المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في زكاة السائمة) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ٩

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(باب القيام للجنازة)

- ‌(باب الركوب في الجنازة)

- ‌(باب المشي أمام الجنازة)

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌(باب الصلاة على الجنازة في المسجد)

- ‌(باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم)

- ‌(باب أين يقوم الإِمام من الميت إذا صلى عليه)

- ‌باب ما يقرأ على الجنازة

- ‌(باب الدعاء للميت)

- ‌(باب في جمع الموتى في قبر والقبر يعلم)

- ‌(باب في اللحد)

- ‌(باب كيف يجلس عند القبر)

- ‌(باب في الدعاء للميت إذا وضع في قبره)

- ‌(باب الرجل يموت له قرابة مشرك)

- ‌ إسلام أبي قحافة

- ‌(باب في تعميق القبر)

- ‌(باب تسوية القبر)

- ‌(باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف)

- ‌(باب كراهية الذبح عند القبر)

- ‌(باب الميت يصلي على قبره بعد حين)

- ‌(باب في كراهية القعود على القبر)

- ‌(باب المشي بين القبور بالنعل)

- ‌(باب تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث)

- ‌(باب في الثناء على الميت)

- ‌(باب في زيارة القبور)

- ‌(باب في زيارة النساء القبور)

- ‌(باب ما يقول إذا زار القبور أو مر بها)

- ‌(كتاب الزكاة)

- ‌باب

- ‌(باب ما تجب فيه الزكاة)

- ‌(باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي)

- ‌(باب في زكاة السائمة)

- ‌(باب رضا المصدق)

- ‌(باب دعاء المصدق لأهل الصدقة)

- ‌(باب تفسير أسنان الإبل)

- ‌(باب أين تصدق الأموال

- ‌(باب صدقة الرقيق)

- ‌(باب صدقة الزرع)

- ‌(باب زكاة العسل)

- ‌(باب في خرص العنب)

- ‌(باب في الخرص)

- ‌(باب متى يخرص التمر

- ‌(باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة)

- ‌(باب زكاة الفطر)

- ‌(باب متى تؤدى

- ‌(باب كم يؤدي في صدقة الفطر

- ‌(باب من روى نصف صاع من قمح)

- ‌(باب في تعجيل الزكاة)

- ‌(باب الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)

- ‌(باب من يعطى من الصدقة وحدّ الغنى)

- ‌(باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني)

- ‌(باب كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة

- ‌(باب كراهية المسألة)

- ‌(باب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ)

- ‌(باب الفقير يهدي للغني من الصدقة)

- ‌(باب حق السائل)

- ‌(باب الصدقة على أهل الذمة)

- ‌(باب ما لا يجوز منعه)

- ‌ الشركة في الكلأ

- ‌(باب المسألة في المساجد)

- ‌(باب الرجل يخرج من ماله)

- ‌(باب المرأة تصدق من بيت زوجها)

الفصل: ‌(باب في زكاة السائمة)

تعالى عليه وعلى آله رسلم وفي أصبعي خاتم من ذهب فقال تؤدي زكاة هذا؟ قلت يا رسول الله وهل في ذا زكاة؟ قال نعم جمرة عظيمة. قال الوليدي فقلت لسفيان كيف تؤدي زكاة خاتم وإنما قدره مثقال؟ قال تضيفه إلى ما تملك فيما يجب في وزنه الزكاة ثم تزكيه اهـ.

ولعل هذا قبل تحريم لبس الذهب على الرجال. وأخرجه البيهقي أيضًا من طريق آخر قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني علي بن محمَّد بن سختويه ثنا يزيد بن الهيثم ثنا إبراهيم بن أبي الليث ثنا الأشجعي ثنا سفيان بن سعيد عن عمر بن يعلى بن مرة الثقفي عن أبيه عن جده قال: أتى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رجل عليه خاتم من ذهب عظيم فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أتزكي هذا؟ فقال يا رسول الله وما زكاة هذا؟ قال فلما أدبر الرجل قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جمرة عظيمة اهـ.

يعني إن لم تؤد زكاته. وهذا وعيد شديد منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على ذلك. وأخرجه أحمد أيضًا من هذا الطريق وكذا ابن الجارود من طريق حفص ابن عبد الرحمن عن سفيان بن سعيد

(باب في زكاة السائمة)

وهي الماشية المرسلة في مرعاها

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ قَالَ أَخَذْتُ مِنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ كِتَابًا زَعَمَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَهُ لأَنَسٍ وَعَلَيْهِ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا وَكَتَبَهُ لَهُ فَإِذَا فِيهِ "هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عز وجل بِهَا نَبِيَّهُ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِهِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ. فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ إِلَى سِتِّينَ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ

ص: 139

فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ فَإِذَا تَبَايَنَ أَسْنَانُ الإِبِلِ فِي فَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ فَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَأَنْ يَجْعَلَ مَعَهَا شَاتَيْنِ - إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ - أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَعِنْدَهُ جَذَعَةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ حِقَّةٌ وَعِنْدَهُ ابْنَةُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ هَا هُنَا لَمْ أَضْبِطْهُ عَنْ مُوسَى كَمَا أُحِبُّ "وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ -إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ- أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلَاّ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى هَا هُنَا ثُمَّ أَتْقَنْتُهُ "وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ ابْنَةِ لَبُونٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلَاّ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ ابْنَةِ مَخَاضٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلَاّ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَىْءٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَاّ أَرْبَعٌ فَلَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ مِنَ الْغَنَمِ وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ أَرْبَعِينَ فَلَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا

ص: 140

وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَالُ إِلَاّ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا".

(ش)(الرجال)(حماد) بن سلمة. و (ثمامة بن عبد الله بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري. روى عن جده أنس والبراء بن عازب وأبي هريرة. وعنه حميد الطويل وعبد الله بن عون ومعمر وأبو عوانة وجماعة. وثقه أحمد والنسائي والعجلي وقال ابن سعد كان قليل الحديث وفي التقريب صدوق من الرابعة. روى له الجماعة

(المعنى)

(قوله زعم أن أبا بكر كتبه لأنس الخ) يعني قال ثمامة إن أبا بكر كتب هذا الكتاب لأنس حين وجهه إلى البحرين لجمع الصدقة وكان هذا الكتاب مطبوعًا عليه بخاتم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله وكتبه له فإذا فيه هذه فريضة الصدقة الخ) أي هذه نسخة بيان فريضة الصدقة. وفي رواية للبخاري حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس أن أنسًا حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله على المسلمين أي التي أوجبها عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأمر الله له بها.

