رَدَّه، وههنا لم يَرُدَّ شيئًا، فلو أوْجَبْنا له بَدَلَه، لأوْجَبْنا على الرّاهِنِ غيرَ ما شَرَط على نَفْسِه.
فصل: ولو لم يَشْرُطَا رَهْنًا في البَيعِ، فتَطَوَّعَ المُشْتَرِي برَهْن، وقَبَضَه البائِعُ، كان حُكْمُه حُكْمَ الرَّهْنِ المَشْرُوطِ في بَيعِ، إلَّا أنَّه إذا رَدَّه بعَيبٍ أو غيرِه، لم يَمْلِكْ فَسْخَ البَيعِ.
فصل: إذا تَبايَعا بشَرْطِ أنَّ يَكُونَ المَبِيعُ رَهْنًا على ثَمَنِه، لم يَصِحَّ. قاله ابنُ حامِدٍ. وهو قولُ الشافعيِّ؛ لأنَّ المَبِيعَ حينَ شَرَط رَهْنَه لم يَكُنْ مِلْكًا له، وسَواءٌ شَرَط أنَّه يَقْبِضُه ثم يَرْهَنُه، أو شَرَط رَهْنَه قبلَ قَبْضِه. وقد رُوِيَ عن أحمدَ، أنَّه قال: إذا حَبَس المَبِيعَ ببَقِيَّةِ الثَّمَنِ، فهو غاصِبٌ، ولا يَكُونُ رَهْنًا، إلَّا أنَّ يَكُونَ شَرْطًا عليه في نَفْسِ البَيعِ. وهذا يَدُلُّ على صِحَّةِ الشَّرْطِ؛ لأنَّه يَصِحُّ بَيعُه، فصحَّ رَهْنُه. وقال القاضي: مَعْنَى هذه الرِّوايةِ أنَّه شَرَط عليه في البَيعِ رَهْنًا غيرَ المَبِيعِ، فيَكُونُ له حَبْس المَبِيعِ حتى يَقْبِضَ الرَّهْنَ، فإن لم يَف به، [وإلَّا](1) فَسَخَ البَيعَ. فأمّا شَرْطُ رَهْنِ المَبِيعِ نَفْسِه على ثَمَنِه، فلا يَصِحُّ؛ لوُجُوهٍ؛ أحَدُها، أنَّه غيرُ مَمْلُوكٍ له. والثاني، أنَّ البَيعَ يَقتَضِي إيفاءَ الثَّمَنِ مِن غيرِ المَبِيعِ. والثالِثُ، أنَّ البَيعَ يَقْتَضِي أنَّ يَكُونَ إمْساكُ المَبِيعِ مَضْمُونًا، والرَّهْنُ يَقْتَضِي أنَّ لا يَكُونَ مَضْمُونًا. الرابعُ، أنَّ البَيعَ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ المَبِيعِ أوَّلًا،
(1) سقط من: م.
فَصْلٌ: إِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الدَّينِ، أو الرَّهْنِ، أوْ رَدِّهِ، أوْ قَال: أَقْبَضْتُكَ عَصِيرًا. قَال: بَلْ خَمْرًا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ.
