المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأولفي فضل الشعر وإباحة إنشاده بالمساجد - أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن

[ابن الأحمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[مقدمة مؤلف الكتاب]

- ‌الباب الأولفي فضل الشّعر وإباحة إنشاده بالمساجد

- ‌والاستعارة

- ‌والتمثيل

- ‌والاشارة

- ‌ذكر ألقاب في صناعة البديع

- ‌أما التجنيس

- ‌وأما الترصيع

- ‌وأما الاشتقاق

- ‌وأما التطبيق

- ‌وأما لزوم ما لا يلزم

- ‌وأما التضمين المزدوج

- ‌وأما الالتفات

- ‌والاعتراض

- ‌وأما اللف والنشر

- ‌وأما التّفسير

- ‌وأما التعديد

- ‌وأمّا التّخييل

- ‌وأما المتواتر

- ‌وأما رد العجز على الصدر

- ‌وأما المساواة

- ‌وأما العكس والتبديل

- ‌وأما الاستدراك والرّجوع

- ‌وأما الاستطراد

- ‌وأما الاستهلال

- ‌وأما التّخليص

- ‌وأما الترديد

- ‌وأما التّتميم

- ‌وأما التفويف

- ‌وأما التّجاهل

- ‌وأما الهزل الذي يراد به الجدّ

- ‌وأما التّنبيه

- ‌الباب الثانيفيما بلغنا من شعر كتّاب بني مرين (*) ملوك المغرب

- ‌أمير المسلمين أبو الحسن علي بن أمير المسلمين عثمان بن أمير المسلمينيعقوب بن عبد الحق

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌ابنه أمير المؤمنين المتوكل على الله فارس رحمه الله

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌أخوه لأبيه أمير المسلمين عبد العزيز-رحمه الله

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌ابن عمه الأمير منصور

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الشيخ أبو الحسن علي بن بدر الدينابن موسى بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الأمير عبد الحق المريني

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الباب الثالثفي شعر ملوك بني الأحمر من بني نصر قومي وأبنائهم

- ‌أمير المسلمين الغالب بالله المتوكل على الله محمد

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه [الله]

- ‌الرئيس إسماعيل بن الأمير أبي سعيد فرج

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌أخونا الرئيس محمد ابن والدنا

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-أكرمه الله

- ‌الباب الرابعفي شعر ملوك الموحّدين الحفصّيين وأنبائهم

- ‌أمير المؤمنين المستنصر بالله المنصور بفضل الله محمد بن أبي بكر ابنإسحاق بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم بن أبي حفص

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌ابنه أمير المؤمنين أحمد

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله:

- ‌أخوه لأبيه أمير المؤمنين الناصرلدين الله المنصور بفضل عمر

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله رحمه الله تعالى:

- ‌أمير المؤمنين المستنصر بالله محمد بن الأمير أبي زكريا يحيى بنأمير المؤمنين المتوكل على الله أبي يحيى

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌صاحبنا الأمير زكريا بن أمير المؤمنين أبي محمد عبد الواحد

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-أعزه الله

- ‌الباب الخامسفي شعر ملوك بني زيّان من بني عابد الوادي وأبنائهم

- ‌أمير المسلمين المتوكل على الله موسى بن يوسف

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-أكرمه الله

- ‌صاحبنا الأمير الحاج يوسف بن عمر بن يعقوبابن الأمير عامر بن أمير المسلمين يغمراسن بن زيّان

- ‌[كنيته:]

- ‌[32/ أ] حاله-رحمه الله تعالى

- ‌صاحبنا الأخلص محمد بن الأمير أبي سرحان مسعود:

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله:

- ‌الباب السادسفي شعر ملوك بني العز في وأبنائهم

- ‌الأمير محمد بن الأمير يحيى:

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌ابنه صاحبنا محمد-سلمه الله

- ‌[كنيته:]

- ‌الباب السابعفيما بلغنا من شعر كتّاب قومي بني الأحمر ملوك الأندلس

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الباب الثامنفيما بلغنا من شعر وزراء قومي بني الأحمرمن بني نصر ملوك الأندلس

- ‌الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلىأحمد بن إبراهيم بن صفوان

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌الفقيه الخطيب القاضي الكاتب صاحب القلم الأعلى:عبد الحق بن محمد بن عطية المحاربي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-سلّمه الله

- ‌الباب التاسعفيما بلغنا من شعر قضاة بلادنا الأندلسيّة وفقهائها

- ‌الفقيه الكاتب القاضي الخطيب:محمد بن أحمد الحسنيّ

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الفقيه الخطيب علي بن أحمد الحسني

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رضي الله عنه

- ‌الفقيه القاضي الخطيب محمد بن محمد السّلمي

- ‌[كنيته:]

- ‌نسبه:

- ‌حاله:

- ‌الفقيه الكاتب القاضي محمد بن عمر بن علي بن عتيق القرشي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌الفقيه الكاتب القاضي الخطيب أحمد بن محمد بن أحمد بن محمدابن عبد الله بن جزي الكلبي

- ‌[كنيته:]

- ‌وأبوه، أبو القاسم محمد كان خطيب الجامع الأعظم بغرناطة

- ‌والقاضي أبو بكر

- ‌حاله-أكرمه الله

- ‌الفقيه الكاتب القاضي الخطيب علي بن عبد الله بن الحسنالجذامي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله:

- ‌الفقيه الكاتب أحمد بن علي بن محمد بن علي ابن محمد بن محمد بن خاتمة الأنصاري

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-سلمه الله

- ‌شيخنا الفقيه الخطيب فرج بن قاسمابن أحمد بن لب التغلبي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-نسأ الله في أجله

- ‌الفقيه الحاج محمد بن محمد بن الشّديد

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌الفقيه الضرير:محمد بن أحمد بن علي بن جابر الهواري

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الفقيه الحاجإبراهيم بن محمد الأنصاري الأوسي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الباب العاشرفيما بلغنا من شعر كتّاب بني مرين

- ‌الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلىعبد المهيمن بن محمد بن عبد المهيمن الحضرمي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌الفقيه الرئيس الحاجب الكاتب صاحب القلم الأعلى محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أبي عمرو التميمي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌الفقيه القاضي الخطيب الكاتب صاحب القلم الأعلى عبد اللهابن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوان بن يوسف بن رضوانابن يوسف بن رضوان النجاري الخزرجي

- ‌حاله-نسأ الله في أجله

- ‌الفقيه الكاتب القاسم بن يوسف بن رضوان رحمه الله

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى وكاتب الأشغال السلطانيةعلي بن محمد بن أحمد بن موسى بن سعود الخزاعي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-أكرمه الله

- ‌الفقيه الكاتب محمد بن عبد الحكيم بن تادرارت

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الفقيه الكاتب أحمد بن شعيب الجزنائي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌الفقيه الكاتب محمد بن عبد الله بن أبي مدين شعيب العثماني

