الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ وَطِئ الْجَارِيَةَ، فَأولَدَهَا، خَرَجَتْ مِنَ الرَّهْنِ، وَأخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهَا، فَجُعِلَتْ رَهْنًا.
ــ
في مَقْصُودِ الرَّهْنِ، وهو اسْتِيفاءُ الدَّينِ مِن ثَمَنِها؛ لأنَّ تَزْويجَها يَمْنَعُ بَيعَها، أو يَنْقُصُ ثَمَنَها، فيَتَعَذَّرُ اسْتِيفاءُ الدَّينِ بكَمالِه.
1788 - مسألة: (وإنْ وَطِئ الجارِيَةَ، فأوْلَدَها، خَرَجَتْ مِن الرَّهْنِ، وأخِذَتْ منه قِيمَتُها، فجُعِلَتْ رَهْنًا)
لا يَجُوزُ للرَّاهِنِ وَطْءُ أمتِه المَرْهُونَةِ، في قولِ أكْثَرِ أهلِ العِلْمِ. وقال بعضُ أصحابِ الشَّافعيِّ: له وَطْءُ الآيِسَةِ والصَّغِيرَةِ؛ لكَوْنِه لا ضَرَرَ فيه، فإن عِلَّةَ المَنْعِ خَوْفُ الحَمْلِ، مَخافَةَ أن تَلِدَ منه، فتَخْرُجَ مِن الرّهْنِ، أو تَتَعَرَّضَ للتَّلَفِ، وهذا مَعْدُوم فيهما. وسائِرُ أهْلِ العِلْمِ على خِلافِ هذا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَع أهْلُ العِلْمِ على أنَّ للمُرْتَهنِ مَنْعَ الرَّاهِنِ مِن وَطْءِ أمَتِهِ المَرْهُونَةِ. ولأن سائِرَ مَن يَحْرُمُ وَطْؤُها لا فرْقَ فيه بين الآيِسَةِ والصَّغِيرَةِ وغَيرِهما، كالمُعْتَدَّةِ والمُسْتَبْرَأةِ والأجْنَبِيةِ، ولأنَّ الوَقْتَ الذي تَحْبَلُ (1) فيه يَخْتَلِفُ، ولا يَتَحَرَّرُ (2)، فمُنِعَ مِن الوَطْءِ جُمْلَةً، كما حَرُمَ الخَمْرُ
(1) في م: «تحمل» .
(2)
في ق: «يتحرز» . وفي م: «يتحزر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للسُّكْرِ، وحَرُمَ منه اليَسِيرُ الذي لا يُسْكِر؛ لِكَوْنِ السّكْرِ يَخْتَلِفُ. فإن وَطِئ، فلا حَدَّ عليه؛ لأنَّها مِلْكُه، وإنَّما حَرمَتْ عليه لعارِض، كالمُحْرِمَةِ والصَّائِمَةِ. ولا مَهْرَ عليه، لأنَّ المُرْتَهِنَ لا حَقَّ له في مَنْفَعَتِها، ووَطْؤُها لا يَنْقصُ قِيمَتَها إذا كانت ثَيِّبًا، فأشْبَهَ ما لو اسْتَخْدَمَها. وإن تَلِف جُزْءٌ منها أو نَقَصَها، مثلَ أنِ افْتَضَّ البِكْرَ أو أفْضَاها، فعليه قِيمَة ما أتْلفَ، فإن شاء جَعَلَه رَهْنًا معها، وإن شاء جَعَلَه قضاءً مِن الحَقِّ، إن لم يَكُنْ حَلَّ. فإن كان الحَقّ قد حَلَّ، جَعَلَه قَضاءً لا غيرُ؛ فإنَّه لا فائدَةَ في جَعْلِه رَهْنًا. ولا فَرْقَ بينَ الصَّغِيرَةِ والكَبِيرَةِ فيما ذَكَرْناه.
