الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَصِحُّ رَهْنُ الْعَبْدِ المُسْلِمِ لِكَافِر، إلا عِنْدَ أبي الْخَطَّابِ، إِذَا شَرَطَا كَوْنَهُ فِي يَدِ مُسْلِم.
ــ
هذا صِحَّةُ رَهْنِه. وهو قولُ مالكٍ، والشافعيِّ، وأبي ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأي، بناءً على أنَّه يَصِحُّ بَيعُه، فيَصِحُّ رَهْنُه، كغَيرِه. والخِلاف في ذلك مَبْنِيٌّ على جَوازِ بَيعِه، وقد ذَكَرْناه في كتابِ البَيعِ (1).
1781 - مسألة: (ولا يَصِحُّ رَهْنُ العَبْدِ المُسْلِمِ لكافِرٍ)
اخْتارَهُ القاضِي؛ لأنَّه عَقْدٌ يَقْتَضِي قَبْضَ المَعْقُودِ عليه والتَّسْلِيطَ على بَيعِه، فلم يَجُزْ، كالبَيعِ. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ صِحَّتَه، إذا شَرَطَا كَوْنَه على يَدِ
(1) انظر ما تقدم في 11/ 39 - 42.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُسْلم، ويَبِيعُه الحاكمُ إذا امْتَنَعَ مالِكُه. وهذا أوْلَى؛ لأنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ يَحْصُل مِن غيرِ ضَرَرٍ.
فصل: ولا يَصِحُّ رَهْنُ المَجْهُولِ؛ لأنَّه لا يَصِحُّ بَيعُه، فلو قال: رَهَنْتُكَ هذا الجِرابَ. أو: البَيتَ (1). أو: الخَرِيطَةَ بما فيها. لم يَصِحَّ؛ للجَهالةِ. وإن لم يَقُلْ: بما فيها. صَحَّ؛ للعِلْمِ بها. ولو قال: رَهَنْتُكَ أحَدَ هذَين العَبْدَين. لم يَصِحَّ؛ لعَدَمِ التَّعْيِينِ. وقال أبو حنيفةَ: يَصِحُّ؛ لأنَّه يَصِحُّ بَيعُه عندَه بشرْطِ الخِيارِ له. وقد ذُكِرَ ذلك (2) في البَيعِ. وفي الجُمْلَةِ، أنَّه يُعْتَبَرُ للعِلْمِ في الرَّهْنِ ما يُعْتَبَرُ في البَيعِ. وكذلك القُدْرَة على التَّسْلِيمِ، فلا يَصِحُّ رَهْنُ الآبِقِ، ولا الشَّارِدِ، ولا غيرِ مَمْلُوكٍ؛ لأَنه لا يَصِحُّ بَيعُه.
(1) في الأصل: «الثوب» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمّا سَوادُ العِراقِ، والأرْضُ المَوْقُوفَةُ على المُسْلِمِين، فظاهِرُ المَذْهَبِ أنَّه [لا يَجُوزُ بَيعُها، فكذلك رَهْنُها](1). وهذا مَنْصُوصُ الشافعيِّ. وحُكْمُ بِنائِها حُكْمُها، فإن كان (2) من غيرِ تُرَابِها، أو الشَّجَرِ المُتَجَدِّدِ فيها، فإنَّه يَصِحُّ إفرادُه (3) بالبَيعِ والرَّهْنِ، في إحْدَى الرِّوايَتَين. نصَّ عليهما في البَيعِ؛ لأنَّه طَلْقٌ. والثّانِيَةُ، لا يَجُوزُ؛ لأنَّه تابعٌ لِما لا يَجُوزُ رَهْنُه، فهو كأساساتِ الحِيطانِ. وإن رَهَنَه مع الأرْضِ، بَطَل في الأرْض. وهل يَجُوزُ في الأشْجارِ والبِناءِ إذا قُلْنا بجَوازِ رَهْنِها مُنْفَرِدَةً؟ يُخرَّجُ على الرِّوايَتَين في تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وهذا مَذْهَبُ الشافعيِّ رضي الله عنه.
