الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أن تَدْعُوَ ضَرُورَةٌ إِلَى خُرُوجِهَا مِنْهُ، بِأَنْ يُحَوِّلَهَا مَالِكُهُ، أَوْ تَخْشَى عَلَى نَفْسِهَا فَتَنْتَقِلُ،
ــ
لفظٍ: «اعْتَدِّي حَيثُ أتاكِ الخَبَرُ» (1). فإن أتَاها الخَبَرُ في غيرِ مَسْكَنِها، رَجَعَتْ إلى مَسْكَنِها، فاعْتَدَّتْ (2) فيه. وقال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، والنَّخَعِيُّ: لا تَبْرَحُ مِن مَكانِها الذي أتَاها فيه نَعْيُ زَوْجِها، اتِّباعًا لِلَفْظِ الخَبَرِ الذي رَوَيناه. ولَنا، قولُه عليه الصلاة والسلام:«امْكُثِي فِي بَيتكِ» . واللَّفْظُ الآخَرُ قَضِيَّةٌ في عَينٍ، والمُرادُ به هذا، فإنَّ قَضَايا الأعْيانِ لا عُمُومَ لها، ثم لا يُمْكِنُ حَمْلُه على العُمُومِ؛ فإنَّه لا يَلْزَمُها الاعْتِدادُ في السُّوقِ والطَّريقِ والبَرِّيَّةِ إذا أتاها الخَبَرُ (3) وهي فيها.
3888 - مسألة: (إلَّا أنْ تَدْعُوَ ضَرُورَةٌ إلى خُرُوجِها منه، بأن يُحَوِّلَها مالِكُه، أو تَخْشَى على نَفْسِها، فتَنْتَقِلُ)
وجملةُ ذلك، أنَّها إذا خافَتْ هَدْمًا أو غَرَقًا أو عَدُوًّا و (4) نحوَ ذلك، أو حَوَّلَها صاحبُ المنْزِلِ؛ لكونِه عارِيَّةً رَجَعَ فيها، أو بإجارَةٍ انْقَضَتْ مُدَّتُها، أو مَنَعَها السُّكْنَى تَعَدِّيًا، أو امْتَنَعَ مِن إجارَته، أو طَلَبَ به أكْثَرَ مِن أُجْرَةِ المِثْلِ، أو لم تَجِدْ
(1) عند النسائي 6/ 166 بلفظ: «اعتدي حيث بلغك الخبر» .
(2)
في م: «أو اعتدت» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
في ق، م:«أو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما تَكْتَرِي به، أو لم تَجِدْ إلَّا مِن مالِها، فلها أن تَنْتَقِلَ؛ لأنَّها حالُ عُذْرٍ، ولا يَلْزَمُها بَذْلُ أُجْرَةِ المَسْكَنِ، وإنَّما الواجبُ عليها السُّكْنَى، لا تَحْصِيلُ المَسْكَنِ، فإذا تَعَذَّرَتِ السُّكْنَى، سَقَطَتْ، وتَسْكُنُ حيثُ شاءتْ. ذَكَرَه القاضي. وذكر أبو الخَطَّاب، أنَّها تَنْتَقِلُ إلى أقْرَبِ ما يُمْكِنُها النُّقْلَةُ إليه. وهو مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّه أَقْرَبُ إلى مَوْضِعِ الوجُوب، أشْبَهَ مَن وَجَبَتْ عليه الزَّكاةُ في مَوْضع لا يَجِدُ فيه أهْلَ السُّهْمان، فإنَّه يَنْقُلُها إلى مَوْضِع يَجِدُهم فيه. ولَنا، أنَّ الواجِبَ سَقَطَ لعُذْرٍ، ولم يَرِدِ الشَّرْعُ له بِبَدَلٍ، فلا يجبُ، كما لو سَقَطَ الحجُّ للعَجْزِ عنه وفَواتِ شَرْطٍ، والمُعْتَكِفِ إذا لم يَقْدِرْ على الاعْتِكافِ في المَسْجِدِ، ولأنَّ ما ذكَرُوه إثْباتُ حُكْمٍ بلا نَصٍّ، [ولا مَعْنى نَصٍّ](1)، فإنَّ مَعْنى الاعْتِدادِ في بَيتِها لا يُوجَدُ [في السُّكْنَى](2) فيما قَرُبَ منه، ويُفارِقُ أهْلَ السُّهْمان؛ فإنَّ القَصْدَ نَفْعُ الأقْرَبِ، وفي نَقْلِها إلى أقْرَب مَوْضِعٍ يَجِدُه نَفْعُ الأقْرَبِ.
