الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يمكن أن يؤديه المسجد في هذا العصر من وظائف:
لا يزال المسجد قائماً يستقبل المصلين، يؤدي دوره في حياة المسلمين بما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم. ولكن نظرة متأملة في واقع المسجد اليوم مقارناً بمكانة المسجد ودوره الذي رسم منهجه سلفنا الصالح، نرى هوة كبيرة بين ماكان، وما هو عليه اليوم.
وليس ذلك إلا لما حدث للمسجد من تجريده من الطاقات التي تمكنه من العمل في بناء الفكر الصحيح والقلب الواعي، وتصحيح ما انتشر من مفهومات خاطئة.
ولا عجب أن نرى المحاكم في أنحاء العالم الإسلامي، وقد اكتظت بالقضايا والمنازعات، وتفشي الظلم في كل مكان، وليس غريباً أن نرى شباباً يدمرهم الانحراف، ومجتمعات كاملة تموت جوعاً وفقراً....
إن كل ذلك وأكثر منه حدث، عندما سلبت حقوق المسجد، واقتصر دوره على جزء من كل، فبات العالم مهدداً بالخراب والدمار....
إن مسجد الأمس، قد بنى دولة للإسلام، امتدت جذورها ضاربة في المشرق والمغرب، ومسجد اليوم نرجو أن يقوم بأعبائه كاملة، كما كان عليه المسجد في الماضي، حتى لا يفقد سلطانه على النفوس، وحتى يستطيع أن يبلغ رسالة الله، وأن يحكم نظام الإسلام في كل شيء، وليجمع أشلاء مامزقته التجارب البشرية المقطوعة عن طريق الوحي بعيداً عن التيارات الدخيلة التي نكبت العالم بما نشرت من سموم.
ولن يستطيع المسجد أن يستعيد مكانته ويحقق رسالته التي أنشئ لها
من أول يوم أول مسجد أسس على التقوى، إلا إذا خلصت النية لله تعالى، وتضافرت الجهود، وأزيلت المعوقات التي تعطل المسجد عن القيام بمهمته....
وينبغي أن تكون قاعة الصلاة، بحيث تتسع للمصلين، مفروشة بفراش يتناسب مع جلال المسجد، مزودة بمكبرات للصوت، ثم مكتبة عامرة بأمهات الكتب الإسلامية في مختلف العلوم والفنون مزودة بهاتف، ليسهل تبادل الاتصال بين المسجد والحي.
وينبغي أن يخصص في المسجد مكان للسيدات لأداء الصلاة، والاستفادة من المحاضرات والدروس، بحيث لا يختلطن فيه مع الرجال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تمنعوا إماء الله مساجد الله "1.
ثم تلحق بالمسجد قاعة ثالثة يجتمع فيها أهل الفكر والرأي لمناقشة حاجات المسجد ومشاكل الحي، فيها تفض الخصومات، ويعقد النكاح، فيكون ذلك مدعاة للترابط بين أفراد المجتمع، ودفعاً للسرف والبدع التي تصاحب النكاح.
ولا بأس أن يلحق بالمسجد وحدة علاجية لعلاج الحالات العاجلة.....
إن الإسلام عندما يؤكد على عمران المساجد حسياً ومعنوياً، إنما يهدف إلى توفير وسائل التوعية الدائمة لإقامة المجتمع الصالح. ولكي يتحقق ذلك، فلا بد من إعداد الأئمة ومساعديهم ورفع كفاياتهم علمياً وثقافياً، وتعميق فكرهم بروح الشريعة الإسلامية ليتمكنوا من معالجة ما يطرح من قضايا تتجدد مع تطور الحياة التبشرية يوماً بعد يومٍ.
1 رواه مسلم 1/327 ح 442 برقم (136) في الباب.
وينبغي أن يكون الداعية في المسجد على قناعة تامة بما يزاول من عمل، وأن يكون لديه دوافع للعطاء لخدمة دينه وأمته، مع وضوح الفكر وطلاقة اللسان، وإجادة الحوار والمناظرة، وأن تتسم نفسه بالسماحة وسعة الأفق وحسن العشرة، وأن يكون دائماً قدوة حسنة للناس، لذا ينبغي اختيار من غرف فيهم التدين الصادق.
وحتى يتفرغ القائمون على الدعوة في المساجد لإصلاح المجتمع وتربيته، فمن الضروري النهوض بهم اجتماعياً واقتصادياً، فينبغي أن يعلى شأنهم في كل وسائل الإعلام، وأن تعالج أوضاعهم الاقتصادية، حتى لا ينشغلوا بأمور حياتهم المادية عن تحقيق أهدافهم الكبرى.
وينبغي أن تعقد لهم الدورات واللقاءات والمؤتمرات، مع كبار العلماء، ليتبادلوا فيها الفكر، وليسيروا وفق منهج شرعي مدروس يخدم الإسلام والمسلمين.
والعمل المنظم الذي يسبقه التخطيط، ويتابع في التنفيذ، يكتب له النجاح بإذن الله، ولقد زاحم المسجد كثير من المؤسسات الاجتماعية، ونافسته في دوره الذي كان يستقل به، حيث توافرت لها الإمكانات المادية والبشرية والفنية، مما ساعدها على وضع البرامج والخطط، وصياغة الحياة بأساليب جديدة.
فقامت المدرسة إلى جانب المسجد، وأصبحت هي المسؤولة عن تربية النشء وتعليمه، إلى غير ذلك من المؤسسات التي تجاوزت حد المزاحمة والمنافسة، إلى المناهضة والمقاومة لدور المسجد، فبدأ واقع الناس يتغير شيئاً فشيئاً.....
لذا كان من الضروري لعمل المسجد أن يسبقه تخطيط، ثم تنفيذ ومتابعة، بما يتناسب مع حاجة المجتمع والعصر، فهناك مجتمع تنتشر فيه الخرافات والمعتقدات الفاسدة، ومجتمع تنتشر فيه الفوضى والإباحية.... فعلى المسجد دراسة هذه الظواهر، وعلاجها، وفق منهج علمي مدروس.