الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاله-رحمه الله تعالى
-:
واحد الدّنيا رجلة ووفاء، ومعول الأصحاب عزما ومضاء، وأطيبهم ذكرا وأضوعهم ثناء، وأصدقهم لهجة وصحبة وولاء.
كاتب ناظم، وبحر علوم موجه متلاطم. (ما شئت)(1) من إيضاح معقول، توقل (2) طود له إشكال، واشتباه حقّق نقطه والأشكال.
وتأييد في الهام، لتنوير الأفهام. واسترقاق لألباب بحلال السحر اللباب.
ولرقاب بأياد لا تعفيها تعاقب الأحقاب. شاهدت من تكلمه في تأليفه المترجم ب «جليس الأديب، وأنيس الغريب» ما ينبئ عن رسوخ قدمه، وتقدمه.
وأخبرني والدي-رحمه الله-من أصالته ما شهد به الاختيار على قدمه فإنه من بيت نباهة ووزارة، وخدمة من القيادة لأسلافنا بادية الإنارة.
وأبو الحسن هذا هو الذي (3). . . وبرز مع حذاق مديري قرقفه (4). عكف ببلده على كتب الشروط إبان الشبيبة، وبرز عدلا مع أعلام تلك الكتيبة.
واستنابه بعض قضاة وطنه، فأثار العدل من مكمنه، وقهر المتكبر في مأمنه.
عبر البحر قاصدا حضرة السلطان أبي عنان، بعد ذكره بذلك المكان، في غرض الإصابة والإحسان. فترقى لديه من الحظوة مرقاة، واستنارت ذاته من اعتنائه بمشكاة. واستعمله [75/ب] في الرسالة تنبيها على ماله من
(1) في الأصلين: ما سئت، (بالسين المهملة) ورسم الهمزة على ألف «ماسأت» ونرجح ما أثبت. والعبارة كما ترى.
(2)
وقل في الجبل وتوقل: صعد.
(3)
فراغ في الأصلين بمقدار نصف سطر.
(4)
القرقف: الخمر.
الجلالة. وتوفي في خدمته منوها، ومن لحظه مرفها. امتدحه بقصائد غر، وأثنى عليه ثناء يفوق الزّهر والزّهر.
فمن ذلك ما أنشدني له ابنه محمد، ونقلتها أيضا من خطه، يمدح أمير المؤمنين، المتوكل على الله أبا عنان فارس عند وقيعته بسلطان بنى عبد الوادي أمير المسلمين المتوكل على الله أبي سعيد عثمان (1)، وأنشدها إياه ليلة يوم الإثنين التاسع لذي حجة ثلاث وخمسين وسبع مئة:
بشرى لدولتك الغرّاء في الدّول
…
حيطت بها الملّة البيضاء في الملل
أنت الذي صنعت أيدي القضاء له
…
ما ليس تصنع أيدي البيض والأسل
يا خير منتصر بالله معتصم
…
عليه، معتمد في الأمر متّكل
لله منك أمير المؤمنين علا
…
بدت بأحسن (2) مرأى الشّمس والحمل
5 وطلعة أطلعت سعد السّعود لنا
…
ورتبة الملك تعلو عن ذرى زحل
مؤيد العزم والآراء محكمة
…
تزينت بسداد القول والعمل
(1) انظر في تفصيل الحادثة في الاستقصا للسلاوي 3:182.
(2)
في النسختين: من مرأى. ولعله كما أثبت.
ملك تصوّر في شكل الورى وله
…
خليقة الملأك المخصوص بالرّسل!!
فرحمة لأولي التّقوى تعمّهم
…
ونقمة لذوي العدوان والخطل
كم فتنة أخمدت نيرانها يده
…
بما أراقت عليها من دم هطل
10 ونعمة سدلتها لم تدع بشرا
…
حلّت فلم تحص بالتّفصيل للجمل
وضيقة فرّجتها عن صدورهم
…
عزائم منه ما خامت (1) ولم تحل
ومن مسيء وستر العفو يؤمنه
…
من المخاف فلم يذعر ولم يسل
ومن جيوش أزيلت عن مواقفها
…
حتى رأته فلاذت منه بالجبل
كم ثبّت الله من جأش بموقفه
…
وخلّص الله من هول ومن وهل
15 وسل بني عابدي الوادي غداة عتوا
…
وقد أتوا بعظيم المكر في الأصل (2)
(1) خام: نكص وجبن.
(2)
قصد أبو عنان المريني يريد تلمسان لرد طاعة أهلها وإخضاع بني عبد الوادي رؤسائها. قال السلاوي «وأجمع بنو عبد الوادي على صدمة المرينيين وقت القائلة وعند ضرب الأبنية وسقاء الركاب وافتراق أهل المعسكر في حاجاتهم فحملوا عليهم. . .» وقد انتصر أبو عنان عليهم، وتقبض على أبي سعيد العبد الوادي ثم قتله.
