الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَا نَا مُحَمَّدٌ -هُوَ ابْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ- عَنْ أَبِيهِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ زَادَ أَبِي يُبْدِلُهَا لَهُ.
(ش)(أبو عبيدة) عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن الكوفي. تقدم بالثامن ص 67 و (سالم) بن أبي الجعد
(قوله نحوه الخ) أي روى سالم عن كريب نحو حديث حبيب بن أبي ثابت عن كريب، لكن زاد سالم في روايته "أبي يبدلها" أي قال ابن عباس. أبي العباس يريد إبدال الإبل التى أعطيت له من الصدقة بإبل من غيرها تورعًا عن أن يصله شيء من الصدقة ولو باعتبار الأصل كما تقدم، وفي نسخة "أي يبدلها" بأي التفسيرية بضم أوله مضارع بدل بتشديد الدال المهملة أو أبدل وفي بعض النسخ يبدلها له
(باب الفقير يهدي للغني من الصدقة)
بضم المثناة التحتية من الإهداء. يقال: أهديت للرجل كذا بعثت به إليه إكرامًا
(ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِلَحْمٍ قَالَ "مَا هَذَا". قَالُوا شَىْءٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ".
(ش)(قوله أتى بلحم) بالبناء للمفعول أي قدم إليه
(قوله ما هذا الخ) يعني من أين لكم هذا بدليل الجواب. وبريرة بفتح فكسر. كانت أمة فأرادت عائشة شراءها لتعتقها فاشترط مالكوها أن يكون لهم الولاء، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال اشتريها وأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق
(قوله هو لها صدقة الخ) أي اللحم المتصدق به على بريرة صدقة بالنسبة لها وهدية بالنسبة لنا، فصدقة بالرفع خبر هو، ولها متعلق بمحذوف حال من صدقة، وسوغ مجيء الحال من النكرة تقدمها على صاحبها. ويصح جعل لها خبرً فتكون صدقة منصوبة على الحال من الضمير المستكن في متعلق الخبر
(فقه الحديث) دل الحديث على أن الصدقة يزول عنها وصف الصدقة بقبض المتصدق عليه لها، ويحل إهداؤها لمن تحرم عليه الصدقة. وعلى إباحة الهدية للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولو كان المهدى ملكها بطريق الصدقة. والفرق بين الهدية والصدقة، أن الهدية ما يقصد بها ثواب الدنيا، والصدقة ما يقصد بها وجه الله تعالى وثواب الآخرة
(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم مطولًا عن عائشة قالت: كان في بريرة ثلاث سنن: إحدى السنن أعتقت فخيرت في زوجها، وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الولاء لمن أعتق، ودخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والبرمة تفور بلحم فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت، فقال: ألم أر البرمة فيها لحم؟ قالوا بلى ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة، فقال هو عليها صدقة ولنا هدية. وأخرجه النسائي، وفي سنده قتادة ابن دعامة وهو مدلس لا يحتج بحديثه إذا عنعن كما في رواية المصنف، لكنه صرح بسماعه من أنس في رواية البخاري ومسلم فانتفى التدليس
(باب من تصدق بصدقة ثم ورثها)
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نَا زُهَيْرٌ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ كُنْتُ تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِوَلِيدَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ وَتَرَكَتْ تِلْكَ الْوَلِيدَةَ. قَالَ "قَدْ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ فِي الْمِيرَاثِ".
