الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي وغيرهما من عدة طرق مختلفة العبارة.
منها ما رواه ابن ماجه من طريق الليث بن أبي سليم والحجاج بن أرطأة عن نافع عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أدخل الميت القبر قال باسم الله وعلى ملة رسول الله. وفي رواية له باسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله.
وفي رواية الترمذي باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله. وروى الطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم عن ابن عمر أنه قال: إذا وضعتم موتاكم في قبورهم فقولوا باسم الله وعلى ملة رسول الله. قال الحاكم حديث صحيح على شرط الشيخين.
وروى الطبراني من طريق عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال قال أبي اللجلاج أبو خالد: يا بنيّ إذا أنا مت فألحدني فإذا وضعتني في لحدي فقل باسم الله وعلى ملة رسول الله ثم شن على التراب شنًا ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ذلك. وشن بضم الشين المعجمة أي رش على التراب الماء رشًا مترفقًا وبالسين المهملة أي رشًا متواليًا
(باب الرجل يموت له قرابة مشرك)
بتنوين قرابة على تقدير مضاف ومشرك صفة أي ذو قرابة مشرك أيباشر تجهيزه أم لا؟
وفي نسخة "باب الرجل يموت له والد مشرك"
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ. قَالَ "اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ثُمَّ لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي". فَذَهَبْتُ فَوَارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ وَدَعَا لِي.
(ش)(رجال الحديث) يحيى القطان. و (سفيان) الثوري. و (إسحاق)، السبيعي. و (ناجية بن كعب) ويقال ابن خفاف الأسدي العنزي أبو خفاف الكوفي. روى عن ابن مسعود وابن عمار عليّ. وعنه أبو إسحاق وأبو حسان الأعرج ووائل بن داود. قال العجلي ثقة وقال ابن المديني مجهول وقال الجوزجاني مذموم وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود والترمذي والنسائي
(معنى الحديث)
(قوله إن عمك الشيخ الضال) هو أبو طالب وأسمه عبد مناف اشتهر بكنيته عم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشقيق أبيه، ولد قبل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بخمس وثلاثين سنة، ولما مات عبد المطلب جد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله
وسلم في السنة الثامنة من عمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كفله أبو طالب بوصية من عبد المطلب وأحسن كفالته، فإن لأبي طالب في كفالته اليمن والبركة له ولولده ولأهل بيته ودافع عنه حين هم القوم بعداوته.
ولما رغبت خديجة في التزوج منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكر ذلك لأعمامه وخرج معه حمزة وكلم أباها فقبل وحضر رؤساء قريش وخطب أبو طالب فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معدّ وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسوّاس حرمه وجعل لنا بيتًا محجوجًا وحرمًا آمنًا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن أخي هذا محمَّد بن عبد الله لا يوزن به أحد إلا رجح، فإن كان في المال قل فالمال ظل زائل وأمر حائل ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا "روي أنه أصدقها اثنتى عشرة أوقية من ذهب" وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل اهـ
والقل بفم القاف القلة، والضئضئ والعنصر الأصل: ولما بعث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام بنصرته أبو طالب وذب عنه من عاداه ودافع عنه بنفسه ولسانه وأهل بيته. ولما اجتمعت قريش في السنة السابعة من البعثة وتعاهدوا علي مقاطعة بني هاشم وبني المطلب في البيع والشراء والنكاح وغيرها لنصرتهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة انحاز بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب ودخلوا معه في شعبة ولما رأى أبو طالب ما أجمعوا عليه قال
ألا بلغا عني على ذات بيننا
…
لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمَّدًا
…
نبيًا كموسى خط في اللوح والكتب
وأن عليه في العباد محبة
…
ولا خير فيمن خصه الله بالخب (أي الخداع)
(إلى أن قال)
فلسنا ورب البيت نسلم أحمدًا
…
لعزاء من عض الزمان ولا كرب
"وعزاء" بفتح العين وضمها وتشديد الزاي الممدودة "الداهية العظيمة" وقد اشتهرت الأخبار بمدافعته وذبه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتحمل الضرر لأجله وما أحسن قوله في ذلك
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
…
حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
…
وابشر وقر بذاك منك عيونًا
ودعوتني وعرفت أنك ناصحي
…
ولقد صدقت وكنت ثم أمينًا
وعرضت دينًا قد عرفت بأنه
…
من خير أديان البرية دينًا
لولا الملامة أو حذار مسبة
…
لوجدتنى سمحًا بذاك مبينًا
وما أحسن قوله في قصيدته الكبرى
كذبتم وبيت الله نبزا محمدًا
…
ولما نطاعن حوله ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله
