الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط قصر الصلاة:
والقصر جائز بشروط ستة:
الأول: أن تكون1 مسافة السفر مبيحة للقصر. علَّق الشارع الحكيم قصر الصلاة وإباحة الفطر على مطلق السفر دون تحديد له، غير أنه لما كان السفر مظنة المشقة، والمشقة لا تحصل غالباً إلا مع السفر الطويل، اختلف الفقهاء رحمهم الله في تحديد مسافة السفر المبيحة للقصر والفطر.
فمنهم: من ذهب إلى أن المسافة التي يجوز القصر والفطر فيها هي مسيرة يومين كاملين فأكثر، وهي تعادل ثمانين كيلو متراً تقريباً.
ومنهم: من ذهب إلى أن المسافة المبيحة للقصر والفطر مسيرة ثلاثة أيام.
ومنهم: من ذهب إلى أن المسافة المبيحة للقصر والفطر مسيرة يوم واحد.
ومنهم: من ذهب إلى أنه لاحد للسفر الذي يباح القصر والفطر فيه، بل كل ما سمي سفراً عرفا جاز الفطر فيه.
والراجح: هو القول الأول؛ لأن مسافة اليومين تحتاج إلى الاستعداد، وفيها مشقة ظاهرة وبهذا القول أخذ جماعة الصحابة والتابعين، وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله.
1 انظر الصيام: للمؤلف ص 83، 84
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "
…
وأما مقدار السفر الذي يقصر فيه ويفطر، فمذهب مالك والشافعي وأحمد أنه مسيرة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام هو ستة عشر فرسخاً1، كما بين مكة وعسفان ومكة وجدة، وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام، وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين، وهذا قول قوي.."2.
قال ابن قدامة: وإن شك في قدر السفر لم يبح القصر، لأن الأصل الإتمام، فلا يزول بالشك، والاعتبار بالنية دون حقيقة السفر، فلو نوى سفراً طويلاً فقصر، ثم بدا له فأقام أو رجع، كانت صلاته صحيحة، ولو خرج طالباً لآبق أو منتجعاً غيثًا، متى وجده رجع أو أقام لم يقصر ولو سافر شهراً.
ولو خرج مكرهاً كالأسير يقصد به بلداً بعينه فله القصر، لأنه تابع لمن يقصد مسافة القصر، فإذا وصل حصنهم أتم حينئذ نص عليه، وإن كان للبلد طريقان طويلة وقصيرة، فسلك البعيدة ليقصر، فله ذلك لأنه سفر يقصر في مثله، فجاز له القصر، كما لو لم يكن له طريق سواه3.
الثاني: أن يكون السفر مباحاً؛ لأن الأسفار تنقسم إلى خمسة
1 والفرسخ ثلاثة أميال، والميل (1609م) تقريباً، 16 × 3 = 48، 48× 1609= 77232 متراً، أي ما يزيد على سبعة وسبعين كيلو متراً، فأوصلناها ثمانين كيلو متراً تقريباً.
2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 25/212، ويلاحظ أن الشيخ يرجح الرأي الأخير الذي لا يحدد المسافة، بل يربطها بالعرف.
3 انظر الكافي: ابن قدامة 1/196، والمغني: ابن قدامة 2/258، 259.
أقسام:
1-
حرام كسفر لفعل محرم، كالسفر لبلاد الكفر بحثاً عن الدعارة والمخدرات والجريمة، وسفر قطاع الطريق واللصوص ومن في حكمهم، ممن ينشرون الفساد في الأرض ويؤذون المؤمنين، ومنه سفر المرأة بلا محرم.
2-
مكروه كالسفر وحده.
3-
مباح كالسفر للنزهة.
4-
واجب كالسفر لفريضة الحج أو العمرة أو الجهاد.
5-
مستحب كالسفر للحجة الثانية.
والسفر المباح هو ما ليس بحرام ولا مكروه.
قال ابن قدامة: فإن سافر لمعصية كالآبق، وقطع الطريق والتجارة في الخمر لم يقصر، ولم يترخص بشئ من رخص السفر، لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي، لما فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها، ولا يرد الشرع بذلك1.
ويمنع المسافر إلى معصية من رخص السفر، فيمنع من قصر الصلاة والمسح على الخفين ثلاثة أيام، والفطر في رمضان، فإن انقلب السفر المحرم مباحاً كأن يعود من سفره تائباً مستغفر جاز له القصر بشروطه.
الثالث: أن يشرع في السفر ويفارق عامر قريته، لقول الله تعالي:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} 2،
1 انظر الكافي: ابن قدامة 1/197.
2 سورة النساء، الآية (101) .
لأنه لا يكون ضارباً في الأرض إلا إذا شرع في السفر، ولا يجوز له القصر ما دام في قريته ولو كان عازماً على السفر أو مرتحلاً أو راكباً يمشي بين البيوت.
قال ابن قدامة: ليس لمن نوى السفر القصر حتى يخرج من بيوت قريته ويجعلها وراء ظهره، وبهذا قال مالك والشافعي والأوزاعي وإسحق وأبو ثور، وحكي ذلك عن جماعة من التابعين1.
وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للذي يريد السفر: أن يقصر الصلاة إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها2.
وروي عن أنس رضي الله عنه قال: "صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً وبذي الحليفة ركعتين"3.
ويرى بعض السلف أن من نوى السفر يقصر ولو في بيته.
والصحيح أن القصر مع نية الإحرام بالصلاة، لأنه إن أطلق النية، فستنصرف إلى الأصل وهو الإتمام، وإن نوى الإتمام لزمه.
الخامس: أن لا تكون الصلاة وجبت في الحضر، فلو ترك صلاة حضر فقضاها في السفر لم يجز له قصرها، لأنه تعين فعلها أربعاً، فلم يجز النقصان فيها، كما لو نوى أربع ركعات، ولأن القضاء معتبر بالأداء،
1 المغني: ابن قدامة 2/259.
2 المغني: ابن قدامة 2/260.
3 رواه البخاري 2/36 كتاب تقصير الصلاة، باب يقصر إذا خرج من موضعه.
والأداء أربع1.
السادس: أن لا يأتم بمقيم، فإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام، سواء ائتم به في الصلاة كلها أو جزء منها، فعن موسى بن سلمة أنه قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا ركعتين؟ قال: تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم2.
وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم: ولأنها صلاة مردودة من أربع، فلا يصليها خلف من يصلي الأربع3.
واشترط جماهير أهل العلم أن يكون واقعاً في مدته، وهي أربعة أيام فأقل لمن عزم على الإقامة.
1 الكافي: ابن قدامة 1/197، 198.
2 رواه أحمد 1/216 مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وصحح إسناده أحمد شاكر في حاشيته على المسند 3/260.
3 الكافي: ابن قدامة 1/198.