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌ابن عمه الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى محمد بن محمد ابنأبي مدين

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله: -رحمه الله تعالى

- ‌أخوه الفقيه الكاتب شعيب بن محمد ابن أبي مدين شعيب بن مخلوف العثماني

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌ابنه الفقيه الكاتب حمزة بن شعيب ابن محمد بن أبي مدين شعيب

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الفقيه القاضي الكاتب علي بن محمدابن عبد الحق بن الصباغ العقيلي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌الفقيه الكاتب يحيى بن إبراهيم ابنزكريا الأنصاري الأوسي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الفقيه الكاتب صاحب القلم الأعلى عبد الرحمن بن محمد بنخلدون الحضرمي

- ‌حاله:

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-أكرمه الله تعالى

- ‌صاحبنا الفقيه الكاتب أحمد بن يحيى بن أحمد بن عبد[87/ب] المنّان الانصاري الخزرجي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-أكرمه الله

- ‌الباب الحادي عشرفيما بلغنا من شعر قضاة المغرب وفقهائها

- ‌الفقيه القاضي الخطيب محمد بن علي بن عبد الرزاق الجزولي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌شيخنا الفقيه الخطيب القاضي محمد بن أحمد بن عبد الملك بنشعيب بن عبد الله بن موسى بن مالك الفشتالي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-سلمه الله

- ‌شيخنا الفقيه القاضي الحسن بن عثمان بن عطيّة بن موسى بنيوسف بن عبد العالي التّجاني المعروف بالوانشريسي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-سلّمه الله تعالى

- ‌شيخنا الفقيه القاضي الخطيب الحاج عبد الرحمن بن محمد بن عبدالرحمن بن عبد الله بن الفقيه الامام القاضي أبي الوليد محمد الحفيد بن الفقيهالقاضي أبي القاسم أحمد بن الفقيه الامام القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بنرشد الأموي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-أكرمه الله

- ‌صاحبنا الأستاذ النحوي المقرىء عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي

- ‌[كنيته:]

- ‌صاحبنا الفقيه الأستاذ النحوي المقرىءعبد الله بن محمد البكري

- ‌‌‌[كنيته:]

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله:

- ‌صاحبنا الفقيه الأستاذ النحوي المقرىء محمد بن عمر بن توقرت الموحد التينملي:

- ‌حاله رحمه الله:

- ‌صاحبنا الفقيه الكاتب أبو العباس أحمد بن الشيخ الصوفي الصالح أبي عبد الله محمد الأنصاري الخزرجي الشهير بالدباغ

- ‌حاله-سلمه الله تعالى

- ‌شيخنا الفقيه عبد الغفار بن موسى البوخلفي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌شيخنا الفقيه الأستاذ النحوي المقرىء محمد بن محمد بن محمد ابن داود الصنهاجي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌صاحبنا الأستاذ النحوي المقرىء (اللغوي) علي بن محمد بنعمر الصنهاجي:

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله:

- ‌الشيخ الفقيه الصوفي محمد بن أحمد بن شاطر الجمحي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله تعالى

- ‌صاحبنا الفقيه العدل محمد بن أحمد بن ابراهيم بن موسى الكومي

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله:

- ‌الفقيه الصوفي محمد بن [122/ب] أحمد المكودي رحمه الله:

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌صاحبنا الفقيه محمد بن يوسف بن أحمد بن محمد بن يوسف

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-أكرمه الله

- ‌صاحبنا الفقيه العدل إبراهيم بن علي العباسي:

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-سلمه الله

- ‌صاحبنا سعيد بن إبراهيم السدراتي رحمه الله تعالى:

- ‌[كنيته:]

- ‌حاله-رحمه الله

- ‌الباب الثاني عشرفيما قيل من الشعر في السّيفالذي بصومعة جامع القرويين من مدينة فاس

- ‌الفقيه الكاتب أبو العباس أحمد بن يحيى بن عبد المنان الخزرجي

- ‌[الفقيه المتفنن النحوي أبو عبد الله محمد بن موسى بن ابراهيم الماجري]

- ‌[أبو المكارم منديل بن محمد بن محمد بن داود بن آجروم الصنهاجي]

- ‌[الفقيه أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالربيب:]

- ‌[الفقيه الكاتب التاريخي أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الخزرجي المعروف بالتاوري]

- ‌[الفقيه العدل القارىء أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الصنهاجي المليلي]

- ‌[أحمد بن محمد الأنصاري الخزرجي المعروف بالدباغ]

- ‌[أبو الوليد إسماعيل بن الأمير أبي سعيد فرج الشهير بالأحمر]

- ‌[أبو الفضل محمد بن باشر التسولي]

- ‌[ابن باشر]

- ‌[شيخنا الفقيه الكاتب مسعود بن أبي القاسم بن أبي طلاق]

- ‌[الأستاذ النحوي أبو زيد عبد الرحمن بن عليابن صالح المكودي]

- ‌[أبو العلى إدريس بن يحيى ابن محمد بن عمر بن رشيد الفهري]

- ‌[الفقيه المتفنن أبو محمد عبد الغفار البوخلفي:]

- ‌[أبو محمد بن علي الفخار، شهر بالحياك:]

- ‌[الأديب أبو عثمان سعيد بن إبراهيم السدراتي شهر بشهبون:]

- ‌تعليقات

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌للمحقق

- ‌ في سلسلة دراسات أندلسية:

- ‌ في سلسلة الذخائر:

- ‌ في المكتبة الأندلسية:

- ‌ بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور عدنان زرزور

- ‌ أعمال أخرى

الفصل: ‌الباب الأولفي فضل الشعر وإباحة إنشاده بالمساجد

‌الباب الأول

في فضل الشّعر وإباحة إنشاده بالمساجد

نقول-والله المسدد-: الشعر لا يقوله إلا أهل الفضل والذكاء، ولا يرتاح لسماعه إلا الكرام. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب أن ينشد بين يديه قصيدة امرئ القيس (1):

ألا عم صباحا أيها الطلل البالي

وهل يعمن من كان في العصر الخالي

فإذا وصل منشدها بين يديه إلى قوله (2):

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني

كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمسك» نزاهة منه صلى الله عليه وسلم أن يسمع الفحش الذي بعد ذلك في القصيدة.

وبعض المتفقهين الذين لا أدب عندهم، ولا هو في طبعهم ينكرون الشعر ويذمونه، ويرون أنه قبيح، وقائله مذموم. فليت شعري لم أنكروه وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم-وهو الأسوة والقدوة-كان يحب سماع قصيدة امرئ القيس المذكورة، وكانت في أكثر الأوقات تنشد بين يديه. وقد أنشده كعب بن

ص: 31

زهير بن أبي سلمى بالمسجد قصيدته التي أولها (1):

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم إثرها لم يفد مكبول

فأصغى إليها صلوات الله عليه وأثابه عليها ببردته. ولو كان الشعر-مدحا أو غزلا-نكرا ما سمعه عليه السلام بالمسجد ولا بسواه، ولا أصغى إليه.

