الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاةا الكسوف
…
صلاة الكسوف:
الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى، ومن مظاهر قدرته. سبحانه، قال الله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} 1.
ويحدث كسوف الشمس وخسوف القمر، فتنتبه النفوس الغافلة إلى عظمة الخالق، وكيف يتصرف في الكون بقدرته كيفما يشاء.
وكسوف الشمس ذهاب شعاعها أو نقصانه، تغيره إلى سواد في المرأى، وخسوف القمر، ذهاب ضوئه كله أو بعضه.
والكسوف 2 آية من آيات الله، يخوف الله به عباده، ويعتبرهم، فينظر من يحدث منهم توبة، قال الله تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} 3، ولما كسفت الشمس، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد مسرعاً فزعاً، يجر رداءه، فصلى بالناس، وأخبرهم أن الكسوف آية من آيات الله، يخوف الله به عباده، وأنه قد يكون سبب نزول عذاب بالناس، وأمر بما يزيله، فأمر بالصلاة عند حصوله، والدعاء والاستغفار، والصدقة والعتق، وغير ذلك، مما يدفعه من الأعمال الصالحة. حتى يكشف ما بالناس، وفيه الاستعداد بالمراقبة لله،
1 سورة فصلت، الآية [37] .
2 انظر حاشية الروض الربع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 2/524.
3 سورة الإسراء، الآية [59] .
والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال، وحدوث ما يخاف بسببه.
حكم صلاة الكسوف ودليله:
لقد أدبنا الإسلام بآداب سامية وعلمنا أن نلجأ إلى الله كلما حزبنا أمر، نستغيث به ونستنجده، والكسوف والخسوف ظاهرتان عظيمتان تدلان على قدرة الله تعالى، تهلع النفوس عند رؤيتهما خوفاً من وقوع الضرر.
لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بما يزيل الخوف، أمر بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق، وهي سنة مؤكدة في حق الرجال والنساء باتفاق أهل العلم. قال في المغنى: صلاة الكسوف سنة مؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها ولا نعلم بين أهل العلم في مشروعيتها لكسوف الشمس خلافاً1. عن المغيرة بن شعبة قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف" 2.
حكمة مشروعيتها:
الشمس نعمة من أكبر نعم الله تعالى، التي تتوقف عليها حياة الكائنات، وظاهر أن كسوفها فيه إشعار بأنها قابلة للزوال، بل فيه إشعار بأن العالم كله في قبضة إله قدير، يمكنه أن يذهبه في لحظة، فالصلاة في هذه الحالة معناها إظهار التذلل والخضوع لذلك الإله القوي المتين. وذلك
1 انظر المغني: ابن قدامة 2/420، 426.
2 رواه مسلم 1/630 ح915.
من محاسن الإسلام، الذي جاء بالتوحيد الخالص، ترك عبادة الأوثان، ومنها الشمس والقمر وغيرهما من العوالم1.
صفة صلاة الكسوف:
وهي ركعتان يجهر فيهما بالقراءة على الصحيح من قولي العلماء. في كل ركعة قيامان وركوعان وسجدتان. يقرأ في الركعة الأولى الفاتحة وسورة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع رأسه ويقول:"سمع الله لمن حمده. ربنا ولك الحمد" بعد اعتداله، ثم يقرأ الفاتحة، وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع فيطيل الركوع، وهو دون الأول، ثم يرفع رأسه ويقول:"سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ولا يطيل الجلوس بينهما، ثم يصلي الركعة الثانية كالأولى، ثم يتشهد ويسلم.
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام وكبر، وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقال:"سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي ادني من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال:"سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، ثم سجد (ولم يذكر أبو الطاهر: ثم سجد) ، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، حتى استكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب الناس،
1 كتاب الفقه على المذهب الأربعة: عبد الرحمن الجزيري 1/363.
فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة...."1.
وروى الإمام مسلم، عن جابر قال:"انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات...."2 ومن حديث ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات3.