(ش)(رجال الحديث)(زهير) بن معاوية. و (عبد الله بن عطاء) الطائفي المكي أبو عطاء مولى المطلب بن عبد الله بن قيس. روى عن عكرمة بن خالد ونافع مولى ابن عمر وأبي الطفيل وعقبة بن عامر وجماعة. وعنه أبو إسحاق السبيعي والثوري وابن أبي ليلى وشعبة وغيرهم. ضعفه النسائي ووثقه ابن معين والترمذي وذكره ابن حبان في الثقات. روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي
(المعنى)
(قوله تصدقت على أمي بوليدة) بفتح الواو وكسر اللام في الأصل الجارية الصغيرة، وقد تطلق على الكبيرة. قال في النهاية: قد تطلق الوليدة على الجارية والأمة وإن كانت كبيرة. ومنه الحديث تصدقت على أمي بوليدة يعنى جارية اهـ
وفي الخطابيّ الصدقة في الوليدة معناها التمليك. وإذا ملكتها في حياتها بالإقباض ثم ماتت كانت كسائر أملاكها اهـ
(قوله وتركت تلك الوليدة الخ) أي أفأملكها بالميراث؟ فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: قد ثبت لك أجر الصدقة وعادت الجارية ملكًا لك بالميراث
(وفي الحديث) دليل على أن الصدقة إذا عادت للمتصدق بالإرث ملكها وحلّ له الانتفاع بها، ولا يعدّ هذا من باب الرجوع في الصدقة لأنه ليس أمرًا اختياريًا بخلاف رجوعها إليه بنحو الشراء والهبة كما تقدم، وعلى هذا أكثر العلماء
(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم في الصيام والترمذي في الزكاة مطولًا ولفظه: عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت فقال: وجب أجرك وردها إليك الميراث، قالت: يارسول الله: إنه كان عليها صوم شهر. أفأصوم عنها؟ قال صومي عنها، قالت إنها لم تحج قط أفأحج عنها؟ قال حجي عنها. وكذا أخرجه أحمد مطولًا بسنده إلى سليمان بن بريدة عن أبيه أن امرأة أتت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقالت يا رسول الله: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت ورجعت إليّ بالميراث، قال: قد آجرك الله وردّ عليك في الميراث، قالت: فإن أمي ماتت ولم تحج فيجزئها أن أحج عنها؟ قال نعم، قالت: فإن أمي كان عليها صوم شهر فيجزئها أن أصوم عنها؟ قال نعم
(باب حقوق المال)
وفي نسخة باب في حقوق المال، أي الحقوق المتعلقة بالمال التي منها الزكاة وغيرها
(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَارِيَةَ الدَّلْوِ وَالْقِدْرِ.
(ش) وجه مناسبة الحديث للترجمة أن الماعون يراد به الزكاة كما روى عن علي وابن عمر وقتادة والحسن والضحاك، وذلك أن الماعون مشتق من المعن وهو الشيء القليل على وزن فاعول، والواجب من حق الزكاة قليل من كثير، وقد جاء الماعون بمعنى الزكاة، في قول الراعي
قوم على الإسلام لما يمنعوا
…
ماعونهم ويضيعوا التهليلا
يريد الصلاة والزكاة. و (أبو عوانة) الوضاح. و (شقيق) بن سلمة. و (عبد الله) بن مسعود
(قوله كنا نعد الماعون الخ) أي المذكور في قوله تعالى (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) وهو اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والفأس وغيرهما مما جرت العادة بإعارته، ولذا فسر في الحديث بأنه عارية الدّلو كالقدر ونحوهما من آلات البيت كالقدوم والمنخل والغربال، وهو مروى عن ابن عباس أيضًا. وقال محمد بن كعب والكلبي: الماعون هو المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم. وقيل ما لا يحل منعه كالماء والملح والتنور. وعن عكرمة أن رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والإبرة اهـ
قال في الكشاف: وقد يكون منع هذه الأشياء محظورًا في الشريعة إذا استعيرت عن ضرورة وقبيحًا في المروءة في غير حال الضرورة اهـ
(وفي الحديث)
الحث والترغيب في بذل ما به يكون التعاون والتآلف من هذه الأشياء القليلة والتنفير من البخل بها، ولذا قال العلماء يستحب أن يستكثر الرجل في بيته ما يحتاج إليه الجيران ليعيرهم منه ولا يقتصر على الواجب
(والحديث) أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله من مسعود في قوله تعالى (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) قال: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباهه. وحسن المنذري حديث المصنف
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ إِلَاّ جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ وَمَا مِنْ صَاحِبِ غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَاّ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ فَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلَا جَلْحَاءُ كُلَّمَا مَضَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَاّ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ فَيُبْطَحُ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ فَتَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا كُلَّمَا مَضَتْ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ثُمَّ يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ".
