الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ. وَعَنْهُ، إِنْ أتْلَفَتِ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا، ضَمِنَهُ الْبَائِعُ، وَإلَّا فَلَا، وَإنْ أتلَفَهُ آدَمِيٌّ، خُيِّرَ الْمُشتَرِي بَينَ الْفَسْخِ وَالإمْضَاءِ وَمُطَالبَةِ الْمُتْلِفِ.
ــ
المُنْذِرِ. وكَرِهَهُ ابنُ عَبّاس، وعِكْرِمَةُ، وأبو سَلَمَةَ؛ لأنَّه بَيعٌ (1) له قبلَ قَبْضِه، فلم يَجُزْ، كما لو كان على وَجْهِ الأرْضِ ولم يَقْبِضْه. ولَنا، أنّه يَجُوزُ له التَّصَرُّفُ فيه، فجازَ بَيعُه، كما لو قَطَعَه. وقَوْلُهم: لم يَقْبِضْه. مَمْنُوع، فإنَّ قَبْضَ كُلِّ شيءٍ بحَنبِه، وهذا قَبْضُه التَّخْلِيَةُ، وقد وُجِدَتْ.
1717 - مسألة: (وإنْ تَلِفَتْ بجَائِحَةٍ من السَّماءِ، رَجَعَ على البائِعِ. وعنه، إنْ أتْلَفَتِ الثُّلُثَ فصاعِدًا، ضَمِنَه البائِعُ، وإلَّا فَلَا)
كُل ما تُهْلِكُه الجائِحَةُ من الثَّمَرِ على أصُولِه قبلَ أوانِ الجِذَاذِ من ضمانِ البائِعِ. وبهذا قال أكثرُ أهْلِ المَدِينَةِ؛ منهم يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، ومالِكٌ، وأبو عُبَيدٍ، وجَماعَة من أهْلِ الحَدِيث. وهو قَوْلُ الشّافِعِيِّ القَدِيمُ. وقال أبو حَنِيفَةَ،
(1) في م: «تبع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشّافِعِيُّ في الجَدِيدِ: هو من ضَمانِ المُشْتَرِي؛ لما رُوِيَ أنَّ امْرأةً أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنّ ابْنِي اشْتَرَى ثمرَةً من فلانٍ، فأذْهَبَتْها الجائِحَةُ، فسَأله أنْ يَضَعَ عنه، فتَألَّى أنْ لا يَفْعَلَ. فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«تَألَّى فلانٌ أنْ لا يَفْعَلَ خَيرًا» . مُتَّفَقٌ عليه (1). ولو كانَ واجِبًا لأجبَرَه عليه. ولأنَّ التَّخْلِيَةَ يَتَعَلَّقُ بها جَوازُ التَّصَرُّفِ، فتَعَلَّقَ بها الضّمانُ، كالنَّقْلِ والتَّحْويلِ، ولأنّه لا يَضْمَنُه إذا أتْلَفَه آدَمِيٌّ، كذلك لا يَضْمَنُه بإتْلافِ غيرِه. ولَنا، ما رَوَى جابر، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، أمَرَ بوَضْعِ الجَوائِحِ. وعنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنْ بِعْتَ من أخيكَ ثَمَرًا فأصَابَتْه جائِحَة، فلا يَحِلُّ لَكَ أنْ تَأخُذَ منه شَيئًا، بمَ تَأخُذُ مال أخِيكَ بغَيرِ حَقٍّ؟» . رَواهُما مُسْلِمٌ (2). ورَواهُ أبو دَاوُدَ (3)، ولَفْظُه: «مَنْ باعَ ثَمَرًا، فأصَابَتْهُ
(1) أخرجه البخاري، في: باب هل يشير الإمام بالصلح، من كتاب الصلح. صحيح البخاري 3/ 244. ومسلم، في: باب استحباب الوضع من الدين، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1192. أخرجاه بغير لفظه عن أبي الرجال، عن أمه، عمرة عن عائشة.
كما أخرجه أيضًا من هذا الطريق الإمام مالك، في: باب الجائحة في بيع الثمار والزرع، من كتاب البيوع. الموطأ 2/ 621.
(2)
الأول، في: باب وضع الجوائح، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1191.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في بيع السنين، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 228. والنسائي، في: باب وضع الجوائح، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 233. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 309.
والثاني، في: باب وضع الجوائح، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1190.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في وضع الجائحة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 248. والنسائي، في: باب وضع الجوائح، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 232، 233. وابن ماجه، في: باب بيع الثمار سنين والجائحة، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 747.
