الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسائل تتعلق بالقصر:
1-
فمن أحرم بالصلاة في بلده ثم شرع في سفره، فإتمام الصلاة واجب في حقه لأنه ابتدأ الصلاة في حال يلزمه فيها الإتمام، ومثاله: رجل على ظهر سفينة راسية في نهر يشق البلد، فلما كبر للصلاة مشت السفينة وفارقت البلد وهو في أثناء الصلاة، فهذا أحرم في البلد ثم سافر فيلزمه الإتمام.
2-
ومن أحرم بالصلاة مسافراً قبل أن يدخل بلده، ثم دخل البلد أثناء الصلاة، يلزمه الإتمام، ومثاله: رجل على ظهر سفينة أحرم بالصلاة قبل أن يدخل البلد، ثم دخل أثناء الصلاة البلد فيلزمه الإتمام.
وهاتان المسألتان: الولي والثانية: يمنعه، فغلب جانب المنع؛ لما عليه الفقهاء إذا اجتمع مبيح وحاظر فالحكم للحاظر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"1، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "
…
فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.." 2.
قال ابن قدامة تعليقاً على المسألتين: لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر، ووجد أحد طرفيها في الحضر، فغلب حكمه كالمسح3.
3-
من نسي صلاة الحضر فذكرها في سفر، لأن هذه الصلاة لزمته تامة،
1 رواه الترمذي 4/668 ح 2518، وقال: حسن صحيح.
2 رواه مسلم 2/1219، 1220 ح 1599.
3 الكافي: ابن قدامة 1/198.
فوجب قضاؤها تامة، عن أبي قتادة قال: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال: ".. إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها" 1 أي يصلي هذه الصلاة كما هي إذا ذكرها.
1-
من نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر، قال النووي: وإن فاتته صلاة في السفر
فقضاها في الحضر، ففيه قولان: قال في القديم: له أن يقصر لأنها صلاة سفر، فكان قضاؤها كأدائها في العدد، كما لو فاتته في الحضر فقضاها في السفر، وقال في الجديد: لا يجوز له القصر، وهو الأصح لأنه تخفيف تعلق بعذر كالعقود في صلاة المريض.
وإن فاتته في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان: أحدهما: لا يقصر لأنها صلاة ردت من أربع إلى ركعتين، فكان من شرطها الوقت كصلاة الجمعة. والثاني: له أن يقصر، وهو الأصح، لأنه تخفيف تعلق بعذر كالعقود في صلاة المريض2.
2-
مسافر ائتم بمقيم، فيجب أن يتم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "
…
فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" 3، فإن أدرك ركعة في الظهر أتى بثلاث، وإن أدرك التشهد أتى بأربع. ولو أدرك المسافر من الجمعة
1 رواه الترمذي 1/334 ح 177، وقال حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح.
2 المجموع: النووي 4/366.
3 رواه البخاري 1/156 كتاب الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار.
أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعاً لائتمامه بالمقيم1، فإن أدرك ركعة أتمها جمعة.
1-
مسافر ائتم بمن يظن أنه مقيم أو يشك في كونه مسافراً أو مقيماً، فيجب عليه الإتمام وإن قصر إمامه اعتباراً بالنية، لأن من شروط القصر أن ينويه بنية جازمة غير متردد.
فإن علق نيته بقوله: إن أتم إمامي أتممت، وإن قصر قصرت، فله متابعة إمامه، إن قصر ففرضه القصر، وإن أنم ففرضه الإتمام، ولا يدخل هذا في الشك، لكنه من باب تعليق الفعل بأسبابه.
فإن غلب على ظنه أنه مسافر لوجود ما يدل على ذلك، كمن يحمل أمتعة سفر في المطار، فله أن ينوي القصر، وعليه أن يتبع إمامه، فإن قصر تبعه، وإن أتم تبعه.
2-
قال ابن قدامة في كلامه عن المسافر: ولو نوى الإتمام أو ائتم بمقيم ففسدت الصلاة وأراد إعادتها لزمه الإتمام أيضاً، لأنها وجبت عليه تامة بتلبسه بها خلف المقيم، ونية الإتمام، وهذا قول الشافعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة: إذا فسدت صلاة الإمام عاد المسافر إلى حاله2.
والراجح أن المسافر يعود إلى حاله فله أن يقصر إذا صلى وحده أو مع جماعة يقصرون، وذلك لأن صلاته التى شرع فيها إنما يلزمه إتمامها تبعاً لإمامه لا من الأصل، وبعد أن فسدت زالت التبعية، فلا يلزمه إلا صلاة مقصورة.
1 الكافي: ابن قدامة 1/198.
