الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ يَئِسَتْ ذَاتُ الْقُرُوءِ في عِدَّتِهَا، انْتَقَلَتْ إِلَى عِدَّةِ الْآيِسَاتِ، وَإنْ عَتَقَتِ الأمَةُ الرَّجْعِيَّةُ في عِدَّتِهَا، بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ، وَإنْ
ــ
3859 - مسألة: (وإن يَئسَتْ ذاتُ القُروءِ في عِدَّتِها، انْتَقَلَتْ إلى عِدَّةِ الآيِساتِ)
ثَلاثةِ أشْهُرٍ؛ لأنَّ العِدَّةَ لا تُلَفَّقُ مِن جِنْسَين، وقد تَعَذَّرَ إتْمامُها بالحِيَضِ، فوَجَبَ تَكْمِيلُها بالأشْهُرِ؛ لأنَّها عجَزَتْ عن الأصْلِ، فانْتَقَلَتْ إلى البَدَلِ، كمَن عَجَزَ عن الماءِ، يَنْتَقِلُ إلى التُّراب. فإن ظَهَرَ بها حَمْلٌ مِن الزَّوْجِ، سَقَطَ حُكْمُ ما مَضَى، وبانَ لنا أنَّ ما رَأتْه مِن الدَّمِ لم يَكُنْ حَيضًا؛ لأنَّ الحامِلَ لا تَحِيضُ. ولو حاضَتْ ثَلاثَ حِيَض، ثم ظَهَرَ بها حَمْلٌ، فوَلَدَتْ لأقَلَّ مِن سِتَّةِ أشْهُر منذُ انْقَضَتِ الحَيضَةُ الثالثةُ تبَيَّنَّا أنَّ الدَّمَ ليس بحَيضٍ؛ لأنَّها كانتْ حامِلًا مع رُؤْيَةِ الدَّم، والحامِلُ لا تَحِيضُ. فأمَّا إن حاضَتْ ثَلاثَ حِيَض، ثم ظَهَر بها حَمْل يُمْكِنُ حُدُوثُه بعدَ العِدَّةِ، بأن تَلِدَ لِسِتَّةِ أشْهُر منذُ انْقَضَتْ عِدَّتُها، لم يَلْحَقِ الزوْجَ، وحَكَمْنا بصِحَّةِ الاعْتِدادِ، وكان هذا الولدُ حادِثًا.
3860 - مسألة: (وإن عَتَقَتِ الأمَةُ الرَّجْعِيَّةُ في عِدَّتِها، بَنَتْ على
كَانَتْ بَائِنًا، بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ أَمَةٍ.
ــ
عِدَّةِ حُرَّةٍ، وإن كانت بائِنًا، بَنَتْ على عِدَّةِ أمَةٍ) هذا قولُ الحسنِ، والشَّعْبِيِّ، والضَّحَّاكِ، وإسْحاقَ، وأصْحابِ الرَّأْي. وهو أحدُ أقْوالِ الشافعيِّ. والقولُ الثاني، تُكْمِلُ عِدَّةَ أمَةٍ، سَواءٌ كانت بائِنًا أو رَجْعِيَّةً. وهو قوْلُ مالكٍ، وأبي ثَوْرٍ، لأنَّ الحُرِّيَّةَ طَرَأتْ بعدَ وُجُوبِ العِدَّةِ عليها، فلا يُعْتَبَرُ (1) حُكْمُها، كما لو كانت بائِنًا، أو كما لو طَرَأتْ بعدَ وُجُوبِ الاسْتِبْراءِ، ولأنَّه مَعْنًى يخْتَلِفُ بالرِّقِّ والحُرِّيَّةِ، فكان الاعْتِبارُ بحالةِ الوُجُوبِ، كالحَدِّ. وقال عَطاءٌ، والزُّهْرِيُّ، وقَتادةُ: تَبْنِي على عِدَّةِ حُرَّةٍ بكلِّ حالٍ. وهو القَوْلُ الثالثُ للشافعيِّ؛ لأنَّ سبَبَ العِدَّةِ الكاملةِ إذا وُجِدَ في أثْناءِ العِدَّةِ، انْتَقَلَتْ إليها وإن كانت بائِنًا، كما لو اعْتَدَّتْ بالشُّهُورِ ثم حاضَتْ. ولَنا، أنَّها إذا اعْتِقَتْ وهي رَجْعِيَّةٌ، فقد وُجِدَتِ الحُريَّةُ، وهي زَوْجَةٌ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الوَفاةِ لو مات، فوَجَبَ أن تَعْتَدَّ عِدَّةَ الحرِّائرِ، لو أُعْتِقَتْ قبلَ الطَّلاقِ. وإن أُعْتِقَتْ وهي بائنٌ، فلم تُوجَدِ الحُرِّيَّةُ في الزَّوْجِيَّةِ، فلم تَجِبْ عليها عِدَّةُ الحرائرِ، كما لو أُعْتِقَتْ بعدَ مُضِيِّ القَرأَين، ولأنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَنْتَقِلُ إلى عِدُّةِ الوَفاةِ لو مات، فتَنْتَقِلُ إلى عِدَّةِ الحرائرِ. والبائِنُ لا تَنْتَقِلُ إلى عِدَّةِ الوَفاةِ، فلا تَنْتَقِلُ إلى عِدَّةِ الحرائرِ، كما لو انْقَضَتْ عِدَّتُها. وما [ذَكَرْناه لمالِكٍ](2) يَبْطُلُ بما إذا مات زَوْجُ الرَّجْعِيَّةِ،
(1) في ق، م:«يغير» .