(ش)(حماد) بن سلمة
(قوله ما من صاحب كنز الخ) الكنز في الأصل المال المدفون تحت الأرض والمراد به هنا كل مال وجبت فيه الزكاة فلم تؤد زكاته، فأما ما أديت زكاته فليس بكنز لما تقدم
للمصنف في "باب الكنز ما هو" من حديث أم سلمة مرفوعًا "ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكى فليس بكنز" وعلي هذا اتفقت الأئمة لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الحديث: لا يؤدي حقه ولقوله في حديث جابر عند مسلم "ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعًا أقرع يتبه فاتحًا فاه، فإذا أتاه فر منه فيناديه خذ كنزك الذي خبأته فأنا عنه غني الخ"
(قوله إلا جعله الله الخ) أي على صاحب الكنز يوم القيامة يلقى على كنزه في جهنم فتكوى به جبهته وجنبه الخ فالضمير المنصوب في جعله يرجع إلى صاجب الكنز، وكذا نائب الفاعل في قوله يحمي، والضمير في عليها وبها يرجع إلى الكنز، وأنث باعتبار أنه أموال. ويحتمل أن يكون المعنى إلا جعل الله الكنز صفائح يوقد عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته الخ وهذا هو الأوفق، ويؤيده ما في رواية مسلم من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عبادة الخ". وخصت هذه الأعضاء بالذكر لأن الغني الشحيح إذا طلب منه السائل بدت على جبهته آثار الكراهة والمنع، وإن كرر السائل الطلب نأى بجنبه ومال عنه، وإن ألح في السؤال ولاه ظهره وتوجه إلى جهة أخرى، وهي النهاية في الرد والغاية في المنع الدالة على كراهة الإعطاء والبذل، وهذا دأب مانع البر والإحسان وعادة البخلاء، وإلا فالكيّ بها يكون في جميع الجسد لا يوضع دينار ولا درهم فوق غيره ولكن يوسع الجلد حتى توضع كلها عليه ويستمر هكذا حتى يحكم الله بين عبادة في يوم الحساب الذي يكون مقداره خمسين ألف سنة على الكافرين وهو يوم القيامة ويطول على العاصين كل بقدر ذنبه، لقولى تعالى (يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) أما المؤمن كامل الإيمان فيكون عليه أخف من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا. ففي الحديث عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "يوما كان مقداره خمسين ألف سنة" فقيل ما أطول هذا اليوم؟ فقال: والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة. رواه أحمد وابن حبان
(قوله ثم يرى سبيله الخ) بضم أوله بالبناء للمفعول ورفع سبيله على أنه من الرؤية ونصبه مفعولًا ثانيًا على أنه من الإرادة. ويجوز فتح المثناة التحتية من رأى مبنيًا للفاعل، فيعين له أحد الطريقين أو يعلم هو مصيره، إما إلى الجنة إن كان ما ناله من العذاب كفَّر ما عليه من الذنوب أو عفا الله تعالى عنه، وإما إلى النار إن لم يكن كذلك، وهذا في غير مستحل منع الزكاة، أما هو فيسلك به إلى النار بادئ ذى بدءٍ ويخلد فيها. وفيه إشارة إلى أنه مسلوب الاختيار مقهور وقتئذ حتى يبين له أحد السبيلين
(قوله أوفر ما كانت) أي جاءت أكثر عددًا وعلى أحسن ما كانت عليه في الدنيا من السمن والعظم والقوة ليقوى نطحها ووطؤها له
(قوله فيبطح لها بقاع قرقر الخ) أي يلقى صاحب الغنم على
وجهه لأجلها بأرض واسعة مستوية فتنطحه وتطؤه بأرجلها، فالقاع الأرض الواسعة المستوية والقرقر بفتح القافين كذلك وذكر للتأكيد. وقول إن القاع البقعة من الأرض، والقرقر المستوي الأملس منها صفة له، وتنطح مضارع نطح من بابي ضرب ونفع. والأظلاف جمع ظلف وهو للبقر والغنم مثل القدم للإنسان غير أنه منشق
(قوله ليس فيها عقصاء ولا جلحاء) عقصاء بفتح العين المهملة وسكون القاف ملتوية القرنين، والجلحاء بفتح الجيم وسكون اللام وبالحاء المهملة التى لا قرن لها، وكانت كذلك لتكون أمكن في النطح وأحرى أن تنكي المنطوح. وفي رواية لمسلم ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئًا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها الخ. والعضباء مكسورة القرن
(قوله كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها) أي فيكون مرورها عليه بطريق الدائرة، والمراد به التتابع واستمرار العذاب. وفي رواية لمسلم عن زيد بن أسلم عن أبي صالح "كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها" قال النووي: هو هكذا في جميع الأصول هنا. وقال القاضي عياض هو تغيير وتصحيف وصوابه ما جاء بعده من رواية سهيل عن أبيه، وما جاء في الحديث عن معرور بن سويد عن أبي ذر كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها اهـ
