الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ، وَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْمَزْنِيِّ بِهَا. وَعَنْهُ، أنهَا تُسْتَبْرأُ بِحَيضَةٍ.
ــ
يُعْدَمْ ههُنا إلَّا القَصْدُ، وسواء في هذا اجْتَنَبَتْ ما تَجْتَنِبُه المُعْتَدَّاتُ أو لم تَجْتَنِبْه، فإنَّ الإِحْدادَ الواجبَ ليس بشَرْطٍ في العِدَّةِ، فلو تَرَكَتْه قَصْدًا، أو عن غيرِ قَصْدِ، لانْقَضَتْ عِدَّتُها، فإنَّ اللهَ تعالى قال:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} . وقال: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} . وقال: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} . وقال: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} . وفي اشْتِراطِ الإِحْدادِ مُخالفَةُ هذه النُّصُوصِ، فوَجب أن لا (1) يُشتَرَطَ.
3871 - مسألة: (وعِدَّةُ المَؤطُوءَةِ بشُبْهَةٍ عِدَّةُ المُطَلَّقَةِ، وكذلك المَزْنِيُّ بِها. وعنه، أنَّها تُسْتَبْرأ بِحَيضَةٍ) [
وجملةُ ذلك، أن عِدَّةَ المَوْطُوءةِ بشُبْهَةٍ عِدَّةُ المُطَلَّقَةِ، وكذلك المَوْطُوءَةُ في نكاحٍ فاسدٍ] (2). وبهذا قال الشافعيُّ؛ لأنَّ وَطْءَ الشّبْهَةِ وفي النكاحِ الفاسدِ،
(1) سقط من: ق، م.
(2)
سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في شَغْلِ الرَّحِمِ ولُحُوقِ النَّسَبِ، كالوَطْءِ في النِّكاحِ الصَّحِيحِ، فكان مثلَه فيما تَحْصُلُ به البَراءَةُ. وإن وُطِئَتِ المُزَوَّجَةُ بشُبْهَةٍ، لم يَحِلَّ لزَوْجِها وَطْؤها قبلَ قَضاءِ عِدَّتِها؛ كي لا يُفْضِيَ إلى اخْتِلاطِ المِياهِ واشْتِباهِ الأنْسابِ. وله (1) الاسْتِمْتاعُ منها بما دُونَ الفَرْجِ، في أحدِ الوَجْهينِ؛ لأنَّها زَوْجَةٌ حَرُمَ وَطْؤها لعارِض مُخْتَصٍّ بالفَرْجِ، فأبِيحَ الاسْتِمْتاعُ منها بما دُونَه، كالحَيضِ. والثاني، لا تَحِلُّ؛ لأنَّ ما (1) حَرَّمَ الوَطْءَ حَرَّمَ دَواعِيَه، كالإِحْرامِ.
فصل: وكذلك المَزْنِيُّ بها، [عِدَّتُها عِدَّةُ](2) الموْطُوءَةِ بشُبْهَةٍ.
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «حكمها حكم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبهذا قال الحسنُ، والنَّخَعِيُّ. وعن أحمدَ روَاية أخْرَى، أنَّها تُسْتَبْرأ بحَيضَةٍ. ذكرَها ابنُ أبي مُوسى. وهو قولُ مالِكٍ؛ لأنَّ المَقْصُودَ به معْرِفَةُ البَراءَةِ مِن الحملِ، فأشْبَهَ اسْتِبْراءَ الأمَةِ. ورُوِيَ عن أبي بكر وعمرَ، رَضِيَ الله، عنهما، أنَّه (1) لا عِدَّةَ عليها. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، والشافعيِّ، وأصْحابِ الرأي؛ لأنَّ العِدَّةَ لحِفْظِ النَّسَب، [ولا يَلْحَقُه النَّسَبُ](2). وقد رُوي عن علي، رضي الله عنه، ما يَدُلُّ على ذلك. ولَنا، أنَّه وَطْءٌ يَقْتَضِي شَغْلَ الرَّحِمِ، فوَجَبَتِ العِدَّةُ منه، كوَطْءِ الشُّبْهَةِ. وأمَّا وُجُوبُها كعِدَّةِ المُطَلَّقَةِ؛ فلأنها حُرَّة، فأشْبَهَتِ المَوْطُوءَةَ بشُبْهَةٍ. وقولُهم: إنَّما تجبُ لحِفْظِ النَّسَبِ. قُلْنا: لو وَجَبَ لذلك، لَمَا وَجَبَ على المُلَاعِنَةِ المَنْفِيِّ وَلَدُها، والآيِسَةِ، والصَّغيرةِ، ولَما وَجَبَ اسْتِبْراءُ الأمَةِ التي لا يَلْحَقُ ولَدُها بالبائِعِ، ولو وَجَبَ لذلك (3)، كان اسْتِبْراءُ الأمَةِ على البائِعِ، ثم لو ثَبَتَ أنَّها وجَبَتْ لذلك (4)، فالحاجَةُ إليها داعِيَةٌ؛ فإنَّ
(1) سقط من: ق، م.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «كذلك» .
