الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لئن ضحكت سرورا بالوصال لقد
…
بكيت للبعد حزنا والدّموع دم
«هم علّموني البكا ما كنت أعرفه
…
يا ليتهم علّموني كيف أبتسم!»
الفقيه الرئيس الحاجب الكاتب صاحب القلم الأعلى محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أبي عمرو التميمي
(*):
[كنيته:]
يكنى أبا عبد الله وأدركته ورأيته.
وهو من أهل تلمسان. وأصل سلفه من الأندلس. من بيت أصالة وتعيين (1). ومحمد والده كان من أهل العلم التام. درّس العلوم بتلمسان وأفتى بها
(*) الفقيه الحاجب، الرئيس الكاتب، محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أبي عمرو التميمي (ت 756) من أسرة اشتهرت بالعلم والأدب، وانخرط كثير من رجالاتها في خدمة عدد من الدول كالمرينيين والحفصيين. حجب أبو عبد الله محمد (المترجم به هنا) لأبي عنان المريني ونال حظوة لديه، وثقة واسعة، فقلده عددا المناصب منها «خطة السيف» كما قال ابن الاحمر في مستودع العلامة، وأسند إليه ولاية بجاية، فاستمر عليها الى وفاته:756. قال في البستان «وسيقت جنازته إلى تلمسان فدفن فيها». (ترجم له ابن مريم في كتابه «البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان»:228، وقال فيه: «له همة عظيمة وعلم وشأن كبير». وابن الأحمر في مستودع العلامة:36 وقال إن أبا عنان قدمه على الإمارة ببجاية بينما قال هنا في نثير الجمان إنه ولاه بجاية وقسنطينة، ولعل قسنطينة كانت تابعة آنذاك لبجاية، فلا تعارض. وذكره ابن القاضي في درة الحجال 2:265 وفيه. . . ابن أبي عمر التميمي، وهو خطأ من الناسخ والمحقق، وذكره ابن الأحمر في روضة النسرين. وأورد ابن الأحمر في مستودع العلامة نسقا من أولاده وأحفاده خدموا في الدولة المرينية في مناصب كتابية رفيعة انظر 37 - 41).
(1)
فيهما. وسترد «تعين» بياء مشددة في الترجمة التالية.
وكان من عباد الله الصالحين، ومن الأولياء المخلصين. وحسبه من ورعه أنه ولي القضاء بتلمسان سنين طائلة، فلما توفي لم يوجد له غير قطيفة، ووسادة صوف، نفع الله به.
ومن سعة علمه أنه رتب التبصرة للإمام أبي الحسن اللخمي وأتى بها نسقا على أبواب التهذيب؛ ومسائله اعتنى بها فقهاء الأمصار وعرفوا بها قدره في العلوم.
وقدّمه على قضاء الجماعة بتلمسان أمير المسلمين المنصور بالله أبو الحسن علي المريني، فأظهر من التصميم في الحق وإقامة منار الشريعة ما يكل اللسان عن وصفه. وأحمد والد محمد كان أيضا [64/أ] من أهل العلم البارع، ودرّس العلوم، وأفتى، وولي قضاء الجماعة في بعض بلاد إفريقية. وكان علي والد أحمد إماما عالما مدرسا مفتيا محدثا حافظا، وولي قضاء الجماعة بتونس لأمير المؤمنين المستنصر بالله، المنصور بفضل الله أبي عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الموحّد؛ وقدمه المستنصر بالله هذا على حجابته، وقلده خطّة علامته.
ونسبه في تميم، ويقال إنه من بني الأغلب التميميين، ملوك إفريقية.
والحاجب أبو عبد الله هذا كان ملازما لأمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان المريني في الصّحبة بتلمسان (1)، في إمارته حين قدمه
(1) تلمسان: مدينة شهيرة في المغرب الأوسط. كان لها دور بارز في تاريخ المنطقة منذ استقلال بني زيان واتخاذهم تلمسان عاصمة لهم. وهي مركز ثقافي وحضاري هام على مدى الأعصر الإسلامية. وتقع اليوم في القطر الجزائري. وهي تزخر بأثار إسلامية موحدية ومرينية هامة.