ــ
ورَهْنُ المَبِيعِ يَقْتَضِي أنَّ لا يُسَلِّمَه حتى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، وهذا تَنَاقُضٌ في الأحْكامِ. وظاهِرُ الرِّوايَةِ صِحَّةُ رَهْنِه. قولُهم: إنَّه غيرُ مَمْلُوكٍ. قلنا: إنَّما شَرَط رَهْنَه بعدَ مِلْكِه. وقَوْلُهم: البَيعُ يَقْتَضِي إيفاءَ الثَّمَنِ مِن غيرِ المَبِيعِ. مَمْنُوع، إنَّما يَقْتَضِي إيفاءَ الثَّمَنِ مُطْلَقًا، ولو تَعَذَّرَ وَفاءُ الثَّمَنِ مِن غيرِ المَبِيعِ لاسْتَوْفَى مِن ثَمَنِه. قَوْلُهم: البَيعُ يَقتَضِي تَسْلِيمَ المَبِيعِ قبلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ. مَمْنُوعٌ. وإن سُلِّمَ، فلا يَمْنَعُ أنْ يَثْبُتَ بالشّرْطِ خِلافُه، كما أنَّ مُقْتَضَى البَيعِ حُلُولُ الثَّمَنِ ووُجُوبُ تَسْلِيمِه في الحالِ، ولو شَرَط التَّأْجِيلَ، جاز، وكذلك مُقْتَضَى البَيعِ ثُبُوتُ المِلْكِ في المَبِيعِ والتَّمْكِينُ مِن التَّصَرُّفِ فيه، ويَنْتَفِي بشَرْطِ الخيارِ، وهذا الجَوابُ عن باقي الوُجُوهِ. فأمّا إن لم يَشْرُطْ ذلك في البَيعِ، لكن رَهَنَه عندَه بعدَ البَيعِ؛ فإن كان بعد لُزُومِ البَيعِ، فالأوْلَى صِحَّتُه؛ لأنَّه يَصِحُّ رَهْنُه عندَ غَيرِه، فصَحَّ عندَه، كغَيرِه، ولأنَّه يَصِحُّ رَهْنُه على غيرِ ثَمَنِه، فيَصِحُّ رَهْنُه على ثَمَنِه. وإن كان قَبْلَ لُزُومِ البَيعِ، انْبَنَى على جَوازِ التَّصَرُّفِ في المَبِيعِ، ففي كلِّ مَوْضِعٍ جازَ التَّصَرُّفُ فيه جاز رَهْنُه، وما لا فلا؛ لأنَّه نَوْعُ تَصَرُّفٍ، أشْبَهَ البَيْعَ.
فصل: قال الشَّيخُ، رحمه الله: (وإنِ اخْتَلَفا في قَدْرِ الدَّينِ، أو الرَّهْنِ، أو رَدِّه، أو قال: أقْبَضْتُكَ عَصِيرًا. قال: بل خَمْرًا. فالقولُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قولُ الرّاهِنِ) إذا اخْتَلَفا في قَدْرِ الحَقِّ، نحوَ أنَّ يَقُولَ الرّاهِنُ: رَهَنْتُكَ عَبْدِي هذا (1) بأَلْفٍ. فقال المُرْتَهِنُ: بل بألْفَين. فالقولُ قولُ الرّاهِنِ. وبه قال النَّخَعِيُّ، والثَّوْرِيّ، والشافعيُّ، والبَتِّيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصحابُ الرَّأيِ. وحُكِيَ عن الحَسَنِ، وقَتادَةَ، أنَّ القولَ قولُ المُرْتَهِنِ، ما لم يُجاوزْ ثَمَنَ الرَّهْنِ، أو قِيمَتَه. ونَحوُه قولُ مالكٍ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ بقَدْرِ الحَقِّ. ولَنا، أنَّ الرّاهِنَ مُنكِرٌ للزِّيادَةِ التي يَدَّعِيها المُرْتَهِنُ، والقولُ قولُ المُنْكِرِ؛ لقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأمْوَالهُمْ، ولكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيهِ» . رَواه مسلم (2). ولأنَّ الأصْلَ براءَةُ الذِّمَّةِ مِن هذه الألْفِ، فكان القولُ قولَ مَن يَنْفِيها، كما لو اخْتَلَفا في أصْلِ الدَّينِ، وما ذَكَرُوه مِن الظّاهِرِ غيرُ
(1) سقط من: ر 1، م.
(2)
في: باب اليمين على المدعى عليه، من كتاب الأقضية. صحيح مسلم 3/ 1336.
