المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب حق السائل) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب القيام للجنازة)

- ‌(باب الركوب في الجنازة)

- ‌(باب المشي أمام الجنازة)

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌(باب الصلاة على الجنازة في المسجد)

- ‌(باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم)

- ‌(باب أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلى عليه)

- ‌باب ما يقرأ على الجنازة

- ‌(باب الدعاء للميت)

- ‌(باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم)

- ‌(باب في اللحد)

- ‌(باب كيف يجلس عند القبر)

- ‌(باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره)

- ‌(باب الرجل يموت له قرابة مشرك)

- ‌ إسلام أبي قحافة

- ‌(باب في تعميق القبر)

- ‌(باب تسوية القبر)

- ‌(باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف)

- ‌(باب كراهية الذبح عند القبر)

- ‌(باب الميت يصلي على قبره بعد حين)

- ‌(باب في كراهية القعود على القبر)

- ‌(باب المشي بين القبور بالنعل)

- ‌(باب تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث)

- ‌(باب في الثناء على الميت)

- ‌(باب في زيارة القبور)

- ‌(باب في زيارة النساء القبور)

- ‌(باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها)

- ‌(كتاب الزكاة)

- ‌باب

- ‌(باب ما تجب فيه الزكاة)

- ‌(باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي)

- ‌(باب في زكاة السائمة)

- ‌(باب رضا المصدق)

- ‌(باب دعاء المصدق لأهل الصدقة)

- ‌(باب تفسير أسنان الإبل)

- ‌(باب أين تصدق الأموال

- ‌(باب صدقة الرقيق)

- ‌(باب صدقة الزرع)

- ‌(باب زكاة العسل)

- ‌(باب في خرص العنب)

- ‌(باب في الخرص)

- ‌(باب متى يخرص التمر

- ‌(باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة)

- ‌(باب زكاة الفطر)

- ‌(باب متى تؤدى

- ‌(باب كم يؤدي في صدقة الفطر

- ‌(باب من روى نصف صاع من قمح)

- ‌(باب في تعجيل الزكاة)

- ‌(باب الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)

- ‌(باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى)

- ‌(باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني)

- ‌(باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة

- ‌(باب كراهية المسألة)

- ‌(باب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ)

- ‌(باب الفقير يهدي للغني من الصدقة)

- ‌(باب حق السائل)

- ‌(باب الصدقة على أهل الذمة)

- ‌(باب ما لا يجوز منعه)

- ‌ الشركة في الكلأ

- ‌(باب المسألة في المساجد)

- ‌(باب الرجل يخرج من ماله)

- ‌(باب المرأة تصدق من بيت زوجها)

الفصل: ‌(باب حق السائل)

قال مررت بالربذة فإذا بأبي ذر فقلت ما أنزلك منزلك هذا؟ قال كنت بالشام واختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) فقال معاوية نزلت في أهل الكتاب فقلت نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك "يعنى نزاعًا" وكتب إلى عثمان يشكوني فكتب إليّ عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها فكثر الناس عليّ حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي إن شئت تنحيت فكنت قريبًا فذلك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا عليّ حبشيًا لسمعت وأطعت. رواه البخاري، والربذة بفتحات قرية دارسة شرق المدينة

(قوله فكبر عمر) أي قال الله أكبر فرحًا وسرورًا بما أجابه به النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وزوال همّ المسلمين وحزنهم

(قوله ثم قال له ألا أخبرك الخ) أي قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لعمر لما رأى فرحهم واستبشارهم ببيانه: إنه لا حرج عليهم في جمع المال ما داموا يؤدّون زكاته، ألا أعلمك بأحسن ما يقتنيه المرء؟ هو المرأة الصالحة الجميلة الخصال ظاهرًا وباطنًا، فإن الذهب إنما ينفع بذهابه وصرفه في الحوائج والملاذ، والمرأة الصالحة تنفع مع بقائها ينظر إليها زوجها فيسر بجمال صورتها وحسن سيرتها، ويقضي عند الحاجة شهوته منها، وإن أمرها بأمر شرعيّ أو عرفيّ امتثلت وقامت بخدمته وتربية أولاده تربية دينية خير قيام، وإذا غاب عنها زوجها حفظت حقوقه في نفسها وماله وأولاده