قال البخاري وغيره من أهل العلم بالحديث: لا مساغ لحمل هذه الأحاديث على بيان الجواز، إلا إذا تعددت الواقعة، وهي لم تتعدد، لأن مرجعها كله إلى صلاته صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس يوم مات ابنه إبراهيم، وحينئذ يجب ترجيح أخبار الركوعين فقط لأنها أصح وأشهر4.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: روي في صفة صلاة الكسوف أنواع، ولكن الذي استفاض عند أهل العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه البخاري ومسلم من غير وجه، وهو الذي استحبه أكثر أهل العلم: كمالك والشافعي وأحمد: أنه صلى بهم ركعتين، في كل ركعة ركوعان، يقرأ قراءة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، دون القراءة، ثم يقوم فيقرأ قراءة
1 رواه مسلم 1/619 ج901 برقم (3) في الباب.
2 رواه مسلم 1/623 ج904 برقم (10) في الباب.
3 رواه مسلم 1/627 ج908.
4 انظر حاشية الروض المربع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 2/535.
طويلة دون القراءة الأولى، ثم يركع ركوعاً دون الركوع الأول، ثم يسجد سجدتين طويلتين. وثبت عنه في الصحيح: أنه جهر بالقراءة فيها1.
1 مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 24/259، 260.
من أحكام صلاة الكسوف:
- تسن صلاة الكسوف في جماعة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن تصلى فرادى، لأنها نافلة، ولكنها في جماعة أفضل.
قال في المغني: وتشرع في الحضر والسفر بإذن الإمام وغير إذنه1.
- ويشرع النداء لها (بالصلاة جامعة) ، لما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال:"لما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي أن الصلاة جامعة"2، ولا يشرع لها أذان ولا إقامة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بغير أذان ولا إقامة، ولأنها من غير الصلوات الخمس، فأشبهت سائر النوافل.
وتشرع في حق النساء لما روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: أتيت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين خسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس؟ فأشارت بيدها إلى السماء وقالت: سبحان الله، فقلت: آية، فأشارت أي نعم
…
"3.
- ويسن فعلها في المسجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها فيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه
…
"4.
1 المغني: ابن قدامة 2/421.
2 رواه البخاري 2/25 كتاب الكسوف، باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف
3 رواه البخاري 2/28 كتاب الكسوف، باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف
4 رواه البخاري2/25 كتاب الكسوف، باب خطبة الإمام في الكسوف
ويبدأ وقت صلاة الكسوف من ابتدأ كسوف الشمس أو القمر إلى التجلي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه جابر: "
…
إذا رأيتم شيئا من ذلك فصلو حتى تنجلي
…
" 1.
- ولا تقضي صلاة الكسوف بعد التجلي، لفوات محلها، لأن المقصود منها زوال العارض، وعود النعمة، وقد حصل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "
…
فصلوا وادعوا الله حتى ينكشف ما بكم" 2.
فإن تجلى الكسوف أثناء الصلاة، أتمها خفيفة، ولا يقطعها، لقول الله تعالى:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 3، وأن سلم قبل انجلاء الكسوف لم يصل أخرى، وعليه الانشغال بالذكر والدعاء، لأن النبي صل الله وسلم لم يزد على ركعتين.
وإن علم الكسوف ثم حصل غيم صلى، لأن الأصل بقاء الكسوف، فإن كان شاكا في وجود كسوف مع غيم أو نحوه، لم يصل لأن الأصل عدمه.
- وإن غابت الشمس كاسفة، أو طلعت الشمس والقمر خاسف، لا يصلي، لانعدام العلة التي لأجلها شرعت الصلاة، بذهاب وقت الانتفاع بهما.
- ويجوز فعل الصلاة في أوقات النهي، للأمر المطلق بالصلاة إذا حصل الكسوف.
1 رواه مسلم 1/ 623 ج 904، برقم (10) في الباب.
2 رواه مسلم 1/628ج911، برقم921 في الباب.
3 سورة، محمد الآية (33) .
- ويسن أن يطيل القراءة في القيام، ويسن أن يطيل الركوع والسجود، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- ولا يسن لها الغسل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يغتسلوا لها، وبادروا إلى فعلها، والغسل يتنافى مع تأكد سنية المبادرة إلى فعلها من حين العلم بالكسوف.
- ويسن أن يعض الإمام الناس بعد الصلاة، ويحذرهم من الغفلة والاغترار، ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- وإذا اجتمع الكسوف والجنازة، بدئ بالجنازة، لأنه يخاف عليها، وإن اجتمع مع المكتوبة في آخر وقتها بدئ بها، لأنها آكد. وإن كان في أول وقتها، بدئ بصلاة الكسوف، لأنه يخشى فواتها. وإن اجتمع هو والوتر وخيف فواتهما، بدئ بالكسوف لأنه آكد1.
