الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَيسَ ذَلِكَ مُقَدَّرًا، لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الزَّوْجَينِ،
ــ
دُونَها مُقَدَّرٌ بكِفايَتِهِم، وأنَّ ذلك بالمَعْرُوفِ، وأنَّ لها أن تأْخُذَ ذلك بنَفْسِها مِن غيرِ عِلْمِه إذا لم يُعْطِها إيَّاه. واتَّفَقَ أهْلُ العِلْمِ على وُجُوبِ نَفَقاتِ الزَّوجاتِ على أزْواجِهِنَّ، إذا كانوا بالِغِين، إلَّا النَّاشِزَ مِنْهُنَّ. ذكَرَه ابنُ المُنْذِرِ (1)، وغيرُه. [وفيه](2) ضَرْبٌ مِن العِبْرَةِ، وهو أنَّ المرْأةَ مَحْبُوسَةٌ على الزَّوْجِ، يَمْنَعُها مِن التَّصَرُّفِ والاكْتِسابِ، فلابُدَّ مِن أن يُنْفِقَ عليها، كالعَبْدِ مع سَيِّدِه، فمتى سَلَّمَتْ نَفْسَها إلى الزَّوْجِ على الوَجْهِ الواجِبِ عليها، فلَها عليه جميعُ حاجَتِها مِن مأْكُولٍ [ومَشْروبٍ](3) ومَلْبُوسٍ ومَسْكَنٍ.
3945 - مسألة: (وليس ذلك مُقَدَّرًا، لَكِنَّه مُعْتَبَرٌ بِحالِ الزَّوْجَين)
جَمِيعًا. هكذا ذكَرَه أصْحابُنا؛ فإن كانا مُوسِرَين، فعليه لها نَفَقةُ المُوسِرِين، وإن كانا مُعْسِرَين، فعليه نَفَقةُ [المُعْسِرِين، وإن كانا مُتَوَسِّطَين، فلها نَفَقَةُ](3) المُتَوَسِّطِين، وإن كان أحَدُهما مُوسِرًا، والآخَرُ مُعْسِرًا، فعليه نفقةُ المُتَوَسِّطِينَ، أيُّهما كان المُوسِرَ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: تُعْتَبَرُ حالُ المرأةِ على قَدْرِ كِفايَتِها؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (4). والمَعْرُوفُ الكِفايَةُ،
(1) انظر: الإشراف 1/ 119.
(2)
سقط من: الأصل، تش.
(3)
سقط من: م.
(4)
سورة البقرة 223.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولأنَّه سَوَّى بينَ النَّفَقةِ والكُسْوَةِ على قَدْرِ حالِها، فكذلك النَّفَقةُ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لهِنْدٍ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ ووَلَدَكِ بالْمَعْرُوفِ» . فاعْتَبَرَ كِفايَتَها دُونَ حالِ زَوْجِها، ولأنَّ نَفَقَتَها واجِبَةٌ لدَفْعِ حاجَتِها، فكان الاعْتِبارُ بما تَنْدَفِعُ به حاجَتُها، دُونَ حالِ مَنْ وجَبَتْ عليه، كنَفَقَةِ المَمالِيكِ، ولأنَّه واجِبٌ للمرأةِ على زَوْجِها بحُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ لم يُقَدَّرْ، فكان مُعْتَبَرًا بها، كَمَهْرِها. وقال الشافعيُّ: الاعْتِبارُ بحالِ الزَّوْجِ وحدَه؛ لقولِ اللهِ تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7]. ولَنا، أنَّ فيما ذكَرْناه جَمْعًا بينَ الدَّلِيلَين، وعَمَلًا بكِلا النَّصَّين، ورِعايَةً لِكِلا الجَانِبَين، فكان أَوْلَى.
