الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة الصلاة
صفة الصلاة
…
صفة الصلاة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مالك بن الحويرث "
…
وصلوا كما رأيتموني أصلي
…
" 1، وقد أم الأمين جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عند باب الكعبة معلما إياه كيفية الصلاة وأوقاتها، وقد تعلمها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وتناقلها المسلمون من بعدهم، جيلا من بعد جيل حتى زمننا الحاضر.
والصلاة عبادة يشترط لها الإخلاص لله سبحنه وتعالى، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن لم يخلص لله فقد أشرك ولا تصح عبادته، لقول الله تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 2، ومن لم يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعبادته مردودة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"3.
والصلاة هي أعظم أركان الإسلام، من تركها جحودا وإنكارا كفر وخرج من الإسلام، ومن تركها تكاسلا وتشاغلا عنها دون عذر شرعي كان كافرا، والسنة الصريحة في ذلك، عن جابر رضي الله عنه قال:"سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" 4.
والصلاة قيام فيه قراءة، وركوع فيه تسبيح، واعتدال منه فيه حمد،
1 رواه البخاري 1/155 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة
…
2 سورة الزمر، الآية [65] .
3 رواه مسلم 2/1343ح1718.
4 رواه مسلم 1/88ح82.
وسجدتان بينهما جلسة فيهما تسبيح، وكل هذا يسمى ركعة، والصلاة تتكون من ركعات، والصلوات المفروضة خمس: الصبح فرضه ركعتان في الحضر والسفر، والظهر والعصر والعشاء فرض كل صلاة أربع ركعات في الحضر وركعتان في السفر، والمغرب فرضه ثلاث ركعات في الحضر والسفر.
والصلاة يؤديها المسلم منفردا أو في جماعة، فإذا صلى في جماعة فما أحسن أن يتوضأ المسلم في بيته ويسبغ الوضوء، ثم يخرج بنية الصلاة مع الجماعة، فإن فعل ذلك فلم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
…
وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد.." 1.
وينبغي أن يمشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، لأنه مقبل على مكان يقف فيه بين يدي الله عز وجل، ولا يسرع حتى لو خاف أن تفوته الصلاة، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" 2، فهذا أدب مع الله عز وجل.
فإذا دخل المسلم المسجد صلى ما تيسر له ما لم يكن أذن، فإن كان قد أذن صلى الراتبة، وإن لم يكن للفريضة الراتبة قبلها صلى سنة ما بين الأذانين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" بين كل الأذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة".
1 رواه مسلم 1/459ح649.
2 رواه البخاري 1/156 كتاب الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة، وليأت بالسكينة والوقار.
ثم قال في الثالثة: لمن شاء"1، وتجزىء هذه الصلاة أو الراتبة عن تحية المسجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" 2، ويتفق ذلك بصلاة الراتبة، أو سنة ما بين الأذانين، بعدها يجلس المسلم بنية انتظار الصلاة، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفرله، اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة" 3.
ولا يضره تأخر الإمام، لأنه في صلاة ما انتظر الصلاة، والملائكة تصلي عليه وتستغفر له ما دام في مصلاه.
فإذا أقيمت الصلاة قام، ولا بأس بالقيام في أول الإقامة أو في أثنائها أو عند انتهائها، فكل ذلك جائز، لأن السنة لم تحدد موضع القيام، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني" 4، والغاية أن يتهيأ المسلم للدخول في الصلاة حتى لا تفوته تكبيرة الإحرام.
وتجب تسوية الصف، لما روي عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"5.
1 رواه البخاري 1/154 كتاب الأذان، باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء.
2 رواه البخاري 1/114 كتاب الصلاة، باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين.
3 رواه البخاري 1/160 كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد.
4 رواه البخاري 1/ 156، 157 كتاب الأذان، باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة.
5 رواه البخاري 1/176 كتاب الأذان، باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها.
قال النووي: معناه يوقع بينكم العدواة والبغضاء واختلاف القلوب1.
ولا يخفى ما في ترك تسوية الصفوف من الإثم والمخالفة، ولهذا وجبت التسوية، ولا يجوز التفريط فيها لحرمة ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بتسوية الصف، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة "2.
ولا تعني مخالفة التسوية بطلان الصلاة على الراجح، لأن التسوية واجب للصلاة، وليست واجباً فيها، والواجب للصلاة يأثم تاركه ولا تبطل به الصلاة كالأذن.
والعبرة بالتسوية المحاذاة والموازاة، لما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه" 3، وقال النعمان بن بشير:"رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه"4. هذا هو المعتبر.