وقال القاري وتوجيه الرواية الأولى أن مرور الأولى على التتابع فاذا انتهى إلى الغاية ردت من هذه الغاية وتبعها ما كان يليها فما يليها إلى أولها فيحصل الغرض من الاستمرار والتتابع على طريق الطرد والعكس اهـ بتصرف
(فقه الحديث) دل الحديث على وجوب الزكاة في الذهب والفضة والغنم والإبل، وكذا البقر لما تقدم في رواية مسلم: وعلى التنفير من منع الزكاة لما فيه من الوعيد الشديد لمن جمع المال ومنع الحقوق الواجبة فيه. وعلى أن تارك الزكاة لا يقطع له بالنار إن لم يستحل تركها كما تقدم
(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم مطولًا، وأخرج نحوه البخاري والنسائي من طريق عبد الرحمن بن هرمز الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: تأتي الإبل على ربها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقها تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على ربها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها، قال ومن حقها أن تحلب على الماء
(الحديث) وأخرج البخاري من طريق عباس الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: من آتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة تم يأخذ بلهزمتيه "بكسر فسكون فكسر يعنى شدقيه" ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ
…
الآية) وأخرج ابن ماجه من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: تأتى الإبل التى لم يعط الحق منها تطأ صاحبها بأخفافها
وتأتى البقر والغنم تطأ صاحبها بأظلافها وتنطحه بقرونها، ويأتي الكنز شجاعًا أقرع فيلقى صاحبه يوم القيامة فيفرّ منه صاحبه مرتين تم يستقبله فيفرّ فيقول مالي ولك؟ فيقول أنا كنزك أنا كنزك فيتقيه بيده فيلقمها
(ص) حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. قَالَ فِي قِصَّةِ الإِبِلِ بَعْدَ قَوْلِهِ "لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا". قَالَ "وَمِنْ حَقِّهَا حَلْبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا".
(ش)(ابن أبي فديك) محمد بن إسماعيل. و (أبو صالح) ذكوان السمان
(قوله نحوه) أي نحو حديث سهيل بن أبي صالح. ولفظه عند مسلم من طريق زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت "بتشديد الفاء" له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار، قيل يا رسول الله فالإبل؟ قال ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها "ومن حقها حلبها يوم وردها" إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أو فر ما كانت لا يفقد منها فصيلًا واحدًا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها. الحديث
(قوله قال في قصة الإبل الخ) أي قال زيد بن أسلم في روايته في الكلام على منع زكاة الإبل بعد قوله لا يؤدي حقها "ومن حقها حلبها يوم وردها" قال النووي: حلبها بفتح اللام هو اللغة المشهورة وهو غريب ضعيف اهـ
أي من حقها المندوب حلبها يوم ورودها على الماء ليسقي منها الفقراء والمارة الذين يجتمعون على الماء يوم ورودها. وذكر الحلب استطرادًا وحثا لمن له مروءة من أرباب الأموال على الكرم لا لكون التعذيب يترتب على تركه، فإن التعذيب لا يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم. ونظيره نهيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن الجذاذ بالليل، فإن النهي فيه للكراهة. وأراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن تقطع الثمرة بالنهار ليحضرها الفقراء فيأكلون منها، ويحتمل أن يكون هذا الحق واجبًا بأن يكون في موضع تتعين فيه المواساة أولدفع الضرر عن الإبل فإنها ترد الماء كل ثلاثة أيام فأكثر ولو حلبت في غير يوم الورود للحقها مشقة الحلب والعطش. وقال القاضي عياض لعل هذا كان قبل وجوب الزكاة اهـ
أراد أنه لما فرضت الزكاة نسخ هذا
(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ الْغُدَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَ لَهُ -يَعْنِي لأَبِي هُرَيْرَةَ- فَمَا حَقُّ الإِبِلِ قَالَ تُعْطِي الْكَرِيمَةَ وَتَمْنَحُ الْغَزِيرَةَ وَتُفْقِرُ الظَّهْرَ وَتُطْرِقُ الْفَحْلَ وَتَسْقِي اللَّبَنَ.