فصل: ولا سُكْنَى للمُتَوَفَّى عنها، إذا كانت حائِلًا، رِوايةً واحدةً. وإن كانتْ حامِلًا، فعلى رِوايَتَين. وللشافعيِّ [في المُتَوَفَّى عنها](3) قَوْلان؛
(1) سقط من: الأصل.
(2)
زيادة من: م.
(3)
في ق، م:«فيها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحَدُهما، لها السُّكْنَى؛ لقولِه تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيرَ إِخْرَاجٍ} (1). فنُسِخَ بعضُ المُدَّةِ، وبَقِيَ بَاقِيها على الوُجُوبِ، ولأَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ فُرَيعَةَ بالسُّكْنَى في بيتِها مِن غيرِ اسْتِئْذانِ الوَرَثَةِ، ولو لم تجبِ السُّكْنَى، لم يَكُنْ لها أن تَسْكُنَ إلَّا بإذْنِهِم، كما أنَّها ليس لها أن تَتَصَرَّفَ في مالِ زَوْجِها بغيرِ إذْنِهم (2). ولَنا، أنَّ اللهَ تعالى إنَّما جَعَلَ للزَّوْجَةِ ثُمْنَ التَّرِكَةِ أو رُبْعَها، وجَعَلَ باقِيَها لِسائِرِ الوَرَثَةِ، والمَسْكَنُ مِن التَّرِكَةِ، فوَجَبَ أن لا تَسْتَحِقَّ منه أكْثَرَ مِن ذلك، وأمَّا إذا كانت حامِلًا، وقُلْنا: لها السُّكْنَى. فلأنَّها حامِلٌ مِن زَوْجِها، فوَجَبَ لها السُّكْنَى، قِياسًا على المُطَلَّقَةِ. فأمَّا الآيةُ التي احْتَجُّوا بها، فإنَّها مَنْسُوخَةٌ، وأمَّا أمْرُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فُرَيعَةَ بالسُّكْنَى، فقَضِيَّةٌ في عَينٍ، يَحْتَمِلُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أنَّ الوارِثَ يأْذَنُ في ذلك، أو بكَوْنِ السُّكْنَى واجِبًا عليها، ويَتَقَيَّدُ ذلك بالإِمْكانِ، وإذْنُ الوارِثِ مِن جُمْلَةِ ما يَحْصُلُ به الإِمْكانُ. فإذا قُلْنا: لها السُّكْنَى. فهي أحَقُّ بسُكْنَى المَسْكَنِ الذي كانت تَسْكُنُه مِن الوَرَثَةِ والغُرَماءِ، مِن رأسِ [مالِ المُتَوَفَّى](3)، ولا يُباعُ في دَينِه بَيعًا (4) يَمْنَعُها السُّكْنَى، حتى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَقْضِيَ العِدَّةَ. وبهذا قال مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو حنيفةَ، وجمهورُ العلماءِ. وإن تَعَذَّرَ ذلك المَسْكَنُ، فعلى الوارثِ أن يَكْتَرِيَ لها مَسْكَنًا مِن مالِ المَيِّتِ، فإن لم يَفْعَلْ، أجْبَرَه الحاكمُ، وليس لها أن تَنْتَقِلَ إلَّا لعُذْرٍ، كا ذكرْنا. وإنِ اتَّفَقَ الوارِثُ والمرأةُ على نَقْلِها عنه، لم يَجُزْ؛ لأنَّ السُّكْنَى ها هنا يَتَعَلَّقُ بها حَقُّ اللهِ سبحانه وتعالى، فلم يَجُزِ اتِّفاقُهما على إبْطالِها، بخِلافِ سُكْنَى النِّكاحِ، فإنَّه حَقٌّ لهما، ولأنَّ السُّكْنَى ههُنا مِن الإحْدادِ، فلم يَجُزْ الاتِّفاقُ على تَرْكِها، كسائرِ خِصالِ الأحْدادِ. وليس لهم إخْرَاجُها إلا أن تَأْتِيَ بفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (1). وهو أن يَطُولَ لِسانُها على أحْمائِها وتُؤذِيَهُم بالسَّبِّ ونحوه. رُوِيَ ذلك عن ابن. عباس. وهو قولُ الأكْثَرَين. وقال ابنُ مسعودٍ، والحسنُ: هي الزِّنى؛ لقولِ الله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} (2). وإخْراجُهُنَّ هو لإِقامةِ حَدِّ الزِّنى، ثم تُرَدُّ إلى مَكانِها (3). ولَنا، أنَّ الآيةَ تَقْتَضِي الإخْراجَ مِن السُّكْنَى (4)، وهذا
(1) سورة الطلاق 1.