[76/أ]
هم جادلوا الحقّ بغيا واعتدوا فتووا
…
والسّيف يذهب رسم البغي والجدل
كانوا تصدّوا لملك لم يكن لهم
…
حقّا وكيف وهم من جملة الخول
راموا-وقد خاب ما راموا-فما حليت
…
آمالهم بسوى قرب من الأجل
20 لاقتهم من أكفّ العزّ معملة
…
غراري العضب لا تؤتى من الملل
فللكماة-ولا عيب بهم-نهم
…
إذ جدّ جدّهم في الموقف الجلل
ترميهم ببروق من أسنّتها
…
رمي الملائك هذا الجنّ بالشّعل
فالسّمر تهتزّ في الأشلاء من قرم
…
والبيض تحمرّ في الأعناق من خجل
حتّى ارتدوا بجلابيب الظّلام وكم
…
أبقوا بمعترك الأقران من ظلل
25 وخلّفوا من يتيم أو من ارملة
…
يذرون دمعا بمنهلّ ومنهمل
تّقطّعوا أمرهم عذلا فما انتفعوا
…
والسّيف عند التّلاقي سابق العذل
لله عين رأتهم في اللّقاء وما
…
أذلّت الحرب منهم بالقنا الذّلل
وسهم عزمك لم يترك بهم رمقا
…
بالضرب للهام في القيعان والقلل (1)
فابعث لما أسأر الخطّي جيش وغىّ
…
يشربه سؤرا غدا أشهى من العسل
30 هم ضيّعوا الحزم إذ جاؤوا مقاتلة
…
عمى البصائر أدهى من عمى المقل!
لو ساعدتهم سعود الجدّ لاتّبعوا
…
مواطئ الخيل خيل الله بالقبل
كيما يجرّوا ذيول الأمن سابغة
…
بحسن عفوك ما جرّوا من الوجل
لكن دعتهم أمانيّ تمين (2) بهم
…
ليس الجبان إذا يدعى من البطل
من كان تخدمه الأقدار مسعدة
…
فهل يعارضه مستشعر الزّلل
35 أو من يقوم لنصر الله محتسبا
…
يلقاه من قام بالإفساد والخلل
وكيف يخذل من قد جاء متّكلا
…
على الإله وما بالحقّ من حول
(1) القيعان ج قاع: وهو أرض سهلة مطمئنة «قد انفرجت عنها الجبال» ، والقلل ج قلة: وهي الجبل.
(2)
مان يمين: كذب.
[76/ب]
هذا شمائل (1) من طابت شمائله
…
وأورث الملك من آبائه الأول
ملك خلائقه ماء السّحاب إذا
…
جاء الخلائق لم يشكو من الغلل (2)
بل أصبحوا في ذرى أمن وعافية
…
وستر عدل وما شاؤوه من جذل
حلم وعدل وإقدام وجود يد
…
ورحمة وهدى للنّاس والسّبل
فهنّأ الله هذا الملك فارسه
…
فهو الذي شاده بالعدل يوم ولي
ومن إنشائه البارع، مما رفع لأمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان فارس المذكور يطلب منه الإنعام بخط الازواج المنعم بها عليه بقرية آجلى من حوز فاس مما كان لعبد الله بن يوسف بن محمد الينجاسني المريني، والتزم في كل كلمة السّين:
«أسدّد سهم الاستعطاف لقرطاس الإسعاف باسم القدّوس.
وأسترفع بالسّلام للمستودع لسيّد باس البوس. وأستوهب السلام -سبحانه-لسلطان المسلمين، المستخلف، السّامي، السّني السّني، المستمنح، المستعطف، فارس؛ ولسلالته سلامة الجسوم وسرور النّفوس.
أسترفعها لسابع المستخلفين في السّنين السّوالف، وسامع سؤال السّول للإسعاد بالسّول بسامعي المساعد المساعف.
(1) في الأصلين: هذا شمائل.
(2)
الغلل: العطش.
وأستودعها مستودع الأسرار، السالم الإسرار، مستقبلها بالاستئثار.
ليستوصلها للمجلس المستحق للأسماء، والبساط القدسي الحسن الاسم والسيماء، المستحفظ بعساكر سكان السماء. المستنير كالسبع السارية بالسّنا والسّناء. مسترق سيبه الواسع الساكب، السادل سابغ إحسانه الجسيم سدل المستكبر الساحب. المستكتب بسدة سلطنته الفارسية السعيدة، المستعبد المستملك الأندلسي. ووسيلته لسؤاله قسطه بسوق [77/أ] السبت سهم سليل يوسف الونجاسني، فسيح الإحسان المستعذب وواسع السّيب المستدني المستقرب. فالمنتسب سليلا لموسى استوفى سجالها وسرى سربالها. وليس مسرحها بشاسع لسوائم فاس. فعساه يسقى لسلسبيلها بكاس. ويستفيدها لستة وتسعة سلالة وناس. ليستعين باستفادتها مستملكو سلطانك، ومسترقّو إحسانك.
لسيرهم سيرة مرسلي رسائل السين. وسلوكهم لسؤال سؤلهم بالسبيل المستقيمة والمسلك المستبين. لسلطنتك السّوس وفارس واستفتحت بسيوفك ساحات القسطنطينية وقادس!
والسلام يسري نسيمه المستطاب، ويستهزيء بآس البساتين سقاه السّحاب. يستمده تنسم المسك، ويستحسنه تناسق السلك.
يستقر بالمجلس السعيد السلطاني الفارسي-أسعده سامك السماوات السبع، وباسط البسيطة لساحة السبع. ونستوهب مسرى النسيم لسلطانك سعدا سرمدا، وسهما لاستئصال فساد المفسدين مسدّدا!