(ش)(رجال الحديث)(أبو عمر) وقيل أبو عمرو. روى عن أبي هريرة هذا الحديث. وعنه قتادة. ذكره ابن حبان في الثقات، وفي التقريب مقبول من الثالثة. ووهم من قال اسمه يحيى بن عبيد اهـ
و(الغداني) بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال المهملة نسبة إلى غدانة بطن من تميم. روى له أبو داود والنسائي (المعنى)
(قوله نحو هذه القصة) أي ذكر أبوهريرة نحو القصة السابقة في التغليظ من منع الزكاة. وهو ما ذكره الحاكم من طريق يزيد بن هارون عن أبي هريرة أنه مر عليه رجل من بني عامر قيل له من أكثر الناس مالًا فدعاه أبوهريرة فسأله عن ذلك فقال نعم: لي مائة حمراء ولى مائة أدماء " أي شديدة البياض" ولى كذا وكذا من الغنم. فقال أبوهريرة: إياك وأخفاف الإبل إياك وأظلاف الغنم، إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: ما من رجل يكون له إبل لا يؤدي حقها في نجدتها ورسلها "عسرها ويسرها" إلا برز له بقاع قرقر فجاءته كعدد ما تكون وأسره وأسمنه أو أعظمه "شك شعبة" فتطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله، وما من عبد يكون له بقر لا يؤدي حقها في نجدتها ورسلها. قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ونجدتها ورسلها "عسرها ويسرها" إلا برز له بقاع قرقر كأغذ ما تكون وأسره وأسمنه وأعظمه فتطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلما جازت عليه أولاها أعيدت عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى الله بين الناس، فيرى سبيله، فقال له العباس وما الإبل يا أبا هريرة؟ قال تعطى الكريمة (الحديث) والكريمة النفيسة
(قوله فقال لأبي هريرة)
القائل هو العباس كما في رواية الحاكم
(قوله وتمنح الغزيرة) أي تعطي الفقير كثيرة اللبن لتحلب ثم ترد إليك. وتمنح مضارع منح من باب ضرب ونفع. والمنحة في الأصل الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها لرجل يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن والإسم المنيحة اهـ مصباح.
وهذا هو المراد هنا وتطلق أيضًا على أرض الزراعة ينتفع بها ثم ترد إلى صاحبها
(قوله وتفقر الظهر) بضم المثناة الفوقية وكسر القاف أي تعيره المركوب، يقال أفقرت الرجل بعيري إذا أعرته له يركبه ويقضي
عليه مصلحته
(قوله وتطرق الفحل) بضم أوله أيضًا، أي تعيره للضراب بلا أجر (وهذه الرواية) أخرجها النسائي أيضًا من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي عمر الغداني أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: أيما رجل كانت له إبل لا يعطى حقها في نجدتها ورسلها "قالوا يا رسول الله ما نجدتهها ورسلها؟ قال في عسرها ويسرها" فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وأسره يبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفانها، وذكر نحوما تقدم في البقر والغنم، ولم يذكر قوله وما حق الإبل الخ وقوله كأغذ بغين وذال معجمتين أي أسرع وأنشط، وأسره بالسين المهملة وتشديد الراء أي أحسن ما كانت من السر وهو اللب. وقيل من السرور لأن الناظر يسر بها إذا سمنت. وفي رواية وآشره بمد الهمزة وشين معجمة وراء مخففة أي أبطره وأنشطه.
وأخرجه الحاكم بلفظ تقدم وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأبو عمر الغداني يقال إنه يحيى بن عبيد البهراني فإن، كان كذلك فقد احتج به مسلم اهـ
(ص) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ نَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الإِبِلِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ زَادَ "وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا".