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَزْنِيَّ بها إذا تَزَوَّجَتْ قبلَ الاعْتِدادِ، اشْتَبَهَ وَلَدُ الزَّوْجِ (1) بالوَلَدِ مِن الزِّنَى، فلا يَحْصُلُ حِفْظُ النَّسَبِ.
فصولٌ تَتعلَّقُ بالمفْقودِ: إذا اخْتارَتِ امرأةُ المَفْقُودِ المُقامَ والتَّصَبُّرَ حتى يَتَبَيَّنَ أمرُه، فلها النَّفَقَةُ ما دام حَيًّا، ويُنْفَقُ عليها بالمعروف (2) من مالِه [حتى يَتَبَيَّنَ أمرُه](3)، لأنها مَحْكُوم لها بالزَّوْجِيَّةِ، فيَجِبُ لها النفَقَةُ، كما لو عُلِمَتْ حياتُه. فإذا تَبَيَّنَ أنَّه كان حَيًّا، وقَدِمَ، فلا كلامَ، وإن تَبَيَّنَ أنَّه مات، أو فارَقَها، فلها النَّفَقَةُ إلى يومِ مَوْتِه أو بَينُونَتِها منه، ويَرْجِعُ عليها بالباقِي، لأنَّنا تَبَينا أنَّها أنْفَقَتْ مال غيرِه، أو أنْفَقَتْ مِن مالِه وهي غيرُ زوجةٍ له. وإن رَفَعَتْ أمْرَها إلى الحاكمِ، فضَرَبَ لها مُدَّةً، فلها النَّفَقَةُ في مُدَّةِ التَّرَبُّصِ ومُدَّة العِدَّةِ، لأنَّ مُدةَ العِدةِ لم يُحْكَمْ فيها ببَينُونَتِها مِن زَوْجِها، فهي مَحْبُوسَة عليه بحُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ، فأشْبَهَ ما قبلَ العِدَّةِ، وأمَّا مُدَّةُ العِدَّةِ، [فلأنَّها غيرُ مُتَيَقَّنَ](4)، بخِلافِ عِدَّةِ الوَفاةِ، فإنَّ مَوْتَه مُتَيَقَّنٌ، وما بعدَ العِدَّةِ إن تَزَوَّجَتْ أو فَرَّقَ الحاكمُ بينَهما، سَقَطَتْ نَفَقَتُها؛ لأنَّها أسْقَطَتْها بخُرُوجِها عن حكمِ نِكاحِه، وإن لم تَتَزَوَّجْ ولا فَرَّقَ الحاكمُ بَينَهما، فنَفَقَتُها باقِيَةٌ، لأنها لم تَخْرُجْ مِن نِكاحِه. فإن قَدِمَ الزَّوْجُ بعدَ ذلك وَرُدَّتْ إليه، عادَتْ نَفَقَتُها مِن حينِ الردِّ. وقد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
روَى الأثْرَمُ والجُوزْجانِيُّ، عن ابنِ عمرَ، وابنِ عباسٍ، قالا: تَنْتَظِرُ امرأةُ المفْقُودِ أرْبَعَ سِنِينَ. قال ابنُ عمرَ: ويُنْفقُ عليها مِن مالِ زَوْجِها. وقال ابنُ عباسٍ: إذًا يُجْحِفَ ذلك بالوَرَثَةِ، ولكنَّها تَسْتَدِينُ، فإذا جاء زَوْجُها أخَذَت مِن مالِه، وإن مات أخَذَتْ مِن تَرِكَتِه (1) نَصِيبَها مِن المِيراثِ. وقالا: يُنْفَقُ عليها بعدُ في العِدَّةِ بعدَ الأرْبَعِ سِنِينَ مِن مالِ زَوْجِها جَمِيعِه، أرْبَعَةَ أشْهُر وعَشْرًا (2). وإن قُلْنا: ليس لها أن تَتَزَوَّجَ. لم تَسْقُطْ نَفَقَتُها ما لم تَتَزَوَّجْ، فإن تزَوَّجَتْ، سَقَطَتْ نَفَقَتُها؛ لأنَّها بالتَّزْويجِ تخرُجُ عن يَدَيه، وتَصيرُ ناشِزًا، وإن فُرِّقَ بينَهما، فلا نفَقَةَ لها ما دامتْ في العِدَّةِ، فإذا انْقَضَتْ، فلم تعُدْ إلى مَسْكنِ زَوْجِها، فلا