الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تولّيني القضاء بريّة (1) حتى أتشفّى من ذلك.
[49/أ] قال موسى بن عزرون: فقال لي تمنّ أنت! قال فشققت لحيته، وضرطت به وقلت قولا قبيحا من أقوال السّفال. قال فلمّا صار المنصور إلى ما صار من ملك الأندلس ولى ابن عمّه المدينة، وولّى ابن المرعزي أحكام السّوق، وولى ابن الحسن المالقي قضاء ريّة، وبلغ كل واحد منهم ما تمنّى، وأغرمني أنا مالا عظيما أجحف بي وأفقرني لقبح ما جئت به! (2).
حاله:
ملك من الطريقة الأدبيّة الصدور والأعجاز، وضرب القداح في منثورها ومنظومها بمعلاهما وفاز. واهتز قضيب براعته في المسائل الفقهية أي اهتزاز.
ذو إصابة في الأحكام الشرعية، ووقوف عند حدودها السنيّة. إلى سمت ووقار، وكلام ألذ من كاسات العقار.
فمن قوله ما كتب به للشريف الفقيه القاضي أبي القاسم محمد بن الفقيه القاضي أبي علي حسن الحسيني السّبتي المعروف بالتّلمساني:
يا عمادي الذي له القدر العالي، والفضل المستوالي؛ والمكارم التي صحّت منها الأسانيد وحسنت الأمالي. خصّكم الله بدوام السّعادة، وحباكم من عوارفه بالحسنى والزيادة. وصلت العقيلة الجليلة التي قادت الجذل، وسحرت بجمالها المثل. وهبّت أسرار معانيها هبوب الرّياح، وسرت ألطافها الشريفة مسرى الحياة في الأرواح. أكرم بها من زهرة سعيدة، وزهرة لشرخ الشباب معيدة. لم تكدّر صفو شهدها (3) إبر النحل. ولا شكت دوحة مجدها
(1) رية: كورة من كور الأندلس في قبلي قرطبة. قال في المغرب: وتعرف الآن بمالقة، والتين فيها مفضل على سائرتين الأندلس (المغرب 1:423).
(2)
اختصر في «المرقبة» هذه الفقرة.
(3)
في (م) ثمدها.
ألم المحل. يمينا لقد أنست صباحتها محاسن أدباء بغداد، وأزرت فصاحتها بخطباء إياد. فمن سطور تحاكها الشذّور، وتغصّ بمرآها البدور، ومن طرف أغراض تذهب بعلل القلوب المراض، ويقصر عن طيب شذاها أنفاس [49/ب] الرّياض. ومن معان تطلق من ربقة الجهل كلّ عان.
فنزّهت فيها الناظر والخاطر، ونافحت بها الرّوض الماطر، والمسك العاطر. وناديت بأعلى صوتي: بمثل هذه الخريدة، الفذّة الفريدة؛ يكاثر من يكاثر؛ ويفاخر من يفاخر. ثم إني أقبلت أناجيها بالضّمير، وأقول في مراجعتها بلسان التّقصير:
يا تحفة القلم الذي زان الزّمن
…
من ذا يقوم بشكر من أهداك من؟
إن خطّ مهرقه فقد سحر النّهى
…
وأراك فيه وشي صنعاء اليمن
وكلامه نظما ونثرا لؤلؤ
…
لكنه يربي على غالي الثّمن
أبدى وأظهر من صفاة كماله
…
ما كان لي في القلب منه قد كمن
لا زال يبلغ في الزّمان مراده
…
ويبيت من طرق الليّالي في أمن
وعذرا يا سيّدي في الاختصار والاقتصار من الكلام على هذا المقدار. فلا خفاء عليكم بما لديّ من القصور في المنظوم والمنثور. على أني لو كنت أشعر من حبيب، وأخطب من شبيب، وأحكم من أكثم، أو عمرو بن الأهتم؛ وأطرف وأطبع من الملقب في عدوان بذي الإصبع، وأصبحت
بعلوم البيان أعلم من الشيخ أبي عبد الرحمن، أو (. . .)(1) عمرو بن أبي عثمان (2) أو الأخفش علي بن سليمان لاستقصرت كلّ لسان، ولرأيت الواجب لكم فوق ذلكم الإحسان.
بيد أن المعظّم يعاتب مثابة الجمال والإجمال معاتبة الإدلال، والجمع بين المفاكهة والإجلال، والإحماض والإخلال. فنقول: العقيلة المعبر عنها أصاب كمالها سهم النقص، إذ دفعت إلى الشخص الذي هو دون قدرها بالقياس والنص! فليس لمثلي على القيام بحقها من يدين، ولو أني علوت الفرقدين، واستنزلت النّيرّن الأكبرين، وسقت لها النّعائم والشّعريين، والزّباني مع البطين. وأمّا قرطا ماريّة فما إن رضيت بهما لها من قرطين، ولو كللّلا بالغفر والشّرطين [50/أ] ولم لا وهي بنت فكر إمام المغربين، وجمال المشرقين، وقدوه العدوتين. فكيف جرى هذا الواقع، ومتى حلّ السّبب القاطع، حتى ظهر على الشّمس المنيرة النّسر الواقع. هنا يجمل تعصّب الفقيه، ويحمد تكلّمه بملء فيه، وإظهار ما يرويه ويدّعيه؛ من سند وثيق، ونكت تحقيق، ونصوص توثيق. فهو محلّ القبول والردّ، والحلّ والعقد، والاستدراك والنقد.
إيه، أيها المنعم بالتّحفة المعطارة، قد آن للمعظّم أن يكف من هذه الغزارة (3). ويراجع نفسه، فبئست الجارة، والعصيّة الأمارة، والمكرهة المختارة. فأقول-وبالحقّ أصول-صنيعة العماد إنما هي درر وشذور.
ثبت عدم قارون عندها وإن العديم لمعذور. وغير نكير على البحر الكبير
(1) في ط: كريمة، وفي م: لريمة. ولم تتوجه لي في قراءتها.
(2)
فيهما عمرو بن عثمان، قلت لعله عمرو أبي عثمان (الجاحظ).
(3)
في النسختين: الغزارة، «بغين وزاي» .