2 المغني: ابن قدامة 2/266.
وكذا مسافر ائتم بمقيم، وبعد شروع الصلاة، ذكر المسافر أنه على غير وضوء، فذهب وتوضأ، فلما رجع وجد الناس قد صلوا، فلا يلزمه الإتمام، لأن الصلاة لم تنعقد أصلاً.
1-
مسافر دخل وقت الصلاة وهو في السفر، ثم دخل البلد، فإنه يتم اعتباراً بحال فعل الصلاة، أما لو دخل وقت الصلاة وهو في البلد ثم سافر فإنه يقصر.
قال ابن قدامة: قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن له قصرها، وهذا قول مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي، لأنه سافر قبل خروج وقتها، أشبه ما لو سافر قبل وجوبها.
2-
مسافر شرع في صلاة رباعية ولم ينو القصر ولا الإتمام. قال ابن قدامة: ولنا أن الأصل الإتمام، فإطلاق النية ينصرف إليه1.
وهناك من يرى أنه يقصر لأنه الأصل، والأحوط الإتمام، أما من نوى فعلى حسب نيته، فمن نوى القصر قصر، ومن نوى الإتمام أتم.
3-
مسافر شرع في الصلاة ثم شك في نيته، أنوى القصر أم لم ينو؟ قال ابن قدامة: فإن شك في نية القصر لزمه الإتمام.
وهناك من يرى أنه يقصر ولا يلزمه الإتمام، لأن الأصل في صلاة المسافر القصر، ولأن من شك في وجود شئ أو عدمه فالأصل العدم، فأشبه هنا من لا نية له، والأحوط الإتمام.
1 الكافي: ابن قدامة 1/197.
1-
مسافر نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام فيلزمه الإتمام، والدليل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم، عندما قدم إلى مكة في حجة الوداع يوم الحد الرابع من ذي الحجة، وأقام فيها، الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء وخرج يوم الخميس إلى منى، فأقام في مكة أربعة أيام يقصر الصلاة.
اختلف أهل العلم في هذه المسألة خلافًا واسعا، والصحيح أنه إن نوى إقامة تزيد على أربعة أيام لزمه إتمام الصلاة والصوم كغيره من المقيمين، لانقطاع أحكام السفر في حقه، سواء كانت إقامته لدراسة أو لتجارة أو غير ذلك من الأمور المباحة.
وأن نوى إقامة أربعة أيام فأقل، أو أقام لقضاء حاجة لا يدري متى تنقضي، فله القصر لعدم انقطاع أحكام السفر في حقه1.
2-
والملاح الذي يسير في سفينة وليس له بيت سوى سفينته، فيها أهله وتنوره وحاجته لا يباح له الترخيص، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الملاح أيقصر ويفطر في السفينة؟ قال: أما إذا كانت السفينة بيته فإنه يتم ويصوم، قيل له: وكيف تكون بيته؟ قال: لا يكون له بيت غيرها، معه فيها أهله، وهو فيها مقيم، وهذا قول عطاء، وقال الشافعي: يقصر ويفطر لعموم النصوص وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن الشخير: "أتدري ما وضع الله عن المسافر؟ " قلت: وما وضع الله عن المسافر؟ قال: "الصوم وشطر الصلاة" 2، ولأن
1 انظر بدائع الصنائع: الكاساني 1/97، وبداية المجتهد: ابن رشد 1/287، والمجموع: النووي 6/263، ومغني المحتاج: محمد الشربيني 1/437، والروض المربع: البهوتي 3/372.
2 رواه النسائي: 4/182 كتاب الصيام، باب فضل الإفطار في السفر على الصيام، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 2/486 ح 2151.
كون أهله معه لا يمنع الترخيص كالجمال1. والصحيح أن الملاح معه أهله لا ينوي الإقامة ببلد المغادرة ولا ببلد الوصول، فهذا يجب عليه أن يتم؛ لأن بلده سفينته. فلو كان له نية الإقامة في بلد فإنه يقصر لكونه مسافراً وفق ما ذكرناه آنفًا من قيد المسافة والزمن.
قال أبو داود: سمعت أحمد يقول في المكاري الذي هو دهره في السفر: لابد من أن يقدم فيقيم اليوم، قيل: فيقيم اليوم واليومين والثلاثة في تهيئة للسفر. قال: هذا يقصر. وذكر القاضي وأبو الخطاب انه ليس له القصر كالملاح، وهذا غير صحيح لأنه مسافر مشفوق عليه، فكان له القصر كغيره، ولا يصح قياسه على الملاح، فإن الملاح في منزله سفراً وحضراً، ومعه مصالحه وتنوره وأهله، وهذا لا يوجد في غيره، وإن سافر هذا بأهله كان أشق عليه وأبلغ في استحقاق الترخيص2.