وينبغي مع المحاذاة التراص في الصف، بأن لا يترك فرجات للشياطين، لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله،
1 فتح الباري: ابن حجر 2/207.
2 رواه البخاري 1/177 كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة.
3 رواه البخاري 1/177 كتاب الأذان، باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف.
4 رواه أبو داود 1/433 ح 666، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/131 ح 620.
ومن قطع صفاً قطعه الله" 1، وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحذف" 2"3.
كما ينبغي إكمال الصف الأول قبل الشروع في الصف الثاني، وهكذا، مع مراعاة التقارب بين الصفوف والإمام، ويلزم أن تفرد صفوف النساء وحدها خلف الرجال، ويجب تأخيرها عن صفوف الرجال لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها"4.
وبعد أن يسوي الصف مستقبلاً القبلة بجميع بدنه قاصداً بقلبه فعل الصلاة التي يريدها من فريضة أو نافلة، ولا يتلفظ بالنية، لأن التلفظ بها غير مشروع وبدعة، ولم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أنه تلفظ بها.
ويجعل له سترة يصلى إليها إن كان إماماً أو منفرداً، لما روي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود
…
" 5.
1 رواه أبو داود 1/133 ح 666، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود1/131 ح 620.
2 الحذف: غنم صغار سود تكون بأرض اليمن.
3 رواه أبو داود 1/434 ح 667، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/131 ح 621.
4 رواه مسلم 1/326 ح440.
5 رواه مسلم 1/365 ح510.
ويكبر تكبيرة الإحرام قائلاً: " الله أكبر" ناظراً ببصره إلى محل سجوده، ولا يجزئ غيرها، لأن ألفاظ الذكر توقيفية، يتوقف فيها على ماورد به النص، ولا يجوز إبدالها بغيرها، فإن عجز عن النطق بها لعدم معرفته باللغة العربية، كبر بلغته ولا حرج عليه، لقول الله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} 1، ولا تنعقد الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام، لحديث علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم"2.
ويرفع يديه مضمومتي الأصابع ممدودة حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، قبل التكبير أو بعده أو معه، فكل هذه الصفات فاعلها مصيب للسنة، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع ويقول: سمع الله لمن حمده، ولا يفعل ذلك في السجود "3.
وينبغي فعل العبادات الواردة على وجوه متنوعة في أوقات مختلفة لما في ذلك من حضور القلب واتباع السنة وإحيائها.
1 سورة البقرة، الآية (286) .
2 رواه الترمذي 1/9 ح 3، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/4 ح 3:حسن صحيح.
3 رواه البخاري 1/180 كتاب الأذان باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع.
وبعد أن ينزل يديه من الرفع، يضعهما على صدره، اليمنى على ظهر كفه اليسرى، قابضاً بيمناه كوع 1 يسراه، أو واضعاً يده على الذراع من غير قبض، فكلاهما سنة.
ويسن أن يقرأ دعاء الاستفتاح، لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت: يارسول الله بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماتقول؟ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد" 2، وإن شاء قال بدلاً عن ذلك: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" 3، أو يقول: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" 4، أو غير ذلك مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
1 الكوع: هو العظم الذي يلي الإبهام (أي مفصل الكف من الذراع)، ويقابله الكرسوع: وهو الذي يلي الخنصر، والرسغ هو الذي بينهما.
2 رواه البخاري 1/181 كتاب الأذان، باب مايقول بعد التكبير، ومسلم 1/419 ح 598 واللفظ له.
3 رواه مسلم بسند في انقطاع 1/299 ح 399، والدارقطني موصولاً وموقوفاً على عمر1/299 باب دعاء الاستفتاح بعد التكبير، وقد روي هذا الحديث من عدة طرق، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 288/229 ح 340 رواه أبو داود والحاكم ورجال إسناده ثقات، لكن فيه انقطاع.... قال ابن خزيمة: هذا صحيح عن عمر لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحاكم: وقد صح ذلك عن عمر.
4 رواه مسلم 1/534 ح 770.
وينبغي للإنسان أن يستفتح بهذا مرة، وهذا مرة، ليأتي بالسنن كلها، وليكون ذلك إحياء للسنة وإحضاراً للقلب، ولا يجمع بينها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجمع بينها في جوابه على سؤال أبي هريرة.
ثم يقول: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم" ويقرأ: سورة الفاتحة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"1.
والفاتحة ركن من أركان الصلاة، وشرط لصحتها، فلا تصح الصلاة بدونها، يقولها المصلي في كل ركعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته حين وصف له الركعة الأولى قال:"ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" 2، فكما أن الركوع والسجود والقيام والقعود ركن في كل ركعة، فكذلك قراءة الفاتحة ولا فرق، وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم على قراءتها في كل ركعة، ولم يحفظ عنه أنه أخل بها في ركعة من الركعات.