فالإيجاب من الله تعالى في الحقيقة وأضيف إليه صلى الله تعالى عليه وفي آله وسلم لأنه المبلغ له، وقد فرض الله تعالى طاعته على الخلق فلذا سمي أمره صلى تعالى عليه وعلى آله وسلم وتبليغه عن الله تعالى فرضًا. ويحتمل أن المراد بالفرض التقدير فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين مقاديرها وقد قال تعالى "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، هذا.

ويرد الفرض بمعنى البيان كقوله "فرض الله لكم تحلة أيمانكم" وبمعنى الإنزال قال تعالى "إن الذي فرض عليك القرآن"

وبمعنى الحل قال تعالى "ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له" وكل ذلك لا يخرج عن معنى التقدير. قال الراغب كل ما ورد في القرآن بلفظ فرض على فلان فهو بمعنى الإلزام وما ورد بلفظ فرض له فهو بمعنى لم يحرمه عليه اهـ

(قوله فمن سئلها من المسلمين الخ) أي إذا سأل أحد العمال الزكاة على وجهها المذكور في الحديث وجب على أرباب الأموال دفعها له، ومن سألها على غير ذلك بأن سأل زائدًا على المطلوب في سن أو عدد فلا يعطه رب المال الزائد أو لا يعطه شيئًا من الزكاة لأنه بذلك يكون خائنًا فتسقط طاعته ويتولى رب المال تفرقتها بنفسه أو يعطيها لعامل آخر

(وفي هذا) دليل على أن العامل لا يجاب طلبه المؤدي إلى ظلم المزكي. ولا ينافيه ما رواه جرير بن عبد الله قال جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: إن ناسًا من المصدقين يأتوننا فيظلموننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم أرضوا مصدقيكم رواه مسلم والنسائي وسيأتي للمصنف وفيه زيادة: أرضوا مصدقكيم وإن ظلمتم. فإن هذا ونحوه محمول على أن المراد وإن ظلمتم في زعمكم، فإن العامل أعلم بما يجزئ في الزكاة وربما تظلم المالك من القدر المجزئ

ص: 141

فإن النفوس مجبولة على حب المال، أو محمول على ما إذا ترتب على عدم إجابة طلب الساعي فتنة

(قوله فما دون خمس وعشرين الخ) الجار والمجرور خبر مقدم والغنم مبتدأ مؤخر أي أن الغنم يجب إخراجها زكاة فيما هو أهل من خمس وعشرين من الإبل. وهذا مجمل فصله بقوله: في كل خمس ذود شاة أي في كل خمس من الإبل شاة وفي العشر شاتان وفي الخمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه. وبدأ في الحديث بالإبل لأنها كانت جل أموالهم وأنفسها حينئذ.

وبهذا احتج مالك وأحمد على تعين إخراج الغنم في أقل من خمس وعشرين من الإبل، فلو أخرج المالك بعيرًا عن أربع وعشرين من الإبل لم يجزه عندهما. وذهب الجمهور إلى الإجزاء لأنه يجزئ عن خمس وعشرين فما دونها أولى، لأن الأصل وجوب الزكاة من جنس المال. وإنما عدل عنه هنا رفقًا بالمالك. فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه هكذا قالوا. والحديث ظاهر فيما ذهب إليه مالك وأحمد

(قوله ففيها بنت مخاض) وهي ما أوفت سنة ودخلت في الثانية. والمخاض بفتح الميم النوق الحوامل لا واحد لها من لفظها بل من معناها وهو خلفة. وأضيفت إلى المخاض وهو اسم للنوق لمجاورة أمها له وإلا فهي بنت ناقة واحدة. وسميت بذلك لأن أمها تصير في الغالب ذات مخاض أي حمل بأخرى. فإن العرب كانت تحمل الفحول عل الإبل بعد وضعها بسنه.

فإذا حملت في السنة الثانية تمخض جنينها في بطنها فإذا سعى ولدها خلفها والحاله هذه سمي ابن مخاض. وهذا بالنظر للشأن والغالب وإلا فهو يسمى ابن مخاض وإن لم تحمل أمه بالفعل. وهذا مذهب الجمهور وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي رضي الله عنه أن في الخمس والعشرين خمس شياه فإذا صارت ستًا وعشرين كان فيها بنت مخاض. روي عنه هذا مرفوعًا وموقوفًا، وإسناد المرفوع ضعيف: قال سفيان الثوري. وهذا غلط وقع من رجال علي رضي الله عنه فإنه كان أفقه من أن يقول هكذا لأن فيه موالاة بين الواجبين بلا وقص بينهما وهو خلاف أصول الزكاة

(قوله فابن لبون ذكر) ما أوفى سنتين ودخل في الثالثة. سمي بذاك لأن أمه تكون ذات لبن ترضع به آخر

(وعلم منه) أن المصدق إذا لزمه بنت مخاض ولم توجد عنده يدفع للساعي ابن لبون جعلا لزيادة السن مقابلًا بزيادة الأنوثة. وهذا متعين عند مالك والشافعي وهو رواية عن أبي يوسف أخذًا بظاهر الحديث. وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أنه لا يتعين أخذ ابن لبون عند فقد بنت المخاض بل العبرة بالقيمة. قال في فتح القدير كان ابن اللبون يعدل بنت المخاض إذ ذاك جعلا لزيادة السن مقابلًا بزيادة الأنوثة فإذا تغير تغير اهـ

فلو عينا أخذ ابن اللبون من غير اعتبار القيمة لأدى إلى الإضرار بالفقراء أو الإجحاف بأرباب الأموال

(قوله ففيها حقة طروقة الفحل) الحقة بكسر الحاء ما أوفت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة جمعها حقق مثل سدرة وسدر وجمع الذكر حقاق. سميت بذلك لاستحقاقها طرق الفحل. فقوله طروقة الفحل أي مطروقته وصف كاشف

ص: 142

(قوله

(ص) ففيها جذعة) بفتح الجيم والذال وهي ما أوفت أربع سنين ودخلت في الخامسة من الجذع وهو السقوط. سميت بذلك لسقوط أسنانها

(قوله فإذا زادت على عشرين ومائة الخ) أي إذا زادت بواحدة ففيها ثلاث بنات لبون كما سيأتي للمصنف بعد في كتاب عمر من قوله "فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون" وفي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفي مائة وخمسين ثلاث حقق.

