المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مكانة الصلاة في الإسلام: - الصلاة وصف مفصل للصلاة بمقدماتها مقرونة بالدليل من الكتاب والسنة، وبيان لأحكامها وآدابها وشروطها وسننها من التكبير حتى التسليم

[عبد الله الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الصلاة

- ‌معنى الصلاة

- ‌العبادات في الإسلام

- ‌مكانة الصلاة في الإسلام:

- ‌الوضوء

- ‌معنى الوضوء لغة وشرعا

- ‌دليل مشروعيته:

- ‌فضل الوضوء:

- ‌لماذا يجب الوضوء

- ‌فرائض الوضوء ستة:

- ‌صفة الوضوء:

- ‌من آثار الوضوء:

- ‌المسح على الخفين

- ‌الخفان

- ‌حكم المسح على الخفين

- ‌ما يشترط للمسح:

- ‌زمن المسح:

- ‌نواقض الوضوء:

- ‌مسائل حول نواقض الوضوء:

- ‌الغسل

- ‌تعريفه وحكمه

- ‌من موجبات الغسل أولا: خروج المني

- ‌من موجبات الغسل ثانيا: إلتقاء الختانين

- ‌من موجبات الغسل ثالثا: الحيض والنفاس

- ‌من موجبات الغسل رابعا: الموت

- ‌من موجبات الغسل خامسا: إسلام الكافر

- ‌فرائض الغسل:أولا النية:

- ‌فرائض الغسل ثانيا: تعميم البدن بالماء

- ‌فرائض الغسل ثالثا: الموالاة

- ‌سنن الغسل:

- ‌صفة الغسل:

- ‌ الأغسال المستحبة:

- ‌بعض المسائل المتعلقة بالغسل

- ‌التيمم:

- ‌معنى التيمم لغة واصطلاحا:

- ‌دليل مشروعيته ومتى يشرع

- ‌بم نتيمم

- ‌صفة التيمم:

- ‌نواقض التيمم:

- ‌فاقد الطهورين:

- ‌مقدمات الصلاة

- ‌مدخل

- ‌ الطهارة:

- ‌ ستر العورة:

- ‌ الأذان:

- ‌ استقبال القبلة:

- ‌حلول الوقت للفريضة:

- ‌‌‌صفة الصلاة

- ‌صفة الصلاة

- ‌حديث المسيئ صلاته

- ‌أركان الصلاة:

- ‌حكم من ترك ركنا في الصلاة

- ‌شروط الصلاة:

- ‌واجبات الصلاة:

- ‌سنن الصلاة

- ‌ما يحرم في الصلاة:

- ‌ما يكره في الصلاة:

- ‌ما يباح في الصلاة:

- ‌وصف للصلوات الخمس:

- ‌الصلاة في البلدان التي يطول فيها النهار جداً أو يقصر جداً أو لا يرى فيها النهار أو الليل في بعض أيام السنة:

- ‌الصلاة في السفر:

- ‌شروط قصر الصلاة:

- ‌مسائل تتعلق بالقصر:

- ‌جمع الصلاة في السفر

- ‌هل هناك تلازم بين الجمع والقصر

- ‌ رخص السفر

- ‌صلاة الراكب:

- ‌الصلاة في السفينة:

- ‌الصلاة في الطائرة، حكمها وكيفيتها:

- ‌صلاة الخوف:

- ‌صفات صلاة الخوف:

- ‌كيفية صلاة المغرب عند الخوف:

- ‌مسائل تتعلق بصلاة الخوف:

- ‌صلاة المريض ومن في حكمه:

- ‌صلاة الجمعة

- ‌حكم صلاة الجمعة

- ‌فضل يوم الجمعة:

- ‌آداب المشي إلى صلاة الجمعة:

- ‌شروط صحة الجمعة:

- ‌شروط الخطبة:

- ‌أركان الخطبة

- ‌سنن الخطبة:

