الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاله-رحمه الله
-:
هو رافع راية الأدب في عصره، ومن بزّ بالثروة أعلام مصره.
وله معرفة بالطريقة الصوفية، وسلوك في معانيها الجليلة. وكان وجيها عند الملوك، ومعظما عند المالك والمملوك.
أنشدني لنفسه:
سرت والدّجى لم يبق إلا يسيرها
…
نسيم صبا يحيي القلوب مسيرها
ومرّت بنا من نحو رامة نفحة
…
أعادت مرير العيش حلوا مرورها
تنشّقتها مستمنحا عرف عرفها
…
فعبّر عن طيب الحبيب عبيرها
أسرّت بقلبي من سريرة حبّه
…
حديثا سرى منه لنفسي سرورها
5 فلله ما أندى على القلب سيرها
…
وأطيب ما أدّى إليه سفيرها
ولم ندر إذ ملنا نشاوى بروحها
…
أريح شمال أم شمول نديرها!
سقى سفح ذياك الحمى بسوافح
…
من الدّمع آثار الدّموع منيرها
عهدنا ظباء الإنس فيه سوانحا
…
وأصيدها للصّائدين نفورها
وحيّا الحيا بالخيف دارا منيفة
…
زهت بقصور الشّهب عنها قصورها
10 فكم ليث غيل غاله سرب غيلها
…
ومن ذي غرار قد سباه غريرها!
وكم في ذراها من دم طلّ ثاره
…
لذي فتن سحر العيون مثيرها
وكانت لأرباب الصّبابة والصّبا
…
عراصا تفدّى بالنّفوس عصورها!
وكانت ليالينا بها كلآلئ
…
تروق النّهى آصالها وبكورها
فمسرحنا عند الرّواح مرادها
…
وموردنا عند الغدوّ غديرها
[123/أ]
15 وبين ظلال الضال منها مقيلنا
…
إذا ما حكى نيران هجر هجيرها
وبين جنّي النّور من سمراتها
…
جنى الأنس من نجوى نوار سميرها
فآها عليها من معاهد لم تدع
…
سوى حرق، بالذّكر يذكى زفيرها
وما راعني إلا دعاة ببينهم
…
يشبّه عندي بالنّعيّ بشيرها
سروا بقلوب العاشقين وخلّفوا
…
جسوما كأطلال الرّبوع صدورها
20 كأن قلوبا في حماهم حوائما
…
خوافق طير فارقتها وكورها
كأن المطايا وسط لجّة آلها
…
سفائن تبدو كالشّراع خدورها
وفي الكلّة الحمراء حوراء لو بدت
…
لثكلى لولّى ثكلها وثبورها
ممنّعة ليست لها من سوى القنا
…
خيام ومن بين الصّفاح ستورها
فما بسوى صدق الغرام أرومها
…
ولا بسوى زور الخيال أزورها!
وأنشدني-أيضا-لنفسه:
وجدي بكم ليس يبقى، لا ولا يذر
…
والصّبر عنكم على حكم النوى صبر
يا غائبين ومالي غيرهم وطر
…
أهكذا تنقضي الأيام والعمر
ولا-للقياكم عين ولا أثر
سقيا لعهد ليالينا التي انصرمت
…
كانت لآلئ في سلك المنى التأمت
حلّت عراها يد الأيام فانفصمت
…
كنّا فرائد في عقد قد انتظمت
فأصبح العقد منا وهو منتثر
أسراركم في صميم القلب مودعة
…
مصونة وعن الواشي ممنّعة
ومذ بعدتم فما في العيش منفعة
…
يا ليت شعري والآمال مطمعة
هل يستعيد ليالي وصلنا القدر
يا ليت شعري هل للملتقى سبب
…
بهائم ماله في غيركم أرب؟ (1)
[123/أ]
. . . المنسدل الأطناب. ومعدن الندى الأصلي المنسكب السحاب. القاضي الفقيه الأوحد، الذي فضائله لا تجحد، الحافل. الكامل، الصدر، العدل النزيه، السليم الصدر. علم الأعلام، حجة الإسلام أبي محمد الأوربي (*) خصهم الله من المسرات بأضفاها جلبابا، وفتح بهم إلى السّعود بالصعود أبوابا:
ومن مثل قاضيهم ندى وتكرّما
…
وهل هو إلا النّيل نائله غمر
فشتّان ما بين البحار وبينه
…
فمورده عذب وموردها مرّ!
(1) تنقطع المسمطة هنا. وتبدأ في الورقة التالية رسالة يبدأ أولها من وسط السطر. وظاهر أن الرسالة غير تامة، ذهب منها جزء من أولها. وهذه الحال في النسختين. غير أن ناسخ «ط» ترك نصف صفحة، ولعله فعل ذلك ليستدرك تتمة المسمطة وأول الرسالة. وما ندري أكان هذا الفراغ تعيينا لحجم الكلام الناقص أم تقديرا.
(*) الفقيه العالم قاضي الجماعة أبو محمد عبد الله الأوربي، الفاسي (701 - 782). ذكره أبو زكريا السراج في فهرسته، وابن الأحمر أيضا في فهرسته. ونقل عنهما أحمد بابا في نيل الابتهاج.
جعل الله تعالى في عمره البركة، وقرن له بالسعد كل سكون وحركة. فلقد أحسن إلينا وجاد، وأنعم علينا فأجاد. فانتظم شملنا بإحسانهم الغمر واتسق. وانعطفت علينا مواهبهم الجزيلة عطف بيان ونسق. فأصبح -بحمد الله-ما رسمه خط الفيض في صفحات نفوسنا ممحوا براحة البسط والعافية، وأمست رسوم الاحتياج دارسة عافية. ولنرجع مع أخينا في الله عز وجل-إلى الكلام الأول الذي هو المقصود وعليه العمل والمعول.
فنشهد الله لقد فاق نظم الحريري في رصفه ووصفه دركي؛ لاشتماله من جواهر العلوم على أعظمها خطرا، وانطوائه من رقوم الأدوات على أشرفها نظرا.
فلله دركم لقد بلغتم من الشعر الرائق اللائق بالمحل ما كان له أهلا! فلكم من الغارات على الأشعار ومبانيها، والفصول المستوحاة ومعانيها المحل الأعلى.
فمثلكم من برز في ميدان المسابقة بالرسائل، وهز خطّية الخط لالتئام المؤاخاة وسائل. ودل سائله على كنز الندى ومعدن الجدا فنجح دالّ وسائل. فالدال على الخير كفاعله. فلا خاب ببركة الله قصد لمنيله ونائله.
لأنت أجلّ أخ يعتقد
…
وأذكى أديب بهذا البلد
فرد مورد العين فيمن ورد
…
ودع كل من قام أو من قعد
ولا تلتفت غير من بابه (؟)
…
به العزّ يبلغه من قصد (1)
وكن حازما واختلس وافترس
…
فما الافتراس يخاف الأسد
ويعلم تعالى لمبادرتنا بالجواب على مكاتبكم آكد في النفس من اجتذاب النفس الذي به حياتها وقيامها، ومنه غذاؤها وقوامها. ولقد شرعنا فيه ساعة إراءته كراهية التكاسل عن التراسل، والتراخي عن القيام بحق التواخي فاقتضبناه في غاية الاستعجال، واختصرناه كراهية التطوال. وانتقينا درره من اللغة الفصيحة استثقال الأجنبية. ونزهناه عن المعاني الغامضة واللغات الوحشية، اقتفاء لآثار الفصحاء من الأوائل والأواخر. واقتداء بما أشار إليه الشاعر:
(1) هكذا فيهما.