الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصلاح في المحل [الذي] لا يخفى، ومكاشفاته وعلو منزلتة أكثر من أن تحصى وموسى والد عبد الله كان من أهل الصلاح الفائق والورع العظيم.
ومالك والد موسى كان صالحا ملازما للخير.
وفشتاله، قبيلته، هم قاطنون بحوز فاس. وذكر فيهم ابن أبي زرع (1) في تاريخه أنهم فرع من صنهاجة من حمير، عرب الأصل.
وأبو عبد الله شيخنا هذا هو الآن قاضي الجماعة بفاس، وخطيب بالمدرسة التي بناها السلطان أبو عنان بإزاء باب المحروق (*). وهو أحد المفتين بفاس، ويدرس المدونة وغيرها بالمدرسة التي بالعطارين. وحضرت حلقته غير مرة وأخذت عنه وأجازني إجازة عامة.
حاله-سلمه الله
-:
له علم بالتوثيق وصناعته، وطريق إلى صياغته في حلل براعته.
وهو مفت في المسائل الفقهية، ومتفنن في العلوم الأدبية، وله مشاركة في جميع العلوم النظرية والتعالمية. وله ذهن ثاقب، ونظر في ميدان البحث لا يجاريه فيه فقيه ولا طالب. واعتناء بالعلوم الشرعية، واقتناء بالمعالي البيانية. إلى وقار وبها، وثقوب فطنة ونهى، وهمّة سمت فوق السّها.
فمن قوله يمدح أمير المؤمنين المتوكل على الله أبا عنان (2)
أيا إماما ندى كفّيه قد وكفا
…
حسبي اعتصامي بحبل منكم وكفى!
(1) الإمام الفقيه أحمد ابو العباس. وكتابه «الانيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس» . توفي سنة 717.
(2)
ذكر أحمد بابا في نيل الابتهاج البيتين الأولين من هذه القصيدة، وقال في التقديم لهما إن للفشتالي نظما حسنا وكتابة رائفة، وضرب بالبيتين مثلا.
(*) هو أحد أبواب فاس وكان يسمى باب الشريعة.
وكيف أصرف وجه القصد عن ملك (1)
…
ما صدّ عني سنا بشر ولا صرفا
ما إن شكوت بما أضنى تطلّبه
…
إلا وجدت لديه من ضناي شفا
[98/ب]
ولا وقفت عليه منتهى أملي
…
إلا قضى وطرا منه وما وقفا
في كلّ يوم له تجديد عارفة
…
مهما انقضت هذه لهذه ائتنفا
وليس ممّن يرى أن لا يتيح يدا
…
حتّى يقام له بالشّكر ما سلفا
وكان قد بعث إليه ذو الوزارتين الحاجب القائد الرئيس الفقيه الخطيب الكاتب صاحب القلم الأعلى أبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن سعيد بن الخطيب السّلماني، وزير أمير المسلمين أبي الحجّاج يوسف بن عم أبينا ووزير ابنه أمير المسلمين الغني بالله محمد المخلوع رسالة، وصدّرها بأبيات، كلّ ذلك من قوله، وهما (2):
(1) في نيل الابتهاج: عن مالك، وهو تحريف.
(2)
يريد: الرسالة والأبيات. وقد نقل لسان الدين بن الخطيب الرسالتين في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة «2:134 - 136» . وقال في التقديم لهما «ولما كان عام الإزعاج» من الأندلس عند النكبة التي أصابت الدولة بلوت من فضله ونصحه وتأنيه ما أكد الغبطة وأوجب الثناء وخاطبته بما نصه. . .». و (عام الإزعاج) الذي تحدث عن ابن الخطيب هو العام الذي حدث فيه الانقلاب على دولة مخدومه محمد الغني بالله النصري وآلت بعده السلطة إلى سواه، في المدة بين 761 - 762.
من ذا يعدّ فضائل الفشتالي؟
…
والدّهر كاتب آيها والتّالي
علم إذا التمسوا الفنون فعلمه
…
مرعى المسيم ونجعة المكتال
نال الّتي لا فوقها من رفعة
…
ما أمّلتها حيلة المحتال
وقضى قياس تراثه عن جدّه
…
أنّ المقدّم فيه غير التّالي
قاضي القضاة! بماذا أثني على خلالك المرتضاة (1)؟ أبقديمك الموجب لتقديمك، أم بحديثك الداعي لتحمّل حديثك؟ وكلاهما غاية بعد مرماها، وحام التصور حماها، والضالع (2) لا يسام سبقا، والمنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى؟ وما الظنّ بأصالة تعترف بها الآثار وتشهد، وأبوة صالحة كانت في غير ذات الله (3) تزهد.