- ولا يصلي لغير الكسوف من الآيات، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من خلفائه. إلا أن أحمد قال: يصلى للزلزلة الدائمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، علل الكسوف بأنه آية يخوف الله بها عباده، والزلزلة أشد تخويفا، فأما الرجفة فلا تبقى مدة تتسع لصلاة2.
- ويستحب ذكر الله تعالى، والدعاء والتكبير، والاستغفار والصدقة والعتق، والتقرب إلى الله تعالى بما يستطاع، لما روي عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "
…
فإذا رأيتموهما فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا...." 3.
1 الكافي: ابن قدامة 1/239.
2 الكافي: ابن قدامة 1/239.
3 رواه مسلم 1/618 ح901 برقم (1) في الباب.
وعن أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته. ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكره واستغفاره"1.
وعن أسماء رضي الله عنها قالت: "لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس"2، ولأنه تخويف من الله تعالى، فينبغي أن يبادر إلى طاعة الله تعالى ليكشفه عن عباده.
حكم المسبوق في صلاة الكسوف:
قال النووي: المسبوق إذا أدرك الإمام في الركوع الأول من الركعة الأولى، فقد أدرك الصلاة، وإن أدركه في الركوع الأول من الركعة الثانية فقد أدرك الركعة، فإذا سلم الإمام، قام فصلى ركعة بركوعين.
ولو أدركه في الركوع الثاني من إحدى الركعتين، فالمذهب الذي نص عليه البويطي، واتفق الأصحاب على تصحيحه، أنه لا يكون مدركا لشيء من الركعة.
وحكى صاحب "التقريب" قولا آخر، أنه بإدراك الركوع الثاني يكون مدركا للقومة التي قبله، فعلى هذا، لو أدرك الركوع الثاني من الأول، وسلم الإمام، قام وقرا وركع واعتدل وجلس وتشهد وسلم، ولا يسجد، لأن إدراك الركوع، إذا حصل القيام الذي قبله، كان السجود بعده محسوبا لا محالة. وعلى المذهب: لو أدركه في القيام الثاني، لا يكون مدركا لشيء من الركعة أيضا3.
1 رواه مسلم 1/628،629برقم (24) في الباب
2 رواه البخاري 2/29 كتاب الكسوف، باب من أحب العتاقة في كسوف الشمس
3 روضة الطالبين: الإمام النووي2/86.
عقائد فاسدة صححها الإسلام:
كان اعتقاد السائد في الجاهلية أن الكسوف إنما يحدث لموت عظيم أو ميلاد عظيم، واعتقد المنجمون أن لذلك تأثيرا في العالم. وكان كثير من الكفرة يعظمون الشمس والقمر، لكونهما أعظم الأنوار، حتى بلغ الأمر إلى عبادتهما.
ولقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الخرافة، وبين الحق في هذا الأمر. عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي"1.
هذا الموقف الشجاع الذي إن دل على شيء، فإنما يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وطهارة نفسه، فلو كان مدعيا في دعوته، لاستغل الموقف، وأحاط نفسه بهالة من التعظيم ولكن رسالته وصدق عبوديته لله، وأمانته في دعوته، كل ذلك رفع منزلته، فنطق بالخير المبين، مصححا عقائد باطلة، ومبينا أن الشمس والقمر من دلائل قدرة الله، ولا دخل لهما فيما يحدث من متغيرا للناس.. وعلم الأمة، ماذا عليها أن تفعل أمام هذه الظواهر، حتى يزول العارض، وتعود النعمة بالتجلي.
والمتأمل في ظاهرة الكسوف، يقف على حقائق ثابتة، تدفع النفس إلى التوحيد الخالص من كل شبهة، والعمل على طاعة الله، والبعد عن
1 رواه البخاري 2/30 كتاب الكسوف، باب الدعاء في الخسوف.
المعاصي والذنوب
…
تعود الناس رؤية الشمس كل صباح حتى المساء.. ولما غلبت عليهم العادة، غفلوا عن كونها من آيات الله، فتأتي ظاهرة الكسوف، لتخرج الناس من غفلتهم، ولتبين لهم أن الله موجود، وأنه وحده سبحانه هو المتصرف في الكون، وأنه على كل شيء قدير.. فتعود العقول الضالة إلى رشدها، والقلوب الغافلة إلى انتباهها، فتراقب الله، وتتقرب إليه.