فصل: ولو رَهَن عَبْدًا أو باعَه يَعْتَقِدُه مَغْصُوبًا، فبانَ مِلْكَه، نحوَ أن يَرْهَنَ عَبْدَ ابْنِه، فيَبِينُ أَنَّه قد مات، وصار العَبْدُ مِلْكَه بالمِيراثِ، أو وَكَّلَ إنْسانًا يَشْتَرِي له عَبْدًا، فباعَه المُوَكِّلُ، أو رَهَنَه، يَعْتَقِدُه لسَيِّدِه الأوَّلِ، وكان تَصَرُّفُه بعدَ شِراءِ وَكِيله، ونحوَ ذلك، صَحّ تَصَرُّفُه؛ لأنَّه صادفَ مِلْكًا، فصَحَّ، كما لو عَلِم. ويَحْتَمِلُ أن لا يَصِحّ؛ لأنَّه اعْتَقَدَه باطِلًا.
(1) في م: «لا يجوز رهنها لأنه لا يجوز بيعها» .
(2)
بعده في م: «فيها» .
(3)
في الأصل: «إقرارها» . وفي ر 1: «إقراره» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولو رَهَن المَبِيعَ في مُدَّةِ الخِيارِ، لم يَصِحَّ، إلَّا أن يَرْهَنَه المُشْتَرِي، والخِيارُ له وَحْدَه، فيَصِحُّ، ويَبْطُلُ خِيارُه. ذَكَرَه أبو بكر. وهو مَذْهَبُ الشافعيِّ. ولو أفْلَسَ المُشْتَرِي، فرَهَنَ البائِعُ عينَ مالِه التي له الرُّجُوعُ فيها قبلَ الرُّجُوعِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه رَهَن ما لا يَمْلِكُه، وكذلك رَهْنُ الأبِ العَينَ التي وَهَبَها لابنِه قبلَ رُجُوعِه فيها؛ لِما ذَكَرْنا. وفيه وَجْهٌ لأصْحابِ الشافعيِّ، أنَّه يَصِحُّ؛ لأنَّ له اسْتِرْجاعَ العَينِ، وتَصَرُّفُه فيها يَدُلُّ على الرُّجُوعِ. ولَنا، أَنَّه رَهَن ما لا يَمْلِكُه بغَيرِ إذْنِ المالكِ، ولا ولايةٍ عليه، فلم يَصِحَّ، كما لو رَهَن الزَّوْجُ نِصْفَ الصداقِ قبلَ الدُّخُولِ.
فصل: ولو رَهَن ثَمَرَ شَجَرٍ يَحْمِلُ في السَّنَةِ حِمْلَين، لا يَتَمَيَّزُ أحَدُهما مِن الآخَرِ، فرَهَنَ الحِمْلَ الأوَّلَ إلى مَحِلِّ يَحْدُثُ الحِمْلُ الثّانِي على وَجْهٍ لا يَتَمَيَّزُ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه مَجْهُولٌ حينَ حُلُولِ الحَقِّ، فلا يمكِنُ اسْتِيفاءُ الدَّينِ منه، فأشْبَهَ ما لو كان مَجْهُولًا حينَ العَقْدِ. وإنْ شَرَط قَطْعَ الحِمْل الأوَّلِ إذا خِيفَ اخْتِلاطُه بالثّانِي، صَحَّ. وإن كان الحِمْلُ المَرْهُونُ بحَقٍّ حالًا، أو كان الثّانِي يَتَمَيَّزُ عن الأوَّلِ إذا حَدَث، فالرَّهْنُ صَحِيحٌ. فإن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَقَع التَّوانِي في قَطْعِ الحِمْلِ الأوَّلِ حتَّى اخْتَلَطَ بالثَّانِي، وتَعَذَّرَ التَّميِيزُ، لم يَبْطُلِ الرَّهْنُ؛ لأنَّه وَقَع صَحِيحًا، وقد اخْتَلَطَ بغَيرِه على وَجْهٍ لا يُمْكِنُ فَصْلُه. فعلى هذا، إن سَمَح الرّاهنُ بكَوْنِ الثَّمَرَةِ كُلِّها رَهْنًا، أو اتَّفَقَا على قَدْرِ المَرْهُونِ منهما، فحَسَنٌ، وإنِ اخْتَلَفا، فالقَوْلُ قولُ الرّاهِنِ مع يَمِينِه في قَدْرِ الرَّهْنِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ للقَدْرِ الزّائِدِ، والقولُ قولُ المُنْكِرِ.