(وعلى الجملة) فمنافع المرأة الصالحة كثيرة ولو لم يكن فيها إلا أنها تحفظ البذر وتربي الزرع "الولد" ويكون منها ولد يكون عونًا للرجل في حياته خليفة له بعد وفاته لكفاها شرفًا وفضلًا

(فقه الحديث) دل الحديث على وجوب تأدية الزكاة. وعلى أنه يطلب ممن خفي عليه أمر أن يسأل عنه العالم به حتّى يزول الإشكال. وعلى إباحة جمع المال مع القيام بالحقوق الواجبة فيه لله عز وجل ولعبادة. وعلى الترغيب في النكاح واختيار المرأة الصالحة، وأن اقتناءها خير من اقتناء المال

(والحديث) أخرجه أيضًا البيهقي وأبو يعلى وابن أبي شيبة بلفظ تقدم وأخرجه الحاكم

(باب حق السائل)

أي في بيان حق السائل على المسئول

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ نَا مُصْعَبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ".

ص: 308

(ش)(رجال الحديث)(سفيان) الثوري. و (يعلى بن أبي يحيى) الحجازي روى عن فاطمة بنت الحسين. وعنه مصعب بن محمد. قال أبو حاتم مجهول، وفي التقريب مجهول من السابعة، وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود.

و(فاطمة بنت حسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمية المدنية. روت عن أبيها وأخيها زين العابدين وابن عباس وأسماء بنت عميس وغيرهم وعنها أولادها عبد الله وإبراهيم وحسين، ومحمد بن عبد الله بن عمرو. ذكرها ابن حبان في الثقات وفي التقريب ثقة من الرابعة. روى لها أبو داود والترمذي وابن ماجه.

و(حسين بن علي) بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله سبط رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وريحانته من الدنيا وأحد سيدي شباب أهل الجنة. ففي حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. رواه الترمذي وصححه، روى عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثمانية أحاديث، وروى عن أبيه وأمه وعمر بن الخطاب. وعنه أخوه الحسن وبنوه علي وزيد وسكينة وفاطمة، وابن أخيه زيد بن الحسن والشعبي وجماعة.

وقد اختلف في سماعه من جده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فقال أبو عبد الله محمد ابن يحيى بن الحذاء سمع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وقال أبو عليّ سعيد بن عثمان بن السكن قد روى من وجوه صحاح حضور حسين عند النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولعبه بين يديه وتقبيله إياه، فأما ما يرويه عنه فكله من المراسيل.

وقال أبو القاسم البغويّ نحوه ولد لخمس ليال خلت من شعبان سنة أربع أو ثلاث من الهجرة ولم يكن بين الحمل بالحسين وولادة الحسن إلا طهر واحد.

ومناقبه كثيرة، فقد أخرج الترمذي من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبصر حسنًا وحسينًا فقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما. وأخرج عن أنس قال: سئل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. أي أهل ببتك أحب إليك؟ قال الحسن والحسين وكان يضمهما ويشمهما. وأخرج عن يعلى بن مرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: حسين منّي وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينًا حسين سبط من الأسباط. وقال إبراهيم بن عليّ الرافعي عن أبيه عن جدته زينب بنت أبي رافع قالت: أتت فاطمة بابنيها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في شكواه الذي توفي فيه فقالت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: هذان ابناك فورثهما شيئًا. قال أما حسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما حسين فان له جرأتي وجودي. وقد أخبر جبريل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بمقتل الحسين ففاضت عيناه. فقد روى عبد الله بن نجيّ عن أبيه أنه سافر مع علي بن أبي صالب فلما حاذوا نينوى "بلد بالموصل" وهو منطلق إلى صفين نادى عليّ صبرًا أبا عبد الله "كنية الحسين" صبرًا أبا عبد الله بشط الفرات. قلت من ذا أبا عبد الله؟ قال دخلت

ص: 309

علي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعيناه تفيضان، فقلت يا نبي الله أغضبك أحد؟ قال بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات، فقال هل لك أن أشمك من تربته؟ قلت نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عينيّ أن فاضتا.

