الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأمَّا الْمَعْدُودُ الْمُخْتَلِفُ؛ كَالْحَيَوَانِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَالْبُقُولِ، وَالْجُلُودِ، وَالرُّءُوسِ، وَنَحوها، فَفِيه رِوَايَتَانِ.
ــ
1724 - مسألة: (فأمّا المَعدُودُ المُخْتَلِفُ؛ كالحَيَوانِ، والفَواكِهِ، والبُقُولِ، والجُلُودِ، والرُّءُوسِ، ونحوها، ففيه رِوَايَتَان)
اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في السَّلَمِ في الحَيَوانِ، فرُويَ، أنّه لا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه. وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وأصحابِ الرّأي. ورُوِيَ ذلك عن عمرَ، وابنِ مَسْعُودٍ، وحُذَيفَةَ، وسَعِيدِ جُبَير، والشَّعبِيِّ. قال عمرُ، رضي الله عنه: إنَّ من الرِّبَا أبوابًا لا تَخْفى، وإنَّ منها السَّلَمَ في السِّنِّ (1). ولأنَّ الحَيَوانَ يَخْتَلِف خْتِلافًا مُتَبايِنًا، فلا يُمكِنُ ضَبْطُه. وإنِ اسْتَقْصَى صِفاتِه التي يَخْتَلِفُ بها الثمَنُ، مثلَ: أزَجُّ الحاجِبَينِ (2)، أكْحَلُ العَينَينِ، أقْنَى الأنْفِ (3)، أهْدَبُ الأشْفَارِ (4)، ألْمَى الشَّفَةِ (5). تَعَذَّرَ تَسْلِيمُه؛ لنُدرَةِ
(1) في م: «البسر» .
الأثر أخرجه البيهقي، في: باب من أجاز السلم في الحيوان. . . .، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 6/ 23. وعبد الرزاق، في: باب السلف في الحيوان، من كتاب البيوع. المصنف 8/ 26.
(2)
زج الحاجب، دق في الطول وتقوَّس.
(3)
قَنِيَ الأنفُ، ارتفع وسط قصبته وضاق منخراه.
(4)
شَفرُ الجفن، حرفه الذي ينبت عليه الهدب. وأهدب الأشفار، طويلها.
(5)
اللمَى: سمرة في الشفة تستحسن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجُودهِ على تلك الصِّفَة، وإنْ لم يَذْكُرها اخْتَلَفَ بها الثَّمَنُ ظاهِرًا. والمَشْهُورُ في المَذْهبِ صِحَّةُ السَّلَمِ فيه. نصّ عليه أحمدُ في رِوَايَةِ الأثرَمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: وممَّنْ رَوَينَا عنه أنَّه لا بَأسَ بالسَّلَمِ في الحَيَوانِ؛ ابنُ مَسْعُودٍ، وابنُ عَبّاسٍ، وابنُ عمرَ، وسَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والحَسَنُ، والشَّعبِيُّ، ومُجاهِدٌ، والزُّهْريُّ، والأوْزاعِيُّ، والشّافِعِيُّ، وإسحاق، وأبو ثَوْرٍ. لأنَّ أبا رافِع قال: اسْتَسْلَفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَجُل بَكْرًا. رَواهُ مُسْلِمٌ (1). وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العَاصِ، قال: أمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ أبتَاعَ البَعِيرَ بالبَعِيرَينِ وبالأبعِرَةِ إلى مَجِئِ الصَّدَقَةِ (2). رَواهُ أبو
(1) في: باب من استسلف شيئًا. . . .، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1224.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في حسن القضاء، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 222. والنسائي، في: باب استسلاف الحيوان واستقراضه، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 256. وابن ماجه، في: باب السلم في الحيوان، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 767. والإمام مالك، في: باب ما يجوز من السلف، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 680. والدارمي، في: باب في الرخصة في استقراض الحيوان، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 254. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 390.