(2)
في م: «ذكره مالك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنَّها تَنْتَقِل إلى عِدَّةِ الوَفاةِ، والفَرْقُ بينَ ما نحن فيه وبينَ ما إذا حاضَتِ الصَّغيرةُ، أنَّ الشهورَ بَدَلٌ عن الحِيَضِ، فإذا وُجِدَ المُبْدَلُ زال حُكْمُ البَدَلِ، كالمُتَيَمِّمِ يجِدُ الماءَ، وليس كذلك ههُنا، فإن عِدَّةَ الأمَةِ ليست بِبَدَلٍ، ولذلك تَبْنِي الأمَة على ما مَضَى مِن عِدَّتِها اتِّفاقًا، وإذا حاضَتِ الصَّغِيرةُ اسْتَأْنفَتِ العِدَّةَ، فافْتَرَقا. وتخالِفُ الاسْتِبْراءَ؛ فإنَّ الحُرِّيَّةَ لو قارَبَتْ سَبَبَ وُجُوبِه، لم يَكْمُلْ، ألا تَرَى أنَّ أُمَّ الولَدِ إذا مات سَيِّدُها عَتَقَتْ لمَوْتِه، ووَجَب الاسْتِبْراءُ، كما يجبُ على التي لم تَعْتِقْ، ولأنَّ الاسْتِبْراءَ لا يَخْتَلِفُ بالرِّقِّ والحُرِّيَّةِ، بخلافِ مَسْألتِنا.
فصل: إذا عَتَقَتِ الأمَةُ تحتَ العَبْدِ فاخْتَارَتْ نَفْسَها، اعْتَدَّتْ عِدَّةَ الحُرَّةِ؛ لأنَّها بانَتْ مِن زَوْجها وهي حرَّة. وروَى الحسن، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَ بَرِيرَةَ أن تَعْتَدَّ عِدَّةَ الحُرَّةِ (1). وإن طَلَّقَها العَبْدُ طَلاقًا رَجْعِيًّا، فأعْتَقَها سَيِّدُها، بَنَتْ على عِدَّةِ حُرةٍ، سَواءٌ فَسَخَتْ أو أقامَتْ على النِّكاحِ؛ لأنَّها عَتَقَتْ في عِدَّةِ رَجْعيَّةٍ. وإن لم تَفْسَخْ، فراجَعَها في عِدَّتِها، فلها الخيارُ بعدَ رَجْعتها، فإنِ اخْتارَتِ الفَسْخَ قبلَ المَسِيسِ، فهل تَسْتَأْنِفُ العِدَّةَ أو تَبْنِي على ما مَضَى مِن عِدَّتِها؟ على وجْهَين. فإن قُلْنا: تَسْتأنِفُ. فإنَّها تَسْتأنِفُ عِدَّةَ حُرَّةٍ. وإن قُلْنا: تَبْنِي. بَنَتْ على عِدةِ حُرَّةٍ.
(1) أخرجه ابن أبي شيبة، في: المصنف 4/ 181.كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 1/ 361. عن ابن عباس. والبزار، انظر: كشف الأستار 2/ 201. عن عائشة. والبيهقي، في: السنن الكبرى 7/ 451. عن ابن عباس وعائشة.
