الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدّاخل من أجداده إلى الأندلس من المشرق هو محمود بن عنبسة؛ دخلها مع موسى بن نصير.
وولاه القضاء (1) في سنة سبع عشرة وسبع مئة بشبالش، أمير المسلمين أبو الوليد إسماعيل عم أبينا بن جدّنا الرئيس الأمير أبي سعيد فرج. ثم لم يزالوا يوالونه (2) القضاء والخطابة بغرناطة وغيرها من البلاد، أبناء عمّنا الملوك من بني الأحمر آل نصر.
فلما ولي الملك ابن عمّنا أمير المؤمنين الغالب بالله المتوكل على الله أبو عبد الله محمد قدّمه على قضاء الجماعة بغرناطة بطول دولته. وبعثه رسولا لملك العدوة؛ وهو أمير المسلمين المستعين بالله أبو سالم إبراهيم. فلقيته بفاس، وأنا إذ ذاك بها في حضرة الملك من بني مرين حين أخرجنا بنو عمّنا الملوك من بني الأحمر آل نصر، فطلبت منه أن ينشدني من شعره فأنشدني ما نذكره إن شاء الله تعالى.
حاله:
هو علم أعلام القضاة، وصاحب الخلال المرتضاة. ورجل الحديث وأسد رجاله. وعلامة العلم وفارس مجاله. وعالم الرّواية، والمحصّل للدراية.
وربّ البلاغة والفصاحة، ومبرّز ميدان الذكاء والسّماحة. وباعه في القراءات مديد، ورأيه في الأحكام سديد. وبيته بيت علم سحب من الصّون ذيلا، وتضوّعت من عرف عرفانه نواسم الجلال نهارا وليلا.
(1) عود الحديث إلى صاحب الترجمة.
(2)
كذا في النسختين: وترى أنه استعمل لغة «أكلوني البراغيث» .
أنشدني لنفسه (1):
يفنى الهوى وغرام عزّة باق
…
والشّوق يذهب ما عدا أشواقي
حلف الهوى ألا يفارق مهجتي
…
طول الزّمان إلى بلوغ تراقي
فالوجد ما طويت عليه جوانحي
…
والدّمع ما جادت (2) به آماقي
أنا فارس العشّاق ما منهم فتى
…
يهتزّ بين يديّ يوم سباق
5 وإذا هم يعدون خلفي سرّعا
…
لم يظفروا يوم الهوى بلحاق
فأنا الذي عرف الرجال مقامه
…
من بينهم في مصرع العشّاق
قالوا لعاذ لنا وعاذرنا وما
…
بي من غرام منهم ووفاق (3)
قد صمّت اذني عن حديثكم كما
…
عميت إذا شاهدتكم أحداقي!
إن شئت تعلم هل شعرت بأمركم
…
أم لا، فهاك انظر إلى استغراقي
10 الحال أغلب والدّليل مؤخّر
…
والحكم في ذا الباب للأذواق
دعني وعزّة والغرام فإنّه
…
تثليث توحيد بغير نفاق!
داء الهوى ما إن أدين ببرئه
…
ما للطّبيب ولي، وما للرّاقي؟!
(1) قال النباهي في ترجمته له (165): وكان التكلم بالشعر من أسهل شيء عليه في كثير مراجعاته وفنون مخاطباته. وله منها ديوان كبير يحوي من ضروب الأدب على جد وهزل، وسمين وجزل سماه ب «العذب والأجاج» .
(2)
في النسختين: ما جاءت، ولعله تحريف عما أثبت.
(3)
كذا البيت في النسختين، ولعل مطلعه: قولوا.
هي علة أو سكرة لا ترتجي
…
صحوا، وكيف وما عدمت الساقي؟
لله ساق في حلاوة كأسه
…
للمدنف الهيمان مرّ مذاق
15 وأمرّ من محن الهوى أن لم أبل
…
بعظيم ما في جنب ذاك ألاقي
يا قلب كم أسعى ومالي مخلص
…
نحو التفلّت من شديد وثاقي
لله ما يلقاه أرباب الهوى
…
من كلّ ما يفري عرى الأعناق
لا غرو أن يشقى المحبّ ببعده
…
إن لم يدن محبوبه بتلاق
الموت كلّ الموت أنّي مبتلى
…
بفراق من يشكو أليم فراقي!
[46/أ]
20 يا من فؤادي في وصال جمالهم
…
ما زال في طمع وفي إشفاق
إن كان دهر قد قضى بفراقنا
…
فعساكم لا تنقضوا (1) ميثاقي!
(1) لا هنا: النافية. وأظن الوزن ألجأه إلى الضرورة.
وأنشدني أيضا لنفسه، يخاطب بعض الطّلبة معتذرا له وقد [غفل عنه] في بعض حلق العلم (1):
إن كنت أبصرتك لا أبصرت
…
بصيرتي في الحقّ برهانها
لا غرو أنّي لم أشاهدكم
…
فالعين لا تبصر إنسانها!
وأنشدني أيضا لنفسه في البعاد (2):
قالوا تغّربت عن أهل وعن وطن
…
فقلت لم يبق لي أهل ولا وطن
مضى الأحبّة والأهلون كلّهم
…
وليس لي بعدهم سكنى ولا سكن
أفرغت دمعي وحزني بعدهم فإذا (3)
…
من بعد ذلك لا دمع ولا حزن!
وأنشدني أيضا لنفسه:
قد كنت أحسب قدوة في سادة
…
عدّوا بغير رضاي من أكفائي
فاجتاحهم ريب المنون فأصبحوا
…
رهن الثرى نبأ من الأنباء
وأقام بعدهم الزمان صغارهم
…
رغما أمامي، والكبار ورائي!
(1) البيتان في الإحاطة 2:112 وفيه: إنه قالهما بسبتة. وهما في نفح الطيب 5: 481، وفي المرقبة العليا:176.
(2)
البيتان في المرقبة العليا:166.
(3)
في المرقبة: فأنا.