(3)
في: باب في وضع الجائحة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 248.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جائِحَةٌ، فلا يَأخُذْ منَ مالِ أخِيهِ شيئًا، عَلَامَ يَأخُذُ أحَدُكُم مال أخِيهِ المُسْلِمِ؟». وهذا صَرِيحٌ في الحُكْمِ، فلا يُعْدَلُ عنه. قال الشّافِعِيُّ: لم يَثْبُت عِنْدِي أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أمَرَ بوَضْعِ الجَوائحِ، ولو ثَبَتَ لم أعْدُه، ولو كُنْتُ قائِلًا بوَضْعِها لوَضَعْتُها في القَلِيلِ والكَثِيرِ. قُلْنَا: الحَدِيثُ ثابِتٌ. رَواهُ الإِمامُ أحمدُ، ومُسْلِم، وأبو دَاوُدَ، وابنُ ماجَه، وغيرُهم. فأما حَدِيثُهم فلا حُجَّةَ لهم فيه؛ فإنَّ فِعْلَ الواجِبِ خَيرٌ، فإذا تَألَّى أنْ لا يَفْعَلَ الواجِبَ، فقد تَألَّى أنْ لا يَفْعَلَ خَيرًا. وإنّما لم يُجْبِرْه النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بمُجَرَّدِ قَوْلِ أمِّ المُدَّعِى، من غيرِ إِقْرارِ البائِعَ ولا حُضُورِه. وأمّا التَّخْلِيَةُ، فلَيسَتْ قَبْضًا تامًّا، بدَلِيلِ ما لو تَلِفَتْ بعَطَش عندَ بَعْضِهم. ولا يَلْزَمُ من إباحَةِ التَّصَرُّفِ تمامُ القَبْضِ، بدَلِيلِ المنافِع في الإِجارَةِ يُباحُ التَّصَرُّفُ فيها، ولو تَلِفَتْ كانت من ضَمانِ المُوجِرِ، كذلك الثَّمَرَةُ في شَجَرِها، كالمَنافِعِ قبلَ اسْتِيفَائِها، تُؤخَذُ حَالًا فحالًا. وقِياسُهُم يَبطُلُ بالتَّخْلِيَةِ في الإجارَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: والجائِحَةُ كُلُّ آفَةٍ لا صُنْعَ لآدَمِيٍّ فيها؛ كالرِّيحِ، والحَرِّ، والبَرْدِ، والعَطَشِ؛ لما رَوَى السّاجِيّ (1) بإسْنادِه، عن جابِرٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى في الجائِحَةِ، والجائِحَةُ تكونُ في البَرْدِ، والجرَادِ (2)، والحَرِّ، وفي الحَبَقِ (3)، وفي السَّيلِ، وفي الرِّيحِ. وهذا تَفْسِيرٌ من الرّاوي لكَلَامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَجِبُ الرّجُوعُ إليه. فأمّا ما كان بفِعْلِ آدَمِي، فقال القاضِي: يُخَيَّرُ المُشْتَرِي بينَ فَسْخِ العَقْدِ ومُطَالبَةِ البائِعِ بالثَّمَنِ، وبينَ البَقاءِ عليه ومُطَالبَةِ الجانِي بالقِيمَةِ، كالمَكِيلِ والمَوْزُونِ إذا أتْلَفَه آدَمِي قبلَ القَبْضِ؛ لأنَّه أمْكَنَ الرُّجُوعُ بِبَدَلِه، بخِلافِ التالِفِ بِالجائِحَةِ. إلَّا أنَّ في إحْراقِ اللُّصُوصِ ونَهْبِ العَسَاكِرِ والحَرامِيَّةِ وَجْهَينِ. فإن قيلَ: فقد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن رِبْحِ ما لم يَضْمَنْ (4). والثَّمَرَةُ غيرُ مَضْمُونَةٍ على المُشْتَرِي، فإذا كانتِ القِيمَةُ أكثَرَ من الثَّمَنِ فقد رَبِحَ فيه. قُلنا: المُرادُ بالخَبَرِ النَّهْي عن الرِّبْحِ بالبَيعِ، بدَلِيلِ أنَّ المَكِيلَ لو زَادَتْ قِيمَتُه قبلَ قَبْضِه، ثم قَبَضَه، جازَ ذلك بالإجْماعِ.
(1) زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي، البصري، الشافعي، أبو يحيى الإمام الثبت الحافظ، محدث البصرة، وشيخها، له مصنف جليل في علل الحديث. توفي سنة سبع وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء 14/ 197 - 200.
(2)
سقط من: م.
(3)
كذا في النسخ. وفي حاشية ر، ق:«لعله الحرق» .