- ‌الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها من يستمع إلى خطبة الجمعة:

- ‌أحكام تتعلق بصلاة الجمعة:

- ‌الأعذار المرخصة في عدم حضور الجمعة:

- ‌حكم صلاة الجمعة خلف المذياع والتلفاز:

- ‌الصلاة وحكم تاركها:

- ‌الصلاة وحكم تاركها

- ‌تارك الصلاة

- ‌ما يترتب على الردة بترك الصلاة:

- ‌صلاة الجنازة وما يتعلق بها

- ‌مدخل

- ‌ذكر الموت والاستعداد للقاء الله:

- ‌كيف يستعد المريض:

- ‌ما بغعل بعد الموت وقبل الغسل

- ‌تغسيل الميت وتكفينه:

- ‌التكفين:

- ‌صلاة الجنازة:

- ‌من أحكام صلاة الجنازة:

- ‌إتباع الجنازة فضله وكيفيته:

- ‌دفن الميت:

- ‌من أحكام الدفن:

- ‌التعزية:

- ‌النوافل

- ‌الرواتب

- ‌التراويح:

- ‌التهجد:

- ‌ صلاة العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى:

- ‌صلاةا الكسوف

- ‌صلاة الاستسقاء:

- ‌صلاة الجماعة

- ‌فضل صلاة الجماعة

- ‌حكم صلاة الجماعة:

- ‌ما تنعقد به صلاة الجماعة وحكم من تخلف عنها:

- ‌مكان تأدية الصلاة:

- ‌أحكام تتعلق بصلاة الجماعة:

- ‌رسالة المسجد:

- ‌المسجد في الماضي:

- ‌ما يمكن أن يؤديه المسجد في هذا العصر من وظائف:

- ‌السبل التي تربط المجتمع بالمسجد:

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌مكانة الصلاة في الإسلام:

‌مكانة الصلاة في الإسلام:

والصلاة صورة من الصور التي يقوم بها الإنسان لعبادة خالقه، وهي صلة بين العبد وربه، ومنزلتها من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد"1.

وهي الركن الثاني بعد الشهادتين، بها يفرق بين المسلم والكافر، فهي مظهر للإسلام، وعلامة للإيمان، وقرة العين وراحة الضمير، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وجعل قرة عيني في الصلاة "2.

ماذا يتحقق بالصلاة؟

فالصلاة عبادة تحقق دوام ذكر الله، ودوام الاتصال به، تمثل تمام الطاعة والاستسلام لله، والجرد له وحده بلا شريك، تربي النفس وتهذب الروح وتنير القلب، بما تغرس فيه من جلال الله وعظمته، وتحلي المرء وتجمله بمكارم الأخلاق.

1 رواه الطبراني في الأوسط 3/154 ح2313، وقال لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا مندل، ولا عن مندل إلا حسن. تفرد به الحسين بن الحكم وفي الصغير 1/60، 61.

2 رواه النسائي 7/61، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء. قال ابن حجر في تلخيص الحبير 3/116 ح1435: رواه النسائي وإسناده حسن.

ص: 16

فهي عمل من صميم التدين، ولذلك كانت سنة مطردة على تعاقب الرسل بعد التوحيد، بها تتوثق أسباب الاتصال بالله، ويتزود العبد من خلالها بطاقة روحية تعينه على مشقة التكليف

فرضها الله على المسلمين للثناء عليه بما يستحقه، وليذكرهم بأوامره، وليستعينوا بها على تخفيف ما يلقونه من أنواع المشقة والبلاء في الحياة الدنيا.

فيها يقف الإنسان بين يدي ربه في خشوع وخضوع، مستشعرا بقلبه عظمة المعبود، مع الحب والخوف من جمال وجلال المعبود، طامعا فيما عنده من الخير، وراغبا في كشف الضر، وجلا من عقابه الشديد.

