الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليّ الله تعالى، الذي دفن بالعبّاد (1) من مدينة تلمسان؛ وإنما اتفق الاسمان.
وهو من بني عثمان، قبيلة، يسكنون بقصر كتامه. وأبو الحسن هذا كتب في حضرة أمير المسلمين أبي الحسن ملك المغرب المريني. وكتب أيضا في حضرة أمير المؤمنين [72/أ] المتوكل على الله أبي عنان.
حاله-رحمه الله
-:
كان قد تابع والده في هديه، ولم يتخطه (2) في أمره ونهيه. وحاكاه في بذل العطايا، ولم يحد عن تلك السّجايا. وكان للقرآن حافظا، وعلى أوقات
= فارتحلوا به على أحسن حال حتى وصلوا حوز تلمسان فبدت لهم رابطة العباد فقال لأصحابه: ما أصلحه للرقاد!. فمرض فلما وصل وادي يسر اشتد مرضه ونزلوا به هناك فكان آخر كلامه: الله الحق. وتوفي سنة 594، ودفن بالعباد في مشهد عظيم. من كلامه: من اشتغل بطلب الدنيا ابتلي فيها بالذل، ومن لم يجد من قلبه زاجرا فهو خراب. وقوله: بفساد العامة تظهر ولاة الجور، وبفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين الفتانون. وقوله: من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه. وفي تراجمه الكثيرة أحاديث مطولة عن فضائله وما ينسب إليه من كرامات. ولم يظهر من أخباره ما يدل على ادعائه وتطوله، والله تعالى أعلم. (انظر تراجمه وأخباره في. التشوف لرجال التصوف للتادلي 316، ونفح الطيب للمقري 7:142 ونيل الابتهاج لأحمد بابا:127). وألف فيه ابن قنفذ القسنطيني كتابا مستقلا بعنوان: أنس الفقير وعز الحقير ط الرباط). ولسيدي أبي مدين ديوان شعر لطيف الحجم، طبع في دمشق، وهو في حاجة إلى تحقيق وإلى تخليص شعره وموشحاته من أشعار غيره.
(1)
عباد تلمسان عند وادي يسر قرب تلمسان، موضع معروف، مشهور بالحسن وجمال الطبيعة، واشتهر بعد ذلك بضريح سيدي بومدين، ثم أقيم إلى جانبه مسجد مشهور.
(2)
في الأصلين: يتخطاه.
قراءته محافظا. لا تراه إلا تاليا، كما كان للفواحش قاليا. وأبوه عبد الله هو الذي أشاد المعالي في قومه، وأيقظ لهم جفن الفخار من نومه. وساد بما أشاد من المفاخر، ونشر بعطائه رداء السيادة الفاخر. أعطى وما أبطأ، وأصاب في ذلك وما أخطأ (*). وسطا في حجابته بالظلام، ورفع في رياسته من وضعته الأيام. وكان مكرما بالشرفاء (1)، رفيقا بالضعفاء. عظيم الصدقات، حليما في السكون والحركات. كثير التواضع، قليل التصانع.
أنشدني أبو الحسن المذكور لنفسه-رحمه الله تعالى-يتشوق:
يا سقى الله دهرنا المستقضّي
…
من شآبيب دمعي (2) المرفض
لو بملك العراق أسعف دهري
…
ما رضيت المقام في غير أرضي!
يا رسول الهوى (3) تحمّل سلامي
…
للذي حال بين جفني وغمضي
وإذا ما أتيته فتأدّب
…
فعلى الحسن حاجب غير مغض!
بديار الحبيب قلبي مقيم
…
وبدار النّوى القصيّة بعضي
شيمة الدّهر فرقة وتلاق
…
كلّ ما فيه مؤذن بتقضّ
(*) واقرأ «أبطا» و «أخطا» بالتسهيل.
(1)
كذا عبارة المؤلف، والأشبه: للشرفاء.
(2)
في الأصلين «دمع» ، ونرجح ما أثبت.
(3)
في الأصلين «الهدى» بالدال، ونرجح ما أثبت.
إن مضى عهد قربنا وتولى
…
فزمان البعاد لا شكّ يمضي!
وأنشدني أبياتا كتب بها لأبيه الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى أبو محمد صالح بن حجاج (*) وهي:
يا سيّدي لم أنم البارحه
…
من فكرة سانحة بارحه
إذ باتت النّفس لأوطانها
…
شيّقةّ، ونحوها جانحه
وكان في صحبة من قد مضى
…
لي أمل وهمّة طامحه
حتّى إذا ولّوا وأضحت بهم
…
ركابهم غادية رائحه
قنطت حتّى لم أجد سلوة
…
إلا بتلك الغرّة الواضحه
كذاك حالي إن نأت سلوتي
…
بكم أردّ سلوتي النازحه
وإنّما المقصود يا سيّدي
…
جوابكم فكن إذن مانحه
بالنّظم أو بالنّثر إن شئتم
…
تلك فعال كلّها صالحه!
(*) كاتب العلامة الفقيه أبو محمد صالح بن حجاج اللخمي السبتي، كاتب علامة السلطان عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني ملك المغرب. وقد وصله ابن الأحمر في مستودع العلامة بأسرة بني حجاج الذين كان لهم نفوذ بإشبيلية أيام الدولة المروانية. (انظر مستودع العلامة:41، وروضة النسرين 24).
فأخبرني أن أباه جاوبه بقوله:
شممت من ريحانها رائحه
…
لمسك دارين غدت فاضحه
أبيات شعر أشعرت أنّها
…
لذي وداد خالص مادحه
قد نفثت سحرا ولكنّها
…
صادحة بالبثّ بل بائحه!
وراعني خطّ يراع غدا
…
مقلّما زند الأسى قادحه
لا أهل بالبين ولا مرحبا
…
جراحه ما غادرت جارحه
يا فارقا من فرقة غربة
…
أمست لها سلوته نازحه
هوّن على نفسك ما هالها
…
فإنّ عتبى صبرها ناجحه
ستحمد الحالة يا صالح
…
عمّا قريب وترى صالحه
بفضل رب قادر لم تزل
…
ألطافه غادية رائحه