(4)
تقدم تخريجه في 11/ 230.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وظاهِرُ المَذْهَبِ أنّه لا فَرْقَ بينَ قَلِيلِ الجائِحَةِ وكَثِيرِها، إلَّا أنّ ما جَرَتِ العادَةُ بتَلَفِ مِثْلِه، كاليَسِيرِ الذي لا يَنْضَبِطُ، لا يُلْتَفَتُ إليه. قال أحمدُ: إنِّي لا أقولُ في عَشرِ ثَمَرَاتٍ، ولا عِشرِينَ، ولا أدرِى ما الثُّلُثُ، ولكنْ إذا كانت جائِحَة تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ، أو الرُّبْعَ، أو الخُصْرَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تُوضَعُ. وعن أحمدَ، أنّ ما دُونَ الثُّلُثِ من ضمانِ المشتَرِي. وهو مَذْهَبُ مالِكٍ، والشّافِعِيِّ في القَدِيمِ؛ لأنّه لا بُدَّ أنْ يَأكلَ الطائِرُ منها، وتَنْثُرَ الرِّيحُ، ويَسْقُطَ منها، فلم يكُنْ بُدٌّ من ضابِطٍ وحَدٍّ (1)، وَالثلُثُ قد اعْتَبَرَه
(1) في ر 1: «واحد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشّارِعُ في الوَصِيَّةِ وعَطِيَّةِ المَرِيضِ. قال الأثْرَمُ: قال أحمدُ: إنَّهُم يَسْتَعْمِلُونَ الثُّلُثَ في سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْألةٍ. ولأن الثُّلُثَ في حَدِّ الكَثْرَةِ، وما دُونَه في حَدِّ القِلَّةِ، بدَلِيلِ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الوَصِيَّةِ:«الثُّلُثُ، والثُّلث كَثِير» (1). فلهذا قُدِّرَ به. ولنا، عُمومُ الأحادِيثِ، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بوَضْعِ الجوائِحِ. وما دُونَ الثُّلُثِ داخِل فيها، فيَجِبُ وَضْعُه. ولأنَّ هذه الثَّمَرَةَ لم يتمَّ قَبْضُها، فكانَ ما تَلِفَ منها من ضَمانِ البائِعِ وإنْ نَقَصَ عن الثُّلُثِ، كالتي على الأرْضِ، وما أكَلَه الطَّيرُ أو سَقَطَ، لا يُؤثِّرُ في العادَةِ، ولا يُسَمَّى جائِحَة، فلا يَدْخُلُ في الخَبَرِ، ولأنَّه لا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، فهو مَعْلُومُ الوُجُودِ بحُكْمِ العادَةِ، فكَأنه مَشْرُوط. إذا ثَبَتَ ذلك، فمَتَى تَلِف شيء له قَدْر خارِج عن العادَةِ، وَضَعَ من الثَّمَنِ بقَدْرِ الذّاهِب. وإنْ تَلِفَ الجَمِيعُ، بَطَلَ العَقْدُ، ويَرْجِعُ المُشْتَرِي بجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَأمّا على الروَايَةِ الثانِيَةِ، فإنَّه يَعْتَبِرُ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ. وقيل: ثُلُثَ القِيمَةِ. فإنْ تَلِفَ الثُّلُثُ فما زادَ، رَجعَ بقِسْطِه من الثَّمَنِ، وإنْ كان دُونَه، لم يَرْجِعْ بشَيءٍ. وإنِ اخْتَلَفَا في الجائِحَةِ، أو قَدْرِ التّالِفِ، فالقَوْلُ قولُ البائِعَ؛ لأنَّ الأصْلَ السَّلَامَةُ، ولأنه غارِم، والقَوْلُ في الأصُولِ قَوْلُ الغارِمِ.
(1) تقدم تخريجه في 11/ 343.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنْ بَلَغَتِ الثَّمَرَةُ أوانَ الجِذاذِ، فلم يَجُذَّها حتى أصَابَتْها جائِحَة، فقال القاضِي: عندي، لا تُوضَعُ عنه (1)؛ لأَنه مُفرِّط بتَرْكِ النَّقْلِ في وَقْتِه مع قُدْرَتِه، فكان الضَّمانُ عليه. ولو اشْتَرَى ثَمَرَةً قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها بشَرْطِ القَطْعِ، فأمْكَنَه قَطْعُها، فلم يَقْطَعْها حتى تَلِفَت، فهي من ضَمانِه؛ لذلك. وإنْ تَلِفَتْ قبلَ إمْكانِ قَطْعِها، فهي من مالِ البائِعِ، كالمسألةِ قَبْلَها.
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإنِ اسْتَأجَرَ أرْضًا، فزَرَعَها، فتَلِفَ الزَّرْعُ، فلا شيءَ على المُؤجِرِ. نَصَّ عليه أحمدُ. ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّ المَعْقُودَ عليه مَنافِعُ الأرْضِ، ولم يَتْلَفْ، إنَّما تَلِفَ مالُ المُسْتَأجِرِ فيها، فصارَ كدارٍ اسْتَأجَرَها لِيَقْصُرَ فيها ثِيابًا، فتَلِفَتِ الثيابُ فيها.