منزلة الصلاة:

وللصلاة منزلة كبيرة في الإسلام، لا تصل إليها أية عبادة أخرى، فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، وفي الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "

ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد

" 1

وتأتي منزلتها بعد الشهادتين لتكون دليلا على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهانا على صدق ما وقر في القلب، وتصديقا له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم

1 رواه الترمذي 5/11، 12 ح2616، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، وفيه قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح، تحفة الأشراف: المزي 8/399 ح 11311.

ص: 17

رمضان" 1. وإقام الصلاة: أدائها كاملة بأقوالها وأفعالها، في أوقاتها المعينة، كما جاء في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} .2

وتتقدم الصلاة على جميع الأركان بعد الشهادتين، لمكانتها وعظيم شأنها، فهي أول عبادة فرضها الله على عباده في مكة، وأول عبادة تكتمل بالمدينة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:"فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر" 3، وفي المدينة أتمت بعدها سائر شعائر العبادة، وفرضت معظم التكاليف.

وتكتسب الصلاة مكانة خاصة لمكان فرضيتها، فلم ينزل بها ملك إلى الأرض، ولكن شاء الله أن ينعم على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بمعراج إلى السماء، وبين يدي ربه في أسمى منزلة وأعظم لقاء، يتلقى الرسول الكريم هذا التكليف العظيم.

الصلاة تذكر بالله:

ويقف المصلي في رحاب الله، ليس بينه وبين الله واسطة، فيشعر بالقرب من الله، ويشعر بمعية الله له، فتمتلئ جوارحه بالأمن والطمأنينة والثقة واليقين، فيخشع راكعا، ويخشع ساجدا، يستمد العون والتأييد، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ

1 رواه البخاري 1/8 كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس، ومسلم 1/54 ح21.

2 سورة النساء: الآية [103] .

3 رواه البخاري 1/93 كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة.

ص: 18

خَاشِعُونَ} 1.

ويتولى فرض الصلاة ونفلها على المسلم، لا يمنعه منها عذر من مرض ولا سفر، وحيثما انتقل لزمته فرضية الصلاة، يؤديها أينما تيسر له، قال صلى الله عليه وسلم: "

وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجلا من أمتي أدركته الصلاة فليصل.." 2 فالأرض كلها مكان عبادة، إذ لا تختص العبادة بين جدران بيت الله، فكل الأرض واقعة في سلطان الله، وعلى المرء أن يتقي الله حيثما تقلب به المكان.

وبين صلاة وصلاة، يشعر المسلم أنه منذ قليل كان بين يدي الله، يرفع يديه يستمد من هداه، وبعد قليل سيحين موعد الصلاة، ليقف من جديد بين يدي الله، ولا يليق بمن هذا حاله أن يغيب أو يغفل عن ذكر الله، فيظل العبد واقعا في مجال تأثير الصلاة، فيقوى الإيمان ويزداد، وتشتد العزائم فتنتزع صاحبها من مشاغل الحياة، وتنتصر النفس على المغريات، قال الله تعالى:{رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} 3.

ودوام الصلاة واطرادها على اختلاف الأحوال والأزمنة صفة تميزها عن سائر التكاليف العملية، فعامة التكاليف – سوى أركان الإسلام الأساسية: الصلاة والزكاة والصوم والحج – منطوة بمصالح معينة تدور معها، فتثبت برجاء المصلحة وترتفع برتفاعها أونفاذها، أو رهينة بعلاقات الناس تجب في أوضاع معينة، وتسقط بإعفاء وغيره. وأما

1 سورة المؤمنون: الآية [1، 2] .

2 رواه البخاري 1/113 كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، واللفظ له، ومسلم 1/370، 371 ح521 كتاب المساجد ومواضع الصلاة.

3 سورة النور: الآية [37] .