نفَقَةَ لها أيضًا؛ لأنَّها باقيةٌ على النُّشُوزِ. وإن عادت إلى مَسْكنِه، احْتَمَلَ أن تعودَ النَّفقَةُ؛ لأن النُّشُوزَ المُسْقِطَ لِنَفَقَتِها قد زال، ويَحْتَمِلُ أنَّها لا تعودُ؛ لأنَّها ما سَلّمَتْ نفْسَها إليه. وإن عادَ فتَسَلَّمها عادَتْ نَفَقَتُها. ومتى أُنْفِقَ عليها، ثم بانَ أنَّ الزَّوْجَ كان قد ماتَ قبلَ ذلك، حُسِبَ عليها ما انْفِقَ عليها مِن حينِ مَوْتِه مِن مِيراثِها، فإن لم تَرِثْ شيئًا، فهو عليها؛ لأنَّها أنْفقَتْ مِن مالِ الوارِثِ ما لا تَسْتَحِقُّه. فأمَّا نفَقَتُها على الزَّوْجِ الثاني، فإن قُلْنا: لها أنْ تتَزَوَّجَ. فنِكاحُها صَحِيحٌ، حُكْمُه في النَّفَقَةِ حُكْمُ الأنْكِحَةِ الصَّحِيحَةِ. وإن قُلنا:
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور، في: باب الحكم في امرأة المفقود، من كتاب الطلاق. السنن 1/ 402. وابن أبي شيبة، في: باب ما قالوا في الرجل يطلق امرأته وهي مستحاضة بما تعتد، من كتاب الطلاق. المصنف 5/ 159.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ليس لها أن تتَزَوَّجَ. فلا نفَقَةَ لها، فإن أنْفَقَ، لم يَرجِعْ بشيءٍ؛ لأنه مُتَطَوِّعٌ به (1)، إلَّا أن يُجْبِرَه الحاكمُ على ذلك، فيَحْتَمِلُ أن يرْجِعَ بها؛ لأنَّه ألْزَمَه أداءَ ما (2) لم يكن واجِبًا عليه، ويَحْتَمِلُ أن لا يرْجِعَ به؛ لأنَّ ما حَكمَ به الحاكمُ لا يجوزُ نقْضُه، ما لم يُخالِفْ كِتابًا أو سُنَّةً أو إجْماعًا. فإن فارَقَها بتَفْريقِ الحاكمِ أو غيرِه، فلا نفَقَةَ لها، إلَّا أن تكونَ حامِلًا، فيَنْبَنِي وُجوبُ النَّفقَةِ على الرِّوايتَين في النَّفَقَةِ؛ هل هي للحَمْلِ، أو لها مِن أجْلِه؟ فإن قُلْنا: هي للحَمْلِ. فلها النَّفَقَةُ؛ لأنَّ نَسَبَ (3) الحَمْلِ لاحقٌ به، فيَجبُ عليه الإنْفاقُ على وَلَدِه. وإن قُلْنا: لها مِن أجْلِه. فلا نَفَقَةَ لها؛ لأنَّها في غيرِ نِكاح صَحيح، فأشْبَهَ حَمْلَ المَوْطُوءَةِ بشُبْهَةٍ. وإذا أتَتْ بوَلَدٍ يُمْكنُ كَوْنُه مِن الثاني، لَحِقَه نَسَبُه؛ لأنَّها صارَتْ فِراشًا له، وقد عَلِمْنا أنَّ الولَدَ ليس مِن الأوَّلِ؛ لأنَّها ترَبَّصَتْ بعدَ فَقْدِه أكثرَ (4) مُدَّةِ الحَمْلِ، وتَنقَضِي عِدَّتُها مِن الثاني بوَضْعِه؛ لأنَّ الولَدَ منه، وعليها أنْ تُرْضِعَه اللِّبَأ (5)؛ لأنَّ الولَدَ لا يقومُ بَدَنُه إلَّا به، فإن رُدَّتْ إلى الأوّلِ، فله مَنْعُها مِن رَضاعِه، كما له أن يَمْنَعَها مِن رَضاعِ أجْنَبِيٍّ؛ لأنَّ ذلك يَشْغَلُها عن حُقُوقِه، إلّا أن يُضْطرَّ إليها، ويُخْشَى عليه التَّلَفُ، فليس له مَنْعُها
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل، تش.