…
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد
…
وإخوته دأب المحب المواصل
فمن مثله في الناس أي مؤمل
…
إذا قاسه الحكام عند التفاضل
حليم رشيد عادل غير طائش
…
يوالي إلهًا ليس عنه بغافل
فوالله لولا أن أجيء بسبة
…
تجر على أشياخنا في المحافل
لكنا اتبعناه على كل حالة
…
من الدهر جدا غير قول التهاذل
لقد علموا أن ابننا لا مكذب
…
لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل
فأصبح فينا أحمد في أرومة
…
تقصر عنها سورة المتطاول
حدبت بنفسي دونه وحميته
…
ودافعت عنه بالذرى والكلاكل
وقوله نبزا بضم فسكون أي نغلب ونقهر. وكلفت بالبناء للمفعول تعلقت به تعلقًا شديدًا وقوله وإخوته يعني بهم أولاد نفسه. وأرومة بفتح الهمزة الأصل. والسورة تطلق على الغضبة والحدة والبطش: وحديث عطفت وملت. والذرى جمع ذروة وهي أعلى الشيء. والكلاكل جمع كلكل وهي عظم الصدور:
وقد وصى قريشًا عند موته باتباعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان مما قال: والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد. ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد. ولو كان بنفسي مدة ولأجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز " أي البلايا والحروب" ولدافعت عنه الدواهي. وفي السنة العاشرة من البعثة مات أبو طالب فاشتد حزن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونالت قريش من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب
(قوله فوار أباك) أي استره بالدفن. فوار أمر من المواراة، وهي الستر. وقد جاء أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره أيضًا بغسله وتكفينه. فقد روى ابن سعد في الطبقات بسنده إلى على قال: لما أخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بموت أبي طالب بكى ثم قال لي اذهب فاغسله ثم كفنه وواره. ففعلت ثم أتيته فقال لي اذهب فاغتسل، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر له أيامًا ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية". وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده إلى عليّ قال عمك الشيخ قد مات فما ترى فيه، قال أرى أن تغسله وتسجيه وأمره بالغسل
(وظاهر الحديث) أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يشيع جنازة أبي طالب، لكن قال البيهقي: روى أبو داود في المراسيل عن عمرو بن عثمان عن بقية وعن محمَّد بن عوف عن أبي المغيرة كلاهما عن صفوان
عن أبي اليمان الهوزني قال: لما توفي أبو طالب خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعارض جنازته. قال ابن عوف فجعل يمشي مجانبًا لها وهو يقول: برتك رحم وجزيت خيرًا ولم يقم على قبره. وفي نسخة رحمة بدل رحم (1) ، أي "الإحسان إليك بالسير في جنازتك من صلة الرحم
(قوله فأمرني فأغتسلت) أمره بالغسل لكونه غسل أبا طالب ومن غسل ميتًا ينبغي أن يغتسل، أو لكون أبي طالب مشركًا وهو نجس لقوله تعالى "إنما المشركون نجس" والظاهر الأول لعموم حديث من غسل ميتًا فليغتسل كما تقدم
(فقه الحديث) دل الحديث على أن المسلم إذا مات له قريب كافر يقوم بدفنه، وكذا بغسله وتكفينه كما في الروايات الآخر. وإليه ذهبت الحنفية والشافعية. وقالت المالكية والحنابلة إن المسلم لا يغسل قريبه الكافر ولا يكفنه ولا يدفنه إلا أن يخاف عليه الضياع فيواريه وجوبًا مكفنًا في شيء لقوله تعالى "يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قومًا غضب الله عليهم" وغسلهم ونحوه تول لهم ولأنه تعظيم لهم وتطهير فأشبه الصلاة عليهم. وعلى مشروعية الغسل لمن باشر تغسيل الميت ولا سيما إذا كان كافرًا. وعلى أن أبا طالب مات كافرًا، ولهذا لم يصل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يأمر عليًا بالصلاة عليه.
ويدل لهذا أيضًا ما رواه مسلم والبخاري واللفظ له من طريق ابن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعنده أبو جهل فقال: أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنه. فنزلت "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم" ونزلت "إنك لا تهدى من أحببت"
ويؤيده أيضًا ما رواه الشيخان من طريق عبد الله بن الحارث قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب قال للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أغنيت عن عمك؟ فوالله كان يحوطك ويغضب لك قال هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. والضحضاح بفتح المعجمتين بينهما حاء مهملة الماء يبلغ الكعب فاستعير للنار.
وفي حديث ابن عباس عند مسلم إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب له نعلان يغلي منهما دماغه. وللبزار من حديث جابر قيل للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هل نفعت أبا طالب؟ قال أخرجته من النار إلى ضحضاح منها. ولهذا الأحاديث ونحوها قال أكثر أهل العلم إن أبا طالب مات كافرًا. وبه تعلم بطلان ما ذهب إليه بعض الشيعة من أنه مات مسلمًا مستدلين بأحاديث لا يثبت منها شيء.
(1) وبرة اسم علم بمعنى البر