ص: 19

أركان الإسلام المتقدمة فهي واجبات عينية، وحقوق لله لا تتخلف، ولكن الصلاة من بين تلك الأركان تتميز بصفة الدوام، لأن الصوم لا يجب إلا للمستطيع، والحج لا يلزم إلا من وجد إليه سبيلا، والزكاة لا يخرجها إلا من ملك النصاب، أما الصلاة فلا تسقطها أعذار الطاقة، وإنما تخفف أركانها لرفع الحرج، ويبقى أصلها لألا تتخلف معانيها الجليلة1.

الصلاة تجمع جميع أركان الإسلام:

وتكاد الصلاة تكون جماعا لأركان الإسلام، وذلك لاشتمالها على الشهادتين في التشهد الأول والأخير، والصلاة ذاتها زكا يومية، فالمصلي يبذل من وقته لأداء الصلاة، في حين يحتاج إلى هذا الوقت لأداء عمل يستفيد منه في تحصيل مال الذي سيزكي عنه، فعندما يصلي، ينفق من وقته، الذي هو أصل المال، فكما2 أن الزكاة طهرة للمال، فكذا الصلاة طهرة للأوقات، وطهرة للإنسان مما يرتكبه من معاص في أوقاته، وفجوات الأزمان التي بين صلواته، وكفى على ذلك شهيدا قوله صلى الله عليه وسلم:"أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا، ما تقول ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيئا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بها الخطايا"3.

بل تتعدى الصلاة لتكون تمهيدا للنفس وإعدادا لها

1 الصلاة عماد الدين: د/حسن ص 54.

2 فصول مهمة في حصول التتمة: للإمام العلامة على بن محمد سلطان القاري المكي ص13.

3 رواه البخاري 1/134 كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة.

ص: 20

لتتلخص من البخل والأنانية، فالصلاة1 وما فيها من إقرار لله بالربوبية، وما تشتمل عليه من خضوع لله، وقيام وركوع وسجود، هي ترويض للنفس، وإذلال لكبريائها، وجعلها طيعة لقبول الأوامر الإلهية والعمل بها.

ومن هنا نلمح اقتران ذكر الصلاة بالزكاة في أكثر الآيات التي أمرت بالزكاة، ويأتي الأمر بالزكاة بعد الأمر بالصلاة، قال الله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} {أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ} {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} 6.

وبأساليب مختلفة يقترن ذكر الزكاة بذكر الصلاة، قال الله تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} 7

والصلاة بعد ذلك أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، تصوم فيها نفس الإنسان وجوارحه عن جميع المخالفات التي

1 الصلاة عماد الدين: د/ حسن الترابي ص 54.

2 وردت عدة مرات في سورة البقرة، الآيات [43] ، [83] ، [110] ، وسورة النساء الآية [77] ، وسورة النور الآية [56] ، وسورة المجادلة الآية [13] ، وسورة المزمل الآية [20] .

3 سورة البقرة، الآية [277] ، وسورة التوبة الآيتان [5] ، [11] ، وسورة الحج، الآية [41] .

4 سورة البقرة الآية [177] ، وسورة التوبة الآية [18] .

5 سورة الأحزاب الآية [33] .

6 سورة مريم الآية [31] .

7 سورة البقرة الآيتان [2، 3] .

ص: 21

تفسد تمامها وكمالها.

ويتوجه المصلي شطر المسجد الحرام، قال الله تعالى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ

} 1 ملتزما بركن الصلاة في التوجه ومشتركا مع ركن الإسلام الحج من طرف.

الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر:

وتأتي الصلاة لتعالج النفس البشرية من نوازع الشر حتى تصفو من الرذائل، ويبتعد صاحبها عن كل منكر، فعندما يقف المسلم بين يدي ربه خاشعا، راكعا وساجدا، يرتبط بخالقه، فتسمو نفسه، ويشعر بعلو مكانته، فيبتعد عما يغضب خالقه، حيث استقر في نفسه مراقبة الله، فكلما حدثته نفسه بالسوء تذكر نعم الله عليه، فالله سبحانه هو الذي أحسن إليه بنعمة الوجود، فلا تطاوعه نفسه بفعل المعاصي.