فصل: والنَّفَقةُ مُقَدَّرَةٌ بالكِفايَةِ، وتَخْتَلِفُ باخْتِلافِ مَن تَجِبُ له النَّفَقةُ في مِقْدارِها. وبهذا قال أبو حنيفةَ، ومالكٌ. وقال القاضي: هي مُقَدَّرَةٌ بمِقْدارٍ لا يَخْتَلِفُ في الكَثْرَةِ والقِلَّةِ، والواجِبُ رَطْلان مِن الخُبْزِ في كلِّ يَوْمٍ، في حَقِّ المُوسِرِ والمُعْسِرِ، اعْتِبارًا بالكَفَّاراتِ، وإنَّما يَخْتَلِفانِ في صِفَتِه وجَوْدَتِه؛ لأنَّ المُوسِرَ والمُعْسِرَ سَواءٌ في قَدْرِ المأْكُولِ، ومَا تَقُومُ به البِنْيَةُ، وإنَّما يَخْتَلِفانِ في جَوْدَتِه، فكذلك النَّفَقةُ الواجِبَةُ. وقال الشافعيُّ: نَفَقةُ المُقْتِرِ مُدٌّ بمُدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ أقَلَّ ما يُدْفَعُ في الكَفَّارَةِ مُدٌّ، واللهُ سُبْحانه اعْتَبَرَ الكَفَّارَةَ بالنَّفَقةِ على الأهْلِ، فقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سبحانه: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} (1). وعلى المُوسِرِ مُدَّان؛ لأنَّ أكثرَ ما أوْجَبَ اللهُ سبحانه للواحدِ مُدَّينِ في فِدْيَةِ الأذَى، وعلى المُتَوَسِّطِ مُدٌّ ونِصْفٌ، نِصْفُ نَفَقةِ الفَقِيرِ ونِصْفُ نَفَقةِ المُوسِرِ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لهِنْدٍ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . فأمَرَها بأَخْذِ ما يَكْفِيها مِن غيرِ تَقْدِيرٍ، ورَدَّ الاجْتِهادَ في ذلك إليها، ومِن المَعْلُومِ أنَّ قَدْرَ كِفايَتِها لا يَنْحَصِرُ في المُدَّين، بحيثُ لا يَزِيدُ عنهما (2) ولا يَنْقُصُ، ولأنَّ اللهَ تعالى قال:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَهُنَّ عَلَيكُمْ رِزْقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ» . وإيجابُ أقَلَّ مِن الكِفايَةِ مِن الرِّزْقِ تَرْكٌ للمَعْرُوفِ، وإيجابُ قَدْرِ الكِفايَةِ، وإن كان أقَلَّ مِن مُدٍّ أو رَطْلَيْ خُبْزٍ، إنْفاقٌ بالمَعْرُوفِ، فيكونُ ذلك واجِبًا بالكِتابِ والسُّنَّةِ. واعْتِبارُ النَّفَقةِ بالكَفَّارَةِ في القَدْرِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الكفَّارَةَ لا تَخْتَلِفُ باليَسارِ والإِعْسارِ، ولا هي مُقَدَّرَةٌ بالكِفايَةِ، وإنَّما اعْتَبَرَها الشَّرْعُ بها (3) في الجنْسِ دُونَ القَدْرِ، ولهذا لا يَجِبُ فيها الأُدْمُ (4).
فصل: ولا يجبُ فيها الحَبُّ. وقال الشافعيُّ: يجبُ فيها الحَبُّ، اعْتِبارًا بالإِيجابِ في الكَفَّارَةِ حتى لو دَفَعَ إليها دَقِيقًا أو سَويقًا أو خُبْزًا، لم
(1) سورة المائدة 89.
(2)
في الأصل: «عليهما» ، وفي ق:«عنها» .
(3)
في تش: «لها» .
(4)
الأدم: ما يستمرأ به الطعام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَلْزَمْها قَبُولُه، كما لا يَلْزَمُ المِسْكِينَ في الكَفَّارَةِ. وقال بعْضُهم: يَجِئُ على قولِ أصْحابِنا؛ أنَّه لا يجوزُ وإن تَراضَيا عليه؛ لأنَّه بَيعُ حِنْطَةٍ بجِنْسِها مُتَفاضِلًا. ولَنا، قولُ ابنِ عباسٍ، في قولِ اللهِ تعالى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89]. قال: الخُبْزُ والزَّيتُ. وعن ابنِ عمرَ: الخُبْزُ والسَّمْنُ، والخُبْزُ والزَّيتُ، والخُبْزُ والتَّمْرُ، وأفْضَلُ ما تُطْعِمُونَهُنَّ الخبزُ واللَّحْمُ (1). ففَسَّرَ إطْعامَ [الأهْلِ بالخُبْزِ مع غيرِه](2) مِن الأُدْمِ. ولأنَّ الشَّرْعَ ورَدَ بالإِيجابِ مُطْلَقًا مِن غيرِ تَقْدِيرٍ ولا تَقْيِيدٍ، فوَجَبَ أنْ يُرَدَّ إلى العُرْفِ، كما في القَبْضِ والإِحْرازِ، وأهْلُ العُرْفِ إنَّما يتَعارَفُونَ فيما بينَهم في الإِنْفاق على أهْلِيهم الخبزَ والأُدْمَ، دونَ الحَبِّ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم وصَحابَتُه إنَّما كانوا يُنْفِقُونَ ذلك، دُونَ ما ذكَرُوه، فكانَ ذلك هو الواجبَ، ولأنَّها نَفَقَةٌ قَدَّرَها الشَّرْعُ بالكِفايَةِ، فكان الواجِبُ الخُبْزَ، كنَفَقةِ العَبِيدِ، ولأنَّ الحَبَّ تَحْتاجُ فيه إلى طَحْنِه وخَبْزِه، فمتى احْتاجَتْ إلى تَكَلُّفِ ذلك مِن مالِها لم تَحْصُلِ الكفايةُ بنَفَقَتِه، وفارَقَ الإِطعامَ [في الكَفَّارةِ](3)، فإنَّها لا تَتَقَدَّرُ بالكِفايَةِ، ولا يجبُ فيها الأُدْمُ. فعلى هذا، لو طَلَبَتْ مكانَ الخُبْزِ حَبًّا، أو دَراهِمَ، أو دَقِيقًا، أو غيرَ ذلك، لم يَلْزَمْه بَذْلُه، ولو عَرَضَ عليها بَدَلَ (4) الواجِبِ لها، لم يَلْزَمْها قَبُولُه؛ لأنَّها مُعاوَضَةٌ، فلا
(1) أخرجه ابن جرير، في: تفسيره 7/ 18.
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: م.
(4)
في تش: «بذل غير» .