وفي نيل الاتصال به تجهد، ومعارف تقرر قواعد الحقائق وتمهد، وتهزم الشبه (4) إذا تنهد. وقد علم الله أنّ جوارك لم يبق للدّهر جورا، ولاحت من غصني ورقا ولا نورا. هذا وقد زأر عليّ أسدا وحمل (5) ثورا، فقد أصبحت في ظل الدولة التي وقف على سيدي اختيارها، وأظهر خلوص إبريزه معيارها. تحت كنف، وعزّ مؤتنف، [99/أ] وجوار أبي دلف، وعلى ثقة من الله بخير خلف (6). وما منع [من انتسابي لما لديه](7) من الفضائل رحلة لم يبرك بعد جملها،
(1) في الإحاطة: قاضي الجماعات. . . خلالك المرضاة.
(2)
الضلع: الاعوجاج، وهو في البعير بمنزلة الغمز في الدواب. (وظلع البعير-بالضاء- غمز في مشيته).
(3)
في الإحاطة: في غير ذات الحق.
(4)
في الإحاطة: الشيب.
(5)
في الإحاطة: أو حمل.
(6)
في الإحاطة: أن يحسن الخلف.
(7)
في الأصلين: من انثياب ما لديه، ورجحت رواية الإحاطة.
ولا فرغ عملها، وأوحال حال بيني وبين مسوّر البلد القديم مهملها (1) ولولا ذلك لاغتبط الرّائد، واقتنيت الفوائد.
والله يطيل بقاءه حتى تتأكد القربة، التي تنسى بها الغربة.
وتعظم الوسيلة، التي لا تذكر معها الفضيلة. وأمّا ما أشار به من تقييد القصيدة التي نفّق سوقها استحسانه، وأنس باستطرافها إحسانه؛ فقد أعمل وما أهمل، والقصور باد إذا تؤمّل، والإغضاء أولى ما أمل.
فإنما هي فكرة أخمدت نارها الأيام، وغيرت آثارها اللئام. وكان الحق إجلال مطالعة سيدي عن خللها، وتنزيه رجله (*) عن تقييد مرتجلها. لكن أمره ممتثل، و «أتى من المجد أمر لا مردّ له» مثل! (2)
فجاوبه بقوله:
وافت يجرّ الزهو فضلة بردها
…
حسناء قد أضحت نسيجة وحدها
لله أيّ قصيدة أهديت لو
…
يهدى المعارض نحو غاية قصدها (3)
لابن الخطيب بها محاسن قارعت
…
عنه الخطوب ففللّت من حدّها (4)
(1) في الإحاطة: مسود البلد القديم مهلها.
(*) هكذا فيهما «رجله» .
(2)
قال في الإحاطة في ختام الرسالة «والسلام على سيدي من معظم قدره وملتزم بره محمد ابن الخطيب، ورحمة الله، فكتب إلي مراجعا، وهو المليء بالإحسان. .» .
(3)
في الإحاطة «لم يهد المعارض» وهو أقدم.
(4)
في الإحاطة:
لابن الخطيب بها محاسن جمة
…
يلقى الخطيب فهاهة في عدها!
سرّ البلاغة منه أودع حافلا
…
قد صانه حتّى فشا من عندها
في غير ما عقد نفثت بسحرها (1)
…
فلذا أتى سلسا منظّم عقدها
لم أدر ما فيها رقمت معنونا
…
من طرسها أو معلما من بردها (2)
حتّى دفعت بها لأبعد غاية
…
باعي تقاصر في البلوغ لحدّها
حرّان من نظم ونثر آب من
…
يلقاهما منها بذلّة عبدها
أولى يدا بيضاء موليها فما
…
لي من يد في أن أقوم بحمدها
فبذلت شعري رافعا من برّها
…
وهززت عطفي رافلا في بردها
ورفضت تكذيب المنى متشيّعا
…
لعليّ مرآها بصادق وعدها!
[99/ب]
خذها أعز الله جنابك، وأذلّ للأنس على الوحشة اغترابك.
كنغبة الطائر المتحفز، ونهبة السائر المستوفز (3) ومقة اللحظ، قلقة
(1) في الإحاطة: في غير عقد نفثته.