(ش)(أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل. و (ابن جريج) عبد الملك. و (أبو الزبير) محمد ابن مسلم بن تدرس. و (عبيد بن عمير) بن قتادة من كبار التابعين
(قوله فذكر نحوه الخ) أي ذكر نحوما تقدم والرواية الأخيرة عن أبي هريرة وزاد قوله "وإعارة دلوها" والمراد به الدلوالذي تسقى به فيعيره الغير ليسقي به إبله، وقيل المراد به الضرع فيكون المراد إعارتها ليسقي لبنها ثم ترد
(وهذه الرواية) مرسلة أخرجها مسلم ولفظه: قال أبو الزبير سمعت عبيد بن عمير يقول: قال رجل يا رسول الله ما حق الابل؟ قال حلبها على الماء وإعارة دلوها وإعارة فحلها ومنيحتها وحمل عليها في سبيل الله اهـ
ومنه تعلم خطأ ما قيل إنه "ليس فيما روى مسلم عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير لفظ إعارة دلوها" وأخرج مسلم أيضًا من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط وقعد لها بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها وأخفافها، ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها، ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ليس فيها جماء ولا منكسر قرنها، ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه شجاعًا أقرع يتبعه فاتحًا فاه، فإذا أتاه فر منه فيناديه خذ كنزك الذي خبأته فأنا عنه غنى، فاذا رأى أن لا بد منه سلك يده في فيه فيقضمها
قضم الفحل. قال أبو الزبير: سمعت عبيد بن عمير يقول هذا القول تم سألنا جابر بن عبد الله عن ذلك، فقال مثل قول عبيد بن عمير اهـ.
والشجاع الحية الذكر والأقرع الذي تمعط شعره لكثرة سمه. ويقضمها بفتح الضاد يقال قضمت الدابة شعيرها من باب تعب إذا أكلته
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ مِنْ كُلِّ جَادِّ عَشَرَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ بِقِنْوٍ يُعَلَّقُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَسَاكِينِ.
(ش)(قوله أمر من كل جادّ عشرة أوسق الخ) أي أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كل نخل يقطع من ثمره عشرة أوسق بعزق يعلق في المسجد ليأكل منه المساكين. والجاد بالجيم وتشديد الدال المهملة بمعنى المجدود أي المقطوع. وفي نسخة بالذال المعجمة بمعنى المجذوذ، وهو مضاف إلى عشرة المضافة إلى أوسق جمع وسق، قال الخطابي عن إبراهيم الحربي يريد قدرًا من النخل يجد منه عشرة أوسق اهـ
وتقدم أن الوسق ستون صاعًا. ويحتمل أن يكون جادّ باقيًا على معناه فهو منون، ومن زائدة وعشرة مفعول له، أي أمر كل قاطع عشرة أوسق من التمر الخ. قال في المصباح جده جدًا من باب قتل قطعه فهو جديد فعيل بمعنى مفعول، وهذا زمن الجداد بفتح أوله وكسره وأجدّ النخل حان جداده وهو قطعه اهـ في النهاية.
ومنه الحديث أنه أوصى بجادّ مائة وسق للأشعريين. الجاد بمعنى المجدود أي نخل يجد منه ما يبلغ مائة وسق اهـ
(قوله بقنو) بكسر فسكون وهو العذق بما عليه من الرطب والبسر
(فقه الحديث) دل الحديث على استحباب العطف على المساكين ببذل شيء من المال زيادة على الزكاة. فالأمر فيه للندب وعليه الجمهور. وذهب بعض الظاهرية إلى وجوب ما ذكر أخذًا بظاهر الأمر. وردّ بأنه ليس للوجوب لأن كتب الزكاة التي كتبها النبي وأصحابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للعمال ليس فيها ذلك ولو كان واجبًا لبينه
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا نَا أَبُو الأَشْهَبِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله تعالى عليه
وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَجَعَلَ يَصْرِفُهَا يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ". حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لَا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي الْفَضْلِ.
(ش)(أبو الأشهب) جعفر بن حيان العطاردي. تقدم بالخامس صفحة 71.