وحسب الشعر رفعة وعزة أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حظّى عليه وندب أصحابه إليه، وتجند على المشركين به، فقال لحسان بن ثابت: شق القوافي على الغطاريف من بني عبد مناف، فوالله لشعرك أشد عليهم من وقع السهام في غبش الظلام (2).

ومن فضل الشعر وشرفه أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الشريد بن سويد يوما فاستنشده من شعر أمية بن أبي الصلت فأنشده مئة قافية؛ يقول النبي عليه السلام عند كل قافية: هيه! استحسانا له (3).

ومن فضل الشعر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشعر لحكما (4)؛ قاله للعلاء بن الحضرمي وقد سأله: هل تروي من الشعر شيئا؟، فأنشده العلاء (5):

(1) ديوان كعب بن زهير: وانظر خبر إسلام كعب، وقصيدته في السيرة النبوية لابن هشام (بتحقيق الأستاذ مصطفى السقا ورفاقه) 4:501 وانظر العمدة 1:7

(2)

انظر العمدة في صناعة الشعر ونقده لابن رشيق (ط الخانجي) 1:12. والغطريف: السيد الشريف والسخي السري.

(3)

الخبر في العقد 5:277، وفيه «فقال-النبي صلى الله عليه وسلم-هذا رجل آمن لسانه وكفر قلبه» .

(4)

قال في كشف الخفا؛ رواه أحمد وأبو داود عن ابن عباس. وهو عند مالك وأحمد والبخاري وأبي داود والترمذي عن ابن عمر بلفظ إن من البيان لسحرا. وفي رواية البخاري قال جاء رجلان من الشرق فخطبا فقال صلى الله عليه وسلم: إن من البيان لسحرا: (كشف الخفا ومزيل الإلباس:296) وانظر العمدة 1:9.

(5)

الخبر في معجم الشعراء للمرزباني 156، والعمدة لابن رشيق 1:180 وفي رواية الأبيات بعض خلاف.

ص: 32

وحيّ ذوي الأضغان تسب قلوبهم

تحيّتك الحسنى وقد يرقع النغل

فإن دحسوا بالكره فاعف تكرما

وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل

فإن الذي يؤذيك منه سماعه

وإن الذي قالوا وراءك لم يقل

ومن فضل الشعر: روى عيسى بن طلحة أن النبي عليه السلام قال:

الشعر الحسن مما يزين الله به الرجل المسلم.

ومن فضل الشعر: لما قدم وفد تميم (1) على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادوه من وراء الحجرات (2)، خرج إليهم عليه السلام فقال: ما تشاؤون؟ قالوا:

جئناك بخطيب وشاعر نفاخرك (3)، فقال عليه السلام: قولوا ما شئتم. فقام الزبرقان بن بدر (4) فقال: قد علم الله أنا أكثر أهل الأرض عدة وعددا، ولو شئنا أن نقول قلنا، ولكنه لا يجمل بنا فيما آتانا الله الإكثار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن قيس بن شماس (5) الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج:

قم فأجبهم. فقام فقال: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض بأمره، ولم يكن له شيء فيما مضى إلا بعلمه؛ بعث خير خلقه رسولا؛ أكرمهم حسبا

(1) السيرة النبوية 4:560

(2)

انظر في ذلك ما ساقه المفسرون في سورة الحجرات. كالقرطبي 16:305.

(3)

ورد ذكر الخطبتين والشعرين في مصادر كثيرة، منها تاريخ الطبري:115 - 120 والسيرة النبوية لابن هشام 4:560 - 567 وديوان حسان:243 - 252 وتفسير القرطبي 16:302 - 206 والأغاني 4:15. وقد تصرف المصنف في نقل الخطبتين فاجتزأ، واختصر.

(4)

في السيرة النبوية وتاريخ الطبري، وديوان حسان، وغيرها من المصادر اتفاق على أن خطيب تميم يومها هو عطارد بن حاجب، وأن شاعرهم هو الزبرقان بن بدر. بيد أن القرطبي ذكر أن الخطيب هو الأقرع بن حابس. وأجمعت المصادر على أن الأقرع بن حابس هو الذي شهد لخطيب المسلمين بالغلبة.

(5)

الصحيح أنه ثابت بن قيس بن شماس أخو بلحارث من الخزرج.

ص: 33

وأوسطهم نسبا في عترته من قريش، وذوي رحمه من الأنصار. فلم يزل يقاتل الناس حق يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها منع منا ماله ودمه، ومن أبى قتلناه، وكان قتله من الله يسيرا. ثم جلس، فقالوا للأقرع بن حابس (1):

قم فأنشده، فقام فقال:[5/ب]

نحن الملوك فلا حيّ يعادلنا

منا الملوك وفينا تنصب البيع

ونحن نطعم يوم المحل جائعكم

من السنام إذا لم تبصر القزع (2)

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: قم فأجبه، فقام فمد لسانه فضرب به أرنبة أنفه، وقال قصيدته التي يقول فيها (3):

إن الذوائب من فهر وإخوتهم

قد شرعوا سنة للحق تتبع

يرضى بها كل من كانت سجيته

تقوى الإله ويرضى كل ما صنعوا

أكرم بقوم رسول الله قائدهم

إذا تفرقت الأهواء والشيع

خذ منهم ما أتوا عفوا فإن منعوا

فلا يكن همك الأمر الذي منعوا

فإن في حربهم-فاحذر-عداوتهم

سما يخاض عليه الصاب والسلع (4)

(1) الشاعر كما سبق هو الزبرقان بن بدر. (انظر الحاشية 4 صفحة 33)

(2)

رواية البيتين في السيرة النبوية (4:563)

نحن الكرام فلا حي يعادلنا

منا الملوك وفينا تنصب البيع

ونحن يطعم عند القحط مطعمنا

من الشواء إذا لم يؤنس القزع

وبينهما بيت ثالث في أبيات أخرى. ورواية المؤلف هنا غريبة. (والبيع: مواضع الصلوات والعبادات واحدها بيعة. والقزع السحاب الرقيق. يريد: إذا لم تمطرهم السماء فأجدبت أرضهم).

(3)

ديوانه:248. والأبيات هنا مختارة على غير ترتيب رواية الديوان. وبين روايته ورواية الديوان خلاف في مواضع كثيرة.

(4)

الصاب والسلع: ضربان من الشجر ممران. يقال: أمر من السلع.

ص: 34

فقال التميميون: نشهد أن خطيبك أخطب من خطيبنا، وأن شاعرك أشعر من شاعرنا وأنك امرؤ مهيأ لك الخير، وأنك لرسول الله. فأسلموا من حينهم. وكان شعر حسان سبب إسلامهم. فلأي شيء يذم الشعر وهو يفعل هذا؟ (*)

ومن فضل الشعر خرج الترمذي عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه ويقول (1):

خلّوا بني الكفار عن سبيله

اليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

قال عمر: يا ابن رواحة! بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلّ عنك يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل.