وهكذا في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة. وهذا مذهب الشافعي وإسحاق بن راهويه والأوزاعي وأبى ثور وداود وابن القاسم من المالكية ورواية عن أحمد. وعن مالك أن المراد بالزيادة عشرة ففي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون وهكذا يتغير الواجب بكل عشر.

أما في مائة وإحدى وعشرين إلى تسع وعشرين فيخير الساعي بين أخذ حقتين أو ثلاث بنات لبون لأن فيها أكثر من خمسينين وأكثر من ثلاث أربعينات. وقال محمَّد بن إسحاق وأبو عبيد لا يتغير الواجب وهو حقتان إلى ثلاثين ومائة فيكون فيها حقة وبنتا لبون وهو رواية عن أحمد. قالوا لأن الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة وردّ بأنه إنما تغير الفرض بها مع ما قبلها فأشبهت الواحدة الزائدة عن التسعين والستين. وذهب علي وابن مسعود وأبو حنيفة وأصحابه وإبراهيم النخعي والثوري إلى أن الفريضة تستأنف بعد المائة والعشرين فيجب في كل خمس شاة مع الحقتين إلى خمس وأربعين ومائة ففيها حقتان وبنت مخاض وفي مائة وخمسين ثلاث حقق. ثم تستأنف الفريضة فيجب في كل خمس شاة مع ثلاث حقق إلى خمس وسبعين ومائة ففيها بنت مخاض مع ثلاث حقق. وفي ست وثمانين ومائة بنت لبون مع ثلاث حقق. وفي ست وتسعين ومائة إلى مائتين أربع حقق أو خمس بنات لبون. ثم تستأنف الفريضة كما استؤنفت في الخمسين التي بعد المائة والخمسين واستدلوا بما رواه أبو داود في المراسيل وإسحاق بن راهويه في مسنده والطحاوي في مشكل الآثار عن حماد بن سلمة قال: قلت لقيس بن سعد خذ لي كتاب محمَّد بن عمرو بن حزم فأعطاني كتابًا أخبر أنه أخذه من أبي بكر بن محمَّد عمرو بن حزم وأخبر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كتبه لجده فقرأته فكان فيه ذكر ما يخرج من فرائض الإبل. فقص الحديث إلى أن بلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة فإنها تعاد إلى أول فريضة الإبل.

وفي رواية عن قيس بن سعد لأبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم فأخرج لي كتابًا في ورقة وفيه: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة. فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم. في كل خمس ذود شاة. وروى من طريق شاذ: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين فليس في الزيادة شيء حتى تكون خمسًا فإذا كانت مائة وخمسًا وعشرين ففيها حقتان وشاة قالوا وجوب الحقتين في مائة وعشرين باتفاق الآثار وإجماع

ص: 143

الأمة فلا يجوز إسقاطه إلا بمثله. وبعد مائة وعشرين اختلفت الآثار فلا يجوز إسقاط ذلك الواجب عند اختلافها بل يؤخذ بحديث عمرو بن حزم. ولا تعارض بينه وبين حديث الباب لأن ما يثبته هذا الحديث من التنصيص على عود الفريضة لا يتعرض حديث الباب لنفيه حتى يتعارضا. إنما فيه إذا زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة وهم يقولون به لأن الواجب في الأربعين هو الواجب في ست وثلاثين والواجب في الخمسين هو الواجب في ست وأربعين. ولم يتعرض حديث الباب لنفي الواجب عما دون الأربعين ويوجبه حديث عمرو ابن حزم. وتحمل الزيادة في حديث الباب على الكثيرة جمعًا بين الأحاديث.

على أن حديث الباب متكلم فيه بما يدفع الاحتجاج به. فإن الدارقطني ذكر في كتاب التتبع على الصحيحين أن ثمامة لم يسمعه من أنس. وفي الأطراف للمقدسي قيل لابن معين حديث ثمامة عن أنس في الصدقات قال لا يصح وليس بشيء. رواه البيهقي من طريق عبد الله بن المثنى. قال الساجي ضعيف منكر الحديث وقال أبو داود لا أخرّج حديثه وذكره ابن الجوزى في الضعفاء. وقال أبو سلمة كان ضعيفًا في الحديث أفاده العيني وغيره. لكن قولهم إن حديث الباب متكلم فيه بما يدفع الاحتجاج به مدفوع بأن البخاري والنسائي روياه. وقد صححه غير واحد. قال ابن حزم هذا كتاب "يعني حديث أنس" في نهاية الصحة وعمل به الصديق بحضرة العلماء ولم يخالفه أحد اهـ. وقال في النيل صححه ابن حبان وغيره اهـ.

وقال النووي: والصواب ما ذهب إليه الشافعي وموافقوه وعمدتهم حديث أنس السابق وهو صحيح صريح. وما خالفه ضعيف أو دونه اهـ

وأما حديث قيس بن سعد الذي استدلوا به. فقد قال البيهقي إنه حديث منقطع بين أبي بكر بن حزم إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقيس بن سعد أخذه عن كتاب لا عن سماع وكذلك حماد بن سلمة. وقيس بن سعد وحماد بن سلمة وإن كانا من الثقات فروايتهما هذه تخالف رواية الحفاظ عن كتاب عمرو بن حزم وغيره. وحماد بن سلمة ساء حفظه في آخر عمره. فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه ويجتنبون ما يتفرد به وخاصة عن قيس بن سعد وأمثاله اهـ.

لكن قال في الجوهر النقى؛ لم أر أحدًا من أئمة هذا الشأن ذكره "يعني حماد بن سلمة" بشيء من ذلك. والأخذ من الكتاب حجة. وقد صرح البيهقي في كتاب المدخل أن الحجة تقوم بالكتاب وإن كان السماع أولى منه بالقبول. ثم إن حديث ثمامة تقدم أنه منقطع وأن حماد بن سلمة أخذه أيضًا من كتاب ومع ذلك نقل البيهقي عن الشافعي أنه أثنى عليه. ونقل عن الدارقطني أنه صحيح الإسناد. ثم ذكر عن صالح بن أحمد عن القطان أنه قال حماد بن سلمة وقيس بن سعد ليس بذاك. قلت صالح ابن أحمد قيل عنه دجال. وزياد بن حسان الأعلم وثقه جماعة. وقال ابن حنبل ثقة ثقة. وقيس ابن سعد وثقه كثيرون وأخرج له مسلم اهـ بتصرف.

وفي تهذيب التهذيب في ترجمة حماد:

ص: 144

أورد له ابن عديّ في الكامل عدة أحاديث مما ينفرد به متنًا وإسنادًا قال: وحماد من أجلة المسلمين وقد حدث عنه من هو أكبر منه سنًا وله أحاديث كثيرة ومشايخ وهو كما قال ابن المدنيى من تكلم في حماد بن سلمة فاتهموه في الدين. وقال الساجي كان حافظًا ثقة مأمونًا. وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وربما حدّث بالحديث المنكر. وقال العجلي ثقة رجل صالح حسن الحديث عنده ألف حديث حسن ليس عند غيره. سئل عنه النسائي فقال ثقة. قال الحاكم بن مسعدة فكلمته فيه فقال ومن يجترئ يتكلم فيه اهـ

(قوله فإذا تباين أسنان الإبل الخ) أي اختلفت أعمارها فيما فرض على أرباب الأموال من الصدقات. بأن يكون المفروض سنًا والموجود عند رب المال سنًا آخر كما ذكره بقوله. فمن بلغت عنده صدقة الجذعة الخ

(قوله وأن يجعل معها شاتين الخ) أي يجعل مع الحقة شاتين إن وجدتا أو عشرين درهمًا جبرًا النقصان الحقة بالنسبة إلى الجذعة

(وبما ذكر في الحديث) أخذ الشافعي وإبراهيم النخعي وأحمد وأبو ثور وداود. وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن من لزمه من ولم يوجد عنده يدفع أدنى والفرق بين السنين بالغًا ما بلغ، أو يدفع أعلى من السنن الواجب ويأخذ الفرق بين السنين من الساعي إن شاء، لأنه في حكم البيع وهو مبني على التراضي، أو يدفع قيمة السن المطلوب مستدلين بحديث الباب، وقالوا تقدير الفرق فيه بالشاتين أو العشرين درهمًا بناء على أن ذلك كان قيمة التفاوت في زمنهم لا أنه تقدير لازم.

فقد روى عن علي رضي الله عنه أنه قدر الجبران ما بين السنين بشاة أو عشرة دراهم: وهو كان مصدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وما كان يخفى عليه مثل هذا ولا يظن به مخالفة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقال حماد بن أبي سليمان يأخذ الساعي السن الموجود عند المالك مع وجوب أخذ الفرق إن دفع المالك الأقل أو دفع الساعي الفرق له إن أخد الأعلى سنًا. وعن مكحول والأوزاعي أنه يجب على المالك دفع قيمة السن الواجب. وقال مالك يلزم رب المال بإحضار السن الواجب وإن بشراء.

والراجح أقول الأول عملًا بظاهرالحديث "وما قيل" من أن التقدير في الحديث بالشاتين أو العشرين درهمًا مبني على أن ذلك كان قيمة التفاوت في زمانهم لا أنه تقدير لازم "غير مسلم" إذ لو كان مرادًا له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لرده إلى القيمة بالغة ما بلغت ولم يحدده بما ذكر. قال الخطابي يشبه أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما جعل الشاتين أو عشرين درهمًا تقديرًا في جبران الزيادة والنقصان، ولم يكل الأمر في ذلك إلى اجتهاد الساعي وغيره لأن الساعي إنما يأخذ منهم الزكاة عند المياه غالبًا وليس هناك حاكم ولا مقوم يفصل بينهما إذا اختلفا فضبطت بقيمة شرعية كالصاع في المصراة والغرة في الجنين ومائة من الإبل في قتل النفس قطعًا للنزاع اهـ

ويرده ما تقدم عن علي أنه قدر الجبران بين السنين بشاة أو عشرة دراهم ومثل هذا لا يقوله إلا عن توقيف

(قوله قال أبو داود من ها هنا لم أضبطه عن موسى الخ)

ص: 145

غرض المصنف بهذا أنه لم يضبط هذا القدر عن شيخه موسى بن إسماعيل. وهو من قوله: ويجعل معها شاتين إلى قوله إلا حقة فإنها تقبل منه، وأنه أتقن ما عدا هذا القدر من الحديث. وهذا يدل على قوة تحرى أبي داود

(قوله وليس معه شيء) أي ليس على المالك دفع شيء مع ابن اللبون لقيام زيادة السن مقام ذوات فضيلة الأنوثة. وهذا على الإطلاق عند الجمهور. وذهبت الحنفية إلى أن ابن اللبون يجزئ عن بنت المخاض إذا بلغت قيمته قيمتها فإن نقصت فلا يجزئ لأنه يضر بالفقراء. وإن زادت لا يلزم رب المال بدفعه لأنه يؤدي إلى الإجحاف به.