(2)
في الأصل: «المصدق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
دَاوُدَ (1). ولأنّه يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ صَدَاقًا، فيَثْبُتُ في السَّلَمِ، كالثِّيابِ. فأمّا حَدِيثُ عمرَ، فلم يَذْكُرهُ أصحابُ الاخْتِلافِ، ثمّ هو مَحمُول على أنَّهم يَشْتَرِطُونَ من ضِرَابِ فَحلِ بَنِي فُلانٍ. قال الشَّعبِيّ: إنّما كَرِه ابنُ مَسْعُودٍ السَّلَفَ في الحَيَوانِ؛ لأنهُم اشْتَرَطُوا نِتَاجَ فحل مَعلُوم. رَواهُ سَعِيد (2). وقد رُوِيَ عن عَلِى أنّه باعَ جَمَلًا له يُدعَى عُصَيفِيرًا بعِشْرِينَ بَعِيرًا إلى أجَل (3). ولو ثَبَتَ قَوْلُ عمرَ في تَحرِيمِ السَّلَمِ في الحَيَوانِ، فقد عارَضَه قولُ مَنْ سَمَّينَا ممَّنْ وافَقَنَا.
فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في السَّلَمِ في غيرِ (4) الحَيَوانِ، ممّا لا يُكَالُ ولا يُوزَنُ ولا يُذْرَعُ، فنَقَلَ إسْحاقُ بنُ إبراهِيمَ، عن أحمدَ، أنّه قال: لا أرَى السَّلَمَ إلَّا فيما يُكالُ، أو يُوزَنُ، أو يُوقف عليه -قال
(1) تقدم تخريجه في صفحة 101.
(2)
وأخرجه عبد الرزاق، في: باب السلف في الحيوان، من كتاب البيوع. المصنف 8/ 24.
(3)
انظر الكلام عليه في صفحة 101.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبو الخطّابِ: معناه يُوقَفُ عليه بحدٍّ معلوم لا يَخْتَلِفُ، كالذّرعِ- فأمّا الرُّمّانُ والبيضُ، فلا أرى السَّلَمَ فيه. وحَكَى ابنُ المُنْذِرِ عنه وعن إسْحاقَ، أنَّه لا خَيرَ في السَّلَمِ في الرُّمَّانِ، والسَّفرجَلِ، والبِطيخِ، والقِثّاءِ، والخِيَارِ، لأنَّه لا يُكَالُ ولا يُوزَنُ، ومنه الصَّغِيرُ والكَبِيرُ. فعلى هذه الرِّوايَةِ، لا يَصِحُّ السَّلَمُ في كُلِّ مَعدُودٍ مُخْتَلِفٍ، كالذي سَمَّينَا، وكالبُقولِ؛ لأنَّه يَخْتَلِفُ، ولا يُمكِنُ تَقْدِيرُه بالحَزْمِ؛ لأنَّ الحَزْمَ يمكِنُ في الصَّغِيرِ والكَبِيرِ، فلم يَصِحَّ السَّلَمُ فيه، كالجَواهِرِ. ونَقَلَ إسماعِيلُ بنُ سَعِيدٍ، وابنُ مَنْصُور، جَوَازَ السَّلَمِ في الفَواكِهِ، والمَوْزِ، والخَضْرَاوَاتِ، ونحوها؛ لأنَّ كثِيرًا من ذلك يَتَقارَبُ ويَنْضَبِطُ بالكبرِ والصِّغَرِ، وما لا يَتَقَارَبُ يَنْضَبِطُ بالوَزْنِ، كالبُقُولِ ونَحوها، فيَصِحُّ السَّلَمُ فيه، كالمَذْرُوعِ. وبهذا قال أبو حَنِيفَةَ، والشّافِعِيُّ، والأوْزَاعِيُّ. وحَكَى ابنُ المُنْذِرِ عن الشّافِعِيِّ المَنْعَ من السَّلَمِ في البَيضِ والجَوْزِ. ولَعَلَّ هذا قول آخرُ، فيكونُ له قَوْلانِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وفي السَّلَمِ في الرُّءُوسِ من الخلافِ ما ذَكَرنَاهُ، وكذلك الأطْرَافُ. وللشَّافِعِيِّ فيها قَوْلانِ؛ أحَدُهما، يَجُوزُ. وهو قَوْلُ مالِكٍ، والأوْزَاعِيِّ، وأبي ثَوْرٍ؛ لأنَّه لَحم فيه عَظْم يَجُوزُ شِراوه، فجازَ السَّلَمُ فيه، كبَقِيَّةِ اللَّحمِ. والأخْرَى، لا يَجُوزُ. وهو قَوْلُ أبي حَنِيفَةَ؛ لأنَّ أكْثَرَهُ العِظَامُ والمَشافِرُ، واللَّحمُ فيه قَلِيلٌ، وليس بمَوْزُونٍ، بخِلافِ اللَّحمِ. فإنْ كانَ مَطْبُوخًا، أو مَشْويًّا، فقال الشّافِعِيُّ: لا يَصِحُّ السَّلَمُ فيه. وهو قِياسُ قَوْلِ القاضِي؛ لأنَّه (1) يَتَناثَرُ (2) ويَخْتَلفُ. وعلى قَوْلِ أصحابِنَا غيرِ القاضِي، حُكْمُ ما مَسَّتْهُ النارُ حُكْمُ غَيرِه وبه قال مالِك، والأوْزَاعِيُّ، وأبو ثَوْرٍ. والعَقْدُ يَقْتَضِيه سَلِيمًا من التَّنَاثُرِ (3)، والعادَةُ في طَبْخِه تَتَقَارَبُ، فأشْبَه غَيرَه. وفي الجُلُودِ من الخِلافِ ما في الرءُوسِ والأطْرَافِ. وقال الشّافِعِيُّ: لا يَصِحُ السَّلَمُ فيها؛ لأنَّها تَخْتَلِفُ، فالوَرِك
(1) في م: «لا» .
(2)
في ر 1، ق:«يتباين» .
(3)
في ر 1: «التباين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثَخِينٌ قَويٌّ، والصَّدرُ ثَخِينٌ رِخْوٌ، والبَطْنُ رَقِيقٌ ضَعِيفٌ، والظَّهْرُ أقْوَى، فيَحتاجُ إلى وَصفِ كُلِّ مَوْضِعٍ منه، ولا يمكِنُ ذَرعُه؛ لاخْتِلافِ أطْرَافِه. ولَنا، أنّ التَّفاوُتَ في ذلك مَعلُومٌ، فلم يَمنَع صِحَّةَ السَّلَمِ فيه، كالحَيَوانِ، فإنّه يَشْتَمِلُ على الرَّأسِ والجِلْدِ والأطْرَافِ والشَّحمِ وما في البَطْنِ، وكذلك الرَّأسُ يَشْتَمِلُ على لَحمِ الخَدَّينِ والأذُنينِ والعَينَينِ، ويَخْتَلِف، ولم يمنع صِحَّةَ السَّلَمِ فيه، كذلك ههُنا.
فصل: ويَصِحُّ السَّلَمُ في اللَّحمِ. وبه قال مالِكٌ، والشّافِعِيّ. وقال أبو حنِيفَةَ: لا يَجُوزُ؛ لأنَّه يَخْتَلِفُ. ولَنا، قَوْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أسْلَمَ فَلْيُسْلِم في كَيل معلُوم، و (1) وَزْنٍ مَعلُوم» (2). ظاهِرُه إباحَةُ السَّلَمِ في كُلِّ مَوْزُونٍ. ولأنَّا قد بَيَّنَّا جَوازَ السَّلَمِ في الحَيَوانِ، فاللحمُ أوْلَى.
(1) في م: «أو» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 218.