الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقيه الضرير:
محمد بن أحمد بن علي بن جابر الهواري
(*):
[كنيته:]
يكنى: أبا عبد الله، ويعرف بابن جابر، وهو من أهل المرية. وارتحل عن الأندلس إلى المشرق، فحج، واستوطن مدينة حلب من الشام؛ ودرّس بها العلوم، وكان (1) أهل الفتيا فيها.
حاله-رحمه الله
-:
تحلى بعلوم بارعة، ومحاسن لأشتات الفوائد جامعة، وهو سراج الأدب المتوقد الضياء، والمستولي على أمد المكارم والحياء. وشعره مهما فري يستلم، أرق وأجزل من شعر الرّضي بذي سلم (1). مع النثر البديع، الذي فاق به البديع، الذي نجم في الأندلس فسما بأدبه، وطلب العلوم فحازها بطلبه. وارتحل عن الأندلس للطلب، فاحتل من الشام بحلب. فدرس العلوم بها، [57/ب] ونجح مطلوبه بسببها.
فمن قوله يمدح ابن عم أبينا أمير المسلمين أبا الحجاج:
عليّ لكل مكرمة ذمام
…
ولي بمدارك المجد اهتمام
وأحسن ما لديّ لقاء حر
…
وصحبة معشر بالمجد هاموا
(*) ممن ارتحلوا إلى المشرق أبو عبد الله بن جابر الضرير (ت 780) وعرف في المشرق بلقب شمس الدين. صاحب بديعية العميان، ارتحل مع صاحبه الرعيني. قال في النفح (2:664) له أمداح نبوية كثيرة وتواليف منها شرح ألفية ابن مالك وغير ذلك، وله ديوان شعر. وأمداحه النبوية في غاية الإجادة. (ترجمته في نفح الطيب 2:664، والدرر الكامنة 3:339، ونكت الهميان 244، والوافي للصفدي 2:157، وبغية الوعاة 1:34 ودرة الجمال 2:242)
(1)
كذا فيهما.
وإني حين أنسب من أناس
…
على قنن النجوم لهم مقام
يميل بهم إلى المجد ارتياح
…
كما مالت بشاربها المدام
5 هم لبسوا أديم اللّيل بردا
…
ليسفر عن مرادهم الظّلام
هم جعلوا متون العيس أرضا
…
فمذ عزموا الرّحيل فقد أقاموا
فمن كلّ البلاد لنا ارتحال
…
وفي كلّ البلاد لنا مقام
وحول موارد العلياء منها
…
لنا مع كلّ ذي شرف زحام
تصيب سهامنا غرض المعالي
…
إذا ضلّت عن الغرض السّهام
10 وليس لنا من المجد اقتناع
…
ولو أنّ النجّوم لنا خيام
أنزّه (1) عرضنا عن كل لؤم
…
فليس يشين سؤددنا ملام
ونبذل، لا نقول: العام ماذا (2)
…
سواء كل خصب أو حطام
وإن حضر الكلام ففي يدينا
…
ملاك أمورهم ولنا الكلام
وفينا المستشار بكلّ علم
…
ومنّا اللّيث والبطل الهمام
15 فميدان الكلام لنا مداه (3)
…
وميدان الحروب بنا يقام
كلا الأمرين ليس له بقوم
…
سوانا [عند](4) نازلة تمام
نريق دم المداد بكلّ طرس
…
وليس سوى اليراع لنا سهام
(1) في الأصلين أنزه، والأشبه «ننزه» .
(2)
فيهما «ماذا» ، ولعلها محرفة عن مثل «محل» .
(3)
فيهما: مدامه. ونرجح ما أثبت.
(4)
أسقط النساخ كلمة من الشطر الثاني. وما بين معقوفتين مقترح.
ونكتب في المثقّفة العوالي
…
بحيث الطّرس لبّات وهام!
