الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم صلاة الجماعة:
اختلف أهل العلم في حكم صلاة الجماعة، فمنهم من قال: إنها فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، ومنهم من قال: إنها سنة مؤكدة، ومنهم من قال: إنها شرط لصحة الصلاة.
والصحيح ماذهب إليه القاتلون بالوجوب، لقوة أدلتهم وصراحتها من القرآن والسنة النبوية وأقوال الصحابة.
وصلاة الجماعة واجبة على الرجال وجوباً عينياً حضراً وسفراً للصلوات الخمس، قال الله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} 1. فلو كانت صلاة الجماعة سنة، لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لسقط فرضها بفعل الطائفة الأولى، فدل ذلك على وجوبها على الأعيان.
قال ابن كثير رحمه الله: "وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة، حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك"2.فإذا كان الأمر بالجماعة في وقت الخوف، والعدو ينازل المسلمين، والمعركة ساخنة، فبديهي أن تكون الجماعة في السلم أولى وأوجب.
1 سورة النساء، الآية (102) .
2 تفسير ابن كثير 1/547.
وجمع الصلاة في المطر، لا يكون إلا لأجل تحصيل الجماعة، وفيه تنضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى، فيؤديها المصلون خارج وقتها المعتاد، والوقت واجب للصلاة، فلو لم تكن الجماعة واجبة لما ترك لها الوقت الواجب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أثقل صلاة على النافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار"1.
وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن صلاة الجماعة بالنفاق، وهم بتحريق بيوتهم عليهم بالنار، والمتخلف عن السنة لا يعد منافقاً، ولو كانت صلاة الجماعة سنة، لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت الجماعة فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه وهذا غير حاصل، فدل الحديث على وجوبها على الأعيان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي رجل أعمى، فقال: يارسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال:"هل تسمع النداء بالصلاة؟ " فقال: نعم. قال: "فأجب"2.
بالرغم من المشقة التي يلاقيها هذا الصحابي، أمره الرسول صلى الله عليه وسلم
1 رواه مسلم 1/452.451 ح 651 برقم (252) في الباب.
2 رواه أبو داود 1/695 ح 1176، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/218 ح 1043.
بإجابة النداء، فدل ذلك على وجوب صلاة الجماعة.
قال في المغني: "وإذا لم يرخص للأعمى الذي لم يجد قائداً فغيره أولى"1.
ولقد استقر أمر وجوبها عند الرعيل الأول من صدر هذه الأمة.
وعن أبي الأحوص عن عبد الله قال: "
…
وقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف"2.وعن أم الدرداء رضي الله عنها، قالت: دخل على أبو الدرداء، وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً، إلا أنهم يصلون جميعاً"3.
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل، لا يشهد جمعة ولا جماعة. قال: هو في النار"4.
واحتج بعض أهل العلم، على عدم وجوب الجماعة، بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"5. فقالوا: ورد في الحديث لفظ
1 المغني: ابن قدامة 2/177.
2 رواه مسلم 1/453 ح 654 برقيم (257) في الباب.
3 رواه البخاري1/159 كتاب الأذان، باب فضل صلاة الفجر في جماعة.
4 رواه الترمذي 1/424.423 ح 218، وصححه أحمد شاكر وقال: له حكم المرفوع 1/424 سنن الترمذي، وقال الألباني في ضعيف سنن الترمذي ص 26 برقم (36) : ضعيف الإسناد، والحديث صحيح وإن ضعفه الألباني ــ والله أعلم.
5 رواه مسلم 1/450 ح 650 برقم (249) في الباب.
(أفضل) ، والأفضل ليس بواجب، ولكن استدلالهم مردود، لأنه لا يراد به حكم صلاة الجماعة، والمراد به بيان ثواب صلاة الجماعة، لأننا لو فهمنا عدم الوجوب من المفاضلة، لفهمنا عدم وجوب صلاة الجمعة في قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1
ولفظ (خير) يفيد المفاضلة، ولم يفهم منه سقوط وجوب الجمعة.
1 سورة الجمعة، الآية (9) .