الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاله-رحمه الله تعالى
-:
كان عالما بالحساب، حافظا بالأنساب، عارفا بالطبّ والنّجوم، كما كان له في الشعر النّجوم!
فمن قوله:
يا غائبا في الضّمير ما برحا
…
إني محل (1) الهوى وإن نزحا
لم تضمر الصّبر عنك جارحة
…
ولا فؤادي لسلوة جنحا
مستعبر المزن فيك أدمعه
…
يظلّ يبكيك كلّما سنحا
ولا أرى البرق عاد مبتسما
…
بعدك بل زند شوقه قدحا
وما تغنّى الحمام من طرب
…
بل يعلن النّوح كلّما صدحا
الفقيه الكاتب محمد بن عبد الله بن أبي مدين شعيب العثماني
(*):
[كنيته:]
يكنى أبا الحسن، وأدركته، ورأيته، وكتب للملوك من بني مرين بحضرتهم.
وكان أبوه عبد الله (**) هو الذي نجم في بني أبي مدين في خدمة الملوك من بني مرين. قلدوه الحجابة ورياسة الكتاب، وكان أحد الموصوفين
(1) كذا فيهما.
(*) تحدث ابن خلدون في «التعريف» وابن الأحمر في «مستودع العلامة» عن أسرة بني أبي مدين، فقد كانت أسرة علم واشتهار بالخدمة السلطانية. ونص ابن خلدون «ص 40» أنه كتابة العلامة كانت مقصورة على هذا البيت. وقد ألم ابن الأحمر في هذا الكتاب ونثير الجمان بذكر نفر من مشهوري هذه الأسرة، وتعد أخباره عنه وإشاراته مصدرا أساسيا عنهم لاستفاضته في بعض تراجمه، وتقصيه، ومعاصرته، ومعرفته ببعضهم معرفة شخصية.
(**) انظر ترجمة لعبد الله بن أبي مدين في مستودع العلامة:41، والتعريف 40.
بالكرم الفائق، كانت عطاياه هنيدات (1).
أخبرني بفاس غير واحد ممن رآه أن عطاياه كانت من خمسين دينارا ذهبا، إلى مائة دينار مثلها، إلى أكثر من ذلك.
ومولده بقصر كتامة (2)، ونشأ بمكناسة الزيتون (3)، وبها قرأ القرآن وتفقّه؛ فتعلق بخطة [71/ب]، التوثيق، وسكنها مدة. ثم ارتحل عنها إلى فاس فأقام بها موثقا بسماط شهودها، وكان أصل قربه من دار السلطان أن الوزير أبا علي عمر بن الوزير السعود بن خرباش الحشمي (4) طلب من قاضي مكناسة في حينه كاتبا لنفسه يكون حسن الحظ، فعرفه بعبد الله هذا؛ فاستكتبه. وانتقل بعد وفاة الوزير عمر بن السعود لقراءة الحزب بدار أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحقّ. ثم تعلق بخدمة السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحقّ على يد (5). . . من كتاب الحضرة السلطانية اليعقوبية على يد صاحب قلمها الأعلى أبي عبد الله محمد الكناني. فلما توفى الكناني قدمه السلطان أبو يوسف للعلامة فكان يعلم، وأبو الطيب الكناني أخو المتوفى يعلم، وأبو عبد الله محمد بن الربيب الكتامي يعلم، وأبو عبد الله
(1) الهنيدة المئة من الإبل.
(2)
قصر كتامة أو مدينة قصر عبد الكريم، غربي مكناسة بانحراف إلى الشمال، (انظر تقويم البلدان لابي الفدا:133، والاستبصار:190).
(3)
مكناسة الزيتون: مدينة بالمغرب «في المملكة المغربية» ، من نظر فاس إلى جهة المغرب، وهي مدينة جليلة وكانت في معظم الأوقات مركز نشاط حضاري وعمراني. قال في الاستبصار: وزيتها أكثر زيت في المغرب. (انظر الروض المعطار 544، وتقويم أبي الفداء 123، والستبصار 178).
(4)
تحدث السلاوي عن بعض خبره في الاستقصا 3:75.
(5)
بياض بمقدار كلمة في الأصلين.
محمد العمراني يعلم؛ من حضر منهم علم. فمات السلطان أبو يوسف، وولي بعده السلطان أبو يعقوب يوسف فبقي كاتبا كما كان، إلى أن استبد بأمور أبي يعقوب كلها، وقلده الحجابة ورياسة الكتاب، ولم يزل كذلك إلى أن توفي أبو يعقوب، وولي بعده حفيده ابن ابنه، أبو ثابت عامر. فبقي على ذلك إلى أن مات أبو ثابت وولي أخوه لأبيه أبو الربيع سليمان، فبقي على ذلك إلى أن قتله أبو الربيع في عام عشرة وسبع مئة.
وأبو مدين شعيب والد عبد الله كان منخرطا في سلك المتصلحين، فصيح اللسان، وكان يصلي في بعض الأوقات بالسلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق. وليس هو أبو مدين شعيب بن الحسين (1) الأنصاري الاشبيلي الأندلسي
(1) سيدي أبو مدين شعيب بن الحسين الأندلسي، اشتهر بشيخ المشايخ، قال فيه أبو الصبر شيخ مشايخ وقته: كان أبو مدين زاهدا فاضلا عارفا بالله تعالى. وقال التادلي: كان مبسوطا بالعلم مقبوضا بالمراقبة، كثير الالتفات بقلبه إلى الله تعالى حتى ختم بذلك. وكان من أعلام العلماء وحفاظ الحديث خصوصا جامع الترمذي وكان يقوم عليه. وكان يلازم كتاب الإحياء ويعكف عليه، وترد عليه الفتاوى في مذهب مالك فيجيب عنها في الحال. وكان شيخه أبو يعزى يثني عليه جميلا، ويخصه بين أصحابه بالتعظيم والتبجيل. قضى في الأندلس مدة من حياة الصبا، ثم ارتحل إلى المغرب، واستقر بفاس يتلقى علومه ويتعبد ويلتقي بالعباد الزهاد، فأخذ عن ابن حرزهم وابن غالب وغيرهما. ولزم الشيخ أبا يعزى الفقيه الزاهد، واستأذنه في الحج فأدى الفريضة ولقي سيدي عبد القادر الجيلاني ولبس منه الخرقة وقرأ عليه كثيرا من الحديث في الحرم. وعاد فاستوطن بجاية فاشتهر أمره وقصده الناس وطار صيته حتى وشى به بعضهم إلى أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي فاستقدمه الأمير ووصى صاحب بجاية أن يرفق به، فقال أبو مدين لأصحابه وتلاميذه-وقد تغيروا لطلب الأمير-أنا لا أرى السلطان ولا يراني!» =