ولا تسقط إلا عن مسبوق أدرك الإمام راكعاً أو قائماً ثم شرع فيها وخاف أن يفوته الركوع قبل أن يتمها، لحديث أبي بكرة رضي الله عنه: أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"زادك الله حرصاً ولا تعد" 3، ولم يأمره بقضاء الركعة التي أدرك ركوعها دون قراءتها، ولو كانت الركعة غير صحيحة لأمره بإعادتها كما أمر المسيء صلاته بإعادة الصلاة لعدم الإتيان بأركانها. والفاتحة ركن في القيام، والمسبوق سقط عنه القيام لمتابعة إمامه، فلما سقط عنه المحل سقط الحال. وتجب قراءة الفاتحة ركناً على الإمام والمأموم
1 رواه مسلم 1/295 ح 394.
2 رواه البخاري 1/192 كتاب الأذان، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة.
3 رواه البخاري 1/190 كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف.
والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، ولا تسقط إلا عن المسبوق الذي ذكرنا.
وقد دلت السنة على وجوب قراءتها على المأموم في صلاة الفجر، وصلاة الفجر جهرية، ففي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال:" لعلكم تقرؤون خلف إمامكم " قلنا: نعم. هذا يارسول الله، قال:"لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"1.
وروى الإمام أحمد رحمه الله عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب محمد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم تقرءوون والإمام يقرأ"، قالها ثلاثاً، قالوا: إنا لنفعل ذاك، قال:"فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب"2.
ويقول بعد الفاتحة (آمين) للمنفرد والمأموم والإمام، جهراً في الصلاة الجهرية، وسراً في السرية، وينبغي للمأموم أن يوافق الإمام فلا يسبقه ولا يتأخر عنه، ويسن أن يقرأ بعدها ما تيسر من القرآن.
ثم يركع مكبراً رافعاً يديه حذو منكبيه أو أذنيه، ثم يضعهما على ركبتيه معتمداً عليهما، مفرقاً أصابعه، جاعلاً رأسه مستوياً مع ظهره،
1 رواه أبو داود 1/515 ح 823، وقال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/231 ح 344: صححه أبو دود والترمذي والدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي من طريق ابن إسحاق
…
ومن شواهده ما رواه أحمد من طريق خالد الحذاء.
2 رواه أحمد 5/410، حديث رجل م أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/231: إسناده حسن، ورواه ابن حبان من طريق أيوب عن أبي قلابة عن أنس.
ويطمئن في ركوعه ويقول: "سبحان ربي العظيم"، والأفضل أن يكررها ثلاثاً أو أكثر، فيجتمع بهذا الذكر التعظيم القولي، وبالركوع التعظيم الفعلي لله سبحانه وتعالى. ويستحب أن يزيد على"سبحان ربي العظيم"(وبحمده) ، لورود ذلك في السنة الصحيحة، كما يشرع له ما صح به الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" 1، ومما صحت به السنة أيضاً ماروي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده:"سبوح قدوس رب الملائكة والروح"2.
ويسن أن يفرج عضديه عن جنبيه ما لم يؤذ جاره، فإن آذاه فلا ينتهك حرمة المسلم من أجل فعل سنة.
ثم يرفع رأسه من الركوع رافعاً يديه إلى حذوا منكبيه أو أذنيه قائلاً: "سمع الله لمن حمده" 3 إن كان إماماً أو منفرداً، ويقول حال قيامه:"ربنا ولك الحمد"، وبعد رفعه:" حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه". ملء السماوات وملء الأرض وملء ماشئت من شيء بعد4 أما إن كان مأموماً فإنه يقول عند الرفع: " اللهم ربنا ولك الحمد"، فإذا اطمأن قائماً قال: "حمداً كثيراً طيباً
…
" إلى آخر ما تقدم.
والرفع من الركوع ركن، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته:"ثم ارفع حتى تعتدل قائماً"5، أما رفع اليدين فإنه سنة، ويشرع أن يزاد بعد
1 رواه البخاري 1/193 كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع.
2 رواه سلم 1/353 ح 487.
3 رواه البخاري 1/193 كتاب الأذان، باب فضل اللهم ربنا لك الحمد.
4 رواه مسلم 1/347 ح 477.
5 رواه البخاري 1/184 كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها....
القيام من الركوع: "
…
أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"1.
ويستحب أن يضع كل منهم يده اليمنى على اليسرى على صدره، كما فعل في قيامه قبل الركوع، لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن2 حجر وسهل3 بن سعد رضي الله عنهما.