[58/أ]
إذا عبست وجوه الدّهر منّا (1)
…
إليها فانثنت ولها ابتسام
20 ومهما اعوجّت الأيّام كنّا
…
لها في كلّ معضلة قوام
وجرّ لباسها لأمات حرب
…
لهنّ بمحكم السّرد اتسّام
نجرّدها وحدّ السّيف كاس
…
ونلبسها إذا عري الحسام
ونبسم والوجوه لها انقباض
…
وننهض والسّيوف لها انثلام
ولولا صبرنا في كل حرب
…
لكان لجانب الدّين اهتضام
25 نحارب دونه الأعداء حتّى
…
تذلّ لعزّه النّوب العظام
لقد علمت ملوك الرّوم أنّا
…
أناس ليس يعوزنا مرام
وليس يضرّنا أنّا قليل
…
لعمر أبيك ما كثر الكرام!
إذا ما الرّاية الحمراء هزّت
…
فثمّ هناك للحرب ازدحام
وما احمرّت سدّى بل من دماء
…
لهنّ على جوانبها انسجام
30 نظلّل من بني نصر ملوكا
…
حلال النوم عندهم حرام
فكم قطعوا الدّجا في وصل مجد
…
وكم سهروا إذا ما النّاس ناموا
(1) كذا فيهما. والأشبه أن تكون مثل «قمنا» .
إذا بان العجاج بيوم حرب
…
فما يدرى الوراء ولا الأمام
هدتهم نحو قصدهم وجوه
…
لها من رائق البشر ابتسام
كتائب لا يفلّ لها اعتزام
…
وليس يعيب مقدمها انهزام
35 إذا ركبوا متون الخيل قالت
…
عداتهم: على العمر السّلام!
رأوا أنّ العلا سيف وسيب
…
فما لهم بغيرهما اهتمام
يعدّون السيوف فنون زهر
…
ومن أغمادهنّ لها كمام!
فما غير الدّماء لهم مدام
…
ولا غير الرّماح لهم مرام
[58/ب]
وليس نجومهم إلا العوالي
…
وليس سماؤهم إلا القتام
40 وآكد ما عليهم بذل نعمى
…
ومنهم تعرف النّعم الجسام
وما افتتحوا بغير النّصل أمرا
…
ولا بسواه عندهم اختتام
فما لجميل شكرهم انتهاء
…
ولا لجزيل جودهم انصرام
بنوا في المجد ما لم يبن قدما
…
فما لمشيد مجدهم انهدام
يعوّض منهم ماض بآت
…
له بحياة مجدهم اهتمام
45 أقام لهم أبو الحجّاج ذكرا
…
كأنّهم من الأجداث قاموا
تأمّل كل مكرمة لديه
…
ففيه لنا نظام والتئام
فتى فضل الملوك بكل وجه
…
ووافق خلقه خلق كرام
فبين الخلق والأخلاق منه
…
جمال الرّوض باكره الغمام
تراه-مع الشباب-أعفّ شخص
…
على كشحيه قد عقد الحزام
نقيّ (1) عرضه عن كلّ شين
…
سليم فعله عما يذام (2)
لقد نهضت جياد علاه حتّى
…
غدا ولها على الأفق الزّحام
فموردها المجرّة لا بصدّى (3)
…
ومرعاها الكواكب لا الإكام (4)
ومن بين البروج لها مجال
…
وفي أيدي الرّياح لها زمام
بحقّك هل تقصّر من مراد
…
جياد قادها ذاك اللّجام؟
55 وما تركت مدى في المجد إلا
…
عليه لها استباق واقتحام
فمن نسج النّجيع لها جلال (5)
…
ومن حبك السّماء لها حزام (6)
هو البحر الذي لولا نداه
…
لكان لكل ذي أمل أوام (7)
فما لي ليس أنفق فيه شعري
…
ولولاه لما نفق الكلام!
(1) في الأصلين: تقي. ونرجح ما أثبت.
(2)
فيهما: يرام، ونرجح ما أثبت.
(3)
صدى: ركية «بئر» ليس عند العرب-قالوا-أعذب منها.
(4)
الإكام ج أكمة (التل).
(5)
الجلال جمع جل (بالفتح) ما تغطى به الدابة لتصان.
(6)
الحبك جمع حبيكة وهي مسير النجم.
(7)
الأوام: العطش.