(3)
في تش، ق:«سبب» .
(4)
بعده في تش، م:«من» .
(5)
اللبأ: أول اللبن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن رَضاعِه؛ لأنَّ هذا حالُ ضَرورَةٍ. فإن أرْضَعَتْه في بيتِ الزوْجَ الأوَّلِ، لم تَسْقُطْ نفَقَتُها؛ لأنَّها في قَبْضَتِه ويَدِه، وإن أرْضَعَتْه في غيرِ بَيته بغيرِ إذْنِه، فلا نفَقَةَ لها؛ لأنها ناشِزٌ، وإن كان بإذْنِه، خُرِّجَ على الرِّوايتَين فيما إذا سافَرَتْ بإذْنِه.
فصل في مِيراثها مِن الزَّوْجَين وتَوْرِيثهما منها: متى مات زَوْجُها الأوَّلُ، أو ماتَتْ قبلَ تَزَوُّجها الثاني، وَرِثَتْه وَوَرِثَها. وكذلك إن تَزَوَّجَتِ الثاني فلم يَدْخُلْ بها؛ لأنَّنا قد تَبَيَّنا أنه متى قَدِمَ قبلَ الدُّخولِ بها، رُدَّتْ إليه بغيرِ تخْيِيرٍ. وذكرَ القاضي فيها روايةً أُخْرَى (1)، أنَّه يُخيَّرُ فيها. فعلى هذه الرِّوايةِ، حُكْمُها حُكْمُ ما لو دَخَلَ بها الثاني. فأمَّا إذا دَخَلَ بها الثاني، وقَدِمَ زَوْجُها الأولُ فاخْتارَها، رُدَّت إليه، ووَرِثَها ووَرِثَتْه، ولم تَرِثِ الثانِيَ ولم يَرِثْها؛ لأنه لا زَوْجِيَّةَ بَينَهما. وإن مات أحَدُهما قبلَ اخْتِيارِها؛ إمَّا في الغَيبَةِ أو بعدَ قُدومِه، فإن قُلْنا: إن لها أن تتَزَوَّجَ. وَرِثَتِ الزوْج الثانِيَ ووَرِثَها، ولِم تَرِثِ الأوَّلَ ولم يَرِثْها؛ لأن مَن خُيِّرَ بينَ شَيئَين فتَعَذرَ أحَدُهما، تعَيَّنَ الآخرُ. وإن ماتَتْ قبلَ اخْتِيارِ الأوَّلِ، خُيِّرَ، فإنِ اخْتارَها وَرِثَها، وإن لم يَخْتَرْها وَرِثَها الثاني. هذا ظاهِرُ قولِ أصْحابِنا. وأنا على ما اخْتارَه شيخُنا (2)، فإنها لا تَرِثُ الثانِيَ ولا يَرِثُها بحالٍ، إلَّا أن يُجَدِّدَ لها (3) عَقْدًا، أو لا يَعْلَمَ أن الأولَ كان حَيًّا، ومتى عَلِمَ أنَّ الأوَّلَ كان
(1) سقط من: م.
