الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دفن الميت:
وحمل الميت ودفنه تكريم للميت، وهو من فروض الكفاية، قال الله تعالى:{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} 1، ومعنى الكفت: الضم والجمع، وقال الفراء: يريد تكفتهم أحياء على ظهرها في دورهم ومنازلهم، وتكفتهم أمواتا في بطنها أي: تحوزهم2.
وقال تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 3، جعل له قبرا يواري فيه، قال الفراء: جعله مقبورا ولم يجعله ممن يلقى كالسباع والطيور4.
ويتولى إنزال5 الميت ولو كان أنثى - الرجال دون النساء لأمور:
الأول: أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم.
الثاني: أن الرجال أقوى على ذلك.
الثالث: لو تولته النساء أفضى ذلك إلى انكشاف شيء من أبدانهن أمام الأجانب، وهو غير جائز، وأولياء الميت أحق بإنزاله لعموم قول الله تعالى:{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 6.
1 سورة المرسلات، الآيتان [25،26] .
2 تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل: البغوي 4/434.
3 سورة عبس، الآية [21]
4 تفسير البغوي المسمى معالم التنزيل: البغوي 4/448.
5 أحكام الجنائز وبدعها: الألباني ص 147.
6 سورة الأنفال الآية [75] .
ويسن الدفن في المقبرة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه في البقيع، والشهيد يدفن في موطن استشهاده، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم رد شهداء أحد ليدفنوا في مصارعهم، وكان بعض الشهداء قد حمل إلى المدينة.
ويسن تعميق القبر وتوسيعه، لما روي عن هشام بن عامر قال: شُكيَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراحات يوم أحد فقال: "احفروا وأوسعوا وأحسنوا
…
" 1 وذلك أستر للميت وأحوط أن لا ينبش أو تناله السباع، وفيه قطع للراحة التي تؤذي الأحياء.
ويجوز الجلوس عند القبر وقت الدفن لتذكير الحاضرين بالموت وما بعده، ويجوز الدفن في جميع الأوقات، ويكره في أوقات النهي الثلاثة لغير ضرورة.
وينبغي ستر قبر المرأة عند وضعها فيه، حتى يصف اللبن عليها، لأنها عورة، ويكره ذلك للرجل إلا لعذر كمطر.
ويسن لمن يدخل الميت القبر أن يقول: بسم الله، وعلى ملة رسول الله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا وضعتم موتاكم في قبورهم فقولوا بسم الله وعلى ملة رسول الله"2.
ويسن وضع الميت في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة كسُنَّة النوم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عند ما سئل: ما الكبائر؟ فذكر منها: ".. واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا" 3، ويفك عقد الكفن من قبل رأسه ورجليه،
1 رواه الترمذي 4/213 ح 1713 وقال: حسن صحيح.
2 رواه الحاكم 1/366 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
3 رواه أبو داود 3/295 ح 2875 وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/555، 556 ح 2499.
ولا يكشف وجهه، لأنه لم يرد، ويوضع تحت رأسه لبنة، فإن لم يوجد فحجر، فإن لم يوجد فتراب إن احتاج إلى ذلك، وإلا فلا.
وينبغي أن يدني الميت من حائط القبر الأمامي، ويسند خلف ظهره بالتراب حتى لا ينكفئ على وجهه، أو ينقلب على ظهره، ويزال الكفن عن خده حتى يلصق بالأرض، ثم تسد فتحة اللحد باللبن والطين حتى لا ينزل التراب على الميت.
ويسن حثو التراب عليه باليد ثلاثا، ثم يهال عليه تراب قبره لا غيرهن ويسن رفع القبر عن الأرض قدر شبر ليتميز فيصان ولا يهان، وليترحم على صاحبه، لحديث جابر رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحدا، ونصب عليه اللبن نصبا، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر"1، ويكون محدبا كهيئة السنام أفضل من تسطيحه، لحديث سفيان التمار قال:"رأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنما"2.
وذكر بعض أهل العلم الحكمة من ذلك؛ في أن التسنيم تنزل عنه مياه الأمطار والسيول، والتسطيح يشبه أبنية أهل الدنيا. ولا يسطح قبر من دفن بدار حرب وتعذر نقله حتى لا ينبش ويمثل به.
ويسن وضع حصباء على القبر ثم رشه بالماء ليثبت التراب، لما روى جعفر بن محمد عن أبيه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم رش على قبر ابنه إبراهيم ماء، ووضع عليه الحصباء"3.
1 رواه البيهقي في سننه 3م410 كتاب الجنائز، باب لا يزاد في القبر على أكثر من ترابه لئلا يرتفع جدا، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 2/132 ك رواه البيهقي فمن وجه آخر مرسلا ليس فيه جابر، وهو عند سعيد بن منصور عن الدراوردي عن جعفر.
2 رواه البخاري 2/107 كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 رواه البيهقي 3/411 كتاب الجنائز، وقال ابن التركماني: إنه مرسل.
ولا بأس بتعليم القبر بوضع النصائب على طرفيه، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات عثمان بن مظعون أنه أمر بحجر فوضعه عند رأسه وقال:"أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي"1، ولا تجوز الكتابة عليها، لما روي عن جابر قال:" نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ"2.
فإذا فرغ من دفنه، استحب الدعاء له عند القبر، لما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه فقال: " استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل" 3، ويدعو كل واحد بمفرده وليس جماعة.
1 رواه أبو داود 2/543 ح 3206، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/618 ح 2745.
2 رواه الترمذي 3/368 ح 1052 وقال: حسن صحيح.
3 رواه أبو داود 3/550 ح 3221، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/620 ح 2758.