ومن فضل الشعر، روي عن عائشة-رضي الله عنها-أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقول] فجاءهم حسان-يعني قريشا-فشفى واشتفى (2)؛ حين قال (3) حسان (4):[6/أ]

(*) في السيرة النبوية (4:567) أن حسان بن ثابت رضي الله عنه لما فرغ من قوله قال الأقرع بن حابس: «وأبي إن هذا الرجل لمؤتى له، لخطيبه أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أحلى من أصواتنا. فلما فرغ القوم أسلموا وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم» .

(1)

انظر العمدة لابن رشيق 1:12.

(2)

في الديوان (1 - 10) أن حسان رضي الله عنه قال هذه القصيدة قبل فتح مكة، والأبيات المختارة هنا في الرد على أبي سفيان بن الحارث، وكان هجا النبي صلى الله عليه وسلم، قبل إسلامه.

(3)

روى أبو الفرج الأصفهاني في ترجمة حسان (دار الثقافة 4:147) بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن، وأمرت كعب ابن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسان بن ثابت فشفى واشتفى».

(4)

الأبيات مختارة، وفي رواية الديوان خلافات عما ذكر المؤلف هنا. وفي ترتيب المؤلف هنا للأبيات تقديم وتأخير.

ص: 35

هجوت محمدا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

هجوت محمدا برّا حنيفا

رسول الله شيمته الوفاء

فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاه

ثكلت بنيتي إن لم تروها

تثير النقع غايتها كداء (1)

(تبارين) الأعنة مصعدات

على أكتافها الأسل الظماء

تظل جيادنا متمطرات

يلطمهن بالخمر النساء

فإن أعرضتم عنا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لجلاد يوم

يعزّ الله فيها من يشاء

وقال الله قد يسرت جندا

هم الأنصار عرضتها اللقاء

لنا في كل يوم من معد

قتال أو سباب أو هجاء

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

وجبريل رسول الله فينا

وروح القدس ليس كفاء

ومن فضل الشعر، كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نضر الله وجهه إلى أبي موسى الأشعري: مر من قبلك بتعلم الشعر، فإنه يدل على معالي الأخلاق، وصواب الرأي ومعرفة الأنساب (2).

وقال أيضا-رضوان الله عليه-الشعر جزل من كلام العرب يسكن به الغيظ، وتطفا به الثائرة، ويتبلغ به القوم في ناديهم، ويعطى به السائل (3).

ص: 36

وقال أيضا-رضي الله عنه[خير] ما تعلمته العرب الأبيات يقدمها الرجل أمام حاجته فيستنزل بها اللئيم، ويستعطف بها الكريم وقال الأعشى (1):

قلدتك الشعر يا سلامة ذا

فايش والشيء حيثما جعلا

والشعر يستنزل الكريم كما استن

زل رعد السحابة السّبلا (2)

يا خير من يركب المطي ولا

يشرب كأسا بكف من بخلا

ومن فضل الشعر قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-رضي الله-[6/ب] الشعر ميزان القول. وروي، القوم؛ وكلاهما حسن (3).

ومن فضل الشعر قال أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان-رضي الله عنهما-يجب على الرجل تأديب ولده؛ والشعر أعلى مراتب الأدب (4).

ومن فضل الشعر كان عبد الله بن عباس-رضي الله عنه-يقول: إذا قرأتم شيئا من كتاب الله، فلم تعرفوه، فاطلبوه في أشعار العرب. وكان رضي الله عنه إذا سئل عن شيء من القرآن أنشد فيه شعرا (5).

ومن فضل الشعر، قيل لسعيد بن المسيّب-رضي الله عنه-إن قوما من العراق لا يرون إنشاد الشعر، فقال لقد نسكوا نسكا أعجميا (6).

ومن فضل الشعر، قيل لابن سيرين إن قوما يرون إنشاد الشعر ينقض الوضوء فأنشد (7):

(1) ديوان الأعشى:233 (وفيه جاء البيت الثالث قبل الآخرين) يمدح سلامة ذا فائش.

(2)

السبل: المطر.

(3)

الخبر في العمدة 1:1.

(4)

المصدر نفسه.

(5)

المصدر نفسه 1:11.

(6)

العمدة 1:11.

(7)

البيت في ديوان جرير:88 وانظر حواشي المحقق.

ص: 37

لقد أصبحت عرس الفرزد ناشزا

ولو رضيت رمح استه لاستقرت!

وقام يصلي (1).

ومن فضل الشعر: ذكر أن رجلا من الشعراء قال للحسن البصري: وهو في المسجد [يا] أبا سعيد: هل ينقض الهجو الوضوء؛ فأنشده الحسن:

شهد الفرزدق والقبائل كلها

أن الفرزدق ناك أم جرير!

ثم قام فصلى ركعتين؛ جعلها جوابه.

ومن فضل الشعر قيل لابن السائب المخزومي-رضي الله عنه-أترى أحدا لا يشتهي النسيب؟ فقال: أما ممن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا!.

ومن فضل الشعر كان عروة بن أذينة (2) رضي الله عنه-على نبذه زهرة الدنيا، وترك نعيمها وورعه وزهده، رقيق القول؛ وهو القائل (3):

إذا وجدت أوار الحب في كبدي

أقبلت نحو سقاء القوم أبترد

هبني بردت ببرد الماء ظاهره

فمن لحرّ على الأحشاء يتّقد؟ (4)

ومن فضل الشعر عن ابن عباس-رضي الله عنه-في حديث قس بن ساعدة الإيادي (5) -وإنما أوردنا الحديث بكماله لما تضمنه من البلاغة والحجة في إنشاد [النبي صلى الله عليه وسلم الشعر](6)[7/أ] وسماعه-قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد فقال أي وفد أنتم؟ قالوا وفد عبد القيس. قال: أيكم يعرف قس بن ساعدة؟

(1) المصدر نفسه 1:11.

(2)

عروة بن أذينة «من فقهاء المدينة وعبّادها، وكان من أرق الناس تشبيبا» .

(3)

البيتان في العقد 5:289.

(4)

في العقد: فمن لنار.

(5)

أورد ابن عبد ربه في العقد صدرا من هذه الخطبة، والشعر الذي فيها 4:128.

(6)

كلمة (النبي) مطموسة في م. وفي ط القس؛ والظاهر من سياق النص ما أثبت.

ص: 38

قالوا: كلنا نعرفه يا رسول الله فماذا فعل؟ قال: لست أنساه بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول: يا أيها الناس اجتمعوا، فإذا اجتمعتم فاسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فقولوا، فإذا قلتم فاصدقوا. إنه من عاش مات. ومن مات فات.

وكل ما هو آت آت. إن في السماء لخبرا. وإن في الأرض لعبرا، بحار (1) لا تغور، ونجوم لا تمور. وسقف مرفوع. ونهار موضوع. ومطر ونبات.

