الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي الْمَعْدُودِ الْمُخْتَلِفِ غَيرِ الْحَيَوانِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يُسْلِمُ فِيهِ عَدَدًا. وَالْأُخْرَى، وَزْنًا. وَقِيلَ: يُسْلِمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيضِ عَدَدًا، وَفِي الْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ وَزْنًا.
ــ
يَجُوزُ بقَفِيزٍ لا يُعْرَفُ عِيَارُه، ولا في ثَوْبٍ بذَرْعِ فلانٍ؛ لأنَّ المِعْيارَ لو تَلِفَ، أو ماتَ فلانٌ، بَطَلَ السَّلَمُ؛ منهم الثَّوْرِيُّ، والشّافِعِيُّ، وأبو حَنِيفَةَ وأصحَابُه، وأبو ثَوْرٍ. فإنْ عَيَّنَ مِكْيَال رَجُل، أو مِيزانَه، وكانا مَعْرُوفَينِ عندَ العامَّةِ، جازَ. ولم يَخْتَصَّ بهما. وإن لم يُعْلَمَا، لم يَجُزْ؛ لِما ذَكَرْنا.
1733 - مسألة: (وفي المَعْدُودِ المُخْتَلِفِ غيرِ الحَيَوانِ رِوايَتَانِ؛ إحْداهُما، يُسْلِمُ فيه عَدَدًا. والأُخْرَى، وَزْنًا. وقيل: يُسْلِمُ في الجَوْزِ والبَيضِ عَدَدًا، وفي الفَواكِهِ والبُقُولِ وَزْنًا)
ما عَدا المَكِيلَ، والمَوْزونَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والحَيَوانَ، والمَذْرُوعَ، فعلى ضَرْبَينِ؛ مَعْدُودٍ وغَيرِه، والمَعْدُودُ نوْعانِ؛ أحَدُهما، لا يَتَبايَنُ كَثِيرًا؛ كالجَوْزِ والبَيضِ، فَيُسْلِمُ فيه عدَدًا في أظْهَرِ الرِّوَايَتَينِ. وهو قولُ أبي حَنِيفَةَ، والأوْزَاعِيِّ. وقال الشَّافِعِيُّ: لا يُسْلِمُ فيهما عدَدًا؛ لأنَّ ذَلك يَتَبايَنُ ويَخْتَلِفُ، فلم يَجُزْ عَدَدًا، كالبِطِّيخِ، وإنّما يُسْلَمُ فيهما كَيلًا أو وَزْنًا. ولَنا، أنَّ التَّفَاوُتَ يَسِيرٌ، ويَذْهَبُ ذلك باشْتِراطِ الكِبَرِ أو (1) الصِّغَرِ أو الوَسَطِ، فيَذْهَبُ التَّفَاوُت. وإنْ بَقِيَ شيءٌ يَسِيرٌ، عُفِيَ عنه، كسائِرِ التَّفَاوُتِ في المَكِيلِ والمَوْزُونِ المَعْفُوِّ عنه، ويُفارِقُ البطيخَ، فإنَّه يَتَفاوَتُ (2) كَثِيرًا، لا يَنْضَبِطُ، ولَنا فيه مَنْعٌ أيضًا. النَّوْعُ الثانِي، ما يَتَفَاوَتُ؛ كالرُّمَّانِ، والسَّفَرْجَلِ، والقِثَّاءِ، والخِيَارِ، فحُكْمُه حُكْمُ ما لَيسَ بمَعْدُودٍ، من البِطِّيخِ والبُقُولِ، وفيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، يُسْلِمُ فيه عَدَدًا، ويُضْبَطُ (3) بالصِّغَرِ
(1) في م: «و» .
(2)
بعده في م: «تفاوتا» .
(3)
في م: «يضبطها» .