وروى نحوه عن أم سملة وغيرها من أمهات المؤمنين. وفيه قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: يا أم سلمة إذا تحوّلت هذه التربة دمًا فاعلمى أن ابني قد قتل، فجعلتها أم سلمة في قارورة ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يومًا تتحولين فيه دمًا ليوم عظيم. قتل رضي الله تعالى عنه بكربلاء من أرض العراق يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة أوست وخمسين

"وحاصل" ذلك ما حدّث به عمار بن معاوية الدهني قال: قال لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين حدّثني بقتل الحسين قال: مات معاوية، والوليد بن عتبة ابن أبي سفيان واليًا على المدينة، فأرسل إلى الحسين بن عليّ ليأخذ بيعته فقال أخرني فأخره، فخرج إلى مكة فأتاه رسل أهل الكوفة وقالوا إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي فاقدم علينا "وكان النعمان بن بشير واليًا علي الكوفة" فبعث الحسين إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب فقال له: سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إليّ فإن كان حقًا قدمت إليهم، فخرج مسلم حتى أتى المدينة فأخذ منها دليلين فمرا بالبرّية فأصابهم عطش حتى مات أحد الدليلين، وسار مسلم حتى قدم الكوفة، فلما علم أهلها بقدومه دبوا إليه فبايعه منهم اثنا عشر ألفًا، فقام رجل اسمه عبد الله بن مسلم ممن يحب يزيد بن معاوية إلى النعمان بن بشير فقال: إنك ضعيف قد فسد عليك البلد. فقال النعمان: لأن أكون ضعيفًا في طاعة الله أحب إليّ من أن أكون قويًا في معصيته، فكتب الرجل بذلك إلى يزيد بن معاوية، فدعا يزيد مولى له يقال له "سرحون" فاستشاره فقال له: ليس للكوفة إلا عبيد الله ابن زياد، وكان يزيد ساخطًا عليه قد همّ بعزله عن البصرة، فكتب إليه برضاه عنه، وأنه قد أضاف إليه الكوفة، وأمره أن يطلب مسلم بن عقيل ويقتله إن ظفر به، فأقبل عبيد الله بن زياد في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثمًا فلا يمرّ علي مجلس فيسلم على أهله إلا قالوا: السلام عليك يابن رسول الله، يظنونه الحسين، فلما نزل عبيد الله قصر الإمارة، دعا مولى له ودفع إليه ثلاثة آلاف درهم وقال: اسأل عن الرجل الذي يبايعه أهل الكوفة وأعلمه أنك من حمص وادفع إليه المال وبايعه، فلم يزل المولى يتلطف حتى دلوه علي شيخ يتولى البيعة فذكر له أمره فقال: قد سرني إذ هداك الله وساءني أن أمرنا لم يستحكم بعد. تم أدخله على مسلم بن عقيل فبايعه ودفع إليه المال وخرج إلى عبيد الله بن زياد فأخبره، وقد تحول مسلم بن عقيل حين قدم عبيد الله بن زياد من الدار التي كان فيها إلى دار هانئ بن عروة المرادي، وكتب مسلم إلى الحسين يخبره ببيعة اثنى عشر ألفًا من الكوفة ويأمره بالقدوم، وقال ابن زياد لأهل الكوفة: ما بال هانئ بن عروة لم يأتني

ص: 310

فخرج إليه محمد بن الأشعث في أناس منهم فقالوا: إن الأمير قد ذكرك واستبطأك فانطلق إليه فركب معهم حتّى دخل علي ابن زياد وعنده شريح القاضي، فلما سلم على ابن زياد قال: يا هانئ أين مسلم بن عقيل؟ فقال لا أدري.