(2)
انظر: المغني 11/ 257.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَيًّا، وَرِثَها ووَرِثَتْه، إلا أن يَخْتارَ تَرْكَها، فتَبِين منه بذلك، فلا تَرِثه ولا يَرِثها. وعلى قولِ أبي الخَطابِ، إن حَكَمْنا بوقوعِ الفرْقَةِ بتَفْريقِ الحاكمِ ظاهِرًا وباطِنًا، وَرِثَتِ الثاني ووَرِثَها دونَ الأولِ، وإن لم نَحْكمْ بوقوعِ الفرْقَةِ باطِنًا، وَرِثَتِ الأولَ، ووَرِثَها دونَ الثاني. فأمَّا عِدتها منهما، فمَن وَرِثَتْه اعْتَدتْ لوَفاتِه عِدَّةَ الوَفاةِ. وإن مات الثاني في موْضِع لا تَرِثه، فالمَنْصوص عن أحمدَ، أنَّها تَعْتَدُّ عِدةَ الوَفاةِ في النِّكاحِ الفاسدِ. فعلى هذا، عليها عِدَّة الوَفاةِ لِوَفاتِه. وهو اخْتيار أبي. وقال ابن حامِدٍ: لا عِدَّةَ عليها لِوَفاتِه، لكنْ تَعْتَدُّ مِن وَطْئِه بثلاثةِ قروءٍ، فإن ماتا معًا، اعْتَدتَ لكلِّ واحدٍ منهما، وبدأتْ بعِدَّةِ الأولِ، فإن أكْمَلَتْها، اعْتَدَّتْ للآخَرِ، وإن مات الأول أولًا، فكذلك، وإن مات الثاني أولًا، بدَأتْ بعِدَّتِه، فإن مات الأوَّل، انقَطَعَتْ عِدَّة الثاني، ثم ابتدأتْ عِدَّةَ الأولِ، فإذا أكَمْلَتْها، أتَمَّتْ عِدةَ الثاني. وإن علِمَ مَوْت أحَدِهما، وجهِلَ وَقْت (1) مَوْتِ الآخَرِ، أو جهِلَ مَوْتهما، فعليها أن تَعْتَد عِدتَين مِن حينَ تَيَقَّنَتِ المَوْتَ، وتبْدأ بعِدَّةِ الأوَّلِ؛ لأنَّه أسْبَق وأوْلَى، وإن كانتْ حامِلًا فبِوَضْعِ الحملِ تَنْقَضِي عِدَّة الثاني لأنَّ الولَدَ منه، ثم تَبْتَدِيء بعِدَّةِ الوَفاةِ، أرْبعَةَ أشْهر وعَشْرًا.
فصل: إذا تزَوَّجَتِ امرأة المَفْقُودِ في وَقْتٍ ليس لها أن تتزَوجَ فيه، نحوَ أن تتزَوَّجَ قبلَ مضِيِّ المدَّةِ التي يباحُ لها التزَوُّج بعدَها، أو كانت غَيبَة
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زَوْجِها ظاهِرُها السَّلامَةُ، أو ما أشْبَهَ هذا، فنِكاحها باطِل. وقال القاضي: إن تَبَيَّنَ أنَّ زَوْجَها قد مات، وانْقَضَتْ عِدَّتُها منه، أو فارَقَها وانْقَضَتْ عِدَّتُها، ففي صِحَّةِ نِكاحِها وَجْهان؛ أحَدُهما، هو صَحيح؛ لأنَّها ليستْ في نِكاح ولا عِدَّةٍ، فصَحَّ تَزْويجُها، كما لو عَلِمَتْ ذلك. والثاني، لا يَصِحُّ؛ لأنَّها مُعْتَقِدَة تَحْرِيمَ نِكاحِها وبُطْلانَه. وأصْلُ هذا مَن باعَ عَينًا في يَدِه يعْتَقِدُها لمَوْرُوثِه، فبانَ مَوْرُوثُه مَيِّتًا والعينُ مَمْلوكةً له بالإِرْثِ، هل يَصِحُّ البَيعُ؟ فيه وَجْهان. كذا ههُنا. ومذهبُ الشافعيِّ مثلُ هذا. ولَنا، أنَّها تزَوَّجَتْ في مُدَّةٍ مَنَعَها الشَّرْعُ النِّكاحَ فيها، فلم يَصِحَّ، كما لو تزَوَّجَتِ المُعْتَدَّةُ في عِدَّتِها، والمُرْتابَةُ قبلَ زَوالِ الرِّيبَةِ.