ولقد دلت السنة على مقدار الاعتدال بعد الركوع، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:" رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته فاعتداله بعد ركوعه فسجدته فجلسته بين السجدتين، فسجدته، فجلسته ما بين التسليم والانصراف، قريباً من السواء"4.
ثم يسجد مكبراً واضعاً ركبتيه قبل يديه إذا تيسر ذلك، فإن شق عليه قدم يديه قبل ركبتيه، مستقبلاً بأصابع رجليه ويديه القبلة، ضاماً أصابع يديه، ويكون على أعضاء السجود السبعة، الجبهة مع الأنف، واليدين والركبتين، وبطون أصابع الرجلين، ويقول:" سبحان ربي الأعلى"، ويكرر ذلك ثلاثاً أو أكثر.
ويستحب أن يقول مع ذلك: " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي" ويقول" سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، ويكثر من الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل، وأما السجود
1 رواه مسلم 1/347/477.
2 رواه ابن خزيمة 1/243 ح 479، قال ابن حجر في تلخيص الحبير 1/224 ح 331: وأصله في صحيح مسلم.
3 رواه البخاري 1/180 كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى.
4 رواه مسلم 1/343 ح 471.
فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" 1، ويسأل ربه من خير الدنيا والآخرة سواء أكانت الصلاة فرضاً أم نفلاً، ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويرفع ذراعيه عن الأرض، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" 2.
وللمصلي أن يضع يديه على الأرض حذاء المنكبين، وإن شاء قدمهما وجعلهما حذاء الجبهة أو فروع الأذنين، فكل هذا مما جاءت به السنة.
والسجود من كمال التعبد لله والذل له سبحانه، فالإنسان يضع أشرف ما فيه وهو وجهه بحذاء أدنى ما فيه وأسفل ما فيه وهو قدمه، تعبداً لله تعالى وتقرباً إليه.
ومن أجل ذلك يكون الإنسان أقرب إلى الله وهو ساجد، قال الله تعالى:{وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} 3، لذا ينبغي أن تسجد قلوبنا قبل أن تسجد جوارحنا، حتى يدرك الإنسان في هذا الذل والتواضع لله عز وجل لذة السجود وحلاوته، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء"4.
ثم يرفع رأسه مكبراً، ويفرش قدمه اليسرى ويجلس عليها، ظهرها إلى الأرض وبطنها إلى أعلى، وينصب رجله اليمنى، ويضع يديه على
1 رواه مسلم 1/348 ح 479.
2 رواه البخاري 1/200 كتاب الأذان باب لا يفترش ذراعيه في السجود، ومسلم 1/355 ح 493.
3 سورة العلق، الآية (19) .
4 رواه مسلم 1/350 ح 482.
فخذيه، وأطراف أصابعه عند ركبتيه، أو يضع اليد اليمنى على الركبة، واليد اليسرى يلقمها الركبة، صفتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكلتاهما صحيح، ويقول:"اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني" 1، ويطمئن في هذا الجلوس.
ثم يسجد السجدة الثانية مكبراً، ويفعل فيها كما فعل في السجدة الأولى، ثم يرفع رأسه مكبراً ويجلس جلسة خفيفة، وتسمى جلسة الاستراحة، وهي مستحبة، وإن تركها فلا حرج، وليس فيها ذكر ولا دعاء.
ثم ينهض قائماً إلى الركعة الثانية معتمداّ على ركبتيه إن تيسر ذلك، فإن شق عليه اعتمد على الأرض، ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة، ثم يفعل كما فعل في الركعة الأولى، ولا يأتي في الثانية بتكبيرة الإحرام ولا دعاء الاستفتاح ولا يتعوذ، لأن الصلاة عبادة واحدة من أولها إلى آخرها، والتعوذ في الركعة الأولى يكفي، فإن، نسي تعوذ في الثانية.
ولهذا يكره مخالفة الترتيب فيما يقرأ بعد الفاتحة في الركعتين، لأن قراءة الصلاة واحدة، وجاز له التعوذ كل ركعة، ولا يأتي بنية جديدة.
فإذا كانت الصلاة ثنائية، أي ركعتين كصلاة الفجر والجمعة والعيد، جلس بعد رفعه من السجدة الثانية ناصباً رجله اليمنى مفترشاً رجله اليسرى، واضعاً يده اليمنى على فخذه اليمنى قابضاً أصابعه كلها إلا السبابة فيشير بها إلى التوحيد.
1 رواه أبو داود 1/531 ح 850، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/160 ح 756.