(2)
هذا البيت هو الأخير في الإحاطة، وما بعده جاء قبله.
(3)
في الإحاطة: كغبة الطائر المتجعد: ونهبة السائل المسترفد.
اللفظ (1) قد جمعت من ترامها وانقحامها (*) بين بطمة فند، وصلود زند، ونوّعت فعلي إقدامها وإحجامها إلى قاصر ومتعد (2)، وليتني إذ جادت سحابة ذلك الخاطر الماطر الودق، وانجابت المعاني عن مزنة فكرتي (3) بتقاضي الجواب انجياب الطرق، أيقنت أني قد سدّ علي باب القول وأرتج، وقلت هذه السالبة الكلية (4) لا تنتج! فنبذت طاعة الداعية من تلكم الإمرة، ولم أفه إذ أعوزت الخلوة بالمرّة (5)، لكني قلت وجد المكثر كجهد المقل، والواجب قد يقع الامتثال فيه بالأقل. فبعثت بها على علاتها، وأبلغتها عذرها في أن كنيت عن شوقها بلغاتها. وهي لم تعدم من سيدي إغضاء كريم، وإرضاء مليم (6).
والله سبحانه يصل بالتأنيس الحبل، ويرد الألفة ويجمع الشمل.
والسّلام (7).
وكتب إليه أيضا ذو الوزارتين محمد بن الخطيب المذكور إثر نكبة أنكبه أمير المسلمين المستعين بالله أبو سالم إبراهيم المريني، من غير ذنب فعله، أغرى به السلطان حسدا له:
تعّرفت أمرا ساءني ثم سرّني
…
وفي صحّة الأيّام لا بدّ من مرض
تغمّدك المحبوب بالذات بعد ما
…
جرى ضدّه والله يكفيه بالعرض
(*) التريم (كأمير) المتواضع. والبطمة الحبة الخضراء أر شجرها. والفند الغصن.
(1)
في الإحاطة: رميكية اللحظ.
(2)
ساقط في الإحاطة.
(3)
في الإحاطة: وانجاب العشا عن قريحة فكرتي.
(4)
و (5) ساقطة من الإحاطة.
(6)
في الإحاطة: ورضاء سليم.
(7)
في الإحاطة: والسلام الكريم يخص تلك السيادة ورحمة الله وبركاته، محمد بن أحمد الفشتالي
في مثلها-أبقى الله سيدي-يجمل الاختصار، وتقرر الأنصار وتطرق الأبصار. إذ لم يتعين ظالم، ولم يتبين يقظ ولا حالم. وإنما هي هدية أجر، وحقيقة وصل عقّبت مجاز هجر. وجرح جبار، وأمر ليس به اعتبار، ووقيعة لم يكن فيها إلا غبار! وعثرة القدم لا تنكر، والله يحمد في كلّ ويشكر. وإذا كان اعتقاد الخلافة لم يشبه شائب، وحسن الولاية لم يعبه عائب، والرعي دائب، والجاني [100/أ] تائب، فما هو إلا الدهر الحسود لمن يسود، خمش بيد ثم سترها (؟)، ورمى عن قوس ما أصلحها-والحمد لله-ولا أوترها.
إنما باء بشينه، وجنى من مزيد النعمة سخنة عينه. ولا اعتراض على قدر أعقب بحظ مبتدر، وورد نغّص بكدر، ثم أنّس بأكرم صدر. وحسبنا أن نحمد الدفاع من الله والذّب، ولا نقول-مع الكظم- إلا ما يرضي الرب. وإذا تسابق أولياء سيدي في مضمار، وحماية ذمار، واستباق إلى برّ وابتدار، بجهد اقتدار، فأنا-ولا فخر-متناول القصبة، وصاحب الدّين من بين العصبة، لما بلوت من برّ أوجبه الحسب، والفضل الموروث والمكتسب، ونصح وضح منه المذهب، وتنفيق راق منه الرّداء المذهب. هذا مجمل (1) وبيانه عن وقت الحاجة مؤخر، ونبذة سرّه (؟) لتحقيقها يراع مسخر. والله أعلم بما انطوى عليه لسيّدي من إيجاب الحق، والسّير من إجلاله على أوضح الطّرق، والسلام.
فجاوبه بقوله:
وأيم الله إبرارا لأيم (2)
…
لقد جلّى كتابك كلّ غمّ
وساهم في الحوادث من رمته
…
ففاز من الوفاء بخير سهم