الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكان تأدية الصلاة:
خص الله سبحانه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بأن جعل لها الأرض كلها مسجداً وطهوراً، بخلاف غيرها، فإنها لا تصلى إلا في الكنائس والصوامع والبيع.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان
…
" 1.
والمراد الأرض الطاهرة المباحة، لأن المتنجسة ليست بطيبة لغة، والمغصوبة ليست بطيبة شرعاًً2.
واستدل فريق من أهل العلم بهذا الحديث، على جواز الصلاة في البيت جماعة، وترك المسجد ولو كان قريباً، وإن كانت في المسجد أفضل، وذهب آخرون إلى أن الصلاة في المسجد من فروض الكفايات، إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين، وجاز لمن سواهم أن يصلي في بيته في جماعة.
والصحيح أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة، ولو أقيمت الصلاة في غير المسجد، فهي صحيحة، وهم آثمون لترك المسجد، لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "
…
ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي
1 رواه مسلم 1/371.370 ح 521 برقم (3) في الباب.
2 نيل الأوطار: الشوكاني 2/147.
بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" 1 والحديث لم يستثن من يصلون في البيوت، فعلم من ذلك وجوب الصلاة في المسجد.
والصلاة من شعائر الإسلام الظاهرة، ولا ينبغي ترك أدائها في المسجد إلا لعذر، وأما من ذهب إلى أنها في المسجد من فروض الكفاية، فإنه يترتب على قوله هجران المساجد، وربما تركها بالكلية، لاعتماد كل واحد على الآخر في الذهاب إلى المسجد، ثم إن ذلك يتعارض مع النصوص الصريحة، قال الله تعالى:{وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} 2 وقال سبحانه: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 3.
وأما من استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر: "
…
جعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً
…
" 4 على جواز الصلاة في كل مكان، والمسجد أفضل، فهذا علم مخصص بالأدلة على وجوب صلاة الجماعة في المساجد.
والأفضل للمسلم أن يصلي في المسجد الذي لا تقام فيه صلاة الجماعة إلا بحضوره، لحصول ثواب عمارة المسجد بإقامة الجماعة فيه، قال الله تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ} 5. كمسجد
1 رواه مسلم 1/451 ، 42 ح 651 برقم (252) في الباب.
2 سورة البقرة، الآية (144) .
3 سورة الأعراف، الآية (29) .
4 رواه مسلم 1/371.370 ح 521، برقم (3) في الباب.
5 سورة التوبة، الآية (18) .
يصلي فيه الناس، فيه رجل إن حضر وصار إماماً، أقيمت الجماعة، وإن لم يحضر تفرق الناس، فلأولى لهذا الرجل أن يصلي في هذا المسجد من أجل عمارته.
ثم الأفضل بعد ذلك صلاة الجماعة في المسجد الذي تكثر جماعته، كأن يكون هناك مسجدان، أحدهما أكثر جماعة من الآخر، فالأولى أن يذهب إليه، لما في الاجتماع من نزول الرحمة والسكينة، وشمول الدعاء، ورجاء الإجابة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بن كعب: "
…
صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل"1 والصلاة مع أهل العلم والصلاة مع المحافظين على الطهارة فيه فضل عظيم، قال الله تعالى:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} 2.
ثم الأفضل بعد ذلك الصلاة في المسجد القديم، فهو أولى من الجديد مع الاستواء في الكثرة، لأنه معمور بطاعة الله قبل أن يعمر الجديد.
فإذا استويا فيما سبق، فالمسجد الأبعد أولى من الأقرب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى"3.
ويرى بعض أهل العلم أن الأفضل عمارة المسجد القريب، إلا أن
1 رواه النسائي 2/105.104 كتاب الإمامة، باب الجماعة إذا كانوا اثنين، إلا أن الألباني في صحيح سنن النسائي 1/183 ح 813.
2 سورة التوبة، الآية (108) .
3 رواه البخاري 1/159 كتاب الأذان، باب فضل صلاة الفجر في جماعة.
يمتاز غيره بخاصية فيه، فيقدم، كأهل مكة، فإن صلاتهم في المسجد الحرام أفضل مم حولهم من المساجد، والمسجد النبوي لأهل المدينة أفضل مما حولهم من المساجد، والمسجد النبوي لأهل المدينة أفضل مما حولهم من المساجد.
ويحمل الحديث السابق على المسجد الذي ليس هناك أقرب منه، سواء أكان أكثر جماعة أم أقل، لما يترتب على ذلك من المصالح، ثم يليه الأكثر جماعة، ثم يليه الأبعد ثم يليه العتيق، لأن تفضيل المكان بتقديم الطاعة فيه ليس له دليل بين.
صلاة الجماعة في دائرة العمل: في كثير من الدوائر الحكومية يكون لهم مصلى خاص تقام فيهم الجماعة، والمساجد حولهم، فما حكم صلاتهم في المصلى؟
فإذا كان المسجد قريباً، فالواجب عليهم أداء الصلاة فيه، أما إذا كان بعيداً، أو قريباً وخيف تعطل العمل، لكثرة المراجعين، أو حيف عدم انضباط العاملين إذا خرجوا للصلاة بأن يذهبوا إلى بيوتهم أو لا يرجعوا، فلا حرج في الصلاة حينذ في مصلى العمل.
ولعلاج هذه المسألة، ينبغي أن يجعل في الدوائر الكبيرة مسجداً لعموم الناس، له باب على الشارع، تقام فيه الصلوات الخمس.