وإن قبض الخنصر والبنصر من يده وحلق إبهامها مع الوسطى وأشار بالسبابة فحسن، لثبوت الصفتين عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يفعل هذا تارة وهذا تارة، ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة الأصابع مضمومة ممدودة على الفخذ.
ويجوز أن يلقم اليسرى ركبته، وأن يضع اليمنى على الركبة بإحدى الصورتين السابقتين في وصف الأصابع لورود السنة بذلك أيضاً.
ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس، وهو:" التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله1، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"2.
ويسن أن يستعيذ بالله من أربع، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، ثم يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة، وإذا دعا لوالديه أو غيرهما من المسلمين فلا بأس، سواء أكانت الصلاة فريضة أم نافلة، ثم يسلم عن يمينه وشماله قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله.... السلام عليكم ورحمة الله، يقول بلسانه متدبراً ذلك بقلبه.
ويشير بسبابته في تشهده عند الدعاء، فكلما دعا حرك، إشارة إلى علو المدعو سبحانه وتعالى.
1 رواه مسلم 1/302 ح 402.
2 رواه مسلم 1/305 ح 406.
ففي قوله: " التحيات لله
…
" (لا يشير) ، "السلام عليك أيها النبي" (فيه إشارة) ، "السلام علينا
…
"، "اللهم صل على محمد...." (فيه إشارة) ، "اللهم بارك على محمد
…
" (فيه إشارة) ، "أعوذ بالله من عذاب جهنم" (فيه إشارة) ، "ومن عذاب القبر" (فيه إشارة) "ومن فتنة المحيا والممات" (فيه إشارة) ، "ومن فتنة المسح الدجال" (فيه إشارة) .
وقد وردت الأحاديث الصحيحة في التشهد على أكثر من وجه، لذا ينبغي أن نأتي بهذا مرة، وهذا مرة، إتباعا للسنة، وإحياء لها، وحضوراً للقلب.
فإن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب، أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء، قرأ التشهد الأول، وهو المذكور آنفاً إلى قوله:"أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، وذكر بعض أهل العلم أنه يذكر ذلك مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ينهض قائماً معتمداً على ركبتيه، رافعاً يديه حذو منكبيه أو فروع أذنيه قائلاً" الله أكبر، ثم يضعهما على صدره كما تقدم، ويقرأ الفاتحة فقط، فإن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض المرات، فلا بأس، لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث أبي سعيد1 رضي الله عنه، ثم يتشهد بعد الثالثة من المغرب، وبعد الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، كما تقدم في الصلاة الثنائية، ثم يسلم عن يمينه بقوله: "السلام عليكم ورحمة الله"، وعن شماله بقوله: "السلام عليكم ورحمة الله".
1 رواه مسلم 1/334 ح 452.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يزيد في التسليمة الأولى والثانية"وبركاته"، لحديث أخرجه أبو داود1، وقال الحافظ ابن حجر:"وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة" وبركاته"، وهي عند ابن ماجه أيضاً، وهي عند أبي داود أيضاً في حديث وائل بن حجر، فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث"2.
وتمتاز الركعة الثالثة في المغرب، والركعتان الأخيرتان من الظهر والعصر والعشاء، بأنه يقتصر فيهما على الحمد، ويسر فيهما بالقراءة حتى في الصلاة الجهرية.
ويسن التورك في التشهد الأخير من الصلاة الثلاثية أو الرباعية، وله ثلاث صفات مشروعة:
الأولى: أن يخرج المصلي رجله اليسرى من الجانب الأيمن مفروشة، ويجلس على مقعدته على الأرض، وتكون الرجل اليمنى منصورة.
الثانية: أن يفرش القدمين جميعاً ويخرجهما من الجانب الأيمن.
الثالثة: أن يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين فخذ وساق الرجل اليمنى وينبغي أن يفعل الإنسان هذا مرة وهذا مرة.
والمرأة كالرجل في كل ما سبق من أحكام، غير أنها تخالفه في بعضها كمسألة سترة الثياب، والقراءة، فالرجل يجهر في القراءة في الصلاة الجهرية، والسنة في حق المرأة أن تسر.
1 رواه أبو داود 1/607 ح 997.
2 تلخيص الحبير: ابن حجر 1/271 ح 420.
وينبغي بعد السلام أن يستغفر المسلم الله ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
ويسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمده مثل ذلك، ويكبره مثل ذلك، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله ووحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويقرأ آية الكرسي، وسورة الإخلاص والفلق والناس بعد كل صلاة.
ويستحب تكرار هذه السور الثلاث الثلاث مرات بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب، لورود الأحاديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكل هذه الأذكار سنة وليست بفريضة.