كما أخرجه البخاري، في: باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} ، من كتاب التفسير، من سورة آل عمران. صحيح البخاري 6/ 43. والنسائي، في: باب عظة الحاكم على اليمين، من كتاب آداب القضاة. المجتبى 8/ 218. وابن ماجه، في: باب البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 778.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُسَلَّمٍ؛ فإنَّ العادَةَ رَهْنُ الشيءِ بأقَلَّ مِن قِيمَتِه. إذا ثَبَت هذا، فإنَّ القولَ قولُ الرّاهِنِ في قَدْرِ ما رَهَنَه، سَواءٌ اتَّفَقا على أنَّه رَهَنَه بجَميعِ الدَّينِ، أو اخْتَلَفا، فلو اتَّفقا على أنَّ الذينَ ألْفانِ، وقال الرّاهِنُ: إنَّما رَهَنْتُك بأحَدِ الألْفَين. وقال المُرْتَهِنُ: إنَّما رَهَنْتَنِي بهما. فالقولُ قولُ الرّاهِنِ مع يَمينِه؛ لأنَّه يُنْكِرُ تَعَلُّقَ حَقِّ المُرْتَهِنِ في أحَدِ الألْفَين بعَبْدِه، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. وإنِ اتَّفَقا على أنَّه رَهْن بأحَدِ الألْفَين، وقال الرّاهِنُ: رَهَنْتُه بالمُؤَجَّلِ. وقال المُرْتَهِنُ: بل بالحالِّ. فالقولُ قولُ الرّاهِنِ معِ يَمِينه؛ لأنَّه شكِر، ولأنَّ القولَ قَوْلُه في أصْلِ الرَّهْنِ، فكذلك في صِفتِه، هذا إذا لم تَكُنْ بَيِّنة. فإن كان لأحَدِهما بَيِّنةٌ، حُكِمَ له بها، وَجْهًا واحِدًا. وإنِ اخْتَلَفا في قَدْرِ الرَّهْنِ، فقال: رَهَنْتُك هذا العَبْدَ. قال: بل هو والعَبْدَ الآخَرَ. فالقولُ قولُ الرّاهِنِ؛ لأنَّه مُنْكِر. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلافًا. وإن قال: رَهَنْتُكَ هذا العَبْدَ. قال: بل هذه الجارِيَةَ. خَرَج العَبْدُ مِن الرَّهْنِ؛ لاعْتِرافِ المُرْتَهِنِ بأنه لم يَرْتَهِنْه (1)، وحَلَف الرّاهِنُ على أنَّه ما رَهَنَه الجارِيَةَ، وخَرَجَتِ الجاريةُ (2). مِن الرَّهْنِ أيضًا.
(1) في م: «يرهنه» .
(2)
سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإنِ اخْتَلَفا في رَدِّ الرَّهْنِ إلى الرّاهِنِ، فالقولُ قَوْلُه؛ لأنَّه مُنْكِرٌ، والأصْلُ معه. وكذلك الحُكْمُ في المُسْتَأجِرِ، إذا ادَّعَى رَدَّ العَينِ المُسْتَأجَرَةِ. وقال أبو الخَطّابِ: يَتَخَرَّجُ فيهما وَجْه آخَرُ، أنَّ القولَ قولُ المُرْتَهِنِ والمُسْتَأجِرِ في الرَّدِّ، بناءً على المُضارِب والوَكِيلِ بجُعْلٍ، فإنَّ فيهما وَجْهَين، والفَرْقُ بينَهما وبينَ المُرْتَهِنِ، أَنَّ المُرْتَهِنَ قَبَض العَينَ ليَنْتَفِعَ بها، وكذلك المُسْتَأجِرُ والوَكِيلُ، قَبَض العَينَ ليَنْتَفِعَ بالجُعْلِ لا بالعَينِ، والمُضارِبُ قَبَضها ليَنْتَفِعَ برِبْحِها لَا بها. وإنِ اخْتَلَفا في تَلَفِ العَينِ، فالقولُ قولُ المُرْتَهِن حِع يَمينه؛ لأنَّ يَدَه يَدُ أمانَةٍ، ويَتَعَذَّرُ عليه إقامَةُ البَيِّنةِ على التَّلَفِ، فقُبِلَ قَوْلُه فيه، كالمُودَعِ. فإنْ أتْلَفَها المُرْتَهِنُ، أو تَلِفَتْ بتَفرِيطِه، واخْتَلَفا في القِيمَةِ، فالقولُ قولُ المُرْتَهِن مع يَمِينه؛ لأنَّه غارِمٌ، لا نَعْلَمُ في ذلك خِلافًا.
