الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: وَالاسْتِبْرَاءُ يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ إِنْ كَانَتْ حَامِلًا، أَوْ بِحَيضَةٍ إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ،
ــ
فصل: قال شيخُنا، رحمه الله:(والاسْتِبْراءُ يَحْصُلُ بوَضْعِ الحملِ إن كانت حامِلًا) ولا خِلافَ في ذلك بحمدِ اللهِ؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (1). وقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا» (2). ولأنَّ عِدَّةَ الحُرَّةِ والأمَةِ والمُتَوَفَّى عنها والمُطَلَّقةِ واسْتَبراءَ كلِّ أمةٍ إذا كانتْ حامِلًا بوَضْعِ حَمْلِها، ولأنَّ المَقْصُودَ مِن العِدَّةِ والاسْتِبْراءِ معرفةُ بَراءةِ الرَّحِمِ مِن الحَمْلِ (3)، وهذا يَحْصُلُ بوَضْعِه، ومتى كانت حامِلًا بأكْثَرَ مِن واحدٍ، فلا يَنْقَضِي اسْتِبْراؤُها حتَّى تَضَعَ آخِرَ حَمْلِها، على ما ذكَرْناه في المُعْتَدَّةِ.
3909 - مسألة: (أو بحَيضَةٍ إن كانت مِمَّن تَحِيضُ)
وقد اخْتَلَفَ أهلُ العلمِ في أُمِّ الولَدِ إذا مات عنها سَيِّدُها ولم تكنْ حامِلًا، فالمَشْهورُ
(1) سورة الطلاق 4.
(2)
تقدم تخريجه في 2/ 390.
(3)
في م: «الوضع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن أحمدَ أنَّ اسْتِبْراءَها يَحْصُلُ بحَيضَةٍ. رُوِيَ ذلك عن [ابنِ عمرَ](1)، وعثمانَ، وعائشةَ، والحسنِ، والشَّعْبِيِّ، والقاسمِ بنِ محمدٍ، وأبي قِلابةَ، ومالكٍ، والشافعيِّ، وأبي عُبَيدٍ، وأبي ثَوْرٍ. ورُوِيَ عن أحمدَ، أنَّها تَعْتَدُّ عِدَّةَ الوَفاةِ أرْبعةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا. وهو قولُ سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، وابنِ سِيرِينَ، وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ، ومُجاهِدٍ، وخِلاسِ بنِ عمرٍو، وعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، والزُّهْرِيِّ، والأوْزَاعِيِّ، وإسْحاقَ؛ لِما رُوِيَ عن عمرِو بنِ العاصِ، أنَّه قال: لا تُفْسِدُوا علينا سُنَّةَ نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم، عِدَّةُ أمِّ الولَدِ إذا تُوُفِّيَ عنها سَيِّدُها أرْبَعةُ أشْهُرٍ وعَشْرٌ. روَاه أبو داودَ (2). ولأنَّها حُرَّة تَعْتَدُّ للوَفاةِ، فكانت عِدَّتُها أرْبَعةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا، كالزَّوْجةِ الحُرَّةِ. وحَكَى أبو الخَطَّابِ رِوايةً ثالثةً، أنَّها تَعْتَدُّ شَهْرَين وخَمْسةَ أيَّامٍ.
(1) في الأصل، تش:«عمر» . وانظر ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر، في: المصنف 5/ 164. والبيهقي في: السنن الكبرى 7/ 447.
(2)
في: باب في عدة أم الولد، من كتاب الطلاق. سنن أبي داود 1/ 539.