وذاهب وآت. وأحياء وأموات. وعظام ورفات. وليل ونهار. وضياء وظلام. ومسيء ومحسن. وغني وفقير. يا أرباب الغفلة! ليصلح كل واحد منكم عمله. تعالوا نعبد إلها واحدا ليس بمولود ولا بوالد. أعاد وأباد، وغدا إليه المعاد. أقسم قس بالله، وما أثم، لئن كان في الأرض رضى ليكونن سخطا.

إن لله دينا هو أرضى من دينكم الذي أنتم عليه.

يا أهل إياد! مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وسمعته يتمثل بأبيات الشعر ولساني لا ينطلق بها فقام إليه رجل منهم فقال: يا رسول الله أنا سمعتها منه، فهل عليّ فيه من إثم إن أنا قلته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل؛ فإن الشعر كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فقال: سمعته يقول:

في الذاهبين الأولين

من القرون لنا بصائر

لما رأيت مواردا

للقوم ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها

يمضي الأكابر والأصاغر

لا يرجع الماضي ولا

يبقى من الباقين غابر

[7/ب] أيقنت أنّي لا مح

الة حيث صار القوم صائر

(1) في النسختين: بحارا.

ص: 39

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يزيدنا في إيمان قس بن ساعدة؟ فوثب إليه رجل من القوم فقال: يا رسول الله، بينا نحن في ملاعبنا إذا أشرف علينا من شرفة الجبل متجلل بشملة مرتد بأخرى وبيده هراوة، وهو واقف على عين ماء وهو يقول: آلا وإله السماء «لا يشرب القوي قبل الضعيف. وليشرب الضعيف قبل القوي» .

فو الذي بعثك بالحق نبيا يا رسول الله لقد رأيت القوي من الوحش يتأخر حتى يشرب الضعيف. فلما تنحى ما حوله هبطت إليه من ثنية الجبل فرأيته واقفا بين قبرين يصلي. فقلت: انعم صباحا ما هذه الصلاة التي لا تعرفها العرب؟ قال: صليتها لإله السماء. قلت: وهل للسماء من إله (1) سوى اللات والعزى؟ فانتفض وانتقع لونه ثم قال: إليك عني يا أخا إياد. إن للسماء إلها عظيم الشان هو الذي خلقها فسواها. وبالكواكب والقمر المنير والشمس أشرقها. أظلم ليلها وأضاء نهارها، يسلك بعضها في بعض. ليس له كفوية ولا إنسية ولا كيموسية. فقلت ما أصبت موضعا تعبد إله (2) السماء إلا في هذا المكان؟ فقال:

إني لم أصب في زمني غير صاحبي هذين القبرين، وإني لمنتظر ما أصابهما وسيعمكم حق من هذا الوجه، وأشار نحو مكة. فقلت له: وما هذا الحق؟ قال: رجل أبلج أحور من ولد لؤي بن غالب، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، يدعوكم إلى كلمة الإخلاص وعيش الأبد ونعيم لا ينفد، فإن دعاكم فأجيبوه، وإن استصرخكم فانصروه، وقد وصف لي علامات شتى وخلائق حسانا. قال إنه لا يأخذ على دعواه أجرا. قلت فما لك لا تسير إليه؟ قال إني لا أعيش إلى مبعثه. ولو علمت أني ممن يعيش إلى مبعثه لكنت أول من يسعى إليه.

(1) في م: الله. والصواب من ط.

(2)

فيهما: الله. والصواب ما أثبت. راجع الحاشية السابقة.

ص: 40

فأضرب بصفقة كفي صفقة [8/أ] كفه، فأقيم بين يديه حكم الله تبارك وتعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبك حسبك، فإن قس بن ساعدة كان أمّة يبعثه الله يوم القيامة وحده.

ومن فضل الشعر (1): لما انتهى شعر أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم شق ذلك عليه، فدعا عبد الله بن رواحة فاستنشده فأنشده، فقال: أنت شاعر كريم. ثم دعا كعب بن مالك فاستنشده فأنشده فقال:

أنت تحسن صفة الحرب. ثم دعا بحسان بن ثابت فقال: أجب عني، فأخرج لسانه فضرب به أرنبته ثم قال: والذي بعثك بالحق ما أحب أن لي مقولا من معدّ (2)، ولو أن لسانا فرى الشعر لفراه (3). ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمس من أبي سفيان. فقال: وكيف وبيني وبينه الرحم التي قد علمت؟ فقال:

أسلك منه كما تسل الشعرة من العجين. فقال: اذهب إلى أبي بكر الصديق، كرم الله وجهه، [فذهب إليه] فذكر له معايبه، فقال حسان (4):

وإن سنام المجد من آل هاشم

بنو بنت مخزوم ووالدك العبد

ومن ولدت أبناء زهرة منهم

كرام، ولم يقرب عجائزك المجد

ولست كعباس ولا كابن أمّه

ولكن لئيم لا تقوم له زند (5)

وإنّ امرءا كانت سميّة أمه

وسمراء مغموز إذا بلغ الجهد

وأنت زنيم نيط في آل هاشم

كما نيط خلف الراكب القدح الفرد

(1) انظر الخبر في الأغاني ط دار الثقافة.4:141 وديوان حسان-البرقوقي، المقدمة.

(2)

كذا في الأصلين. وفي الأغاني-بروايات الخبر المتعددة- (والله ما يسرني به مقول بين بصرى وصنعاء).

(3)

في الأغاني. لو شئت لفريت به المزاد. والمزاد ج مزادة وهي التي يحمل فيها الماء.

(4)

الأبيات في ديوانه:109، والأغاني 4:146.

(5)

في الديوان: ولكن هجين ليس يورى له زند.

ص: 41

قال إسماعيل مؤلف هذا الكتاب، فلما بلغ هذا الشعر أبا سفيان، قال:

هذا كلام لم يغب عنه ابن أبي قحافة (1)، يعني أبا بكر الصديق نضر الله وجهه.

-يعني ببني بنت مخزوم: عبد الله وأبا طالب والزبير بني عبد المطلب ابن هاشم، أمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم وأخواتهم (2) وأميمة [8/ب] والبيضاء جدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضوان الله عليه، أم أمه أروى بنت كريز. وقوله: ومن ولدت أبناء زهرة منهم كرام، يعني حمزة وصفية أم الزبير بن العوام رضي الله عنه، أمهما هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة (3).

وقوله: ولست كعباس، ولا كابن أمه، أم العباس نتيلة (4) من النمر ابن قاسط وأخوه ضرار بن عبد المطلب.

وقوله «وإن امرءا كانت سمية أمه وسمراء؛ سمية أم أبي سفيان، وسمراء أم أبيه، وليس هذا موضع إطناب في رفع الأنساب، تحاميا على الطول.