فَصْلٌ: الْخَامِسُ، مَنِ ارْتَفَعَ حَيضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، اعْتَدَّتْ سَنَةً؛ تِسْعَةَ أشْهُرٍ لِلْحَمْلِ، وَثَلَاثَةً لِلْعِدَّةِ،
ــ
فصل: (الخامسُ، مَن ارْتَفَعَ حَيضُها لا تَدْرِي ما رَفَعَه، اعْتَدَّتْ سنةً؛ تِسْعَةَ أشْهُرٍ للحَمْلِ، وثَلَاثَةً للعِدَّةِ) وجملةُ ذلك، أنَّ الرَّجُلَ إذا طَلَّقَ زوْجَتَه، وهي مِن ذواتِ الأقْراءِ، فلم تَرَ الحَيضَ في عادَتِها، ولم تَدْرِ ما رَفَعه، فإنَّها تَعْتَدُّ سنةً؛ تِسْعَةَ أشْهُرٍ منها تَتَرَبَّصُ فيها لتَعْلَمَ بَراءَةَ رَحِمِها؛ لأنَّ هذه غالبُ مُدَّةِ الحَمْلِ، فإذا لم يَبِنِ الحَمْلُ فيها، عُلِمَ بَراءَةُ الرَّحِمِ ظاهِرًا، فتَعْتَدُّ بعدَ ذلك عِدَّةَ الآيِسات، ثَلاثةَ أشْهُرٍ. هذا قولُ عمرَ، رضي الله عنه. قال الشافعيُّ: هذا قضاءُ عمرَ بينَ المُهاجِرين والأنْصارِ، لا يُنْكِرُه منهم مُنْكِر عَلِمْناه. وبه قال مالكٌ، والشافعي في أحَدِ قَوْلَيه. ورُوِيَ ذلك عن الحسنِ. وقال الشافعي في قولٍ آخرَ: تَتَرَبَّصُ أرْبَعَ سِنِينَ، أكثرَ مُدَّةِ الحَمْلِ، ثم ثَعْتَد بثلاثةِ أشْهُرٍ؛ لأنَّ هذه المُدَّةَ هي التي يُتَيَقَّنُ بها بَراءَةُ رَحِمِها، فوَجَبَ اعْتِبارُها احْتِياطًا. وحَكَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شيخُنا مثلَ ذلك في المذهبِ. وقال الشافعيُّ في الجديدِ: تكونُ في عِدَّةٍ أُبدًا حتى تَحِيضَ، أو تَبْلُغَ سِنَّ الإِياسِ، فتَعْتَدُّ حِينَئِذٍ بثَلاثةِ أشْهُرٍ. وهذا قولُ جابرِ بنِ زيدٍ، وعَطاءٍ، وطاوسٍ، والشَّعْبيِّ، والنَّخَعِيِّ، والزُّهْرِيِّ، والثَّوْرِيِّ، وأبي عُبَيدٍ، وأهْلِ العِرَاقِ؛ لأنَّ الاعْتِدادَ بالأشْهُرِ جُعِلَ بعدَ الإياسِ، فلم يَجُزْ قبلَه، وهذه ليست آيِسَةً، ولأنَّها تَرْجُو عَوْدَ الدَّمِ، فلم تَعْتَدَّ بالشُّهُورِ، كما لو تَباعَدَ حَيضُها لعارِضٍ. ولَنا، الإجْماعُ الذي (1) حكَاهُ الشافعيُّ، ولأنَّ الغَرَضَ بالاعْتِدادِ مَعْرِفةُ بَراءَةِ رَحِمِها، وهذا يَحْصُلُ به براءَةُ رَحِمِها، فاكْتُفِيَ به، [ولهذا اكْتُفِيَ](2) في حَقِّ ذاتِ القُرُوءِ بثلاثةِ قُرُوءٍ، وفي حَقِّ الآيسَةِ بثلاثةِ أشْهُرٍ، ولو رُوعِيَ اليَقِينُ لاعْتُبِرَ أقْصَى مُدَّةِ الحَمْلِ، ولأنَّ عليها في تَطْويلِ العِدَّةِ (3)
(1) بعده في م: «ذكرناه» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
في الأصل: «المدة» .