فصل: وإن قال الرّاهِنُ: رَهَنْتُك عَصِيرًا. قال: بل خمْرًا. فالقولُ قولُ الرّاهِنِ. يُرِيدُ إذا كان الرهْنُ شُرِطَ في البَيعِ، فقال الرّاهِنُ: رَهَنْتُكَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَصِيرًا، فليس لك فَسْخُ البَيعِ. وقال المُرْتَهِنُ: بل رَهَنْتَنِي خَمْرًا، فلي فَسْخُ البَيعِ. فالقولُ قولُ الرّاهِنِ. نَصَّ عليه أحمدُ. لأنَّهما اخْتَلَفا فيما يَفْسُدُ به (1) العَقْدُ، فكان القولُ قولَ من يَنْفِيه. وقد ذَكَرْنا ذلك.
فصل: وإذا قال: بِعْتُكَ هذا الثَّوْبَ، على أنَّ تَرْهَنَني بثَمَنِه عَبْدَيكَ هذَين. قال: بل على رَهْنِ هذا وَحْدَه. فحَكَى القاضِي فيها رِوايَتَين؛ إحْداهُما، يَتَحالفانِ؛ لأنَّهما اخْتَلَفا في البَيعِ، فهو كالاخْتِلافِ في الثَّمَنِ. والثانيةُ، القولُ قولُ الرَّاهِنِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ لشَرْطِ رَهْنِ العَبْدِ المُخْتَلَفِ فيه، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. وهذا أصَحُّ.
فصل: وإن قال: أرْسَلْتَ وَكِيلَكَ، فرَهَنَني عَبْدَك هذا على عِشْرِينَ
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَبَضَها. قال: ما أمَرْتُه إلَّا بعَشَرَةٍ، ولا قَبَضْتُ إلَّا عَشَرَةً. سُئِلَ الرَّسُولُ، فإن صَدَّقَ الرَّاهِنَ، فعليه اليَمِينُ أنَّه ما رَهَنَه إلَّا بعَشَرَةٍ، ولا قَبَض إلَّا عَشَرَةً، ولا يَمِينَ على الرّاهِنِ؛ لأنَّ الدَّعْوَى على غَيرِه، فإذا حَلَف الوَكِيلُ، بَرِئَا جَمِيعًا، وإن نَكَل، فعليه العَشَرَةُ المُخْتَلَفُ فيها، ولا يَرْجِعُ بها على أحَدٍ؛ لأنَّه يُصَدِّقُ الرّاهِنَ في أنَّه ما أخَذَها ولا أمَرَه بأخْذِها وإنَّما المُرْتَهِنُ ظَلَمَه. وإن صَدَّقَ المُرْتَهِنَ، وادَّعَى أنَّه سَلّمَ العِشْرِينَ إلى الرّاهِنِ، فالقولُ قولُ الرّاهِنِ مع يَمِينه. فإن نَكَل، قُضِيَ عليه بالعَشَرَةِ، وتُدْفَعُ إلى المُرتَهِنِ، وإن حَلَف، بَرِيء، وعلى الوَكِيلِ غَرامَةُ العَشَرَةِ للمُرْتهنِ؛ لأنَّه يَزْعُمُ أنَّها حَق له وإنَما الرّاهِن ظَلَمَه. فإن عَدِمِ الوَكِيلَ، أو تَعَذَّرَ إحْلافُه، فعلى الرّاهِنِ اليَمِينُ أنَّه ما أذِنَ في رَهْنِه إلَّا بعَشرَةٍ، ولا قَبَض أكثرَ منها، ويَبْقَى الرَّهْنُ بعَشَرةٍ.