والعاقل لا ينكر أن الشعر جائز إنشاده واستنشاده. وقد قدمنا من الأدلة الناصعة والبراهين الواضحة على ذلك ما لا يسع ردّه.

ومن الدليل أيضا على ذلك أن الخلفاء الراشدين الأربعة، وهم أبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذو النورين، وعلي أبو السبطين عليهم السلام قالوا الشعر، وقاله أيضا جملة من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم الصلاح.

(1) الأغاني 4:143.

(2)

اسم غير ظاهر، وانظر أسماء أبناء عمرو بن عائذ في جمهرة أنساب العرب لابن حزم:141 وانظر ما في الأغاني 4:146 والحواشي. وما في الديوان.

(3)

النسختين: أهيب، والتصويب من جمهرة أنساب العرب.

(4)

في النسختين: نثيلة. والصواب من جمهرة أنساب العرب، والأغاني.

ص: 42

قال أبو بكر-رضي الله عنه (1) -.

أمن طيف سلمى بالبطاح الدّمائث

أرقت أو امر في العشيرة حادث

وهي طائلة، وفيها يقول:

ونحن أناس من ذؤابة غالب

لنا العز منها في الفروع الأثائث

وفيها يقول:

فإن تشعثوا عرضي على سوء رأيكم

فإنّي من أعراضكم غير شاعث

وقال: أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه (1)

هوّن عليك فإن الأمور

بكف الإله مقاديرها

فليس بآتيك منهيّها

ولا قاصر عنك مأمورها

وقال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه (2):

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها

من الحرام ويبقى الإثم والعار

تبقى عواقب سوء من مغبّتها

لا خير في لذة من بعدها النار

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه [9/أ]:

إذا عقد القضاء عليك أمرا

فليس يحلّه إلا القضاء (3)

فما لك قد أقمت بدار ذل

وأرض الله واسعة فضاء

تبلّغ باليسير فكلّ شيء

من الدنيا يكون له انقضاء

(1) من أبيات رواها في العمدة 1:13. وقال إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أنشدها في غزوة عبيدة بن الحارث.

(2)

في العمدة 1:13. قال: ويروى الشعر للأعور الشني. ونسبهما في العقد (3:207) لابن أبي خازم، وفيه: ولا تحرصن فإن الأمور. . .

(3)

في النسختين: إلى في موضع إلا.

ص: 43

وقال: أمير المؤمنين الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام (1)

ومارست هذا الأمر خمسين حجة

وخمسا أرجّي قابلا بعد قابل (2)

فلا أنا في الدنيا بلغت جسيمها

ولا في الذي أهوى علقت بطائل

وقد أشرعت فيّ المنايا سهامها

وأيقنت أني رهن موت معاجل

وقال أمير المؤمنين الحسين بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في بنته سكينه، وأمها امرأته الرباب بنت امرئ القيس الكلبية (3):

لعمرك إنني لأحبّ بيتا

تحل به سكينة والرباب

أحبهما وأبذل جل مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

ولست لهم-وإن عتبوا-مطيعا

حياتي، أو يغيّبني التراب

وقال حمزة بن عبد المطلب-رضي الله عنه (4):

عشية ساروا حاشدين وكلنا

مراجله من غيظ أصحابه تغلي

فلما تراءينا أناخوا فعقّلوا

مطايا وعقلنا مدى غرض النبل

وقلنا لهم حبل الإله نصيرنا

وما لكم إلا الضلالة من حبل!

فثار أبو جهل هنالك باغيا

فخاب ورد الله كيد أبي جهل

وما نحن إلا في ثلاثين راكبا

وهم مئتان بعد واحدة فضل

وقال أخوه العباس بن عبد المطلب، رضي الله تعالى عنه (5)

ألا هل أتى عرسي مكرّي وموقفي

بوادي حنين والأسنة تشرع

(1) الأبيات في العقد 4:2.

(2)

في العقد: قائلا بعد قائل. وفي الأبيات الأخرى روايات مختلفة.

(3)

البيتان الأولان في العمدة (1:15) وفيه: وليس للائمي.

(4)

في العمدة (1:15) أن حمزة رضي الله عنه قال هذا الشعر يذكر لقاءه أبا جهل وأصحابه.

(5)

قالها كما في العمدة (1:15) يوم حنين يفتخر بثباته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 44

[9/ب] وقولي إذا ما النفس جاشت لها قري

وهام تدهدى والسواعد تقطع

وكيف رددت الخيل وهي مغيرة

بزوراء تعطي باليدين وتمنع

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة

وقد فر من قد فرّ عنه وأقشعوا (1)

وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (2):

إذا طارقات الهم ضاجعت الفتى

وأعمل فكر الليل والليل عاكر

وباكرني في حاجة لم يجد لها

سواي، ولا من نكبة الدهر ناصر

فرجت بمالي همّه من مقامة

وزايله همّ طروق مسامر

وكان له فضل عليّ بظنه

بي الخير، إني للذي ظنّ شاكر!

قال إسماعيل مؤلف هذا الكتاب، وحسب من ذم (3)، أن من قدمنا من الصحابة قد قالوه وكانوا (4) يتمثلون به، ولا يرون أنه مذموم. فإن احتج عاطل من حلية الآداب وقال: إن النبي-صلى الله عليه وسلم-لم يقل الشعر، وأن الله تعالى قال فيه وَماعَلَّمْناهُ اَلشِّعْرَ وَمايَنْبَغِي لَهُ (5) قلت: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا لكان متهما بالقرآن ولقيل إنه من عنده، وإنه اختلقه؛ فيكون ذلك نقصا في حقه، ومدخلا للطعن في نبوّته. فمنعه الله عز وجل من قوله، ونزّهه عن ذلك. وهذه معجزة في حقه عليه السلام.

وقد قيل للإمام القاضي عبد الوهاب إن النبي عليه السلام لم يقل الشعر فقال له: ذلك في حقه معجزة، وفي حقك معجزة (6).

(1) في العمدة: سبعة.

(2)

في العمدة (1:16).

(3)

أي الشعر وإنشاده.

(4)

في النسختين: وكان.

(5)

يس 36:39 (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين).

(6)

انظر البيان النبوي (د. عدنان زر زور) الطبعة الأولى 28 - 34.

ص: 45

وإن احتج بقوله تعالى وَاَلشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ اَلْغاوُونَ (1) الآية. قلت:

قد قال الضحاك (2) إنها نزلت في رجلين أحدهما أنصاري، مع كل واحد منهما غواة قومه-وهم السفهاء-وقال به ابن عباس: وعنه أنهم الرواة (3). وعنه أنهم كفار الجن والإنس. قال أبو عبد الله هم الذين يشعرون (4)[ولا يتبعون سنن الحق]، [10/أ] وأراد بهؤلاء شعراء الكفار عبد الله بن الزبعرى، وهبيرة ابن أبي وهب ومسافع (5) بن عبد مناف وأبا عزة الجمحي وأمية بن أبي الصلت كانوا يهجون النبي عليه السلام، ويتبعهم الكفار.

