الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ مَا يَجُرُّ نَفْعًا؛ نَحْوَ أَنْ يُسْكِنَهُ دَارَهُ، أَوْ يَقْضِيَهُ خَيرًا مِنْهُ، أَوْ فِي بَلَدٍ آخَرَ. وَيَحْتَمِلُ جَوَازُ هَذَا الشَّرْطِ.
ــ
ونُقْصانًا. فقال: «لَا بَأْسَ، إنَّ ذلِكَ مِنْ مَرَافِقِ النَّاسِ، لَا يُرَادُ بِهِ الفَضْلُ» . رَواه أبو بَكْرٍ في «الشَّافِي» بإسْنَادِهِ. ورَوَى أيضًا بإسْنادِه، عن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ، أنَّه سُئِلَ عن اسْتِقْراضِ الخُبْزِ والخَمِيرِ، فقال: سُبْحَانَ اللهِ، إنَّما هذَا مِنْ مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، فخُذِ الكَبِيرَ وأعْطِ الصَّغِيرَ، وخُذِ الصَّغِيرَ وأعْطِ الكَبيرَ، خيرُكُمْ أحْسَنُكُم قَضَاءً. سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذلك (1). ولَأنَّ هذا ممّا تَدْعُو الحاجَةُ إليه، ويَشُقُّ اعُتِبارُ الوَزْنِ فيه، وتَدْخُلُه المُسامَحَةُ، فأشْبَهَ دُخُولَ الحمَّامِ، والرُّكُوبَ في سَفِينَةِ المَلَّاحِ مِن غيرِ تَقْدِيرِ أُجْرَةٍ. فإن شَرَط أنْ يُعْطِيَه أكْثَرَ ممّا أقْرَضَه أو أَجْوَدَ، كان ذلك حَرامًا. وكذلك إن أقْرَضَه صَغِيرًا، قَصْدًا أن يُعْطِيَه كَبِيرًا؛ لأنَّ الأصْلَ تحْرِيمُ ذلك، وإنَّما أُبِيحَ لمَشَقَّةِ إمْكانِ التَّحَرُّزِ منه، فإذا قَصَد أو شَرَط، أو أُفْرِدَتِ الزِّيادَةُ، فقد أمْكَنَ التَّحَرُّزُ منه، فَحَرُمَ بِحُكْمِ الأصْلِ، كما لو فَعَل ذلك في غيرِه.
1768 - مسألة: (ولا يَجُوزُ شَرْطُ ما يَجُرُّ نَفْعًا؛ نَحْوَ أن يُسْكِنَه دارَه، أو يَقْضِيَه خَيرًا منه، أو في بَلَدٍ آخرَ. ويَحْتَمِلُ جَوازُ هذا الشَّرْطِ)
كلُّ قَرْضٍ شَرَط فيه الزِّيادَةَ فهو حَرامٌ، بغيرِ خِلافٍ. قال ابنُ المُنْذِرِ:
(1) الطبراني في الكبير 20/ 96.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أجْمَعُوا على أنَّ المُسْلِفَ إذا شَرَط على المُسْتَسْلِفِ زِيادَةً أو هَدِيَّةً، فأسْلَفَ على ذلك، أنَّ أخْذَ الزِّيادَةِ على ذلك رِبًا. وقد رُوِيَ عن أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وابنِ عباسٍ، وابنِ مسعودٍ، أنهم نَهَوْا عن قرْضٍ جَرَّ مَنْفعَةً. ولأنَّه عَقْدُ إرْفاقٍ وقُرْبَةٍ، فإذا شَرَط فيه الزِّيادَةَ أخْرَجَه عن مَوْضُوعِه. ولا فرْقَ بينَ الزِّيادَةِ في القَدْرِ أو في الصِّفَةِ، مثلَ أنْ يُقْرِضَهُ مُكَسَّرَةً، فيُعْطَيه صِحاحًا، أو نَقْدًا ليُعْطِيَه خَيرًا منه. فإن شَرَط أن يُعْطِيَه إيّاه في بَلَدٍ آخَرَ، لم يَجُزْ إن كان لحَمْلِه مُؤْنَةٌ؛ لأَنه زِيادَةٌ. وإن لم يَكُنْ لحَمْلِه مُؤْنَةٌ، فقد رُوِيَ عن أحمدَ أنَّه لا يَجُوزُ أيضًا. ورُويَتْ كَراهَتُه عن الحسنِ البَصْرِيِّ، ومَيمُونِ بنِ أبي شَبِيبٍ (1)، وعَبْدَةَ بنِ أبي لُبابَةَ (2)، ومالكٍ، والأوْزاعِيِّ، والشافعيِّ؛ لأنَّه قد يَكُونُ في ذلك زِيادَةٌ. وقد نَصَّ أحمدُ على (3) أنَّ مَن شَرَط أن يَكْتُبَ له بها سُفْتَجَةً (4)، لم يَجُزْ. ومَعْناهُ: اشْتِراطُ القَضاءِ في بَلَدٍ آخَرَ. ورُوِيَ عنه جَوازُ ذلك. حَكاهُ عنه ابنُ المُنْذِرِ؛ لكَوْنِه مَصْلَحَةً لهما. وحَكاه عن عليٍّ، وابنِ عباسٍ،
(1) ميمون بن أبي شبيب الربعي، تابعي، وثقه ابن حبان، توفي سنة ثلاث وثمانين. تهذيب التهذيب 10/ 389.
(2)
عبدة بن أبي لبابة الأسدي، مولاهم، نزيل دمشق، تابعي، من فقهاء الكوفة. تهذيب التهذيب 6/ 461، 462.
(3)
سقط من: م.
(4)
السفتجة: أن يعطي مالا لآخر، وللآخر مال في بلد المعطي، فيوفيه إياه ثَمَّ، فيستفيد أمن الطريق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والحسنِ بنِ عليٍّ، وابنِ الزُّبَيرِ، وابنِ سِيرِينَ، وعبدِ الرحمنِ بنِ الأسْوَدِ، وأيُّوبَ السَّخْتِيانِيِّ، والثَّوْرِيِّ، وإسْحاقَ، واخْتارَه. وذَكَرَ القاضِي أنَّ للوَصِيِّ قَرْضَ مالِ اليَتِيمِ في بَلَدٍ ليُوَفِّيَه في بَلَدٍ آخَرَ، ليَرْبَحَ خَطَرَ الطَّرِيقِ. قال شيخُنا (1): والصَّحِيحُ جَوازُه؛ لأنَّه مَصْلَحَةٌ لهما مِن غيرِ ضَرَرٍ بواحِدٍ منهما، والشَّرْعُ لا يَرِدُ بتَحْرِيمِ المَصالِحِ التي لا مَضَرَّةَ فيها، ولأنَّ هذا ليس بمَنْصُوصٍ عليه، ولا في مَعْنَى المَنْصُوصِ، فوَجَبَ إبْقاؤُه على الإِباحَةِ.
فصل: وإن شَرَط أن يُؤْجِرَه دارَه، أو يَبيعَه شيئًا، أو أن يُقْرِضَه المُقْتَرَضَ مَرَّةً أُخْرَى، لم يَجُزْ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيعٍ وسَلَفٍ (2).
(1) في: المغني 6/ 437.
(2)
تقدم تخريجه في 11/ 216.