و(أبو نضرة) المنذر بن مالك العوفي
(قوله فجعل يصرفها) أي يحولها من جهة إلى جهة، ولعله فعل ذلك لأنها قد أعجزها السير فأراد أن يبين للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حاجته إلى ناقة أخرى توصله إلى مقصده، وفي رواية مسلم فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا
(قوله من كان عنده فضل ظهر الخ) أْى من كان عنده مركوب فاضل عن الحاجة فليعد به من العود بمعنى الرجوع، أي فليرجع بالاحسان به على المحتاج إليه. قال في المصباح عاد بمعروفه عودًا من باب قال، أفضل اهـ
يعني تفضل به على غيره. وقال النووي في شرح المهذّب: والعوود التى تعود على زوجها بعطف ومنفعة ومعروف وصلة
(قوله حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل) مفرع على محذوف ذكره في رواية مسلم قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا الخ
(وفي الحديث) بيان ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الاعتناء بمصالح أصحابه وفيه حث كبير القوم أتباعه على مكارم الأخلاق ومواساة المحتاجين. والأمر فيه للندب كسابقه إن لم تدع إليه ضرورة خلافًا لمن أخذ بظاهره، فأو جب التصدق بما يزيد على الحاجة وإن لم يكن المحتاج إليه مضطرًا
(والحديث) أخرجه أيضًا مسلم
(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ نَا أَبِي نَا غَيْلَانُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) قَالَ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ. فَانْطَلَقَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابِكَ هَذِهِ الآيَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلَاّ لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ". فَكَبَّرَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ لَهُ "أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ
إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ".
(ش)(رجال الحديث)(يحيى بن يعلى) بن الحارث بن حرب بن جرير أبو زكريا الكوفي. روى عن أبيه وزائدة بن قدامة. وعنها البخاري وأبو حاتم وعثمان بن أبي شيبة وأبو زرعة وغيرهم. وثقه أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب ثقة من صغار التاسعة. روى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. مات سنة ست عشرة ومائتين. و (غيلان) بن جامع بن أشعث المحاربي أبو عبد الله الكوفي. روى عن شقيق بن سلمة وأبى إسحاق السبيعي وعلقمة بن مرثد وغيرهم. وعنه يعلى بن الحارث وشعبة والنووي وشريك وغيرهم. وثقه ابن معين وابن المديني ويعقوب بن شيبة وأبو داود وابن حبان وابن سعيد. روى له مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه
(المعنى)
(قوله (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) أي يجمعون الأموال ولا يؤدون زكاتها
(قوله كبر ذلك على المسلمين) أي صعب عليهم وشق ما فهموه من عموم الآية وما فيها من الوعيد الشديد على ادخار شيء من الذهب والفضة الذى لا يخلومنه شخص غالبًا
(قوله أفرج عنكم) يعنى أكون سببًا في إزالة ما أصابكم من همّ، فإن مع العسر يسرًا، وما جعل عليكم في الدين من حرج، وإنما بعث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالحنيفية السمحة والدين السهل
(قوله فانطلق فقال) وفي نسخة فانطلقوا فقالوا
(قوله إن الله لم يفرض الزكاة الخ) أي قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن المراد بالكنز ما منعت زكاته، وإن الله لم يوجب الزكاة إلا لتزكية أموالكم وتطهيرها من حق الفقراء وتطهير صاحبها من إثم منع حق الله تعالى، وفي قوله تعالى (وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) إشارة إلى ذلك فإن المراد بالانفاق إعطاء الزكاة لا إنفاق المال كله ولم يشرع المواريث إلا لتكون الأموال مملوكة بالميراث لمن بعدكم. وإنما ذكر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المواريث بعد الزكاة، ليكون أدلّ على أنّ جمع الأموال مع تأدية الزكاة ليس ممنوعًا شرعًا، لأنه لو كان ممنوعًا لما شرع مع الميراث، لأنه لا يكون إلا في المال المخزون الباقي وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبيهقي عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) كبر ذلك على المسلمين وقالوا: ما يستطيع أحد منا لولده مالًا يبقى بعده، فقال عمر أنا أفرج عنم فانطلق عمر واتبعه ثوبان فأتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال يا نبي الله: إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم فكبر عمر
(الحديث) وفي هذا دليل على أن الآية نزلت في حق من منع الزكاة من المسلمين، وهو قول الجمهور، وقيل إنها نزلت في أهل الكتاب والمسلمين الذين يمنعون الحق الواجب من زكاة وغيرها، لحديث زيد بن وهب