الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة الجماعة
فضل صلاة الجماعة
…
صلاة الجماعة:
الأصل في العبادات أن يؤديها الإنسان امتثالاً لأمر الله سبحانه، وأداء لحقه، وشكراً لنعمه، والعبادات هي البيان العملي لما استقر في النفس من عقيدة، وعلى قدر سلامة الاعتقاد وصحته تكون استقامة الإنسان على منهج الله فيما يؤدي من عبادات.
ولقد عني الإسلام بالصلاة أعظم عناية، فأمر بها وحذر من تركها، وشرع لها الاجتماع في أوقات معلومة، ففي كل يوم وليلة، يجتمع المسلمون لأدائها خمس مرات، وفي كل أسبوع يجتمعون لصلاة الجمعة، والاجتماع فيها أكبر من الاجتماع اليومي، وفي كل سنة، يتكرر مرتين، وهو الاجتماع للعيدين لجماعة كل بلد، وهو أكبر من الاجتماع الأسبوعي.
فضل صلاة الجماعة:
لم يكتف الإسلام من المسلم أن يؤدي الصلاة وحده في عزلة عن المجتمع الذي يعيش فيه، وإنما رغبه، وأوجب عليه أن يؤديها مع الجماعة في المسجد. عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة " 1
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى النبي رجل أعمى، فقال: يارسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة؟ " فقال: نعم. قال: " فأجب " 2.
1 رواه مسلم 1/450 ح 650 برقم (249) في الباب.
2 رواه مسلم 1/452 ح 653.
فالإسلام يدعو إلى الوحدة ونبذ الفرقة، وينادي بالتوحيد، والاعتصام بحبل الله المتين. وتنطلق حناجر المؤذنين مدوية في وقت واحد، تجهر بنداء الحق، فيجتمع المسلمون خمس مرات كل يوم وليلة في مسجد حيهم.
ثم يلزمهم الله سبحانه بالاجتماع في لقاء أسبوعي، يجنون من ثماره العلم والتوجيه والموعظة والتذكير، فتتركز وحدتهم، وتظهر قوتهم، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1، ولم يبح ترك هذا الاجتماع لغير عذر، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه " 2، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين"3.
ثم يأتي الاجتماع السنوي، ليكون مؤتمراً جامعاً، ومهرجاناً كبيراً، يقام في مكان واحد في الخلاء، ويجتمع له أهل البلد جميعاً، بما في ذلك الأطفال والرجال والنساء، حتى ذوات العذر منهن، عن أم عطية قالت:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يارسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: "لتلبسها أختها من
1 سورة الجمعة، الآية (9) .
2 رواه ابو داود 1/638 ح 1052، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/196 ح 928:حسن صحيح.
3 رواه مسلم 1/591 ح 865.
جلبابها" 1.
إنها تربية اجتماعية رشيدة، تهدف إلى تحقيق مصالح ومنافع للمسلمين، بما يحصل من التعارف والتواد بين الناس، لأن ملاقاة الناس ومصافحتهم تبعث المودة والمحبة في النفس، وتكون سبباً في التواصل بما يحقق الإحسان والعطف والرعاية، ومعرفة بعضهم أحوال بعض، فيقومون بعيادة المرضى والتخفيف عنهم، وتشييع الموتى، وإغاثة الملهوفين.
وفي صلاة الجماعة إظهار لشعيرة من شعائر الإسلام، بل من أعظم شعائره، وهي الصلاة وفيها إظهار عز المسلمين وترابطهم بدخولهم المساجد جميعاً ثم خروجهم جميعاً، فيكون ذلك سبباً في غيظ الأعداء من الكفار والمنافقين.
ومن فوائد صلاة الجماعة، حصول الألفة بين المسلمين، واجتماع القلوب على الخير، وإزالة الحقد والغل، وهدم الفوارق الاجتماعية والتعصب للجنس واللون، مما يشيع روح الإخاء والمساواة.
وهي وسيلة فعالة لغرس الخير، ونشر العلم والفضيلة، فيتعلم الجاهل من العالم، عندما يشاهد المسلم إمامه أو إخوانه المسلمين، يقومون بالأعمال الصالحة، فيقتفي أثرهم ويقتدي بهم. ويقف المصلون في المسجد في نظام يتبعون إمامهم، فتتربى الأمة على الاجتماع وعدم التفرق، وطاعة ولي الأمر، وتتعود ضبط النفس، من متابعة الإمام فلا يسبقه المأموم، ولا يساويه ويستشعر الناس بالوقوف خلف إمامهم في
1 رواه مسلم 1/606 ح 890 برقم (12) في الباب.
صفوف منتظمة، إئتمامهم بقائدهم في صف الجهاد.
ومن فوائد صلاة الجماعة، مضاعفة الثواب ومحو الذنوب ورفع الدرجات، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلى عليه مادام في مصلاه: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة"1.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله"2. والأحاديث في فضل صلاة الجماعة كثيرة.
ووجود الجماعة يدفع كل فرد إلى التنافس في طاعة الله، بزيادة العمل الصالح، والإقبال على الله بصدق واجتهاد، والحرص على أداء الصلاة في وقتها في خشوع وطمأنينة، إلى غير ذلك من الفضائل والأجور التي لا تحصل لمن تخلف عنها.
1 رواه البخاري 1/158 كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة.
2 رواه مسلم 1/454 ح 656، برقم (260) في الباب.