فأخرج إليه المولى الذي دفع الدراهم إلى مسلم فلما رآه سقط في يده، قال: والله ما دعوته إلى منزلي، فقال ائتني به، فقال والله لو كان تحت قدمي ما رفعته عنه فاستدناه ابن زياد فأدني منه فضبه بالقضيب علي حاجبه فأهوى هانئ إلى سيف شرطيّ ليستله فدفع عنه، وأمر ابن زياد بحبسه فبلغ الخبر قومه واجتمعوا علي باب القصر فسمع ابن زياد جلبتهم، فقال لشريح أخرج إليهم فأعلمهم أني ما حبسته إلا لأسأله عن مسلم ولا بأس عليه مني فبلغهم، شريح ذلك فتفرقوا، ولما وصل مسلمًا الخبر نادى بشعاره فاجتمع إليه أربعون ألفًا من أهل الكوفة وهيأهم وسار بهم إلى ابن زياد، وقد بعث هذا إلى وجوه أهل الكوفة وجمعهم عنده في القصر، ولما انتهى مسلم بحيشه إلى باب القصر أمر ابن زياد كل واحد من الوجوه أن يشرف على عشيرته فيردهم فكلموهم فجعلوا يتسللون حتى أمسى مسلم في خمسمائة نفر، ولما اختلط الظلام ذهبوا، فلما بقي مسلم وحده تردد في الطرق ليلًا فأتى باب امرأة فقال لها اسقيني فسقته واستمر قائمًا، فقالت ياعبد الله إنك مرتاب فما شأنك؟ قال أنا مسلم بن عقيل، فهل عندك مأوى؟ قالت نعم ادخل فدخل وكان لها غلام مولى لمحمد بن الأشعث فانطلق إلى مولاه فأخبره فبعث ابن زياد صاحب شرطته ومعه ابن الأشعث فلم يعلم مسلم حتى أحيط بالدار فقام بسيفه يقاتلهم فأعطاه ابن الأشعث الأمان فاستسلم له فجاء به إلى ابن زياد فضرب عنقه وعنق هانئ بن عروة وأمر بصلبهما.

ولم يبلغ الحسين حتى كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال، فلقيه الحرّ بن زيد التميمي فقال له ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيرًا واخبره الخبر، فهم أن يرجع وكان معه إخوة مسلم فقالوا والله لا نرجع حتى نأخذ بثأرنا أو نقتل، فقال الحسين رضي الله عنه: لا خير في الحياة بعدكم، فساروا فلقيته أول خيل ابن زياد، فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء وكان معه خمسة وأربعون فارسًا ونحو مائة راجل، فأتاه جيش ابن زياد وعليه عمر بن سعد ابن أبي وقاص، فلما التقيا قال له الحسين رضي الله عنه: اختر منى واحدة من ثلاث.

إما أن ألحق بثغر من الثغور، وإما أن أرجع إلى المدينة، وإما أن أذهب إلى يزيد بن معاوية، فكتب عمر بذلك إلى ابن زياد، فقال لا أقبل منه حتى يضع يده في يدى فامتنع الحسين رضي الله عنه فقاتلوه حتى قتل جميع أصحابه وفيهم سبعة عشر شابًا من أهل بيته، ثم قتل رضي الله تعالى عنه وأتي برأسه إلى ابن زياد فأرسله ومن بقي من أهل بيته إلى بن يزيد بن معاوية، فلما قدموا علي يزيد جهزهم إلى المدينة.

قال خلف بن خليفة لما قتل الحسين رضي الله عنه اسودت السماء وظهرت الكواكب نهارًا. وقال الوليد بن عبد الملك وكان في مجلسه الزهري أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين رضي الله عنه؟

ص: 311

فقال الزهري بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط "أي كثير شديد الحمرة". وقال يزيد بن أبي زياد قتل الحسين رضي الله عنه ولى أربع عشرة فصار الورس الذي في عسكرهم رمادًا "والورس نبت طيب الرائحة" واحمرت آفاق السماء. ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها النيران. وقال المغيرة إن مرجانة قالت لابنها عبيد الله بن زياد: يا خبيث قتلت ابن بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ترى والله الجنة أبدًا.

وعن سلمة امرأة

من الأنصار قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت ما يبكيك؟ قالت رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الآن في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب. فقلت مالك يا رسول الله؟ قال شهدت قتل الحسين آنفًا. أخرجه الترمذي

(وفي هذه القصة) تصديق لقول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمته قتلًا وتشديدًا، وإن أشدّ قومنا لنا بغضًا بنو أمية وبنو مخزوم. رواه الحاكم.

