الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1-
الطهارة:
لم يفرض الله سبحانه فرضا يستمر في حال الصحة والمرض، والغنى والفقر، والسفر والحضر، - غير الصلاة، وألزم عباده بخمس صلوات في كل يوم وليلة، يسعى إليها العبد لمناجاة ربه، فيتهيأ لهذا اللقاء بالتطهر، ومن حكمة الله سبحانه أن جعل الصلاة لا تقبل بغير طهور، فيغتسل العبد أو يتوضأ أو يتيمم، فيطهر جوارحه من ملوثات المادة، ويتجمل ليلقى ربه نظيفا نقيا، وقد تخلص من غفلته وكسله واستبدل ذلك بنشاط وانتباه.
لقد عظم الله سبحانه قدر الصلاة فمنع الحائض منها حتى تطهر من حيضها، ومنع النفساء حتى تطهر من نفاسها، فانعكست آثار الطهارة على حياة المسلمين عامة حتى أصبحت النظافة ديدنهم.
ويمتد معنى الطهارة إلى ما هو أعمق من النظافة الحسية الظاهرة، فيجوب النفس ويجليها من أصداء المعاصي وأدران الذنوب، فإذا كانت هذه الجوارح هي التي ترتكب المنكرات، فهو يغسل ظاهرها، وكله عزم ويقين على تطهيرها، بالتكفير عن الذنوب، والبعد عن الرذائل، والقرب من الله.
وتتحقق الطهارة من الحدث الأصغر بالوضوء، ومن الحدث الأكبر بالغسل، وينوب التيمم عنهما بشروط خاصة سبق ذكرها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً
فَاطَّهَّرُوا} 1، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول "2.
ويجب على المسلم قبل الصلاة أن يتحرى طهارة بدنه وثوبه ومكان صلاته، فإذا علق بأحدها نجاسة مما خرج من السبيلين، أو النجاسات الأخرى فإنه يجب تطهيره بالماء لما روي عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاء، وكنت أستحي أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكانة ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال:"يغسل ذكره ويتوضأ"3.
وعن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه"4.
وعلى المرأة أن تزيل أثر الدم عنها، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
…
فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها، فاغسلي عنك الدم وصلي" 5.
ولا يليق مع جلال الوقوف بين يدي الله، أن يقف المسلم بثوب قد أصابته النجاسة، قال الله تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 6، ولذا يجب تطهير الثوب بغسله بالماء حتى تزول عنه النجاسة، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يأتي فيه
1 سورة المائدة، الآية [6] .
2 رواه مسلم 1/204 ح244.
3 رواه مسلم 1/247 ح 303.
4 رواه الدارقطني 1/127 كتاب الطهارة، باب نجاسة البول، قال العظيم آبادي: المحفوظ مرسل، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/310 ح 280.
5 رواه البخاري 1/79 كتاب الحيض، باب الاستحاضة.
6 سورة المدثر، الآية [4] .
أهله؟ قال: "نعم. إلا أن يرى فيه شيئا فيغسله"1.
فإن بقي بعد الغسل أثر يشق زواله كلون الدم، فهو معفو عنه، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بماء ثم لتصلي فيه"2.
أما ذيل ثوب المرأة فالأرض تطهره، لما روي أن امرأة قالت لأم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطهره ما بعده"3.
وعند إزالة النجاسة من الثوب يجب التأكد من تمام إزالتها وعدم بقاء جرم لها ولا لون أو رائحة أوطعم إلا ما تعذر، وتحصل الطهارة في الثوب الذي أصابه البول بغسله ولو مرة واحدة حتى تزول الرائحة ويذهب الأثر، ويفرك ما علق الثوب من المني يابسا ورطبا.
ويجب على المسلم قبل الصلاة أن يتحرى المكان الطاهر يصلي فيه، وتطهر الأرض إذا أصابتها نجاسة بزوال عينها إن كانت النجاسة لها جرم، فإن كانت النجاسة مائعة تطهر بصب الماء عليها، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم
1 رواه ابن ماجه 1/180 ح 542، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/89 ح 440.
2 رواه البخاري 1/79 كتاب الحيض، باب غسل دم الحيض.
3 رواه أبو داود 1/296 ح 383، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/77 ح 369.
النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"1.
والمداومة على الطهارة في الجسد والثوب والمكان، تجعل المسلم في جميع أوقاته طيب النفس، رفيع الذوق، سامي المشاعر، ولنتأمل ماذا كان حالنا لو لم يشترط الشرع هذه الطهارات؟
لذا ينبغي للمسلم أن يطهر باطنه كما طهر جسده وثوبه ومكان صلاته، حتى يقبل على الله وقد خلا قلبه من الحقد والحسد والرياء، فيسارع بالتوبة والاستغفار، والعزم الأكيد على عدم العودة إلى ما يدنس النفس ويغضب الله تعالى.
إن مراجعة القلب قبل كل صلاة وتطهيره مما علق به، سيعيد للقلب طمأنينته، وللصدر سلامته، فيكون هذا هو حاله كل وقت، عندئذ يقف العبد أمام ربه لا يشغله شيء من الدنيا، فيخشع لله، ويشعر بلذة العبادة، قال الله تعالى:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 2.
1 رواه البخاري 1/61 كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد.
2 سورة المائدة، الآية [6] .