(2)
سورة النساء 15.
(3)
أخرجه ابن جرير في تفسيره 28/ 133، عن الحسن.
(4)
في م: «المسكن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يَتَحَقَّقُ فيما قالاه. وأمَّا الفاحِشَةُ فهي اسْمٌ للزِّنَى وغيرِه من الأقوالِ الفاحِشَةِ، يُقالُ: أفْحَشَ الرجلُ في قَوْلِه. ولهذا رُوِيَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قالت له عائشةُ: يا رسولَ اللهِ، قلتَ لفلانٍ:«بئْسَ أخُو العَشِيرَةِ» . ثم ألَنْتَ له القولَ لمَّا دَخَلَ. قال: «يا عَائِشَةُ، إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ» (1). إذا ثَبَت هذا، فإنَّ الوَرَثَةَ يُخْرِجُونَها مِن (2) ذلك المَسْكَنِ إلى مَسْكَنٍ آخَرَ مِن الدارِ إن كانتْ كبيرةً تَجْمَعُهم، فإن كانت لا تَجْمَعُهم، أو لم يُمْكِنْ نَقْلُها إلى غيرِه في الدارِ، أو لم يَتَخَلَّصُوا مِن أذاها بذلك، فلهم نَقْلُها. وقال بعضُ أصْحابِنا: يَنْتَقِلُون هم عنها؛ لأنَّ سُكْناها واجبٌ في المكانِ، وليس بواجبٍ عليهم. والنَّصُّ يَدُلُّ على أنَّها تُخْرَجُ، فلا يُعَرَّجُ على ما خالفَه، ولأنَّ الفاحِشَةَ منها، فكان الإخْراجُ لها. وإن كان أحْماؤُها هم الذين يُؤذُونَها، ويَفْحُشُون عليها،
(1) الحديث بهذا اللفظ أخرجه أبو داود، في: باب في حسن العشرة، من كتاب الأدب. سنن أبي داود 2/ 551.
أما قوله: «بئس أخو العشيرة» وآخره بلفظ آخر، فأخرجه البخاري في: باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وباب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، وباب المداراة مع الناس، من كتاب الأدب. صحيح البخاري 8/ 15، 16، 20، 21، 38. ومسلم، في: باب مداراة من يتقى فحشه، من كتاب البر والصلة والآداب. صحيح مسلم 4/ 2002، 2003. والإمام مالك، في: باب ما جاء في حسن الخلق، من كتاب حسن الخلق. الموطأ 2/ 903، 904. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 38، 158، 159. وقوله: «إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش» في قصة أخرى أخرجها مسلم، في: باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام. . . .، من كتاب السلام. صحيح مسلم 4/ 1707. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 134، 135، 230.