فصل: فإن أوْلَدَها، خَرَجَتْ مِن الرَّهْنِ، وعليه قِيمَتُها حينَ أحْبَلَها، كما لو جَرَح العَبْدَ كانت عليه قِيمَتُه يومَ جَرَحَه، ولا فَرْقَ بينَ المُوسِرِ والمُعْسِرِ، إلَّا أنَّ المُوسِرَ تُؤْخَذُ منه قِيمَتُها، والمُعْسِرَ تَكُونُ في ذِمَّتِه قِيمَتُها، على حَسَبِ ما ذَكَرْنا في العِتْقِ. وهذا قولُ أصحابِ الرَّأْي. وقول الشَّافعيِّ ههُنا كقَوْلِه في العِتْقِ، إلَّا أنَّه إذا قال: لا يَنْفُذُ الإِحْبالُ. فإنَّما هو في حَقِّ المُرْتَّهِنِ، فأمَّا في حَقِّ الرَّاهِنِ، فهو ثابِت، فلا يجُوزُ له أن يَهَبَها للمُرْتَهِنِ. ولو حَلَّ الحَقّ وهي حامِلٌ، لم يَجُزْ بَيعُها؛ لأنَّها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حامِلٌ بحُرٍّ، فإذا وَلَدَتْ، لم يَجزْ بَيعها حتَّى تَسْقِيَ ولَدَها اللِّبَأ، ثم إن وَجَد مَن يرْضِعه، بِيعَتْ، وإلَّا ترِكَتْ حتَّى تُرْضِعَه، ثم يباعُ منها بقَدْرِ الدَّينِ، وَيَثْبت للباقِي حكْم الاسْتِيلادِ، فإذا مات الراهِن عَتَق. وإن رَجَع هذا (1) المَبِيع إلى الرَّاهِنِ ببَيعٍ أو غيرِه، أو بِيعَ جَمِيعها ثم رَجَعَتْ إليه، ثَبَت لها حكْم الاسْتِيلادِ. وقال مالكٌ: إن كانت الأمَةُ تَخرج إلى الرَّاهِنِ وتَأتيه، خَرَجَتْ مِن الرَّهْنِ، وإن تَسَوَّرَ عليها، أخَذَ وَلَدَها، وبِيعَتْ. ولَنا، أنَّ هذه أمُّ وَلَدٍ، فلم يَثْبتْ فيها حكْمُ الرَّهْنِ، كما لو كان الوَطْء سابِقًا على الرَّهْنِ، أو نَقولُ: مَعْنًى ينافِي الرَّهْنَ في ابْتِدائِه، فنافاه في دَوامِه، كالحرِّيَّةِ.
فصل: فإن كان الوَطْء بإذْنِ المرْتَهِنِ، خَرَجَتْ مِن الرَّهْنِ، ولا شيءَ للمرْتَهِنِ؛ لأنَّه أذِنَ في سَبَبِ ما ينافِي حَقَّه، فكان إذنًا فيه. ولا نَعْلَم في هذا خِلافًا. وإن لم تَحْبَلْ، فهي رَهْنٌ بحالِها. فإن قِيلَ: إنَّما أذِنَ في الوَطْء، ولم يَأذَنْ في الإِحْبالِ. قُلْنا: الوَطْء هو المُفْضِي إلى الإِحْبالِ، ولا يَقِف ذلك على اخْتِيَارِه، فالإِذْنُ في سَبَبِه إذْن فيه. فإن أذِنَ ثم رَجَع،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهو كمَن لم يَأذَنْ. وإنِ اخْتَلَفا في الإِذْنِ، فالقولُ قولُ مَن يُنْكِرُه، وإنْ أقَرَّ المُرْتَهِنُ بالإِذْنِ، وأنْكَرَ كَوْنَ الوَلَدِ مِن الوَطْءِ المأذونِ فيه، أو قال: هو مِن زَوْجٍ أو زِنًى. فالقولُ قولُ الرَّاهِنٍ بأرْبَعِ شُرُوطٍ؛ أحَدُها، أن يَعْتَرِفَ المُرْتَهِنُ بالإِذْنِ. الثاني، أن يَعْتَرِف بالوَطْءِ. الثَّالثُ، أن يَعْتَرِفَ بالولادَةِ. الرابعُ، أن يَعْتَرِفَ بمُضِيِّ مُدَّةٍ بعدَ الوَطْءِ يُمْكِنُ أن تَلِدَه فيها. فحِينَئِذٍ لا يُلْتَفَتُ إلى إنْكارِه، ويكونُ القولُ قولَ الرَّاهِنِ بغيرِ يَمِين؛ لأنَّنا لم نُلْحِقْه به بدَعْواه، بل بالشَّرْعِ. فإن أنْكَرَ شَرْطًا مِن هذه الشُّرُوطِ، فقال: لم آذَنْ. أو قال: أذِنْتُ فما (1) وُطِئَتْ. أو قال: لم تَمْضِ مُدَّةٌ تَضَعُ فيها الحَمْلَ منذُ وُطِئَتْ. أو قال: ليس هذا وَلَدَها، إنَّما اسْتعارَتْه. فالقولُ قولُه؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ ذلك كلِّه، وبَقاءُ الوَثِيقَةِ صَحِيحَةً حتَّى تَقُومَ البَيَنةُ. وهذا مَذْهَبُ الشَّافعيِّ.
فصل: ولو أذِنَ في ضَرْبِها، فضَرَبَها، فتَلِفَتْ، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ ذلك تَوَلَّدَ مِن المَأذُونِ فيه، فهو كتَوَلُّدِ الإِحْبالِ مِن الوَطْءِ.
فصل: وإذا أقَرَّ الرَّاهِنُ بالوَطْءِ لم يَخْلُ مِن ثَلاثةِ أحْوال؛ أحَدُها، أن يُقِرَّ به حال العَقْدِ، أو قَبْلَ لُزُومِه، فحُكمُ هذين واحِد، ولا يَمْنَعُ (2) صِحَّةَ الرَّهْنِ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الحَمْلِ، فإن بانَتْ حائِلًا (3)، أو حامِلًا
(1) في الأصل، ر 1:«فيما» .
(2)
بعده في م: «ذلك» .
(3)
الحائل: غير الحامل.