فصل: ولو رَهَنَه مَنافِعَ دارِه شَهْرًا، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ اسْتِيفاءُ الدَّينِ مِن ثَمَنِه، والمَنافِعُ تَهْلِك إلى حُلُولِ الحَقِّ. وإن رَهَنَه أجْرَةَ دارِه شَهْرًا، لم يَصِحَّ؛ لأنَّها مَجْهُولَة وغيرُ مَمْلُوكَةٍ.
فصل: ولو رَهَن المُكاتَبَ مَن يَعْتِقُ عليه، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ بَيعَه. وأجازَه (1) أبو حنيفةَ؛ لأنَّهم لا يَدْخُلونَ معه في الكِتَابَةِ. ولو رَهَن العَبْدَ المَأذُونَ مَن يَعْتِقُ على السَّيِّدِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ ما في يَدِه مِلْكٌ (2) لسَيِّدِه، فقد صار حُرًّا بشِرائِه إيّاه (2).
(1) في م: «اختاره» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولو رَهَن الوارِثُ تَرِكَةَ المَيِّتِ أو باعَهَا، وعلى المَيِّتِ دَينٌ، صَحَّ [في أحَدِ الوَجْهَينِ](1). وفيه وَجْهٌ، أنَّه لا يَصِحُّ. وقال أصحابُ (2) الشافعيِّ: لا يَصِحُّ [في أحَدِ الوَجْهَين](3) إذا كان الدَّينُ يَسْتغْرِقُ التَّرِكَةَ، لأنَّه تَعَلَّقَ به حَقُّ آدَمِيٍّ، فلم يَصِحَّ رَهْنُه، كالمَرْهُونِ. ولَنا، أنَّه تَصَرُّفٌ صادَفَ مِلْكَه، ولِم يُعَلِّقْ به حَقًّا، فصَحَّ، كما لو رَهَن المُرْتَدَّ. وفارَقَ المَرْهُون، لأنَّ الحَقَّ تَعَلَّقَ به (4) باخْتِيارِه. وفي مَسْألَتِنا تَعَلَّقَ بغيرِ اختِيارِه، فلم يَمْنَعْ تَصَرُّفَه. وهكذا كلّ حَقٍّ يَثْبُتُ مِن غيرِ إثْباتِه، كالزكاةِ والجِنايَةِ، فإنَّه لا يَمْنَعُ رَهْنَه، فإذا رَهَنَه ثم قَضَى الحَقَّ مِن غَيرِه، فالرَّهْنُ بحالِه، وإن لم يَقْضِ الحَقَّ، فللغُرَماءِ انْتِزاعُه؛ لأنَّ حَقَّهُم سابِق، والحُكْمُ فيه كالحُكْمِ في الجانِي. وهكذا الحُكْم لو تَصَرَّفَ في التَّرِكَةِ، ثم رُدَّ عليه مَبِيعٌ باعَه المَيِّتُ بعَيبٍ ظَهَر فيه، أو حَقٌّ تَجَدَّدَ تَعَلُّقُه بالتَّرِكَةِ، مثلَ أن وَقَع إنْسانٌ أو بَهِيمَةٌ في بئرٍ حَفَرَه في غَيرِ مِلْكِه بعدَ مَوْتِه، فالحُكْمُ واحِدٌ، وهو أنَّ تَصَرُّفَه صَحِيحٌ غيرُ نافِذٍ، فإن قَضَى الحَقَّ مِن غَيرِه، نَفَذ، وإلَّا فُسِخَ البَيعُ والرَّهْنُ. وعلى الوَجْهِ الآخَرِ لا يَصِحُّ تَصَرُّفُه، والله أعلمُ.
(1) زيادة من: م.
(2)
زيادة من: ر 1.