أبوه أمير المسلمين المنصور بالله أبو الحسن عاملا عليها، فلما بويع بها المتوكل على الله أبو عنان، وسار منها إلى فاس مقعد الملك المريني، قدمه حاجبا له وصاحب علامته، وبلغ لديه جاها عظيما لم يبلغه غيره. وكان أحد الأجواد لا يقاس إلا بمن تقدّم من البرامكة وأمثالهم. وكان قد أعطاه مخدومه السّلطان أبو عنان بعد أن حجبه عشرة من الطّبول وعشرة من البنود، وقدمه أميرا ببجاية (1) وقسنطينة (2) فظهر له هنالك من الآثار الجميلة ما أنسى بها من تقدمه من الحجاب والأمراء. وببجاية توفي في سنة ست وخمسين وسبعمائة، وسيق منها فدفن بتلمسان. فوجد لفقده السّلطان أبو عنان حزنا عظيما أداه ذلك لأن بعث أعز بنيه عنده-وهو الأمير أبو زيان محمد-لبحضر جنازته بتلمسان، وأخرجه حزنه أيضا عليه لأن رثاه بقوله:
ألمّا بأجداث العلى والمناصب
…
تحيي ثراها واكفات السّحائب
وعوجا بأكناف الضّريح الذي حوى
…
من الجود والإفضال أسنى المراتب
ألا بكّيا غيث المواهب والجدا
…
وليث الشّرى نجل السّراة الأطايب
(1) بجاية: مدينة ساحلية بين إفريقية (تونس) ومدينة الجزائر. وهي الآن في القطر الجزائري
(2)
قسنطينة: مدينة كبيرة تقسع اليوم في القطر الجزائري (في الشرق منه)، وكانت لها قلعة كبيرة عالية حصينة.
[64/ب]
وجودا بوبل الدّمع تهمي شؤونه
…
كما هتنت مزن الغيوث السّواكب
5 وبوحا بأنّ المجد أقوت ربوعه
…
وزلزل منه مشمخرّ الأهاضب
فيا رجل الدّنيا وواحدها الذّي
…
تحثّ لمغناه مطيّ الرّكائب
لقد كنت لي أنسا وخلاّ وصاحبا
…
فبنت ولم تثن العنان لصاحب
وقد أنشبت فيك المنيّة ظفرها
…
وما غادرت يوما منيع الجوانب
سقتك صروف الدّهر كاسات حتفها
…
وجرّعت منها مفظعات المشارب
10 ولاقيت مكروه الحمام وقد سرى
…
عبير ثناك في الرّبا والسّباسب
رزئت أبا عبد الإله بفقدكم
…
فها أنا ذا أشكو بريب النّوائب
مسعّرة نار الجوى في جوانحي
…
تذكّرني عهد النّصيح المراقب
لقد رزئت فيك السّماحة والنّدى
…
وضعضع منها جانب أيّ جانب
وما كنت إلا الطّود والبحر والسّنى
…
تضيء ضياء الزّاهرات الثّواقب
15 وما كنت إلا حائزا كلّ شيمة
…
من الفضل سبّاقا لبذل الرّغائب
فما اختصّت الأملاك مثل محمّد
…
ولا خصّت الأملاك منه بحاجب
ولا نالت الأشراف ما نلت من علا
…
وما هي ندّ في النّهى والمناصب
وإن خصّ منهم ماجد بمزيّة
…
فقد حزت في العليا جميع المناقب
نمتك إلى المجد الأثيل خصائص
…
يقصّر عنها نجل زيد وحاجب (1)
20 ظعنت من الدّنيا حميدا مقرّبا
…
وسرت بريئا من ذميم المثالب
وتالله ما دمع براق (2) وإنّما
…
أكفكف منه كالعهاد الصوائب (3)
تغمّدك الرّحمن منه برحمة
…
وبلّغك الزّلفى وأقصى المآرب
(1) المشهورون ممن تسمى بزيد كثيرون، وفيهم زيد الخيل (000 - 9) من أبطال العرب، وحاجب بن زرارة (000 - 3؟) من سادات العرب في الجاهلية.
(2)
رقأ الدمع: جف وسكن.
(3)
العهاد جمع العهد: أول مطر الوسمي.