كما أخرجه ابن ماجه، في: باب عدة أم الولد، من كتاب الطلاق. سنن ابن ماجه 1/ 673. والإمام أَحْمد، في: المسند 4/ 203. وابن أبي شيبة، في: المصنف 5/ 162. والدارقطني، في: باب المهر، من كتاب النكاح. سنن الدارقطني 3/ 309. والبيهقي، في: باب استبراء أم الولد، من كتاب العدد. السنن الكبرى 7/ 447، 448.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال شيخُنا (1): ولم أجِدْ هذه الرِّوايةَ عن أحمدَ في «الجامِعِ» ، ولا أظُنُّها صحيحةً عن أحمدَ. ورُوِيَ ذلك عن عطاءٍ، وطاوُسٍ، وقَتادةَ؛ لأنَّها حينَ الموتِ أَمَةٌ، فكانتْ عِدَّتُها عِدَّةَ الأمَةِ، كما لو مات رَجُلٌ عن زَوْجَتِه الأَمةِ، فعَتَقَتْ بعدَ مَوْتِه. ويُرْوَى عن عليٍّ، وابنِ مسعودٍ، وعطاءٍ، والنَّخَعِيِّ، والثَّوْرِيِّ، وأصْحابِ الرَّأْي، أنَّ عِدَّتَها ثَلاثُ حِيَضٍ؛ لأنَّها حُرَّةٌ تَسْتَبْرِئُ، فكان اسْتِبْراؤُها بثلاثِ حِيَضٍ، كالحُرَّةِ المُطَلَّقَةِ. ولَنا، أنَّه اسْتِبْراءٌ لزَوالِ المِلْكِ عن الرَّقَبَةِ، فكان حَيضَةً في حَقِّ مَن تَحِيضُ، كسائرِ اسْتِبْراءِ المُعْتَقاتِ والمَمْلُوكاتِ، ولأنَّه اسْتِبْراءٌ لغيرِ الزَّوْجاتِ والمَوْطُوءاتِ بشُبْهةٍ (2) فأشْبَهَ ما ذكَرْنا. قال القاسِمُ بنُ محمدٍ: سُبْحانَ اللهِ، يقولُ اللهُ تعالى في كتابِه:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} (3). ما هُنَّ بأزْواجٍ. وأمَّا حديثُ عمرِو بنِ العاصِ فضَعِيفٌ. قال ابنُ المُنْذِرِ (4): ضَعَّفَ أحمدُ، وأبو عُبَيدٍ حَدِيثَ عمرِو بنِ العاصِ. وقال محمدُ بنُ موسى: سأَلتُ أَبا عبدِ اللهِ عن حديثِ عمرِو بنِ العاصِ، فقال: لا يَصِحُّ. وقال المَيمُونِيُّ: رأيتُ أَبا عبدِ الله يِعْجَبُ مِن حديثِ عمرِو بنِ العاصِ هذا، [ثم قال] (5): أينَ سُنَّةُ النبيِّ
(1) في: المغني 11/ 263.
(2)
سقط من: م.
(3)
سورة البقرة 234.
(4)
في: الإشراف 1/ 264.
(5)
في الأصل: «في المقال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صلى الله عليه وسلم في هذا؟ وقال: أرْبَعةُ أشْهُرٍ وعشرٌ إنَّما هي عِدَّةُ الحُرَّةِ مِن النِّكاحِ، وإنَّما هذه أمَةٌ خَرَجَتْ مِن الرِّقِّ إلى الحُرِّيَّةِ. ويَلْزَمُ مَن قال بهذا أن يُوَرِّثَها. وليس لقول مَن قال: تَعْتَدُّ بثلاثِ حِيَضٍ. وَجْهٌ، وإنَّما تَعْتَدُّ بذلك المُطَلَّقَةُ، وليست هذه مُطَلَّقةً، ولا في مَعْنى المُطَلَّقةِ. وأمَّا قِياسُهم إيَّاها على الزَّوْجاتِ، فلَا يَصِحُّ؛ فإنَّها ليست زَوْجَةً، ولا في حُكْمِ الزَّوْجَةِ، ولا مُطَلَّقَةً، ولا في حُكْمِ المُطَلَّقَةِ.
