الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَحْرُمُ الرِّبَا بَينَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ، وَبَينَ الْمُسْلِمينَ فِي دَارِ
ــ
للعامِلِ، ولا يَأخُذُ منه المالِكُ شيئًا، ولا يريدُ ذلك، وإنَّما قَصْدُه بَيعُ الثَّمَرَةِ قبلَ وجُودِها بما سَمّاهُ أجْرَةً، والعامِلُ لا يَقْصِدُ أيضًا سِوَى ذلك، ورُبَّما لا يَنْتَفِعُ بالأرْضِ التي سَمَّى الأجْرَةَ في مُقابَلَتِها، ومَتَى لم يَخْرُجِ الثمرُ أو أصابَتْهُ جائِحَةٌ، جاءَ المُسْتَأجِرُ يَطْلُبُ الجائِحَةَ، ويَعْتَقِدُ أنه إنَّما بَذَلَ ماله في مُقَابَلَةِ الثَّمَرَةِ لا غيرُ، ورَبُّ الأرْضِ يَعْلَمُ ذلك.
فصل: وإنِ اشْتَرَى شَيئًا بمُكَسَّرَةٍ، لم يَجُزْ أنْ يُعْطِيَه صَحِيحًا أقَلَّ منها. قال أحمدُ: هذا هو الرِّبَا المَحْضُ؛ وذلك لأنَّه يَأخُذُ عِوَضَ الفِضَّةِ أقلَّ منها، فَيَحْصُلُ التَّفاضُلُ. ولو اشْتَرَاهُ بصَحِيحٍ، لم يَجُزْ أن يُعْطِيَه مُكَسَّرَةً أكثرَ منها؛ لذلك (1). فإنْ تَفَاسَخَا البَيعَ، ثمّ عَقَدا بالصِّحَاحِ، أو بالمُكَسَّرَةِ، جازَ. ولو اشْتَرَى ثَوْبًا بنِصْفِ دِينارٍ، لَزِمَه نِصْفُ دِينارٍ شِقٌّ، فإنْ عادَ فاشْتَرَى شَيئًا آخَرَ بنِصْفٍ، لَزِمَه نِصْفٌ شِقٌّ أيضًا، فإنْ وَفَّاهُ دينارًا صَحِيحًا، بَطَل العَقْدُ الثانِي؛ لأنه تَضَمَّنَ اشْتِراطَ زِيادَةِ ثَمَنِ العَقْدِ الأوَّلِ، وإنْ كان ذلك قبلَ لزُومِ العَقْدِ الأوَّلِ، بَطَلَ أيضًا؛ لأنَّه وُجِدَ ما يُفْسِدُه قبك انْبِرامِه. وإنْ كان بعدَ لزُومِه، لم يُؤثرْ ذلك فيه، ولا يَلْزمُه أكْثَرُ من ثَمَنِه الذي عَقَدَ البَيعَ به. ومذهَبُ الشّافِعِيِّ في هذا كما ذَكَرْنَا.
1701 - مسألة: (ويَحْرُمُ الرِّبَا بينَ المسْلِمِ والحَرْبِيِّ، وبينَ
(1) في ق، م:«كذلك» .
الْحَرْبِ، كَمَا يَحْرُمُ بَينَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الإسْلَامِ.
ــ
المُسْلِمِينَ في دارِ الحَرْبِ، كما يَحْرُمُ بينَ المُسْلِمِينَ في دارِ الإِسْلامِ). وبذلك قال مالِك، والأوْزَاعِيّ، وأبو يُوسُفَ، والشّافِعِيُّ، وإسحاقُ. وقال أبو حَنِيفَةَ: لا يَجْرِي الرِّبَا بَينَ مُسْلِم وحَرْبِي في دارِ الحَرْبِ. وعنه في مُسْلِمَينِ أسْلَما في دارِ الحَرْبِ، لا رِبًا بَينَهُما؛ لِما رَوَى مَكْحُولٌ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «لا رِبًا بَينَ المُسْلِمِينَ وأهلِ الحَرْبِ في دارِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحَرْبِ» (1). ولأنَّ أمْوالهم مُباحَةٌ، وإنَّما حَظرها الأمانُ في دار الإِسْلامِ، فما لم يَكُنْ كذلك كان مُبَاحًا. ولَنا، قَوْلُ اللهِ تَعالى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} (2) وقوْلُه تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (2). وقَوْلُه تَعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (3). وعُمُومُ الأخبارِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ (4) التَّفاضُلِ. وقولُه: «مَنْ زَادَ أو ازْدَادَ فَقَدْ أرْبَى» (5). عَامٌّ. ولأنَّ ما كانَ مُحَرَّمًا في دارِ الإِسْلَامِ كان مُحَرَّمًا في دارِ الحَرْبِ، كالرِّبَا
(1) قال الزيلعي: غريب، وأسند البيهقي في كتاب السير عن الشافعي، قال: قال أبو يوسف: إنما قال أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة حدثه عن مكحول، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا ربا بين أهل الحرب» ، أظنه قال:«وأهل الإسلام» . قال الشافعي: وهذا ليس بثابت، ولا حجة فيه. انتهى كلامه. نصب الراية 4/ 44.
(2)
سورة البقرة 275.
(3)
سورة البقرة 278.
(4)
في ر 1: «عموم» .
(5)
تقدم تخريجه في صفحة 9.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بينَ المُسْلِمِينَ. وخَبَرُهُم مُرْسَل لا تُعْرَفُ صِحَّتُه، ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ النَّهْيَ عن ذلك، ولا يَجُوزُ تَرْكُ ما وَرَدَ بتَحْرِيمِه القُرْآنُ، وتَظَاهَرَتْ به السنةُ بخَبَرٍ مَجْهُول، لم يُرْوَ في صَحِيحٍ ولا مُسْنَدٍ ولا كِتابٍ مَوْثوقٍ به، وما ذَكَرُوه من الإِباحَةِ مُنْتقِضٌ بالحَرْبِيِّ إذا دَخَلَ دارَ الإِسْلام، فإنّ ماله مُباحٌ، إلَّا ما حَظره الأمان.