هذا وإن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فقد قضى الله تعالى أن قتل عبيد الله بن زياد وأصحابه يوم عاشوراء سنة سبع وستين شر قتلة: جهز إليه المختار بن أبي عبيد جيشًا، فقتله إبراهيم بن الأشطر أمير الجيش ضربه بسيفه فقدّه نصفين، شرقت رجلاه وغربت يداه وقطع رأسه، وبعث به إلى المختار فبعث به المختار إلى ابن الزبير وبعثه الزبير إلى علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم، فقد قال عمارة بن عمر لما جيء برأس عبيد الله ابن زياد وأصحابه فنضدت رءوسهم في رحبة المسجد "وضعت بعضها فوق بعض" فانتهيت إليهم وهم، يقولون قد جاءت قد جاءت، فإذا حية قد جاءت فجعلت تخلل الرءوس حتى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت ثم عادت فدخلت فيه ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثًا. أخرجه الترمذي وصححه.

وقد اختلفوا في مكان رأس الحسين بعد نقله إلى الشام، فقيل إنه وضع في خزائن السلاح حتى تولى سليمان بن عبد الملك فأمر بمجيء الرأس فطيب وكفن ودفن، وقيل إن زيد أمر أن يطاف بالرأس البلاد فطيف به حتى انتهى إلى عسقلان فدفنه أميرها بها، فلما تغلب الإفرنج علي عسقلان نقل الرأس الصالح طلائع وزير الفاطميين إلى مصر، ودفن بالمشهد الحسينى المعروف بالقاهرة سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمسمائة. وذهبت الإمامية إلى أنه أعيد إلى الجثة ودفن بكربلاء بعد أربعين يومًا من المقتل.

وذهب آخرون منهم الزبير بن بكار والعلاء الهمداني إلى أنه حمل إلى أهله فكفن ودفن بالبقيع عند قبر أمه وأخيه الحسن. واعتمد هذا القرطبي

(قوله للسائل حق الخ) أي لطالب العطاء حق إعطائه وإن كان ظاهره الغنى تحسينًا للظن به حيث أهان نفسه بذلّ السؤال فلا يخيب بالتكذيب والحرمان مع إمكان صدقه في دعواه، فقد يكون الفرس عارية أو يكون ذا عيال لا يقدرون علي الكسب فيستعين بالفرس علي السعي عليهم، أو يكون مدينًا دينًا يبيح له أخذ الصدقة، أو يكون مسافرًا احتاج في الطريق، إلى غير

ص: 312

ذلك. وعليه فلا منافاة بين حديث الباب وبين ما تقدم في آخر "باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى" من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا تحل الصدقة لغني ولا لذى مرة سويّ

(وفي الحديث) الحث علي تحسين الظن بالمسلمين ومساعدتهم والعطف علي السائل بإجابة ما أمكن من طلبه وعدم ردّه خائبًا، وهذا كان باعتبار حال القرون الأولى الذين كانوا لا يسأل الواحد منهم إلا للضرورة الشديدة عملًا بحديث "ما أغناك الله فلا تسأل الناس شيئًا، فإن اليد العليا المعطية واليد السفلى هي المعطاة"

رواه ابن عبد البر عن عطية السعدي. وحديث "لا تحل الصدقة لغني ولا لذى مرة سويّ " رواه أحمد وغيره كما تقدم. أما في هذا الزمان فقد كثر الشحاذون كثرة مروّعة واعترضوا المارة في الطرق واتخذوا السؤال حرفة لهم وأكثرهم لا همّ لهم إلا جمع الأموال واتخاذ السؤال موردًا للكسب، لا تطيب نفس أحدهم بتركه، ولو كان ما في ثيابه أضعاف ما يملك المسئول، فهؤلاء يحرم عليهم السؤال، ويحرم علي الناس إعطاؤهم

(والحديث) أخرجه أيضًا الإِمام أحمد، وفي سنده مصعب بن محمد، ووثقه ابن معين وغيره، وقال أبو حاتم صالح لا يحتج به. واختلف في يعلي بن أبي يحيى كما تقدم. وقد اختلف في إرسال الحديث ووصله على ما تقدم، وهذا لا يضر في الاحتجاج به، وقد روي من عدة طرق، فقد أخرجه السيوطي في الهاشميات بلفظ "للسائل حق ولو جاء على فرس فلا تردوا السائل" ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة مرفوعًا "أعطوا السائل وإن كان علي فرس. وقد رواه المصنف بعد من طريق آخر. فالحديث لا ينحط عن درجة الحسن. ومنه تعلم رد ما زعمه ابن الصلاح من أن الحديث موضوع حيث قال: بلغنا عن أحمد بن حنبل أنه قال: أربعة أحاديث تدور عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأسواق ليس لها أصل: من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة: ومن أذى ذميًا فأنا خصمه يوم القيامة: ونحركم يوم صومكم: وللسائب حق وإن جاء علي فرس اهـ

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ نَا زُهَيْرٌ عَنْ شَيْخٍ قَالَ رَأَيْتُ سُفْيَانَ عِنْدَهُ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهَا عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.