فصل: ولا يَكْفِي في الاسْتِبْراءِ طُهْرٌ، ولا بعضُ حَيضَةٍ. وهو قولُ أكْثَرِ أهلِ العلمِ. وقال بعضُ أصْحابِ مالكٍ: متى طَعَنَتْ في الحَيضَةِ، فقد تَمَّ اسْتِبْراؤُها. وزَعَمَ أنَّه مذهبُ مالكٍ. وقال الشافعيُّ، في أحدِ قولَيه: يَكْفِي طُهْرٌ واحِدٌ إذا [كان كامِلًا](1)، وهو أن يموتَ في حَيضِها، فإذا رأتِ الدَّمَ مِن الحَيضَةِ الثانيةِ، حَلَّتْ، وتَمَّ اسْتِبْراؤُها. وهكذا الخلافُ في الاسْتِبْراء كلِّه، وبَنَوْا هذا على أنَّ القُرُوءَ الأطْهارُ، وهذا يَرُدُّه قولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، ولَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيضَةٍ» (2). وقال رُوَيفِعُ بنُ ثابتٍ: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ يومَ خَيبَرَ: «مَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ، فَلَا يَطَأْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْي
(1) في الأصل: «كانت حاملًا» .
(2)
تقدم تخريجه في 2/ 390، وهو عند أبي داود في 1/ 497.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيضَةٍ». رَواه الأثْرَمُ (1). وهذا صَريحٌ فلا يُعَوّلُ على ما خالفَه. ولأنَّ الواجِبَ الذي يَدُلُّ على البَراءَةِ هو الحَيضُ؛ لأنَّ الحامِلَ لا تَحِيضُ. فأمَّا الطُّهْرُ فلا دَلالةَ فيه على البَراءَةِ، فلا يجوزُ أن يُعَوَّلَ في الاسْتِبْراء على ما لا دَلالةَ فيه (2) دون ما يدُلُّ عليه. وبِناؤُهم قولَهم هذا على أنَّ القُروءَ الأطْهارُ، بِناءٌ للخِلافِ على الخِلَافِ، وليس ذلك بحُجَّةٍ، ثم لم يُمْكِنْهُم [بناءُ هذا على ذاك](3) حتَّى خالفُوه، فجعَلُوا الطُّهْرَ الذي طَلَّقَهَا فيه قَرْءًا، ولم يجعَلُوا الطُّهْرَ الذي مات فيه سَيِّدُ أمِّ الولَدِ قَرْءًا، فخالفُوا الحَدِيثَ والمعنى. فإن قالوا: إنَّ بعضَ الحَيضَةِ المُقْتَرِنَ بالطَّهْرِ يَدُلُّ على البَراءَةِ. قُلْنا: فيكونُ الاعتمادُ حينَئِذٍ (4) على بعضِ الحَيضَةِ، وليس ذلك قَرْءًا (5) عندَ أحَدٍ (6). إذا تَقَرَّرَ هذا، فمات عنها وهي طاهِرٌ، فإذا طَهُرَتْ [مِن الحَيضَةِ المُسْتَقْبَلَةِ، حَلَّتْ، فإن كانت حائِضًا، لم تَعْتَدَّ ببَقِيَّةِ تِلك (7) الحَيضَةِ، ولكن متى طَهُرَتْ مِن الحَيضَةِ الثانيةِ](8)، حَلَّتْ؛ لأنَّ اسْتِبْراءَ هذه بحَيضَةٍ، فلا بُدَّ مِن حَيضَةٍ كاملةٍ.
(1) وأخرجه بنحوه الدَّارمي عن رويفع في يوم خيبر، في: باب استبراء الأمة، من كتاب السير. سنن الدَّارمي 2/ 227. وليس عنده:«بحيضة» . وانظر ما تقدم في صفحة 172.
(2)
بعده في م: «عليه» .
(3)
في الأصل: «شاهدا على ذلك» .
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
في الأصل: «فرقًا» .
(6)
في تش: «أَحْمد» .
(7)
في م: «ملك» .
(8)
سقط من الأصل.