فصل: إذا كان على رجلٍ ألْفانِ؛ أحَدُهما برَهْنٍ، والآخَرُ بغَيرِ رَهْن، فقَضَى ألْفًا، وقال: قَضَيتُ دَينَ الرَّهْنِ. وقال المُرْتَهِنُ: بل قَضَيتَ الدَّينَ الآخَرَ. فالقَوْلُ قولُ الرّاهِنِ مع يَمِينه، سَواءٌ اخْتَلَفا في نِيَّةِ الرّاهِنِ أو في لَفْظِه؛ لأنه أعْلَمُ بنِيَّته وصِفَةِ دَفْعِه، ولأنَّه يَقُولُ: إنَّ (1) الدَّينَ الباقِيَ بلا رَهْن. والقولُ قَوْلُه في أصْلِ الرَّهْنِ، فكذلك في صِفَتِه. وإنْ أطْلَقَ القَضاءَ، ولم يَنْو شيئًا، فقال أبو بكر: له صَرْفُها إلى أيِّهما شاء، كما لو كان له مالٌ حاضِرٌ وغَائِبٌ، فأدَّى قَدْرَ زَكاةِ أحَدِهما، كان (2) له
(1) سقط من: ر 1، م.
(2)
في م: «فإن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ يُعَيِّنَ عن أيِّ المالينِ شاء. وهذا قولُ بَعْضِ أصحابِ الشافعيِّ. وقال بَعْضُهم: يَقَعُ الدَّفْعُ عن الدَّينَين معًا، عن كلِّ واحِدٍ نِصْفُه؛ لأنَّهما تَساوَيا في القَضاءِ، فتَساوَيا في وُقُوعِه عنهما، فأمّا إن أبرَأه المُرْتَهِنُ مِن أحَدِ الدَّينَين، واخْتَلَفا، فالقولُ قولُ المُرْتَهِنِ، على التَّفْصِيلِ الذي ذَكَرْناه في الرَّهْنِ. ذَكَرَه أبو بكرٍ.
فصل: إذا اتَّفَقَ المُتَراهِنان على قَبْضِ العَدْلِ للرَّهْنِ، لَزِم الرَّهْنُ في حَقِّهما، ولم يَضُرَّ إِنْكارُه؛ لأنَّ الحَقَّ لهما. وإن قال أحَدُهما: قَبَضَه العَدْلُ. فأنْكَرَ الآخرُ، فالقولُ قولُ المُنْكِرِ، كما لو اخْتَلَفا في قَبْضِ المُرْتَهِنِ، فإن شَهِد (1) العَدْلُ بالقَبْضِ، لم تُقْبَلْ شَهادَتُه؛ لأنَّها شَهادَةُ الوَكِيلِ لمُوَكِّلِه، فيما هو وَكِيل فيه.
فصل: إذا كان في يَدِ رجلٍ عَبْدٌ، فقال: رَهَنْتَنِي عَبْدَك هذا بألْفٍ. قال: بل غَصَبْتَهُ. أو: اسْتَعَرْتَه. فالقولُ قولُ السيِّدِ، سواءٌ اعْتَرَف بالدَّينِ أو جَحَدَه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الرَّهْنِ. وإن قال السَّيِّدُ: بِعْتُك عَبْدِي
(1) في م: «أشهد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا بألْفٍ. قال: بل رَهَنْتَه عندي بها. فالقولُ قولُ كلِّ واحِدٍ منهما في العَقْدِ الذي يُنكِرُه، ويأخُذُ السَّيِّدُ عَبْدَه. وإن قال: رَهَنْتُكَهُ بألْفٍ أقْرَضْتَنِيه. قال: بل بِعْتَنِيه بألْفٍ قَبَضْتَه مِنِّي ثَمَنًا. فكذلك، ويَرُدُّ صاحِبُ العَبْدِ الألْفَ، ويَأخُذُ عَبْدَه.