(3)
سقط من: م.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يَصِحُّ الرَّهْنُ والارْتِهانُ إلَّا مِن جائِزِ الأمْرِ (1)، وهو المُكَلَّف الرَّشِيدُ، غيرُ المَحْجُورِ عليه، لصِغَرٍ أو جُنُونٍ (2) أو سَفَهٍ، أو فَلَسٍ؛ لأنَّه نَوْعُ تَصَرُّفٍ في المالِ، فلم يَصِحَّ مِن غيرِ إذْنٍ مِن المَحْجُورِ عليه، كالبَيعِ. ويُعْتَبَرُ ذلك في حالِ رَهْنِه وإقْباضِه، لأنَّ العَقْدَ والتَّسْلِيمَ ليس بواجِبٍ، وإنَّما هو إلى اخْتِيارِ الرّاهِنِ. فإذا لم يكُنْ له اخْتِيار صَحِيحٌ، لم يَصِحَّ منه، كالبَيعِ. فإن جُنَّ أحَدُ المُترَاهِنَين قبلَ القَبْضِ، أو مات، لم يَبْطُلِ الرَّهْنُ؛ لأنَّه عَقْدٌ يَئُولُ إلى اللُّزُومِ، فلم يَبْطُلْ بجُنُونِ أحَدِ المُتَعاقِدَين أو مَوْتِه، كالبَيعِ في مُدَّةِ الخِيار، ويَقومُ وَلِيُّ المَجْنُونِ مَقامَه. وإن كان المَجْنُونُ الرّاهِنِ، وكان الحَظُّ في التَّقْبِيضِ، مِثْلَ أن يَكُونَ شَرْطًا في بَيع يَسْتَضِرُّ بفسْخِه، ونحوه، أقبضَه (3). وإن كان الحَظُّ في تَرْكِه (4) لم يَجُزْ له تَقْبِيضُه. وإن كان المَجْنُونُ المُرْتَهِنَ، قَبَضَهُ وَلِيُّه. وإذا مات، قامَ وارِثُه مَقامَه في القَبْضِ. فإن مات الرّاهِنُ، لم يَلْزَمْ وَرَثَتَه تَقْبِيضُه؛ لأنَّهم يَقُومُون مَقامَ الرّاهِنِ، ولم يَلْزَمْه ذلك. فإن لم يَكُنْ
(1) في ر 1: «التصرف» .
(2)
سقط من: م.
(3)
في الأصل: «أو قبضه» .
(4)
في م: «قبضه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على المَيِّتِ دَيْنٌ سِوَى هذا الدَّينِ، فللوَرَثَةِ تَقْبِيضُ الرَّهْنِ، وإن كان عليه دَين سِواه، فظاهِرُ المَذْهَبِ أَنَّه ليس للوارِثِ تَخْصِيصُ المُرْتَّهِنِ بالرَّهْنِ. نَصَّ عليه في رِوايَةَ عَليِّ بنِ سَعِيدٍ. وهو مَذْهَبُ الشَّافعيِّ. وذَكَر القاضِي فيه رِوايَة أخْرَى، أنَّ لهم ذلك، أخْذًا ممّا نَقَل ابنُ مَنْصُورٍ وأبو طالِبٍ عن أحمدَ، أنَّه قال: إذا مات الرّاهِنُ أو أفْلَسَ، فالمُرْتَهِنُ أحَقُّ به مِن الغُرَماءِ. ولم يَعْتَبِرْ وجُودَ القَبْضِ بعدَ المَوْتِ أو قَبْلَه. قال شَيخُنا (1): وهذا لا يُعارِضُ ما نَقَلَه عليّ بنُ سَعِيدٍ؛ لأنَّه خاصٌّ، وهذا عامٌّ، والاسْتِدْلالُ به على هذه الصُّورَةِ يَضْعُفُ جدًّا؛ لنُدْرَتِها، فكيف يُعارَضُ بها الخاصُّ! لكنْ يَجُوزُ أن يَكُونَ هذا الحُكمُ مَبْنِيًّا على الرِّوايَةِ التي لا يُعْتَبَرُ فيها القَبْضُ في غيرِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ، فيَكُونُ الرَّهْنُ قد لَزِم قبلَ القَبْضِ، ووَجب تَقْبِيضُه على الرَّاهِنِ، فكذلك على وارِثِه. ويَخْتَصُّ ذلك بغيرِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ، فأمّا ما لم (2) يَلْزَمِ الرَّهْنُ فيه، فليس للورَثَةِ تَقْبِيضُه؛ لأنَّ الغُرَماءَ تَعَلَّقَتْ دُيُونُهم بالتَّرِكَةِ قبلَ لزُومِ حَقِّه في الرَّهْنِ، فلم يَجُزْ تَخْصِيصُه به بغيرِ رِضاهُم، كما لو أفْلَسَ الرّاهِنُ، إلَّا (2)
(1) في: المغني 6/ 447.
(2)
سقط من: م.