(2)
في م: «عن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نُقِلُوا هم دُونَها، فإنَّها لم تَأْتِ بفاحِشَةٍ، فلا تُخْرَجُ بمُقْتَضَى النَّصِّ، ولأنَّ الذَّنْبَ لهم، فيُخَصُّونَ بالإِخْراجِ، وإن كان (1) المَسْكَنُ لغيرِ المَيِّتِ، فتَبَرَّعَ صاحبُه بإسْكانِها فيه، لَزِمَها الاعْتِدادُ به، وإن أبَى أن يُسْكِنَها إلَّا بأُجْرَةٍ، وجَبَ بَذْلُها مِن مالِ المَيِّتِ، إلَّا أن يَتَبَرَّعَ إنْسانٌ ببَذْلِها، ويَلْزَمُها الاعْتِدادُ به. فإن حَوَّلَها مالِكُ (2) المَكانِ، أو طَلَب أكثرَ مِن أجْرِ المِثْلِ، فعلى الوَرَثَةِ إسْكانُها إن كان للمَيِّتِ تَرِكَةٌ يُسْتأْجَرُ لها به مَسْكَنٌ؛ لأنَّه حَقٌّ لها يُقَدَّمُ على المِيراثِ، فإنِ اخْتارَتِ النُّقْلَةَ عن المَسْكَنِ الذي [يَنْقُلُونَها إليه، فلها ذلك؛ لأنَّ سُكْناها به حَقٌّ لها، وليس بواجبٍ عليها، فإنَّ المَسْكَنَ الذي](3) كان يَجِبُ عليها السُّكْنَى به، هو الذي كانت تَسْكُنُه حينَ مَوْتِ زَوْجِها، وقد سَقَطَتْ عنها السُّكْنَى به، وسَواءٌ كان المَسْكَنُ الذي كانت به لأبوَيها، أو لأحَدِهما، أو لغيرِهم. وإن كانت تَسْكُنُ في دارٍ لها، فاخْتارَتِ الإِقامةَ فيها والسُّكْنَى بها مُتَبَرِّعةً أو بأُجْرَةٍ تأْخُذُها مِن التَّرِكةِ، جازَ، وعلى الوَرَثَةِ بَذْلُ الأُجْرَةِ
(1) سقط من: الأصل، تش.
(2)
في الأصل: «صاحب» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا طَلَبَتْها، وإن طَلَبَتْ أن تُسْكِنَها غيرَها، وتَنْتَقِلَ عنها، فلها ذلك؛ لأنَّه ليس عليها أن تُؤْجِرَ دارَها ولا تُعِيرَها، وعليهم إسْكانُها.
فصل: فأمَّا إذا قُلْنا: ليس لها السُّكْنَى. فتَطَوَّعَ الوَرَثَةُ بإسْكانِها في مَسْكَنِ زَوْجها، أو السُّلْطانُ، أو أجْنَبِيٌّ، لَزِمَها الاعْتِدادُ به، وإن مُنِعَتِ السُّكْنَى، أَو طَلَبوا منها الأُجْرَةَ، فلَها أن تَنْتَقِلَ عنه إلى غيرِه، كما ذكرْنا فيما إذا أخْرَجَها المُؤْجرُ عندَ انْقِضاءِ الإِجارَةِ، وسَواءٌ قَدَرَتْ عك الأجْرَةِ أو عَجَزَتْ عنها (1)؛ لأَنَّه إنَّما تَلْزَمُها السُّكْنَى لا تَحْصِيلُ المَسْكَنِ. وإن كانت في مَسْكَن لزَوْجِها، فأخْرَجَها الوَرَثةُ منه، وبَذَلُوا لها مَسْكَنًا آخَرَ، لم تَلْزَمْها السُّكْنَى به، وكذلك (2) إن أُخْرِجَتْ مِن المَسْكَنِ الذي هي به، أو خَرَجَتْ لأيِّ عارِضٍ كان، لم تَلْزَمْها السُّكْنَى في مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ سِواه، سواءٌ بَذَلَه الوَرَثَةُ أو غيرُهم؛ لأنَّها إنَّما يَلْزَمُها الاعْتِدادُ في بَيتِها الذي كانت فيه، لا في غيرِه. وكذلك إذا قُلْنا: لها السُّكْنَى. فتَعَذَّرَ سُكْناها في مَسْكَنِها، وبُذِلَ لها سِواه. وإن طَلَبتْ مَسْكَنًا بأُجْرَةٍ أو