فَصْلٌ: الرَّابعُ، أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا مَعْلُومًا، لَهُ وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ، كَالشَّهْرِ وَنَحْوهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ حَالًّا، أَوْ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ، كَالْيَوْمِ وَنَحْوهِ، لَمْ يَصِحَّ،
ــ
والكِبَرِ؛ لأَنَّهُ يُباعُ هكذا. والثاني، لا يُسْلِمُ فيه إلَّا وَزْنًا. وبهذا قال أبو حَنِيفَةَ، والشّافِعِيُّ؛ لأنَّه لا يمكِنُ تَقْدِيرُه بالعَدَدِ؛ لأنَّه يَخْتَلِفُ كَثِيرًا، ويَتَبَايَنُ جِدًّا، ولا بالكَيلِ؛ لأنَّه يَتَجَافَى في المِكْيَالِ. ولا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ البَقْلِ بالحَزْمِ؛ لأنَّه يَخْتَلِفُ، ويُمْكِنُ حَزْمُ الكَبِيرَةِ والصَّغِيرَةِ، فلم يُمْكِنْ تَقْدِيرُه بغَيرِ الوَزْنِ، فَيَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُه به. وقيلَ: يُسْلِمُ في الجَوزِ والبَيضِ عدَدًا؛ لأنَّه يُباعُ كذلك، وفي الفَواكِهِ والبُقُولِ وَزْنًا؛ لأنَّه أضْبَطُ. وقد ذَكَرْناهُ.
فصل: (الرَّابعُ، أنْ يَشْتَرِطَ أجَلًا مَعْلُومًا، له وَقْعٌ في الثَّمَنِ، كالشهْرِ ونَحْوه. فإنْ أسلمَ حالًّا، أو إلى أجَل قَرِيبٍ، كاليَوْمِ ونحوه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لِم يَصِحَّ) يُشْتَرَطُ لصِحَّةِ السَّلَمِ كَوْنُه مُؤَجَّلًا، ولا يَصِحُّ السَّلَمُ الحالُّ. نَصَّ عليه أحمدُ في روايةِ المَرُّوذِيِّ. وبه قال أبو حَنِيفَةَ، ومالِكٌ، والأوْزَاعِيُّ. وقال الشَّافِعِيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ: يَجُوزُ السَّلِمُ حالًّا؛ لأنَّه عَقْدٌ يَصِحُّ مُؤجَّلًا، فصَحَّ حالًّا، كبُيُوعِ الأَعْيَانِ، ولأنَّه إذا جازَ مُؤجَّلًا، فحالًّا أجْوَزُ، ومن الغَرَرِ أبْعَدُ. ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أسْلَفَ في شَيءٍ، فَلْيُسْلِفْ في كَيلٍ مَعْلُومٍ، و (1) وَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ» (2). فأَمَرَ بالأَجَلِ، والأَمْرُ يَقْتَضِي الوُجُوبَ. ولأنَّه أمَرَ بهذه الشُّرُوطً تَبْيِينًا لشُروطِ السَّلَمِ، ومَنْعًا منه بدُونِها، ولذلك (3) لا يَصِحُّ إذا انْتَفَى الكَيلُ والوَزْنُ، فكذلك الأَجَلُ. ولأنَّه إنَّما جازَ رُخْصَةً للمَرْفَقِ، ولا يَحْصُلُ المَرْفَقُ إلَّا بالأَجَلِ، فإذا انْتَفَى الأَجَلُ انْتَفَى المَرْفَقُ، فلا يَصِحُّ، كالكِتَابَةِ. ولأنَّ الحُلُولَ يُخْرِجُه عن اسْمِه ومَعْناه،
(1) في م: «أو» .
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 218.
