الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ؛ سَواءٌ وَرِثَهُ الْآخَرُ أَوْ لَا، كَعَمَّتِهِ، وَعَتِيقِهِ، وَحُكِىَ عَنْهُ، إِنْ لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ، فَلَا نَفَقَةَ لَهُ.
ــ
ولَنا، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم لهِنْدٍ:«خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بالمَعْرُوفِ» (1). ولم يَسْتَثْنِ منهم بالغًا ولا صحيحًا، ولأنَّه وَالِدٌ أو وَلَدٌ فَقِيرٌ، فاسْتَحَقَّ النَّفقةَ على والِدِه أو وَلَدِه الغَنِىِّ، كما لو كان زَمِنًا. ووافَقَ أبو حنيفةَ على وُجُوبِ نَفَقَةِ الوالِدِ وإن كان صَحِيحًا، إذا لم يكنْ ذا كَسْبٍ. وللشافعىِّ في ذلك قَوْلان، ولَنا، أنَّه والِدٌ مُحْتاجٌ، فأشْبَهَ الزَّمِنَ.
3995 - مسألة: (وتَلْزَمُه نَفَقةُ كلِّ مَن يَرِثُه بِفَرْضٍ أو تَعْصِيبٍ مِمَّن سِواهُم، سَواءٌ وَرِثَه الآخَرُ أَوْ لا، كعَمَّتِهِ، وعَتِيقِه. وحُكِىَ عنه، إن لم يَرِثْه الآخَرُ، فلا نَفَقَةَ لَهُ)
ظاهِرُ المذهبِ أنَّ النَّفقةَ تجبُ على كلِّ وارثٍ لمَوْرُوثِه، إذا اجْتَمَعَتِ الشُّرُوطُ التى تَقَدَّمَ ذِكْرُها. وهو الذى ذكَرَه الخِرَقِىُّ. وبه قال الحسنُ، ومُجاهِدٌ، والنَّخَعِىُّ، وقَتادَةُ، والحسنُ بنُ صالحٍ، وابنُ أبى لَيْلَى، وأبو ثَوْرٍ. وحَكَى ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ، في
(1) تقدم تخريجه في صفحة 288.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّبِىِّ المُرْضَعِ لا أبَ له (1)، نَفَقَتُه وأجْرُ رَضاعِه على الرِّجالِ دُونَ النِّساءِ. وكذلك روَى [بكرُ بنُ محمدٍ](2) عن أبِيه، عن أحمدَ، النَّفقةُ على العَصَباتِ. وبه قال الأوْزاعِىُّ، وإسْحاقُ. وذلك لِما رُوِى عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قَضَى على بَنِى عَمِّ مَنْفُوسٍ بنَفَقَتِه (3). احْتَجَّ به أحمدُ. قال ابنُ المُنْذِرِ (4): ورُوِىَ عن عمرَ، أنَّه حَبَسَ عَصَبَةً يُنْفِقُونَ على صَبِىٍّ، الرجالَ دُونَ النِّساءِ (5). ولأنَّها مُواساةٌ ومَعُونَةٌ تَخْتَصُّ القَرابَةَ (6)، فاخْتَصَّتْ بالعَصَباتِ، كالعَقْلِ (7). وقال أصْحابُ الرَّأْى: تجبُ النَّفَقةُ على كلِّ ذِى رَحِمٍ مَحْرَمٍ، ولا تجبُ على غيرِهم، لقولِ اللَّهِ تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (8).
(1) بعده في المغنى 11/ 381: «ولا جد» .
(2)
تكملة من المغنى 11/ 381، وانظر ترجمة محمد بن بكر في: طبقات الحنابلة 1/ 119، 120.
(3)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 7/ 59. وابن أبى شيبة في: المصنف 5/ 246، 247. وابن جرير، في: التفسير 2/ 500.
(4)
انظر: الإشراف 1/ 130.
(5)
أخرجه سعيد، في: سننه 12/ 113. والبيهقى، في: السنن الكبرى 7/ 478.
(6)
في الأصل: «الولاية» .
(7)
في الأصل: «كالعقد» . وفى تش: «كالفقراء» .