وظاهر الحديث عدم الاشتراط. فالراجح ما ذهب إليه الجمهور

(قوله ومن لم يكن عنده إلا أربع الخ) أي من لم يوجد عنده إلا أربع من الإبل فليس فيها شيء واجب لأنها دون النصاب لكن لو شاء صاجها أن يتصدق بشيء تبرعًا فله ذلك

(قوله وفي سائمة الغنم الخ) أي تجب الزكاة في سائمة الغنم إذا بلغت أربعين شاة. وقوله ففيها شاة بيان للقدر الذي يجب إخراجه في الأربعين إلى العشرين ومائة فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائين، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاة. وظاهره أن الشاة الرابعة لا تجب حتى تستكمل أربعائة وهو قول الجمهور. وعن الحسن ابن صالح والشعبي والنخعي إذا زادت على الثلثمائة واحدة وجبت الشاة الرابعة، وفي أربعمائة خمس شياه وهو رواية عن أحمد. وهو مخالف لظاهر الحديث والآثار: والتقييد بالسائمة وصف لازم عند أكثر الأئمة منهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد قالوا: يشترط في الماشية التي تزكى أن تكون سائمة حتى لو علفت نصف الحول لا تحب فيها الزكاة. بل قال الشافعي لو علفها زمنًا لا تعيش مثله بدون علف أو تعيش لكن يلحقها الضرر البين أو قصد بعلفها ذلك الزمن قطع السوم لا زكاة فيها. وقال مالك والليث وربيعة تجب الزكاة في الماشية مطلقًا معلوفة أم لا عاملة أم لا متى بلغت النصاب. واستدلوا بالأحاديث المطلقة كقوله في الحديث المتقدم "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" وفي الحديث الآتي "أمر معاذًا لما وجهه إلى اليمن أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا ومن كل أربعين مسنة"

(وأجابوا) عن حديث الباب بأن التقييد بالسائمة فيه خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له على حد قوله تعالى "وربائبكم اللآتي في حجوركم" فإن الربيبة تحرم ولو لم تكن في الحجر. وقال الباجيّ يحتمل أن يكون ذكر السائمة لأنها كانت عامة الغنم وقتئذ ولا تكاد أن تكون فيها غير سائمة، ولذا ذكر السائمة في الغنم ولم يذكرها في الإبل والبقر. ويحتمل أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نص على السائمة ليكلف المجتهد الاجتهاد في إلحاق المعلوفة بها فيحصل له أجر المجتهدين اهـ

(وأجاب) الجهور عن هذا بأن الأصل في القيود في كلام الشارع اعتبارها، فلا يترك ظاهرها والعمل بمفهومها إلا لدليل. ولا دليل يقضي بعدم اعتبار القيد. قال في الروض النضير لشرف الدين الحسين بن أحمد الصنعاني الزيدي

(ويجاب) بأن ذكر السوم لا بد له

ص: 146

من فائدة يعتد بها صيانة لكلام الشارع عن اللغو. والمتبادر منه أن للمذكور حكمًا يخالف المسكوت عنه. قال الخطابي لأن الشيء إذا كان يعتوره وصفان لازمان فعلق الحكم بأحد وصفيه كان ما عداه بخلافه وكذلك هذا في عوامل البقر والإبل اهـ.

والعمدة فيه الظهور ولا ينافيه احتمال كونه خارجًا مخرج الغالب. وقد ثبت عن أئمة اللغة العمل بفهوم الصفة كما نقلة له أهل الأصول. فيفيد أن التخصيص به مقصود للبلغاء في كلامهم. فكلام الله ورسوله به أجدر لو سلم عدم التخصيص به "لكان" المأخوذ من العموم في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (صدقة الغنم في سائمتها) ونحوه "وجوب" الزكاة في المعلوفة والسائمة، ولم يقل به أحد لأنهم بين قائل بدلالة هذا اللفظ على انتفاء الحكم فيما عدا السائمة وهم أصحاب المفاهيم، وقائل بأنه مسكوت عنه وهم المنكرون. أما القول بأنه داخل فخارق للإجماع. وعلى القول بأنه مسكوِت عنه ففي حديث الأصل ما يصلح للاستدلال به على نفي الزكاة في غير السائمة وهو مفهوم الحصر في قوله "وإنما الصدقة في الراعية" وفي قوله "ليس في البقر العوامل صدقة وليس في الإبل العوامل والحوامل صدقة" إذ الغالب على العاملة أنها غير سائمة اهـ.

ويعنى بحديث الأصل ما ذكره مصنفه من قوله حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام قال: ليس في البقر العوامل صدقة وإنما الصدقة في الراعية اهـ

قال شارحه وقد روي مرفوعًا وموقوفًا وتقدم أن الموقوف على عليّ عليه السلام في هذا الباب له حكم الرفع. وبهذا يظهر أن ما ورد من الأحاديث في زكاة المواشي مطلقة عن ذكر السوم غير باقية على العموم لوجود ما يخصصها أصلًا أو قياسًا اهـ.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور. قال ابن عبد البر لا أعلم أحدًا قال بقول مالك والليث من فقهاء الأمصار اهـ.

واختلف القائلون باشتراط السوم. فقال أبو حنيفة وأحمد متى كانت سائمة أكثر الحول وجبت فيها الزكاة ولا عبرة بعلفها أقل الزمن لأن اليسير منه لا يمكن الاحتراز عنه إذ لا توجد المرعى في كل السنة. والصحيح عند الشافعية أنها إن علفت قدرًا تعيش بدونه وجبت الزكاة وإن علفت قدرًا لا يبقى الحيوان بدونه لم تجب. قالوا والماشية تصبر اليومين ولا تصبر الثلاثة

(قوله ولا يؤخذ في الصدقة هرمة الخ) بفتح الهاء وكسرالراء أي كبيرة السنن القياسقطت أسنانها، ولا تؤخذ صاحبة عوار بفتح العين وقد تضم أي عيب ونقص: واختلف في العيب المانع من الإجزاء في الزكاة فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع وهو ما يوجب نقصان الثمن عند التجار. وقيل ما يمنع الإجزاء في الأضحية: ومحل عدم إجزاء المعيبة إذا كان المال سليمًا، فإن كان فيه سليم ومعيب أخذ سليم وسط قيمته بين المعيب والسليم: وإن كان كله معيبًا أخذ المصدق واحدة من أوسطه وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي وأحمد ورواية عن مالك، وفي أخرى له يكلف رب المال الإتيان بصحيحة أخذًا بظاهر الحديث وهو مشهور المذهب. وقوله من الغنم قيد لا مفهوم له

ص: 147

فإن عدم أخذ المعيب عام في جميع المواشي وليس هذه القيد في رواية البخاري

(قوله ولا تيس الغنم) بفتح التاء وسكون الياء أي لا يؤخذ فحل الغنم إذا كانت كلها أو بعضها إناثًا لقلة الرغبة فيه لعدم سمنه أو لأن المالك يتضرر بأخذه لأنه أعده للنزو على الإناث. أما إذا كانت كل الغنم ذكورًا فيؤخذ التيس. وقيد بالغنم لأن الذكر من غيرها قد يؤخذ. فإن التبيع يؤخذ في البقر اتفاقًا، وكذا المسن عند الحنفية. وابن اللبون يؤخذ عن خمس وعشرين من الإبل عند عدم بنت المخاض

