الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة المريض ومن في حكمه:
عن أنس بن مالك، قال:"كانت آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يغرغر بها في صدره، فلا يكاد يفيض بها لسانه: "الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم" 1.
فلا عجب إذا كانت الصلاة لا تترك أبداً، والمصطفى صلى الله عليه وسلم المحب لأمته، والحريص عليها، يحثها على التمسك بها عبادة من أجل العبادات لله، وقربة من أعظم القربات، فتكون آخر وصاياه من أهم الوصايا وأعظمها.
وتيسير العبادات منهج التزم به الإسلام ليعالج شتى ظروف الإنسان، فالمرض عارض للإنسان يحد من قوته ونشاطه، وقدرته وحركاته، وحتى لا ينقطع المريض عن خالقه، بما يقترب به إليه من عبادة مفروضة، وليستطيع القيام بتكاليف الحياة، يلزم الإسلام بأداء الصلاة، لأنها لا تسقط عنه ما دام يتمتع بعقل ثابت، مهما كان مرضه.
ولكن صلاة المريض تكون على حسب حاله؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 2.
- يجب على المريض أن يتطهر بالماء لرفع الحدث الأصغر أو الأكبر، لأن الطهارة شرط للصلاة فإن لم يستطع تيمم.
1 رواه أحمد 1/290 حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتح الرباني 2/207،208 (جه) وإسناده جيد، وصحح إسناده الألباني في الإرواء 7/238.
2 سورة التغابن، الآية [16] .
- ويجب عليه أن يطهر ثوبه وبدنه من النجاسات، فإن عجز صلى على حاله، وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
- ويجب عليه أن يصلي على شيء طاهر، فإن عجز صلى على ما هو عليه، وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه.
- ويلزم المريض أن يؤدي الفريضة قائماً ولو منحنياً، ولا بأس إن اعتمد على جدار أو عصا، فإن عجز عن القيام، أو كان في قيامه مشقة ظاهرة، أو تأخر برء، أو زيادة مرض، صلى قاعداً، بأن يجلس متربعاً، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً"1، أو يجلس كجلوس التشهد، وله أن يجلس على الهيئة التي تسهل عليه، ولا ينقص ذلك من ثوابه شيئاً، لما روي عن أبي بردة قال: سمعت أبا موسى مراراً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً" 2، وصلاته صحيحة لا يعيدها، قال تعالى:{فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} 3.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرا نبن الحصين، فقال:"صل قائماً، فأن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب"4.
- فإن عجز عن القعود، أو كان فيه مشقة ظاهرة، صلى على جنبه
1 رواه النسائي 3/224 كتاب قيام الليل، باب كيف صلاة القاعد، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 1/365 ح 1567
2 رواه البخاري 4/17 كتاب الجهاد والسير، باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة.
3 سورة النساء، الآية [103] .
4 رواه البخاري 2/41 كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب.
متجهاً إلى القبلة، يومئ بالركوع والسجود، ويكون أخفض من ركوعه، يقرب وجهه من الأرض قدر طاقته، والأفضل أن يكون على جنبه الأيمن، فإن عجز عن استقبال القبلة صلى إلى أي جهة تسهل عليه.
- وإن عجز عن أن يصلي على جنبه، قال بعض أهل العلم: / يصلي مستلقياً على قفاه ورجلاه إلى القبلة1، ويومئ بالركوع والسجود برأسه، فإن عجز فبطرفه2، أي بعينه، فيغمض قليلاً للركوع، ويغمض أكثر لسجود، وأما الإشارة بالإصبع كما يفعله بعض المرضى، فليس بصحيح، ولا أعلم له أصلاً من الكتاب والسنة، ولا من أقوال أهل العلم3، فإن عجز عن الإيماء أو الإشارة بالعين نوى بقلبه القيام والركوع والسجود.
- وإن استطاع المريض أن يصلي قائماً، وعجز عن الركوع والسجود، صلى قائما ًوأومأ بالركوع، ثم يجلس ويومئ بالسجود، ولا بأس إن وضعت له وسادة بين يديه ليسجد عليها، ويجعل الوسادة منخفضة قدر طاقته، لما روي أن أم سلمة كانت تسجد على مرفقة موضوعة بين يديها لرمد بها، ولم يمنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم4.
فإن كان الظهر مقوساً، رفع المصلي قدر طاقته حال القيام، وينحني عند الركوع قليلاً، فإن قدر على الركوع دون السجود، ركع عند الركوع، وأومأ بالسجود، وإن قدر على السجود دون الركوع، سجد عند السجود وأومأ بالركوع.
1 سنن الترمذي 2/210.
2 انظر الكافي: ابن قدامة 1/206.
3 مجموعة رسائل مفيدة لفضبلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ض36.
4 بدائع الصنائع: الكاساني 1/108.
- وإذا صلى المريض قاعداً، ويمكنه السجود على الأرض، وجب عليه، ولا يكفيه الإيماء، وإن بدأ المسلم
الصلاة قائماً وعجز في أثنائها، أتم الصلاة على قدر استطاعته، قال الكاساني: الصحيح إذا شرع في الصلاة، ثم عرض له مرض، بنى على صلاته على حسب إمكانه قاعداً أو مستلقياً1. وكذا من بدأ الصلاة على جنب أو قاعداً وقدر القيام أثنائها أتم صلاته قائماً.
ومن كان في ماء أو طين لا يمكنه السجود إلا التلوث والبلل، فله الصلاة بالإيماء، والصلاة على دابته2، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المؤذن إذا كانت ليلةٌ باردةٌ ذات مطر يقول: ألا صلوا في الرحال"3.
وروى يعلى بن مرة أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير، فانتهوا إلى مضيق، وحضرت الصلاة فمطروا، السماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، وأقام، أو أقام، فتقدم على راحلته، يومئ إيماء: يجعل السجود أخفض من الركوع"4.
فإن كان البلل يسيراً لا أذى فيه لزمه السجود، لما روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم"
…
انصرف من الصبح وجهه ممتلئٌ طيناً وماءً"5.
1 الكافي: ابن قدامة 1/206.
2 رواه مسلم 1/484 ح 697.
3 رواه البخاري انظر: الفتح 2/184 كتاب الآذان. مسلم، انظر النووي 4/173 كتاب الصلاة.
4 رواه الترمذي 2/266، 267 ح411، وقال: هذا حديث غريب تفرد به عمر بن الرماح البلخي، لا يعرف إلا من حديثه.
5 رواه البخاري 2/254 كتاب فضل ليلة القدر، باب تحري ليلة القدر.
ولا يجوز للمريض أن يؤخر الصلاة عن وقتها، مالم شق عليه جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير، على ما يتيسر له قال الله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 6.
6 سورة البقرة، الآية [185] .