الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعزية:
قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 1 فإذا أيقن العبد أن ما أصابه من فقد زوج أو ولد أو والد أو قريب إنما هو بإذن الله، يوفق الله قلبه إلى التسليم والرضا بالقضاء.
لذا ينبغي له أن يصبر ويحمد الله ويسترجع، حتى ينال الأجر العظيم، قال الله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} 2.
وينبغي للمسلم أن يعلم أن الدنيا دار بلاء وامتحان، لذا يجب عليه أن يتحلى بالصبر عند الشدائد، فيمسك نفسه عن الجزع والسخط بالقضاء، ويحبس لسانه عن قول السوء، ويضبط جوارحه عن المعاصي، فلا يشق جيبا، ولا يلطم خدا، ولا يقول إلا ما يرضي ربه، فتتحول بذلك محنته إلى منحة.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرا
1 سورة التغابن، الآية [11] .
2 سورة البقرة، الآيات [155، 156، 157] .
منها" 1.
قال ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله:
يجري القضاء وفيه الخير نافلة
…
لمؤمن واثق بالله لا لاهي
إن جاءه فرج أو نابه ترح
…
في الحالتين يقول الحمد لله2.
وكيف يسخط من كانت مصيبته ليست في دينه؟، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "
…
ولا تجعل مصيبتنا في ديننا
…
" 3، وكيف يسخط من يذكر المصائب وينسى النعم؟.
وإذا كان من حق الميت تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وسداد دينه، وتنفيذ وصيته الشرعية، والدعاء له والاستغفار، فمن حق أهله أن يخفف عنهم بالقول والعمل.
وتعزية أهل الميت سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة" 4، وعن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من عزى مصابا فله مثل أجره"5.
والتعزية فيها تسلية لأهل الميت وحث على الصبر والرضا بالقضاء، وتقوية لهم على تحمل هذه المصيبة واحتساب الأجر، ووقتها من وقت حلول المصيبة قبل الدفن وبعده حتى يزول أثرها عن النفس وتنسى.
1 رواه مسلم 1/633 ح 918.
2 برد الأكباد عند فقد الأولاد لابن ناصر الدين الدمشقي ص9.
3 رواه الترمذي 5/528 ح 3502 وقال: حسن غريب.
4 رواه ابن ماجه 1/511 ح 1601 وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/267 ح 1301.
5 رواه الترمذي 3/ 385 ح 1073 وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث علي بن عاصم.
وتجوز التعزية في كل مكان، في السوق أو المسجد أو العمل، إذ لا يجوز قصد أهل الميت لتعزيتهم، أو يسافر لهم لهذا الغرض، فليس ذلك من السنة، ما لم يخش قطع رحم فلا حرج.
وخير ما يعزى به ما عزى به الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته زينب، حين أرسلت إليه رسولا يخبره أنه صبيا لها في الموت، فقال صلى الله عليه وسلم:"إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب"1.
واختار بعض أهل العلم ألفاظا مثل: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك، ومثل ذلك جائز، والأولى ما جاءت به السنة.
ويستحب أن يرد المعزى بقوله: استجاب الله دعاءك ورحمنا وإياك.
رد به أحمد 2 ولا يجوز التعزية بألفاظ بدعية مثل البقية في حياتك، وما ماثل ذلك.
ويسن صنع الطعام لأهل الميت لانشغالهم بمصابهم عن الاهتمام بأنفسهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، عندما استشهد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقال:"اصنعوا لأهل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم"3.
ولا يجوز الاجتماع للعزاء في البيت، أو في أي مكان، ولا الإعلان عن ذلك، إذ لا أصل له، وقد عده بعض السلف من النياحة.
1 رواه البخاري 2/80 كتاب الجنائز، باب قول النبي – صلى الله عليه وسلم –: "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه
…
".
2 شرح منتهى الإرادات: البيهوتي 1/359.
3 رواه أبو داود 3/497 ح 3132، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/605، 606 ح 2686.
ولا يجوز قراءة القرآن، وهو ما يحدث في بعض البلاد الإسلامية من استئجار المقرئين في المآتم، لأنه بدعة، وإنفاق للمال في وجه غير مشروع.
ولا يجوز تخصيص لباس معين للتعزية، كالأسود في بعض البلاد الإسلامية: لما في ذلك من التسخط على قدر الله، ولم يفعله السلف.
ولا يجوز تعزية غير المسلمين، لأن التعزية تخفيف على المصاب، وتثبيت وحث على الصبر، والإيمان والرضا، والكفار أعداء للمسلمين، فلا ينبغي مواساتهم، ولا تشييع جنائزهم، ولا الاستغفار لهم، قال الله تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 1، وقال تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} 2، ولا حرج أن نقبل تعزيتهم إن عزونا، وندعو لهم بالهداية.
ولا يجوز أن يتخذ الناس المصافحة والتقبيل للمعزى سنة، فإن ظُن ذلك فتركها أولى، ولكن لملاقاة المعزى وغيره فلا حرج.
ولا يجوز لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية"3.
وعن أبي موسى قال: "أنا بريء ممن بريء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن
1 سورة المجادلة، الآية [22] .
2 سورة التوبة، الآية [113] .
3 رواه مسلم 1/99 ح 103.
رسول الله صلى الله عليه وسلم برىء من الصالقة1 والحالقة2 والشاقة3"4.
ويجوز البكاء على الميت إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده
…
" 5.
قال في الإحكام: وأجمع أهل العلم على تحريم النياحة، إلا ما روي عن بعض المالكية لحديث أم عطية، والحديث حجة عليهم6.
ويكون ذلك بتعداد محاسن الميت مع رفع الصوت بالبكاء، لما في ذلك من الجزع والجاهلية، والاعتراض على قضاء الله وقدره، قال صلى الله عليه وسلم "النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب"7.
وعن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه" 8، وعن عبد الله أن حفصة بكت على عمر، فقال مهلا يا بنية! ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه "9.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والصواب أنه يتأذى بالبكاء
1 الصالقة: التي ترفع صوتها بالبكاء.
2 الحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة.
3 الشاقة: التي تشق ثوبها.
4 رواه البخاري 2/83 كتاب الجنائز، باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة.
5 رواه مسلم 1/636 ح 923.
6 الإحكام شرح أصول الأحكام: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 2/123.
7 رواه مسلم 1/644 ح 934.
8 رواه مسلم 1/639 ح 927.
9 رواه مسلم 1/638 ح 927.
عليه، كما نطقت به الأحاديث الصحيحة1.
قال محمد المنبجي الحنبلي رحمه الله: وأما صنع أهل الميت طعاما للناس فمكروه، لأن فيه زيادة على مصيبتهم، وشغلا لهم إلى شغلهم، وتشبيها بصنع أهل الجاهلية، فإنهم يتكلفون طبخ الطعام كما يفعله أهل البر في زماننا، فهذا من النياحة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعة الطعام من النياحة2.
ولا يجوز سب الأموات، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"3.
1 مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 24/369، 370.
2 رواه ابن ماجه 1/514 ح 1612، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/269 ح 1308. وانظر تسلية أهل المصائب ص155، 156.
3 رواه البخاري 2/108 كتاب الجنائز، باب ما ينهى من سب الأموات.