(قوله إلا أن يشاء المصدق) بفتح الصاد والدال المشددتين على ما اختاره أبو عبيد وضبطه أبو موسى بكسر الدال وهو رب الماشية. فالاستثناء فيه راجع إلى قوله ولا تيس الغنم أي لا يؤخذ تيس الغنم إلا أن يشاء المالك إعطاءه لأن أخذه بغير اختياره يضر بمصلحته وضبطه جمهور المحدثين بكسر الدال مع تخفيف الصاد وهو الساعي. فيكون الاستثناء راجعًا إلى الجميع أي لا تؤخذ الهرمة ولا ذات العيب ولا تيس الغنم إلا أن يشاء الساعي أخذ واحد مما ذكر بأن يرى أنه أنفع للفقراء. ويكون هذا تفويضًا منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم للساعي في اجتهاده لقيامه مقام الإِمام

(قوله ولا يجمع بين مفترق الخ) ببناء الفعل للمفعول وتقديم الفاء على التاء المخففة من الافتراق. وفي رواية متفرق بتقديم التاء على الفاء وتشديد الراء.

وقوله ولا يفرق بتخفيف الراء وتشديدها، وقوله خشية الصدقة منصوب على التعليل راجع إلى الجملتين قبله أي لا يجوز لأرباب المواشي الجمع بين متفرق أموالهم ولا تفريق المجتمع منها مخافة وجوب الصدقة عليهم أو كثرتها. وذلك كأن يكون لشخص أربعون شاة ولآخر أربعون ولثالث أربعون فيجمعونها ليكون فيها شاة واحدة بدل ثلاث شياه وهذا جمع المتفرق. أما تفريق المجتمع فصورته أن يكون خليطان لكل واحد مائة شاة وشاة فيكون الواجب عليهما ثلاث شياه فيفترقان عند طلب الساعي الزكاة، فيكون على كل واحد منهما شاة واحدة. ونهوا عن ذلك لأنه هروب عن الحق الواجب وإجحاف بالفقير.

ولا يجوز أيضًا للساعي أن يفرق المجتمع لكثرة الصدقة أو يجمع بين المفترق لتحققها أو زيادتها. وذلك كأن يكون لكل من الخليطين أربعون فيفرق بينهما ليأخذ من كل واحد شاة بعد أن كان عليهما شاة واحدة، أو يكون لواحد عشرون ولآخر كذلك فيأمر بجمعها ليأخذ الصدقة منهما، أو يكون لشخص مائة شاة وشاة ولآخر مثله فيأمر الساعي بجمعها ليأخذ ثلاث شياه بدل شاتين.

فقوله خشية الصدقة راجع لأرباب المواشي والساعى كما علمت. ومحل النهى عن الجمع والتفريق خشية الزكاة في الجنس الواحد. ومن الجنس الواحد الضأن والمعز، والبقر والجاموس، والبخت والعراب من الإبل. والبخت هو المتولد بين عربي وعجمي فلا يدخل في ما اختلف جنسه فمن كان عنده دون نصاب من البقر ودون نصاب من الغنم مثلًا لا يضم بعضه إلى بعض اتفاقًا كى يصير نصابًا تجب فيه الزكاة. ومحل النهي

ص: 148

المذكور أيضًا إذا تعدد المالك. وأما إذا اتحد المالك وكان له ماشية ببلد لا تبلغ نصابًا وله بأخرى ما يكمله من جنس تلك الماشية فإنه يضم بعضها إلى بعض. وكذا من كان له نصاب في جهة وآخر في جهة أخرى فإنه يضم بعضه إلى بعض أيضًا ولا يضر اختلاف الأمكنة.

وقد ذهب إلى ذلك الجمهور ووافقهم أحمد فيما إذا كانت ماشية الرجل المتفرقة دون مسافة القصر وأما إذا كانت بينهما مسافة القصر فما فوق فلا يجمع بينها وينزل كل منها منزلة مال مستقل فما بلغ منها نصابًا زكى وإلا فلا قال ابن المنذر لا أعلم هذا القول عن غير أحمد.

ويؤخذ من عموم النهي في الحديث أن من كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب لا يضم بعضه إلى بعض وعلى ذلك أكثر العلماء: وقالت الحنفية والمالكية يضم بعضه إلى بعض ليصير نصابًا كاملًا فتجب فيه الزكاة. وحملوا النهي في الحديث على الماشية وسيأتي مزيد بيان لذلك في موضعه إن شاء الله تعالى

(قوله وما كان من خليطين الخ) المراد بالخليطين عند الحنفية الشريكان اللذان اختلط مالهما بلا تمييز. قالوا ولا أثر للخلطة في إيجاب الزكاة فلا تجب في نصاب مشترك كان يكون بلوغه نصابًا بضم أحد المالين إلى الآخر لا فرق في ذلك بين السائمة وغيرها مستدلين بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس فيما دون خمس ذود صدقة".وقوله في حديث الباب.

فان لم تبلغ سائمة الرجل أربعين "يعني من الغنم" فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وكذا جميع النصوص الواردة في نصب الزكاة تدل على عدم الوجوب فيما دونها. وقالوا المراد بتراجع الخليطين بالسوية تراجعهما بمقضى الحصص كأن يكون لشريكين مائة وثلاث وعشرون شاة لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث، فأخذ الساعي من كل شاة فإنه يرجع صاحب الثلث على صاحب الثلثين بالثلثين من الشاة التي دفعها ويرجع صاحب الثلثين على صاحب الثلث بالثلث من الشاة التي دفعها فيقابل الثلث المطالب به صاحب الثلث بثلث من الثلثين المطالب بهما صاحب الثلثين ويبقى عليه ثلث.

أما لو تساويا فلا رجوع لأحدهما على الآخر كما لو كان المال المشترك مائة وعشرين شاة لكل منها ستون فأخذ الساعي منها شاتين ومنه يعلم أنه لا أثر للخلطة في مقدار الواجب وإن كان لها تأثير في تقليل المطلوب من أحد الشريكين وتكثير المطلوب من الآخر عند اختلاف ماليها.

