الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة في السفينة:
ويجوز لراكب السفينة أن يصلي الفرض فيها لعذر شرعي، لما ذكرنا من الأدلة السابقة، ويصلي على قدر الاستطاعة، فإن تمكن من الصلاة قائماً، وإلا صلى جالسا، وإن تمكن من الركوع ركع، وإلا أومأ برأسه، وإن تمكن من السجود سجد، وإلا أومأ بأسه، فإن أومأ بالركوع والسجود جعل السجود أخفض من الركوع.
ويجب استقبال القبلة عند الافتتاح وكلما دارت، إن تمكن، فإن عجز، صلى على حسب حاله حرصاً على أداء الصلاة في وقتها.
وما يقال في السفينة، يقال في القطار ونحوه من وسائل المواصلات.
واختلف أهل العلم فيمن يصلي في السفينة قاعداً وهو قادر على القيام على قولين:
الأول: أجازه أبو حنيفة، لما روي عن سويد بن غفلة أنه قال: سألت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما عن الصلاة في السفينة فقالا: إن كانت جارية يصلي قاعداً، وإن كانت راسية يصلي قائماً، وعلل الكاساني جواز القعود مع القدرة على القيام: بأن سير السفينة سبب لدوران الرأس غالباً1.
الثاني: لا يجوز وإن فعله لا يصح، وإليه ذهب أبو يوسف
1 بدائع الصنائع: الكاساني 1/109، 110.
ومحمد بن الحسن، وقال زفر والشافعي: لا يجزئه إلا أن يصلي قائمً1.
واستدلوا بحديث عمران بن الحصين أنه قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال:"صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" 2، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمران أن يصلي قائماً، فإن عجز صلى قاعداً، فلا ينتقل من القيام إلى القعود إلا عند عدم الاستطاعة التي تمنعه من القيام، والمصلي في السفينة هنا قادر على القيام، فلا يجوز له الانتقال إلى حالة أخرى.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الحبشة، أمر أن يصلي في السفينة قائماً، إلا أن يخاف الغرق، ولأن القيام ركن من الصلاة، فلا يسقط إلا بعذر ولم يوجد3.
والراجح: القول الثاني؛ لإسناده على أدلة صحيحة صريحة، وما استدل به أبو حنيفة من قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فيحتمل أن يكون ذلك لأن سير السفينة سبب لدوران الرأس غالباً، أو لغير عذر، وإذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستلال.
وتجوز الصلاة في السفينة قياماً جماعة إذا أمكنهم ذلك، فإذا لم يستطيعوا الصلاة في السفينة قياماً جماعة، وأمكنهم الصلاة فرادى قياماً، فهل يصلي كل واحد منفرداً أم يصلون جلوساً جماعة؟ على ثلاثة أقوال:
1 المصدر السابق 1/107
2 رواه البخاري 2/41 كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب.
3 بدائع الصنائع: الكساني 1/109 (بتصرف يسير)
قال في الإنصاف1: خير بينهما على الصحيح من المذهب
…
وقيل: صلاته في الجماعة أولى، وقيل: تلزمه الصلاة قائماً.
ورجع صاحب الإنصاف القول الثالث، وعلل بقوله: لأن القيام ركن لا تصح الصلاة إلا به مع القدرة عليه، وهذا قادر، والجماعة واجبة تصح الصلاة بدونها.
1 الإنصاف في معرفة الراجع من الخلاف: المرداوي 2/309.