ويقرأ في الصلاة القرآن، ويتأمل الآيات، ويتدبر المعاني، فترد آيات العذاب، وأن الله شديد العقاب، فترتعد نفسه، وتلتفت عن غيها، فإذا تمكن من نفسه الخوف من الله، زجره ذلك عن كل فحشاء ومنكر

وترد آيات الرحمة والنعيم والجنات، فتهفو نفسه إلى نيل الدرجات، والفوز بالجنات، فتزداد خشيته لله، فيتقي عذابه، ويسعى لنيل رضاه والفوز بنعيمه، بالتواضع لأوامره واجتناب نواهيه، قال الله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} 2

1 سورة البقرة الآية [144] .

2 سورة العنكبوت الآية [54] .

ص: 22

ولعل السر في كثرة المصلين، وضعف أثر الصلاة في سلوكهم، هو أنهم لم يؤدوها إلا بهيئتها فقط، من قيام وركوع وسجود، ودعاء وتسبيح، وتكبير وتحميد، ولم يبلغوا درجة إقامتها تامة بحضور، وهكذا يتفاوت المصلون في الأجر والثواب وفي مدى استقامتهم في تنفيذ منهج الله، مع أن الأعمال التي يؤدونها في الصلاة واحدة، مما يؤكد تفاوت المصلين في روح الصلاة ولبها، وبقدر حضور القلب تكون إقامتها، ويكون أثرها ومدى انعكاسه على سلوك صاحبها.

جاء في الأثر: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له"1، انظر إلى حال المنافقين الذين يودون الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار. قال الله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} 2.

من آثار الصلاة:

والصلاة مفتاح كل خير، تعطي القلب أنسا وسعادة، وتعطي الروح بشرا وطمأنينة، وتعطي الجسد نشاطا وحيوية، الإنسان لا يستمر على حال واحدة، فإن وجدته صافيا ساعة تعكر أخرى، وإن وجدته مسرورا من شيء، نكد عليه شيء آخر.

1 روي هذا الأثر عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا، أما الموقوف فرواه الطبري، وأما المرفوع فرواه الطبراني، ورواه أيضا مرسلا عن الحسن، رواه البيهقي في شعب الإيمان، ووقفه الإمام أحمد في كتاب الزهد من حديث ابن مسعود. انظر تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري: الزيلعي 3/44، 45.

2 سورة النساء الآيتان [142، 143] .

ص: 23

وتتعدد أنواع الصلاة، فللحضر صلاة، وللسفر صلاة وللمرض صلاة، وللخوف صلاة وللجمعة صلاة، وللعيدين صلاة، وللجنازة صلاة، وللإستسقاء صلاة، وللقيام صلاة وللضحى صلاة، وكأنها بهذا التعدد تطبب الإنسان، تداوي أسقامه، وتعالج علله وهمومها المتنوعة المتغيرة.

وتتكرر الصلوات المفروضة، لتكون بمثابة صيانة مستمرة للعبد، يعرض المسلم نفسه على خالقه، فيضل في رحاب الله، تحرسه مراقبته، يستمد منه سبحانه طاقات إيمانية تعينه على شواغل الحياة، فلا ينخدع بفتن الدنيا، وتشغله مادة، لأن قلبه يشحن من صلاة إلى صلاة، بزاد ينمي دوافع الخير، ويقضي على دوافع الشر، قال صلى الله عليه وسلم: "

ولا يزال أحدكم في صلاة ما انظر الصلاة" 1.