وقالت المالكية خلطاء الماشية كمالك واحد في الزكاة، ولا أثر للخلطة إلا إذا كان كل من الخليطين يملك نصابًا بشرط اتحاد الراعي والفحل والمراح ونية الخلطة. وأن يكون مال كل متمايزًا عن الآخر وإلا كانا شريكين وأن يكون كل منهما أهلًا للزكاة، فلو كان أحدهما عبدًا أو كافر فلا تصح خلافًا لابن الماجشون ولا يشترط اتحاد المبيت ولا كون الخلطة في جميع الحول، فلو اختلطا قبل الحول بنحو شهرين فهما خليطان ولا يكفي الشهر خلافًا لابن حبيب، ولا تؤثر الخلطة إلا في المواشي. وبه قال

ص: 149

الأوزاعي وأبو الحسن بن المفلس من الظاهرية، وما يؤخذ عن المالين يوزع على الشريكين بنسبة ما لكل ولو كان لأحدهما مال غير مخلوط اعتبر كله مخلوطًا. ففي المدونة سألنا مالكًا فقلنا له ما تقول في رجل له أربعون شاة مع خليط له ولخليطه أيضًا أربعون شاة وله في بلد أخرى أربعون شاة ليس له فيها خليط؟ فقال تضم غنمه التي ليس له فيها خليط إلى غنمه التي له فيها خليط فيصير في جميع غنمه خليطًا. يصير عليه ثلثا شاة في الثمانين ويصير على صاحبه ثلث شاة في الأربعين وهكذا يتراجعان في هذا الوجه كله اهـ

وذهبت الشافعية إلى أن الخلطة سواء أكانت خلطة شيوع أم اشتراك في الأعيان أم خلطة أوصاف وجوار في المكان تؤثر في إيجاب الزكاة في المواشي والزروع والثمار والنقدين بشروط تسعة:

أن يكون الشركاء من أهل وجوب الزكاة. وأن يبلغ المال بعد خلطه نصابًا. وأن يمضي عليه بعد الخلط حول كامل. وأن لا يتميز أحدهما عن الآخر في المراح "مكان المبيت" والمسرح والمشرب والراعى والمحلب "مكان الحلب" ولا يشترط خلط اللبن في إناء واحد. وأن يتحد الفحل إذا كانت الماشية من نوع واحد فإذا كان بين شخصين فأكثر من أهل الزكاة نصاب مشترك في الأعيان أو في الأوصاف ومضى بعد الخلط حول كامل ففيه زكاة المال الواحد.

وإلى هذا ذهب أحمد غير أنه خص تأثير الخلطة بالمواشي فقط. ثم إن الخلطة عندهما تؤثر في إيجاب الزكاة وفي تكثيرها وتقليلها: فلو ملك شخصان فأكثر أربعين شاة وتوفرت شروط الخلطة وجبت فيها الزكاة.

واستدلوا بحديث الباب وبأن المالين صارا كمال الواحد في المؤن فلزم فيه زكاة المال الواحد "وأجاب" بعضهم عما تمسك به الحنفية والمالكية من حديث "ليس فيما دون حمس ذود صدقة" ونحوه بأنها محمولة على انفراد المالك وعدم الخلطة جمعًا بين الأحاديث "ورد" بأنه لا دليل على هذا العمل ولا داعى إليه. ويمكن الجمع بين الأحاديث يحمل أحاديث الخلطة على ما إذا كان لكل من الشريكين نصاب بدليل عموم السلب في حديث "ليس فيما دون خمس ذود صدقة"

قال الزرقاني في شرح الموطأ. قال أبو عمر "يعني ابن عبد البر" أجمعوا على أن المنفرد لا يلزمه زكاة في أقل من نصاب. واختلفوا في الخليطين ولا يجوز نقض أصل مجمع عليه برأي مختلف فيه. وقال الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث إذا بلغت ماشيتهما النصاب وجبت وإن لم يكن لكل نصاب، وليس ذلك برأي بل لأنه لم يفرق لي حديثي الذود والغنم بين المجتمعين بالخلطة لمالكين أو لمالك واحد وغيرهم. وقد اتفقوا في ثلاثة خلطاء لهم مائة وعشرون شاة لكل أربعون أن عليهم شاة واحدة فنقصوا المساكين شاتين للخلطة فقياسه لو كانت أربعون بين ثلاثة وجبت علهيم شاة لخلطتهم اهـ ملخصًا.

لكن الاتفاق على هذا إنما هو بين القائلين بتأثير الخلطة فلا يعادل القياس على المجمع عليه. وكونه لم ينص في الحديثين على الفرق بين المجتمعين بالخلطة لمالكين أو لواحد لا يستلزم ذلك لعوده

ص: 150

على الدليل بالإبطال إذ يلزم عليه أنه وجب على مالك أقل من نصاب الزكاة وذلك خلاف عموم السلب في قول "ليس فيما دون خمس ذود صدقة" وخلاف الشرط في حديث الغنم. فقول مالك أرجح واستدلاله أوضح اهـ.

وقال العيني على البخاري: رأوا في خمسة أنفس لكل واحد بنت مخاض تجب على كل منهم خمس شاة، وفي عشرة بينهم خمس من الإبل لكل واحد نصف بعير تجب على كل واحد منهم عشر شاة مع قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس في أربع من الإبل شيء" فهذه زكاة ما أوجبها الله تعالى قط وحكم بخلاف حكم الله تعالى وحكم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وجعلوا لمال أحدهما حكمًا في مال الآخر وهذا باطل وخلاف القرآن والسنة. واشتراط الشروط التسعة المذكورة وغيرهما تحكم بلا دليل أصلًا لا من قرآن ولا ما سنة ولا من قول صاحب ولا من قياس ولا من وجه معقول وليت شعرى ما جعل الخلطة مقصورة على الوجوه التي ذكروها دون أن يريد بها الخلطة في المنزل أو في الصناعة أو في الشركة أو في المغنم كما قال طاوس وعطاء؟ ولو وجبت بالاختلاط في المرعى لوجبت في كل ماشية في الأرض لأن المراعي متصلة في أكثر الدنيا إلا أن يقطع بينها بحر أو نهر أو عمارة وأما تقدير المالكية الاختلاط بالشهر والشهرين فتحكم. وقول ظاهر الإحالة جدًا لأنه خص بها المواشي فقط دون الخلطة في الثمار والزروع والنقدين وليس ذلك في الخبر "فإن قلت" روى الدارقطني والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: الخليطان ما اجتمعا على الحوض والراعي والفحل "قلت" في سنده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف فلا يجوز التمسك به كذا ذكره عبد الحق في الأحكام الكبرى اهـ