فصل: وإذا ادَّعَى على رَجُلَين، فقال: رَهَنْتُمانِي عَبْدَكُما بدَيني عَلَيكُما. فأنْكَرَاه، فالقولُ قَوْلُهما، فإن شَهِد كلُّ واحِدٍ منهما على صاحِبِه، قُبِلَتْ شَهادَتُه، وللمُرْتَهِنِ أنَّ يَحْلِفَ مع كلِّ واحِدٍ نهما، ويَصِيرَ جَميعُه رَهْنًا، أو يَحْلِفَ مع أحَدِهما، ويَصِيرَ نَصِيبُ الآخَرِ رَهْنًا. وإن أقَرَّ أحَدُهما، ثَبَت في حَقِّه وَحْدَه. وإن شَهِد المُقِرُّ على المُنْكِرِ، قُبِلَتْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شَهادَتُه؛ لأنَّه لا يَجْلِبُ لنَفْسِه نَفْعًا، ولا يَدْفَعُ عنها ضررًا (1). وبهذا قال أصحابُ الشافعيِّ. وقال بعضُهم: إذا أنْكَرا جَمِيعًا، ففي شَهادَتِهما نَظَر؛ لأنَّ المَشْهُودَ له يَدَّعِي أنَّ كلَّ واحِدٍ منهما ظالِمٌ له بجُحُودِه حَقَّه مِن الرَّهْنِ، ومتى طَعَن المَشْهُودُ له في شُهُودِه، لم تُقْبَلْ شَهادَتُهم له. قُلْنا: هذا لا يَصِحُّ؛ فإنَّ إنْكارَ الدَّعْوَى لا يَثْبُتُ به فِسْقُ المُدَّعَى عليه وإن كان الحَقُّ عليه؛ لجَوازِ أن يَنْسَى أو يَلْحَقَه شُبْهَةٌ فيما يَدَّعِيه أو يُنْكِرُه. وكذلك (2) لو تَداعَى رَجُلانِ شيئًا، وتخاصَما فيه، ثم شَهِدا عندَ الحاكِمِ بِشيءٍ، لم تُرَدَّ شَهادَتُهما وإن كان أحَدُهما كاذِبًا. ولو ثَبَت الفِسْقُ بذلك، لم يَجُزْ قَبُولُ شَهادَتِهما جَمِيعًا، مع تَحَقُّقِ الجَرْحِ في أحَدِهما.
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل، م:«ولذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا ادَّعَى رجلان على رَجُلٍ أنَّه رَهَنَهُما عَبْدَه، وقال كل واحِدٍ منهما: رَهَنَه عندِي دُونَ صاحِبي. فأنْكَرَهما، فالقولُ قَولُه. وإن أنْكَرَ أحَدَهما، وصَدَّقَ الآخَرَ، سُلِّمَ إلى مَن صَدَّقَة، وحُلِّفَ الآخرُ. وإن قال: لا أعْلَمُ المُرْتَهِنَ منهما. حَلَف على ذلك، والقولُ قولُ مَن هو في يَدِه منهما، مع يَمِينه. وإن كان في أيدِيهما، حَلَف كل واحِدٍ منهما على نِصْفِه، وصار رَهْنًا عندَه. وإن كان في يَدِ غيرِهما، أقْرِعَ بينَهما، فمَنْ قَرَع صاحِبَه، حَلَف وأخَذَه، كما لو ادَّعَيا مِلْكَه. ولو قال: رَهَنْتُه عند أحَدِهما، ثم رَهَنْتُه للآخَرِ (1)، ولا أعْلَمُ السّابِقَ منهما. فكذلك. وإن قال: هذا هو السّابِقُ بالعَقْدِ والقَبْضِ. سُلِّم إليه، وحَلَف للآخَرِ (2). وإن نَكَل والعَبْدُ في يَدِ الأوَّلِ، أو يَدِ غَيرِه، فعليه قِيمَتُه للثَّانِي، كما لو قال: هذا العَبْدُ لزَيدٍ، وغَصَبْتُه مِن عَمْرو، فإنه يُسَلَّمُ إلى زَيدٍ، ويَغْرَمُ قِيمَتَه لعَمْرو. وإنْ نَكَل والعَبْدُ في يَدِ (3) الثانِي، أُقِرَّ في يَدِه، وغَرِم قِيمَتَه
(1) في م: «عند الآخر» .
(2)
في م: «الآخر» .
(3)
سقط من: الأصل.