(3)
في ر 1، ق:«كذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أمّا الاسْمُ، فلأنَّه يُسَمَّى سَلَمًا وسَلَفًا؛ لتَعَجُّلِ أحَدِ العِوَضَينِ وتَأَخُّرِ الآخَرِ، ومعناه ما ذَكَرْنَاه في أوَّلِ البابِ، من أنّ الشارِعَ أرْخَصَ (1) فيه مِن أجْلِ الحاجَةِ الدَّاعِيَةِ إليه، ومع حُضُورِ ما يَبِيعُه حَالًّا لا حاجَةَ إلى السَّلَمِ، فلا يَثْبُتُ. وفارَقَ بُيُوعَ الأعْيَانِ، فإنَّها لم تَثْبُتْ على خِلافِ الأصْلِ لمَعْنًى يَخْتَصُّ بالتَّأْجِيلِ. وما ذَكَرُوه من التَّنْبِيهِ غيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ ذلك إنّما يَجْرِي فيما إذا كان المَعْنَى المُقْتَضِي مَوْجُودًا في الفَرْعِ بصِفةِ التَّأكِيدِ، وليس كذلك ههُنا، فإنَّ البُعْدَ من الغَرَرِ ليس هو المُقْتَضيَ لِصِحَّةِ السَّلَمِ المُؤَجَّلِ، وإنّما المُصَحِّحُ له شيءٌ آخَرُ لم يَذْكُرِ (2) اجْتماعَهما فيه، وقد بَيَّنَّا افْتِراقَهُما. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه إنْ باعَهُ ما يَصِحُّ السَّلَمُ فيه حالًّا في الذِّمَّةِ، صَحَّ، ومَعْناهُ مَعْنَى السَّلَمِ، وإنّما افْتَرَقَا في اللَّفْظِ، لكنْ يُشْتَرَطُ في البَيعِ أنْ يكونَ المَبِيعُ مَمْلُوكًا للبائِعِ. فإنْ باعَهُ ما ليسَ عِنْدَه، لم يَصِحَّ، وقد ذَكَرْنَاهُ.
فصل: ويُشْتَرَطُ كَوْنُ الأجَلِ مُدَّةً لها وَقْعٌ في الثَّمَنِ، كالشَّهْرِ وما قَارَبَه. وقال أصْحابُ أبي حَنِيفَةَ: لو قَدَّرَهُ بنِصْفِ يَوْمٍ، جازَ. وقَدَّرَهُ
(1) في م، ق:«رخص» .
(2)
في المغني 6/ 403: «نذكر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَعْضُهم بثَلاثةِ أيّامٍ. وهو قولُ الأوْزَاعِيِّ؛ لأنَّها مُدَّةٌ يَجُوزُ فيها خِيارُ الشَّرْطِ، وهي آخِرُ حَدِّ القِلَّةِ. قالُوا: لأنَّ الأَجَلَ إنّما اعْتُبِرَ في السَّلَمِ؛ لأنَّ المُسْلَمَ فيه مَعْدُومٌ في الأصْلِ؛ لكَوْنِ السَّلَمِ إنّما ثَبَت رُخْصَةً في حَقِّ المَفالِيسِ، فلا بُدَّ من الأجَل، ليَحْصُلَ فيُسَلَّمَ، وهذا يَتَحَقَّقُ بأَقلِّ مُدَّةٍ يَتَصَوَّرُ حُصُولَه فيها. ولَنا، أنَّ الأَجَلَ إنّما اعْتُبِرَ لِيَتَحَقَّقَ المَرْفَقُ الذي شُرِعَ من أجْلِه السَّلَمُ، ولا يَحْصُلُ ذلك بالمُدَّةِ التي لا وَقْعٍ لها في الثَّمَنِ. ولا يَصِحُّ اعْتِبارُه بمُدَّةِ الخِيارِ، لأَنَّ الخِيارَ يَجُوزُ ساعَة، وهذا لا يَجُوزُ، والأَجَلُ يَجُوزُ أنْ يكونَ أعْوامًا، وهم لا يُجِيزُونَ الخِيارَ أكثرَ من ثلاثٍ، وكوْنُها آخِرَ حَدِّ القِلَّةِ، لا يَقْتَضِي التَّقْدِيرَ بها. وقَوْلُهم: إنَّ المَقْصُودَ يَحْصُلُ بأقَلِّ مُدَّةٍ: لا يَصِحُّ، فإنَّ السَّلَمَ إنَّما يكونُ لحاجَةِ المَفالِيسِ الذين لهم ثِمارٌ أو زُرُوعٌ أو تِجارات يَنْتَظِرُونَ حُصُولَها، ولا يَحْصُلُ هذا في المُدَّةِ اليَسِيرَةِ غالِبًا.