والفيج: وهو المسرع في سيره الذي يحمل الأخبار من بلد إلى بلد أشبه برجل البريد، وهو كالمكاري في حكم القصر.
1-
مسافر إلى بلد آخر، ولمقصده طريقان، أحدهما بعيد يبلغ مسافة القصر، والآخر قريب لا يبلغ حد القصر، فسلك أبعدهما، فله القصر، لأنه يصدق عليه أنه مسافر سفر قصر، بينما لو تعمد الأبعد ليتحايل على الفطر في رمضان، فالفطر عليه حرام، والصيام واجب عليه حينئذ.
2-
مسافر منع من السفر ولم ينو إقامة كمن حبسه سلطان بحق أو بظلم،
1 المغني: ابن قدامة 2/266.
2 المغني: ابن قدامة 2/265.
أو حبس بعدو أو مرض أو خوف، فإنه يقصر إن كان حبسه أربعة أيام فأقل، فإن كان أكثر من أربعة أيام لم يقصر إلا إذا كان لا يعلم مدة حبسه، فإنه يقصر على كل حال.
1-
مسافر لم يجمع على إقامة أكثر من أربعة أيام، فله القصر. قال ابن قدامة: وإن قال: إن لقيت فلانًا أقمت، وإلا لم أقم، لم يبطل حكم سفره، لأنه لم يعزم على الإقامة1.
وكذا من أقام لقضاء حاجة ولم ينو إقامة مطلقة، فإنه يقصر أبداً، لأنه لا يعد مستوطناً، والإقامة تقيد بزمن وتقيد بعمل، فإن نوى أكثر من أربعة أيام أتم، ودونها يقصر وإن قيد إقامته بعمل يقصر فيها أبداً ولو طالت المدة، كمن سافر للعلاج ولا يدري متى ينتهي.
2-
إذا كان السفر مباحاً، فغير نيته إلى المعصية، انقطع الترخيص لزوال سببه. ولو سافر لمعصية فغير نيته إلى مباح، صار سفراً مباحاً، وأبيح له ما يباح في السفر المباح، وتعتبر مسافة السفر من حيث غير النية، ولو كان سفره مباحاً فنوى المعصية بسفره، ثم رجع إلى نية المباح، اعتبرت مسافة القصر من حين رجوعه إلى نية المباح، لأن حكم سفره انقطع بنية المعصية، فأشبه ما لو نوى الإقامة، ثم عاد فنوى السفر، فأما إن كان السفر مباحاً لكنه يعصي فيه، لم يمنع ذلك الترخيص لأن السبب هو السفر المباح، وقد وجد فثبت حكمه، ولم يمنعه وجود معصية، كما أن معصيته في الحضر لا تمنع الترخيص فيه2.
1 الكافي: ابن قدامة 1/201.
2 المغني: ابن قدامة 2/263، 264.
1-
مسافر قلب نيته إلى سفر قصير، لزمه إتمام الصلاة، ولزم من خلفه متابعته.
2-
ومن قصر معتقداً تحريم القصر فصلاته فاسدة، لأنه فعل ما يعتقد تحريمه1 (1) .
وقصر الصلاة رخصة، تدل في جوهرها على سماحة الإسلام، ومراعاته لأحوال المسلمين وظروفهم، فكم من التعب يلقاه المسافر! وكم من المشقة يمر بها!
ولكن يجب أن لا ينقطع عن العبادة المفروضة، وينبغي أن لا يتخلى عن التحلي بالسنن والواجبات، حتى يستمر المؤمن في صلته بربه أينما حل وارتحل، فيعيش تملأ حياته الطاعة، ويستقر في نفسه الإيمان.
إنها سماحة الإسلام التي تراعي أحوال المسلم في سفره وفي مرضه وفي خوفه، ويأتي تشريع الحكيم العليم وافياً بما يناسب حال الإنسان في كل زمان ومكان.
إنها عدالة الله تراعي ظروف الخلف، حاملة في طياتها الرأفة والرحمة واليسر، قال الله تعالى:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 2.
قال ابن عبد البر: وفي إجماع الجمهور من الفقهاء على أن المسافر
1 الكافي: ابن قدامة 1/197.
2 سورة المائدة، الآية (6) .
إذا دخل في صلاة المقيمين فأدرك منها ركعة أن يلزمه أربع، دليل واضح على أن القصر رخصة، إذ لو كان فرضه ركعتين لم يلزمه أربع بحال1.
1 المغني: ابن قدامة 2/268.