الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحبنا الفقيه العدل محمد بن أحمد بن ابراهيم بن موسى الكومي
[كنيته:]
يكنى أبا عبد الله. وهو من أهل تازا (1). ورأيته بفاس، وبها توفي.
وأخبرني أنه من ولد أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي الموّحد؛ ويعرف بالنّيار. وبرز عدلا بسماط شهود مدينة فاس.
حاله:
هو خازن العلم وواعيه، الذي توفرت لديه دواعيه. ورئيس العدالة ومبداها، ومعدن المروءة ومنتهاها. الباسط جناح الود للإخوان، ورافع جناح العتب عمن أساء إليه بما سوّل له الشيطان. ظهر له في الآداب باع أي باع، وكان لمحاسنه جلاّء ولثناياه طلاّع. وقاد أعنته وأزمّته، وتقلد حسامه وامتطى صهوته.
أنشدني لنفسه يداعب. .
الآن آنت توبة للتّائب
…
من بعد ما اخضرّ النبات بشارب
كلا وقد خلع العذار خلائعا
…
ما العذر فيه براجع أو آيب
يا معرضا عنّا ومالك أن ترى
…
أبد الزمان القلب فيك براغب
ومعرّضا بمنابه ومتابه
…
ما هذه حال المنيب التائب
لو كان ذا قبل العذار فربما
…
أخفيت تزوير المقال الكاذب
فمتاب من ظهر النبات بخدّه
…
كمغرغر أبدى المتاب بحاجب
(1) قال في الاستبصار 186 «إن آخر بلاد المغرب الأوسط وأول بلاد المغرب تازا. وهي جبال عظيمة حصينة كثيرة التين والأعناب وجميع الفواكه. . .» وانظر الروض المعطار 128.
[121/أ] وأخبرني-رحمه الله تعالى-أنه اجتمع ببلده تازا مع الفقيه ابن الملون وعبد الحق الزيات في بستان لنزهة فتذاكروا أمر رجل من أهل تازا يتشبّه بالفقيه الأستاذ المقرىء أبي العباس أحمد بن محمد بن علي الزّواوي (1) في قراءته وملبسه وعمّته. فأنشد أحد الرجلين على لسان المتشبّه:
أنا الزّواوي وهذا مكتبي
…
لحرفة التّعليم والتأدّب
لا أمنع التعليم من يرغبه
…
وأجدر العلم الذي لم يرغب!
عندي-فديت-لحية طويلة
…
سوداء تحكي ليلة المكتئب
وشارب يجري لعابي تحته
…
كالماء يبدو من خلال الطّحلب
وحاجبان أكحلان اقترنا
…
خلتهما بعض حواشي الحجب!
وعمّة كبيرة هائلة
…
كهالة قد أحدقت بكوكب
يقول بعض الناس فيها أصطب (2)
…
والله ما في عمّتي من أصطب
وطيلسان حسن خلّفه
…
من بعده بعض قضاة المغرب
ودرّة كذنب السرحان في
…
طول، وفي عرض، وفي تقلّب
تلحق سوطي من غدا مقتربا
…
وتلحق الكرّة من لم يقرب
لا غضب يميل بي ولا رضى
…
إني لممزوج الرّضى بالغضب!
وزاد عليها صاحبنا أبو عبد الله هذا-وما أحسن زيادته-:
وفي الرّقا عندي كلام عجب
…
نقلت ذاك من صحيح الكتب
(1) المقرىء الشهير في زمانه أبو العباس الزواوي. ذكره ابن خلدون في شيوخه وقال فيه «إمام المقرئين بالمغرب» انظر التعريف 20، ونفح الطيب 6:172.
(2)
الأصطبة: مشاقة الكتان.
كم بيضة للفطم قد كتبتها
…
وكم رقيت من نفاس صعب
فسهلت عسر النّفاس رقوتي
…
وبيضتي قد فطمت كل صبي!
وكان عند شهود فاس في وقته اصطلاح، يسمون الدرهم بالغزّي- بسكون اللام، وضم الغين المعجمة وكسر الزاء المعجمة-على جهة المداعبة فإذا [121/ب] لقي أحدهم صاحبه يقول له: هل جاءك اليوم الغزّي، أو: رأيته؟ وأنشدني في ذلك-لنفسه-:
أعرض الغزّيّ عني
…
هكذا ما كان ظنّي!
ما على الغزّيّ لوم
…
وكذا بلّغه عني
كلّ من تلقى معنّى
…
فإلى الغزّيّ يعني
يقرب الغزّيّ طورا
…
وبه طورا يغنّي
منشدا في كل وقت:
…
وكان الفقيه العدل الخطيب أبو يحيى بن عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن أبي الصّبر الجاناتي يساق له كل يوم غداؤه لحانوته بسماط شهود فاس: إمّا كنثاء (1) وإما حريرة (2)، فقال له في ذلك:
اسقني شربة لذيذة طعم
…
ليس فيها كرويّة وخميره
ولتكن بالفتات والبيض حسوا
…
إن طعم الفتات أحسن سيره
(1) لم يظهر إعجام الكلمة في «ط» .
(2)
الكنثاء: هكذا وردت وهي كما يظهر من السياق طعام فضله الشاعر على الحريرة. أما هذه فأشبه بالحساء، تصنع في بلاد المغرب-وكانت كما ترى من طعام أهل الأندلس- ولا زالت تصنع عند أهل المغرب الأقصى معالجة بالخميرة لتعطيها مذاقا خاصا طيبا.
لا حساء ولا حريرة قمح
…
إن طبعي يمجّ شرب الحريره!
وقعدت أنا معه في حانوته بسماط شهود فاس لعلم أقتنيه، فتكلمت معه بحثا في مسألتين: فقهية وأدبية، فرزقني الله عز وجل حسن الفهم فيهما، واستحن ذلك مني-رحمه الله-فقال لي جليسه الفقيه العدل أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن بلال الأشعري بعد أن قبّل رأسي: بارك الله في عمرك يا سيدي الرئيس على براعة فهمك.
أنا أمدحك الساعة بأبيات. فقلت له: افعل. فما كان إلا يسيرا وقد نطق بهذا الكلام، الذي حسبه نظام! وهو خارج على الوزن والمعنى في غاية اللحن والفساد، ودفعه إلي، وهو في ذاك في غاية العجب به وهو:
هنيئا لكم يا بني خزرج
…
أنتم السّادة الخميرا
فإنّ منكم السلطان المؤيّد
…
الرئيس ابن الأحمرا
فإنّ من أوصافه له
…
وجه حسن ولحية معتدلة للقصرا
[112/أ]
إذا شئت أن تراه وغاب عنك
…
وجهه فانظر إلى القمرا
لكن في ليلة في الشهر
…
خصّت ليلة أربعة عشرا
فواجب عليّ أن أذكر من
…
بعض أوصافه لولا ما كنت أخضرا
ولكن أقول قدر جهدي وأتمنّاه
…
في برّ الأندلس سلطانا مؤمّرا!!
ويستحقّ والله ذلك ويستأهـ
…
ـله فهو الملك المعنبرا!