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل، ق، م:«لذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بغيرِها، لَزِمَ الورثةَ تَحْصِيلُه، إن خَلَّفَ المَيِّتُ تَرِكَةً تَفِي بذلك، ويُقَدَّمُ على المِيراثِ؛ لأنَّه حَقٌّ على المَيِّتِ، فأشْبَهَ الدَّينَ، فإن كان على المَيِّتِ دَينٌ يَسْتَغْرِقُ تَرِكَتَه، ضَرَبَتْ بأُجْرَةِ المَسْكَنِ؛ لأنَّ حَقَّها مُساوٍ لحُقُوقِ الغُرَماءِ، وتَسْتأجِرُ بما يَخُصُّها مَوْضِعًا تَسْكُنُه. وكذلك الحكمُ في المُطَلَّقَةِ إذا حُجِرَ على الزَّوْجِ قبلَ أن يُطَلِّقَها، ثم طَلَّقَها، فإنَّها تَضْرِبُ بأُجْرَةِ المَسْكَنِ لمُدَّةِ (1) العِدَّةِ مع الغُرَماءِ، إذا كانت حامِلًا. فإن قيل: فَهَلَّا قَدَّمْتُم حَقَّ الغُرَماءِ لأنَّه أسْبَقُ؟ قُلْنا: لأنَّ حَقَّها ثَبَتَ عليه بغيرِ اخْتِيارِها (2)، فشارَكَتِ الغُرَماءَ فيه، كما لو أتْلَفَ المُفْلِسُ مالًا لإنْسانٍ أو جَنَى عليه. وإن مات وهي في مَسْكَنِه، لم يَجُزْ إخْراجُها منه؛ لأنَّ حَقَّها تعَلَّقَ بعينِ المَسْكَنِ قبلَ تَعَلُّقِ حُقُوقِ الغُرَماءِ بعَينِه، فكان حَقُّها مُقَدّمًا، كحَقِّ المُرْتَهِنِ. وإن طلبَ الغُرَماءُ بَيعَ هذا المسكنِ، وتُتْرَكُ السُّكْنَى لها مُدَّةَ العِدَّةِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّها إنَّما تَسْتَحِقُّ السُّكْنَى إذا كانت حامِلًا، ومُدّةُ الحَمْلِ مَجْهُولَةٌ، فتَصِيرُ كما لو باعها واسْتَثْنَى نَفْعَها (3) مُدَّةً مجهولةً. وإن أرادَ الورثةُ قِسْمةَ مَسْكَنِها على وَجْهٍ يَضُرُّ بها في السُّكْنَى، لم يَكُنْ لهِم ذلك. وإن أرادوا التَّعْلِيمَ بخُطُوطٍ مِن غيرِ نَقضٍ ولا بِناءٍ، جازَ؛ لأنَّه لا ضَرَرَ عليها فيه.
(1) في م: «كمدة» .
(2)
في ق، م:«اختياره» .
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: وإذا قُلْنا: إنَّها تَضْرِبُ مع الغُرَماءِ بقَدْرِ مُدَّةِ عِدَّتِها. فإنَّها تَضْرِبُ بمُدَّةِ [عادَتِها في وَضْعِ](1) الحَمْلِ، إن كانت حامِلًا. وإن كانت مُطَلَّقَةً مِن ذَواتِ القُروءِ، وقُلْنا: لها السُّكنَى. ضَرَبَتْ بمُدَّةِ عادَتِها في القُروءِ، فإن لم تكُنْ لها عادةٌ، ضَرَبَتْ بغالبِ عاداتِ النِّساءِ، وهي تِسْعَةُ أشْهُرٍ للحَمْلِ، وثلاثةُ أشْهُرٍ، لكلِّ قَرْءٍ شَهْرٌ، أو بما بَقِيَ مِن ذلك، إن كان قد مَضَى مِن مُدَّةِ حَمْلِها شيءٌ، لأنَّه لا يُمْكِنُ تأْخِيرُ القِسْمةِ لحَقِّ الغُرَماءِ، فإذا ضَرَبَتْ بذلك، فوافَقَ الصَّوابَ، لم يَزِدْ ولم يَنْقُصْ، اسْتَقَرَّ الحُكْمُ، وتَسْتأْجِرُ (2) بما يَحْصُلُ لها مكانًا تَسْكُنُه. فإذا تَعذَّرَ (3) ذلك سَكَنَتْ حيثُ شاءتْ. وإن كانتِ المُدَّةُ أقَلَّ ممَّا ضَرَبَتْ، مثلَ أن وضَعَتْ حَمْلَها لِسِتَّةِ أشْهُرٍ، أو تَرَبَّصَتْ ثلاثةَ قُروءٍ في شَهْرَين، فعليها رَدُّ الفَضْلِ، وتَضْرِبُ فيه بحِصَّتِها منه. وإن طالتِ العِدَّةُ أكثرَ مِن ذلك، مثلَ أن وضَعَتْ حَمْلَها في عامٍ، أو رأتْ ثلاثةَ قُروءٍ في نِصْفِ عامٍ، رجَعَتْ بذلك على الغُرَماءِ، كما يَرْجِعُونَ عليها في صُورَةِ النَّقْصِ. ويَحْتَمِلُ أن لا تَرْجِعَ