فصل: وإن غابَ رَجُلٌ عن زَوْجَتِه، فشَهِدَ ثِقات بوَفاتِه، فاعْتَدَّتْ زوجَتُه للوَفاةِ، أُبِيحِ لها أن تتزَوَّجَ. فإن عادَ الزوجُ بعدَ ذلك، فحُكْمُه حُكْمُ المَفْقُودِ، يُخيَّرُ زَوْجُها بينَ أخْذِها وتَرْكِها وله الصَّداقُ، وكذلك إن تظاهَرَتِ الأخْبارُ بمَوْتِه. وقد رَوَى الأثْرَمُ بإسنادِه، عن أبي المَلِيحِ، عن سُهَيَّةَ (1)، أنَّ زَوْجَها صَيفِيَّ بنَ فَسِيلٍ (2)، نُعِيَ لها مِن قَنْدابِيلَ (3)، فتزوَّجَتْ بعدَه، ثم إنَّ زَوْجَها الأوَّلَ قَدِمَ، فأتَينا (4) عُثمانَ وهو مَحْصُور،
(1) في الأصل: «شهبة» .
(2)
في النسخ: «فشيل» . وفي سنن البيهقي: «قتيل» . وفي نسخة منه: «فسيل» . وكذا ورد اسمه عند الطبري في تاريخه 5/ 80. وعند ابن سعد: «قسيل» بالقاف، وهو كذلك في نسخة لابن الأثير، في: الكامل 3/ 341.
(3)
في م: «قيذائيل» . وقندابيل: مدينة بالسند وهي قصبة لولاية يقال لها: الندهة. معجم البلدان 4/ 183.
(4)
في الأصل: «فأتيا» .
فَصْل: وَإذَا وُطِئَتِ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ أوْ غَيرِهَا، أتَمَّتْ عِدَّةَ الْأوّلِ، ثُمّ اسْتَأنَفَتِ الْعِدَّةَ مِنَ الْوَطْءِ،
ــ
فأشْرَفَ علينا، ثم قال: كيف أقْضِي بَينَكم (1) وأنا على هذه الحالِ! فقُلْنا: قد رَضِينا بقَوْلِكَ. فقَضَى أن يُخَيَّرَ الزَّوْجُ الأوَّلُ بينَ الصداقِ وبينَ المرأةِ. فلما قُتِلَ عثمانُ، أتَينا عليًّا، فخَيَّرَ الزَّوْجَ الأوَّلَ بينَ الصَّداقِ والمرأةِ، فاخْتارَ الصداقَ، فأخَذَ مِنِّي ألْفَين، ومِن زَوْجِي الآخَرِ (2) ألْفَين (3). فإن حَصَلَتِ الفُرْقَةُ بشَهادَةٍ مَحْصُورَةٍ، فما حَصَلَ مِن غَرامةٍ فعليهما؛ لأنَّهما سَبَب في إيجابِها. وإن شَهِدا بِمَوْتِ رجل، فَقُسِمَ مالُه، ثم قَدِمَ، فما وَجَدَ مِن مالِه أخَذَه، وما تَلِفَ منه أو تَعَذرَ رُجُوعُه فيه، فله تَضْمِينُ الشَّاهِدَين؛ لأنَّهما سَبَبُ الاسْتِيلاءِ عليه، وللمالِكِ تَضْمِينُ المُتْلِفِ؛ لأنه أتْلَفَ ماله بغيرِ إذْنِه.
فصل: (وإذا وُطِئَتِ المُعْتَدَّةُ بشُبْهَةٍ أو غيرِها، أتَمَّتْ عِدَّةَ الأوَّلِ، ثم اسْتأنفَتِ العِدةَ مِن الوَطْءِ) إنما كان كذلك؛ لأن العِدَّتَين مِن رَجُلَين
(1) في م: «بينكما» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
أخرجه ابن سعد، في: الطبقات الكبرى 8/ 471. وعبد الرزاق، في: المصنف 7/ 88، 89. والبيهقي، في: السنن الكبرى 7/ 447.