(8)
سورة الأنفال 75، وسورة الأحزاب 6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال مالِكٌ، والشَّافعىُّ، وابنُ المُنْذِرِ: لا نَفَقةَ إلَّا على المَوْلُودِين والوالدين؛ لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال لِرَجُلٍ سألَه: عندى دِينارٌ؟ قال: «أنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ» . قال: عندى آخَرُ. قال: «أنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ» . قال: عندى آخَرُ. قال: «أنْفِقْهُ عَلَى زَوْجِكَ» . قال: عندى آخَرُ. قال: «أنْفِقْهُ عَلَى خَادمِكَ» . قال: عندى آخَرُ. قال: «أنْتَ أبْصَرُ» . رواه أبو داودَ (1). ولم يأْمُرْه بإنْفاقِه على غيرِ هؤلاءِ، ولأَنَّ الشَّرْعَ إنَّما ورَدَ بنَفَقَةِ الوالدين والمَوْلُودِين، ومَن سِوَاهُم لا يَلْحَقُ بهم في الوِلادَةِ وأحْكامِها، فلا يَصِحُّ قِياسُه عليهم. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} . ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} . فَأوْجَبَ على الأَبِ نَفَقةَ الرَّضاعِ، ثم عَطَفَ الوَارِثَ عليه، فأوْجَبَ على الوَارِثِ مِثْلَ ما أوْجَبَ على الوالِدِ. ورُوِىَ أنَّ رَجُلًا سألَ
(1) تقدم تخريجه في 7/ 95.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النبىَّ صلى الله عليه وسلم: مَن أبَرُّ؟ قال: «أُمَّكَ وأباكَ، وأُخْتَكَ وأخَاكَ» (1). وفى لَفْظٍ: «ومَوْلَاكَ الذى هو أدْنَاكَ، حَقًّا وَاجبًا، ورَحِمًا مَوْصُولًا» . رواه أبو داودَ (1). وهذا نَصٌّ؛ لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم أَلْزَمَه الصِّلَةَ والبِرَّ، والنَّفَقةُ مِن الصِّلَةِ، جَعَلَها حَقًّا واجِبًا، وما احْتَجَّ به أبو حنيفةَ حُجَّةٌ عليه، فإنَّ اللَّفْظَ عامٌّ في كُلِّ ذِى رَحِمٍ (2). فيكونُ حُجَّةً عليه في مَن عَدا الرَّحِمِ المَحْرَمِ (3)، وقد اخْتَصَّتْ بالوارِثِ في الإِرْثِ، فكذلك في الإِنْفاقِ. وأمَّا خَبَرُ أصْحابِ الشافعىِّ، فقَضِيَّةٌ في عَيْنٍ، يَحْتَمِلُ أنَّه لم يكُنْ له غيرُ مَن أُمِرَ بالإِنْفاقِ عليه، ولهذا لم يَذْكُرِ الوالِدَ والأجْدادَ وأوْلادَ الأوْلادِ. وقولُهم: لا يَصِحُّ القِياسُ. قُلْنا: إنَّما أثْبَتْناه بالنَّصِّ، ثم إنَّهم قد ألْحَقُوا أوْلادَ الأوْلادِ بالأوْلادِ (4)، مع التَّفاوُتِ، فبَطَلَ ما قالوه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَخْتَصُّ بالوارِثِ بفَرْضٍ أو تَعْصِيبٍ؛ لعُمُومِ الآيةِ، ولا يَتَناولُ ذَوِى الأرْحامِ، على ما نَذْكُرُه.
(1) هما حديث واحد أخرجهما في: باب في بر الوالدين، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 629.
(2)
بعده في م: «محرم» .
(3)
سقط من: الأصل، تش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان اثْنانِ يَرِثُ أحَدُهما قَرِيبَه ولا يَرِثُه الآخَرُ، كالرَّجُلِ مع عَمَّتِه أو ابْنَةِ عَمِّه وابْنَةِ أخِيه (1)، والمرأةِ مع ابْنَةِ بِنْتِها وابْنِ بِنْتِها، فالنَّفقَةُ على الوارِثِ دُوِنَ المَوْرُوثِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايةِ ابنِ زِيادٍ، فقال: يَلْزَمُ الرَّجُلَ نَفقةُ بنتِ عمِّه، ولا يَلْزَمُه نَفَقةُ بنتِ أُخْتِه. وذكَرَ أصْحابُنا رِوايَةً أُخْرَى، لا تَجِبُ النَّفقةُ على الوارِثِ ههُنا؛ لأنَّها قَرابَةٌ ضَعِيفَةٌ، لِكَوْنِها لا تُثْبتُ التَّوارُثَ مِن الجِهَتَيْن (2)؛ لقولِ أحمدَ: العَمَّةُ والخالَةُ لا نَفَقةَ لهما. إلَّا أنَّ القاضِىَ قال: هذه الرِّوايةُ محمولةٌ على العَمَّةِ مِن الأُمِّ، فإنَّه لا يَرِثُها؛ لِكَوْنِه ابْنَ أخِيها مِن أُمِّها. وذكَرَ الخِرَقِىُّ، أنَّ على الرَّجُلٍ نَفَقةَ مُعْتَقِه؛ لأنَّه وارِثٌ. ومَعْلُومٌ أنَّ المُعْتَقَ لَا يَرِثُ مُعْتِقَه، ولا يَلْزَمُه نفَقَتُه. فعلى هذا، يَلْزَمُ الرَّجُلَ نَفَقةُ عَمَّتِه لأبَوَيْه أو لأبِيه وابْنةِ عَمِّه وابْنَةِ أخيه (3) كذلك، ولا يَلْزَمُهُنَّ نَفَقَتُه. وهذا هو الصَّحِيحُ إن شاءَ اللَّهُ تعالى؛ لقولِ اللَّهِ سبحانه وتعالى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} . وكلُّ واحدٍ مِن هؤلاءِ وارِثٌ.
(1) في تش: «أخته» .
(2)
في تش: «الطرفين» .
(3)
في الأصل: «أخته» .