وللصلاة آثار تربوية، فهي تربي نفسها على طاعة الخالق، وتعلم العبد آداب العبودية، وواجبات الربوبية، بما تخرسه في قلب صاحبها من قدرة الله وعظمته، وبطشه وشدته، ورحمته ومغفرته، كما تحليه تجمله بمكارم الأخلاق، لسموها بنفسه عن صفات الخسة والدناءة، فإذا فتشت عن أثر الصلاة فيه، وجدته صادقا أمينا قانعا وفيا حليما متواضعا عدلا، ينأى عن الكذب والخيانة والطمع، والغدر والغضب والكبر والظلم

وعندما يتجه المصلون في أنحاء الدنيا إلى القبلة، يشعر المسلم بالتآلف والوحدة، ونبذ الفرقة، فلا مكان للون أو جنس أو طبقية، فكلنا عبيد لله، إلهنا واحد، وديننا واحد، وقبلتنا واحدة، لا فرق بين غني وفقير، وعظيم وحقير، يتوخى المسلم الاستقامة في استقبال بيت

1 رواه البخاري 1/158-159 كتاب الآذان، باب فضل صلاة الجماعة.

ص: 24

الله، فلا يحيد ولا يميل، فيتربى بذلك على العدل في جميع أمور حياته، والحكمة بوضع كل شيء في موضعه.

يعيش آلام إخوانه المسلمين جماعة المسجد، وآمالهم، فيصبح عنصرا فعالا في جماعته ومجتمعه، تعوده الصلاة على الدقة في الموعد، والحرص على الوقت، تنظم له أوقاته، فيتعود النظام في جميع أمور حياته، ويتبع الإيمان فيتدرب على الطاعة والالتزام.

الصلاة أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين:

ويصور القرآن الكريم حال أهل النار، عندما يسألون عن سبب ما هم فيه منم العذاب، قال الله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} 1، فصلاة أو عمل كفر به أولئك المكذبون، وأول ما يندمون على تضييعه يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وفسدت فسد سائر عمله"2.

ولما للصلاة من الفضل العظيم بعد الشهادتين كانت آخر وصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ما روي عن أم

1 سورة المدثر، الآيات [38:48] .

2 مجمع الزوائد: الهيثمي 1/291، 292 وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه القيم بن عثمان، قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها، وذكر ابن حبان في الثقات وربما أخطأ.

ص: 25

سلمة رضي الله عنها قالت: كان من آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" حتى جعل نبي الله صلى الله عليه وسلم تلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه1.

والصلاة هي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة"2.لذا ينبغ للمسلم أن يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها، وألا يتكاسل عنها، فقد ذهب القرآن من حال الذين يلهون حتى يضيع الوقت وتفوت الصلاة، قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} 3، وتوعد من ضيع الصلاة، قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} 4، عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن صخرة وزنت عشر حلقات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا حتى ينتهي إلى غي وآثام؟ " قال: "بئران في أسفل جهنم يسيل منهما صديد أهل النار، وهما اللذان ذكرهما الله في كتابه {أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} 5، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} 6"7

1 رواه أحمد 1/290 حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قال في الفتح الرباني 2/207، 208 وجه وإسناده جيد، وصحح الألباني في الإرواء 7/238.

2 رواه مسلم 1/الآيتان 5،4

3 سورة الماعون، الآيتان [4، 5] .

4 سورة مريم، الآية [59] .

5 سورة مريم، الآية [59] .

6 سورة الفرقان، الآية [68] .

7 رواه الطبراني في الكبير 8/206، 207 ح7731، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: وفيه ضعفاء قد وثقهم ابن حبان وقال يخطئون 10/389.

ص: 26

بعد هذا العرض، لا يليق بمسلم يخشى ربه، ويرجو ثوابه، أن يضيع الصلاة بحال من الأحوال، بل ينبغي أن يسعى جاهدا لإقامتها تامة محققا ما فيها من الخضوع والخشوع لله، متجردا من كل مغريات الحياة وفتنها، ولا يأتي عملا ولا يقول قولا من شأن الصلاة إلا وهو مقبل على الله بقلبه وعقله وروحه وجسده، عندئذ هنيئا له الفلاح، قال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} 1.

1 سورة المؤمنون، الآية [1، 2] .

ص: 27