وقال غضيف من أصحاب النبي عليه السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من أحدث هجاء في الإسلام فاقطعوا لسانه» .

وقال ابن عباس: (6) لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة رنّ إبليس رنة فاجتمعت إليه ذريته فقال: ايأسوا أن ترتد أمة (7) محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن أفشوا فيها-يعني مكة (8) الشعر والنّوح.

(1) الشعراء 26 - 224 (والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

(2)

الخبر في تفسير القرطبي 13:152

(3)

في المصدر السابق: رواة الشعر.

(4)

فيهما مسافر، والمثبت من القرطبي.

(5)

الخبر في تفسير القرطبي 13:152.

(6)

في القرطبي أن تريدوا أمة محمد.

(7)

في القرطبي: فيهما يعني مكة والمدينة.

(8)

في ط: يشعرون «قلوب؟» وسقط بمقدار 3 كلمات، وفي م يشعرون وسقط بمقدار 4 كلمات. والعبارة مثبتة من تفسير القرطبي بحسب السياق.

ص: 46

يخرج من هذا كله أن (الغاوون) هم السفهاء، أو هم الكفار من الجن والإنس أو هم الرواة. فإذا كان هذا كذلك، فأي ذم يلحق شعراء الإسلام إذا لم يهجوا؟ لا سيما والنبي عليه السلام قال لشاعره كعب بن مالك لما سأله رأيه في الشعر حين أنزل الله فيه هذه الآية: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل (1)، فإذا كان شاعر الإسلام لا يهجو إلا الكفار فهذا هو المطلوب.

وفي هذا الحديث تقرير الشعراء على قول الشعر على الوجه الجائز إذا حملنا خطاب النبي عليه السلام عموما على ما يرد في بعض الأحكام الشرعية، أن يكون الخطاب لشخص والحكم متوجه على الجملة (2).

وأما إن كان الذم المفهوم من قوله تعالى وَاَلشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ اَلْغاوُونَ ليس على عمومه بل كما قيده أبو عبد الله بالشعراء الكفار، فلا مدخل للإسلاميين فيه؛ وبالله التوفيق.

وإن احتج أيضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلىء شعرا» (3). قلت: الجواب ما قاله الإمام أبو عبد الله المازري والقاضي عياض في ذلك الحديث، ونقلته من الإكمال

(1) ورد الخبر في تفسير القرطبي 13:153.

(2)

في الأصلين: أن. قلت، ولعله أيضا: أن يكون الخطاب. . . متوجها.

(3)

أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجة، وفي فتح الباري: قال ابن بطال ذكر بعضهم أن معنى قوله «خير له من أن يمتلئ شعرا» يعني الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عبيد والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول، لأن الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم لو كان شطر بيت لكان كفرا. فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه، ولكن وجهه عندي: أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه. فأما إذا كان القرآن والعلم غالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر.10/ 451 - 453. وانظر تفسير القرطبي 12:150

ص: 47

[10/ب] للقاضي أبي الفضل، وهذا نصه «قال الإمام، قال أبو عبيد قال الأصمعي» :

هو من الوري، على مثال «الرّمي» ، وهو أن يورى جوفه، يقال منه: رجل موري، مشدد غير مهموز: هو أن يأكل القيح جوفه. قال صاحب الأفعال: وري الإنسان والبعير ورى، دوى جوفه، ووراه الداء وريا: فسد جوفه. ووري الكلب: سعر أشد السعار.

قال أبو عبيد: وقوله صلى الله عليه وسلم «خير له من أن يمتلئ شعرا» .

قال بعضهم: يعني من الشعر الذي هجي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان شطر بيت لكان كفرا. فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه، فقد رخص في القليل منه. ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله عز وجل فيكون الغالب عليه من أيّ الشعر كان. فإذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوف هذا عندنا بممتلئ من الشعر.

وقال القاضي عياض في الإكمال: ذكر مسلم استنشاد النبي صلى الله عليه وسلم الشريد بن سويد شعر أمية بن أبي الصلت (1)، وقوله هيه إلى أن أنشده مئة بيت؛ وقوله إن كاد ليسلم، فيه جواز سماع أشعار الجاهلية، وأخبارها، والتحدث بها، وإنشادها. و (هيه) مكسورة الهاء، ساكنة الياء والهاء الآخرة كلمة للاستزادة أي: زد. وأصلها إيه، فهي استزادة لما تعرف.

وفيه أن الشعر بنفسه ليس بمنكر، وإنما المنكر منه المذموم: الإكثار منه، أو ما يتضمنه من الهجاء للمسلمين وقذف المحصنات، والتشبيب بالحرم، وذكر أوصاف الخمر وأنواع الباطل [مما يهيج] المرتكبين لذلك، ويجرئهم على المعاصي. وقد جاء من ذلك أشياء في شعر حسان وكعب وغيرهما مما

(1) في خزانة الأدب للبغدادي 1:227. وتفسير القرطبي 13:145. وانظر مقدمة ديوان أمية بن أبي الصلت (بتحقيق الدكتور ع. السطلي).

ص: 48

مدح به النبي صلى الله عليه وسلم [11/أ] في وصف الخمر والتشبيب (1) بغير معيّن (2)، جريا على عادة العرب فيستحب منه القليل ولم ير أصحابنا بمثل هذا رد شهادة الشاهد، ولا جعلوه جرحا فيه.

وقال أيضا: القاضي عياض فيه-في الإكمال-وإنه كالكلام فحسنه حسن، وقبيحه قبيح (3)؛ كما روي عن الشافعي. وقد روينا هذا الكلام مرفوعا للنبي عليه السلام، وقد أنشد النبي عليه السلام الشّعر وتمثل به واستنشده؛ وقاله أصحابه، وحضّهم على قوله في هجاء المشركين.

وقد روي عن الخلفاء، وأئمة الصحابة، وفضلاء السلف في استشهادهم به وإنشاده (4)، وقولهم الجيد منه (5).

قال إسماعيل مؤلف هذا الكتاب: ولا مرية في جواز إنشاد الشعر والتمثل به، وإنما المذموم منه ما قدمنا للإمام المازري، وللقاضي عياض من هجاء المسلمين وقذف المحصنات وغير ذلك مما قالا، رحمهما الله تعالى.

وأما إن كان الشعر في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في هجاء المشركين، أو غزل بغير معيّن، فذلك جائز لا مطعن فيه. وحسبك ما قدمنا على فضله وجوازه من الأدلة، وقول القاضي عياض. وقد أنشد النبي عليه

(1) في النسختين: والتشبيه.

(2)

راجع رأي ابن حزم القرطبي الأندلسي في هذا الموضوع: تاريخ النقد الأدبي في الأندلس.