(ش)(زهير) بن معاوية. و (الشيخ) لم يسم، ولعله يعلي بن أبي يحيى المتقدم كما قاله السيوطي في درجات مرقاة الصعود، وهر أقرب من القول بأنه مصعب بن محمد بن شرحبيل فإن مصعبًا لم يرو عن فاطمة بنت الحسين

(قوله قال رأيت سفيان عنده) أي قال زهير رأيت سفيان الثوري عند الشيخ. وغرضه بيان أن الشيخ حدثه بحضور الثوري وإقراره، ففيه تقوية الرواية وتوثيق لذلك الشيخ، فإن سفيان لم يرو إلا عن ثقة فلا يقر إلا ثقة

(قوله مثله) أي روى زهير عن الشيخ الذي هو يعلى. الحديث. مثل ما رواه عنه مصعب بن محمد

ص: 313

وغرض المصنف بسياق هذه الرواية تقوية الحديث ورد دعوى وضعه. قال السيوطى في الدرجات قد انتقد الحافظ القزويني علي المصابيح أحاديث زعم أنها موضوعة. منها هذا الحديث، ورد عليه الحافظ العلائي فقال: أما الطريق الأولى فإنها حسنة: مصعب بن محمد وثقه ابن معين وغيره وقال أبو حاتم صالح لا يحتج به. وتوثيق الأولين أولى بالاعتماد. ويعلى بن أبي يحيى قال أبو حاتم مجهول ووثقه ابن حبان، فعنده زيادة علم على من لم يعلم حاله. وقد أثبت محمد بن يحيى بن الحذاء سماع الحسين رضي الله عنه من جده صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقال ابن السكن وأبو القاسم البغوي وغيرهما كل رواياته مراسيل. فعلى هذا هو مرسل صحابي. والجمهور علي الاحتجاج بمرسل الصحابي: وأما الطريق الثانية فقد بين فيها أنه سمعه من أبيه عليّ عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وزهير بن معاوية متفق علي الاحتجاج به، لكن شيخه لم يسم. والظاهر أنه يعلي بن أبي يحيى: فعلى الجملة الحديث حسن ولا يصح نسبته إلى الوضع اهـ بتصرف

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ بُجَيْدٍ "وَكَانَتْ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-" أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ إِنَّ الْمِسْكِينَ لَيَقُومُ عَلَى بَابِي فَمَا أَجِدُ لَهُ شَيْئًا أُعْطِيهِ إِيَّاهُ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "إِنْ لَمْ تَجِدِي لَهُ شَيْئًا تُعْطِينَهُ إِيَّاهُ إِلَاّ ظِلْفًا مُحْرَقًا فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ".

(ش)(رجال الحديث)(عبد الرحمن بن بجيد) بموحدة وجيم ودال مهملة مصغرًا ابن وهب الأنصاري. مختلف في صحبته. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعن جدته أم بجيد. وعنه زيد بن أسلم ومحمد بن إبراهيم وسعيد المقبري. ذكره ابن حبان في ثقات التابعين. قال ويقال إن له صحبة. روى له أبو داود والترمذي.

و(جدته أم بجيد) هي حواء

بنت يزيد بن السكن الأنصارية. روى عنها عبد الرحمن بن بجيد، وكانت ممن بايعن رسول الله صلى

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي أن لا يشركن باللهِ شيئًا وعلي السمع والطاعة. روى لها

أبو داود والترمذي والنسائي

(المعنى)

(قوله إلا ظلفًا محرقًا) بكسر الظاء المعجمة وسكون اللام، وهو للبقر والغنم كالقدم للإنسان كما في القاموس، أي إن لم تجدي إلا شيئًا يسيرًا تعطينه فأعطيه إياه، فهو مبالغة

ص: 314