(3)

في تفسير القرطبي خبر عن ابن سيرين فيه «وهل الشعر إلا كلام لا يخالف سائر الكلام إلا في القوافي فحسنه حسن وقبيحه قبيح» . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حسن الشعر كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام» 13:150.

(4)

في الأصلين: وإنشاد «بدون الهاء» .

(5)

زاد في النسختين ما رسمه «والرقيق والمثقف في ضروب أفانينه ما يعني «يغني؟» بمن خلف «؟» ، وبالله التوفيق».

ص: 49

السلام الشعر؛ وتمثله به صحيح أخرجه أهل الصحة. ولكنه صلى الله عليه وسلم، مهما أنشد الشعر وتمثل به لا يذكره إلا غير موزون، لكونه لم يكن في طبعه، وقد قدمنا سبب ذلك. فكان عليه السلام يتمثل بقول طرفة:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

ينشده غير موزون، يقول، (ويأتيك من لم تزود بالأخبار) (1) فيقول [11/ب] أبو بكر الصديق: ليس هكذا يا رسول الله وإنما هو (ويأتيك بالأخبار من لم تزود) فيقول له عليه السلام، إني لست بشاعر ولا ينبغي لي قوله، عليه السلام.

«ولا ينبغي لي» أي ما هو بحسن في حقه، لأنة لو كان يقول الشعر لكان يورث الشبهة في الطعن فيما أتى به من القرآن، ولقيل إنه من عنده. وقد قال المشركون فيه: شاعر، ولم يكن بشاعر. قال الله تعالى: وَماعَلَّمْناهُ اَلشِّعْرَ وَمايَنْبَغِي لَهُ (2) فنزّهه عن ذلك. انظر قولهم، وهو ليس بشاعر، فما ظنك لو كان شاعرا؟.

وقال الحسن (3): كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بهذا البيت «كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا» ؛ فقال أبو بكر: يا نبي الله إنما قال الشاعر:

*كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا (4) *

فقال أبو بكر وعمر (5): أشهد أنك رسول الله؛ لقوله تعالى {وَماعَلَّمْناهُ

(1) الخبر في تفسير القرطبي 15:51 - 52.

(2)

سورة يس 36 - 69. (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين)

(3)

الخبر في تفسير القرطبي.

(4)

عجز بيت لسحيم عبد بني الحسحاس (ديوانه 16) وتمامه:

عميرة ودع إن تجهزت غازيا

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

(5)

يعني تعقيبا على ذلك.

ص: 50

اَلشِّعْرَ وَمايَنْبَغِي لَهُ}. وقال الحكم: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بقول العباس بن مرداس (1):

أتجعل نهبي ونهب العبيد

بين الأقرع وعيينة

فقالوا يا رسول الله إنما قال: بين عيينة والأقرع، فأعادها فقال: بين الأقرع وعيينة. فقام إليه أبو بكر فقبل رأسه فقال: وَماعَلَّمْناهُ اَلشِّعْرَ وَمايَنْبَغِي لَهُ.

قال إسماعيل مؤلف هذا الكتاب:

وإذ قد فرغنا من ذكر جواز الشعر وفضله، والأدلة على ذلك، فلنشرع في بعض ما يتعلق به من علم البديع؛ من تجنيس وترصيع وغير ذلك مما يندرج تحته. فمن ملك زمام ذلك فهو المقدم لحمل راية الأدب، ومن كان خليا منه فباعه في الإجادة (2) لا محالة قصير، إذ لم يمتع من ذلك بقليل ولا كثير.

ولا بد للشاعر (2) من معرفة اللغة والعربية، فإن كان قاصرا عنهما كان شعره دون من يكون بهما عالما لا محالة.

[12/أ] والعربية أهم للشاعر من اللغة لأنه إن تكلم بشعر أو غيره لم يلحن، وإن خلا منها لحسن ضرورة.

واللحن من أقبح الأشياء. أتى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على قوم يرمون رشقا لهم، فأساؤوا الرمي (3). يا أمير المؤمنين نحن قوم متعلمين!

(1) الخبر مفصل في تفسير القرطبي 15:52 - 53. والبيت على جهته:

أتجعل نهبي ونهب العبيد

بين عيينة والأقرع

والعبيد اسم فرس عباس بن مرداس، والبيت من جملة أبيات في العقد 1:286. وانظر البيت ورواياته في «ديوان العباس بن مرداس» جمعه د. يحيى الجبوري.

(2)

لم تتضح الكلمات في نسخة دار الكتب، وهما من نسخة الرباط.

(3)

سقط نحو سطر تقديرا، ولم ينبه إلى ذلك في المخطوطتين. وفي ألف باء لأبي الحجاج البلوي، عرف بابن الشيخ 1:34 «مر عمر رضي الله عنه =

ص: 51

فقال عمر رضي الله عنه لإساءتكم في لحنكم شر من إساءتكم في رميكم أو رشقكم، رحم الله امرءا أصلح من لسانه. وقال أيضا: تعلموا العربية فإنها تثبت العقل.

ولا بد له من معرفة العروض، وعلم القوافي، إذ بالعروض يقيم صغا (1) الأوزان الموجودة للعرب. ومن كان جاهلا به، والوزن في طبعه، ربما وقع في غير أوزان العرب، وخرج للأوزان الطبيعية من الدوائر وغيرها مثل أوزان الموشح وغيره. ولولا مخافة التطويل لذكرنا دوائره وبحوره، وأعاريضه، وضروبه، وتفعيلاته في التقطيع.

ولنذكر ما عليه يبنى علم البيان (2) -ولا بد أيضا للشاعر من معرفته-وهو أربعة أشياء: الكناية والاستعارة، والتمثيل والإشارة.

فالكناية على نوعين (3): النوع الأول أن تريد إثبات معنى فتترك اللفظ الموضوع له، وتأتي بتاليه وجودا لتوميء به إليه، وتجعله شاهدا له ودليلا عليه. مثاله: فلان كثير رماد القدر، وطويل النّجاد. فهذه الكناية أبلغ من التصريح.

النوع الثاني: أن تأتي بالمراد منسوبا إلى أمر يشتمل على من هي له حقيقة. مثاله قول زياد الأعجم (4):

إن السماحة والمروءة والندى

في قبة ضربت على ابن الحشرج

= بقوم يتناضلون ورمى بعضهم فأخطأ فقال له عمر: أخطأت، فقال يا أمير المؤمنين نحن متعلمين! فقال: والله لخطؤك في كلامك أشد علينا من خطئك في نضالك. احفظوا القرآن وتفقهوا في الدين وتعلموا اللحن». قال ابن الشيخ: واللحن في هذا الموضع: اللغة.

(1)

الصغا: الميل.

(2)

راجع: الدكتور شوقي ضيف في: (البلاغة وتطور وتاريخ) عن اضطراب مفهوم علم البيان في بعض الدراسات البلاغية.

(3)

بحث الكناية في تحرير التحبير:143.

(4)

في مدح عبد الله بن الحشرح (الأغاني 12:20)

ص: 52