(قوله وفي الرقة ربع العشر) يعني إذا بلغت الفضة نصابًا وهو مائتا درهم فأكثر ففيها ربع العشر أي جزء من أربعين، ففي المائتين خمسة دراهم، وفي مائتين وأربعين ستة دراهم، وفي مائتين وثمانين سبعة دراهم وهكذا. والرقة بكسر الراء وتخفيف القاف الفضة مضروبة أو غير مضروبة أصله ورق بكسر الواو وسكون الراء حذفت الواو وعوض عنها التاء كوعد وعدة

(قوله فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة الخ) أي إن لم يوجد من الدراهم إلا تسعون ومائة درهم فلا يجب فيها شيء إجماعًا لعدم كمال النصاب. والمراد أنه لا صدقة واجبة في أقل من مائتي درهم لما تقدم في حديث أبي سعيد الخدري من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ليس فيما دون خمس أواق صدقة" ولما في حديث عليّ الآتي للمصنف في الباب من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم" وهو صريح في أن ما زاد على مائة وتسعين لا شيء فيه إلا أن يبلغ المائتين. وإنما اقصر في حديث الباب على ذكر التسعين لأنه آخر فصل من فصول المائة. والحساب إذا جارز الآحاد كان تركيبه بالعقود كالعشرات

ص: 151

والمئات والألوف فنبه بذكر التسعين على أنه لا صدقة فيما نقص عن مائتين

(فقه الحديث) دل قوله فيه "هذه فريضة الصدقة التي فرضها النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المسلمين" على أن الكافر غير مخاطب بالزكاة. لكن ظاهر قوله تعالى في شأن الكفار "ولم نك نطعم المسكين" أنهم مخاطبون بها.

وهو من أدلة من قال إنهم مخاطبون بفروع الشريعة وأجاب الأولون بأن المعنى لم نكن نعتقد وجوبها. وجملة القول في تكليف الكفار وعدمه أنه لا خلاف في أنهم مخاطبون "بالإيمان" لقوله تعالى "قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا الذي له ملك السموات والأرض، لا إله إلا هو يحيي ويميت، فآمنوا بالله ورسوله""وبالمشروع" من الحدود "وبالمعاملات""وبالشرائع" كالصلاة والزكاة والصوم من حيث المؤاخذة في الآخرة على ترك اعتقاد وجوبها. وأما وجوب أدائها في الدنيا فهم مخاطبون به عند العراقيين وعلى الصحيح عند المالكية. فيعذبون على تركها زيادة على عذاب الكفر، والصحيح عند الحنفية أنهم غير مخاطبين بأدائها وهو مذهب الشافعية والحنابلة لأنهم لا يقدرون على أدائها حال الكفر لعدم شرطه وهو الإيمان. ولا يجوز أمرهم بالأداء بشرط تقديم الإيمان لأنه أصل فلا يكون تبعًا. ودل على أن زكاة المواشي ونحوها من الأموال الظاهرة تدفع للإمام. وعلى أنه لا طاعة للإمام فيما خالف الشرع. وعلى أن ما بين كل نصابين من أنصب الماشية غفو لا زكاة فيه وهو المعروف عند الفقهاء بالوقص. وعلى أن الزكاة تتعلق به وبالنصاب وإليه ذهب محمَّد وزفر من الحنفية وهو معتمد مذهب المالكية وقول للشافعي.

وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد إلى أن الزكاة لا تتعلق بالعفو وهو مشهور مذهب المالكية، الأصح عند الشافعية مستدلين بما رواه أبو يعلى وأبو إسحاق الشيرازي "في خمس من الإبل السائمة شاة وليس في الزيادة شيء حتى تبلغ عشرًا" وبما رواه الدارقطني عن ابن عباس قال: لما بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم معاذًا إلى اليمن قيل له بم أمرت؟ قال أمرت أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة قيل له أمرت في الأوقاص بشيء؟ قال لا وسأسأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسأله فقال لا.

لكن الحديث الأوّل لم يثبت من طريق صحيح. وإذا ثبت لا يقوى قوة حديث أبي بكر الصديق. والحديث الثاني في سنده الحسن بن عمارة عن الحكم وهو ضعيف جدًا. فالقول الأول أقوى من جهة الدليل.

وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا كان له تسع من الإبل أو مائة وعشرون من الغنم فهلك بعد الحول من الإبل أربع ومن الغنم ثمانون القول الأول يلزم صاحبها بنسبة ما بقي من الإبل والغنم وهو خمسة أتساع في الأول وثلث شاة في الثاني، وعلى القول الثاني لا يسقط شيء من الواجب فعليه شاة فيهما لبقاء النصاب. ودل الحديث على أن السوم شرط في وجوب زكاة الغنم وهو مذهب الجمهور كما تقدم، وكذك يشترط في زكاة الإبل

ص: 152

لحديث بهز بن حكيم الآتي. وعلى أن الواجب في زكاة الفضة إذا بلغت نصابًا فأكثر ربع العشر وأن ما لم يبلغ نصابًا من الفضة وغيرها لا زكاة فيه.

(والحديث) أخرجه أيضًا مالك في الموطأ والشافعي وأحمد والنسائي. وكذا البخاري وابن ماجه من حديث عبد الله بن المثنى عن عمه ثمامة. والدارقطني من حديث النضر بن شميل عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله. وقال إسناده صحيح ورواته كلهم ثقات. وأخرجه البيهقي في المعرفة، وقال حديث صحيح موصول. وأخرجه الحاكم وصححه ابن حبان. وقال ابن حزم هذا حديث في نهاية الصحة عمل به الصديق في حضرة العلماء ولم يخالفه أحد.

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ فَكَانَ فِيهِ "فِي خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ إِلَى سِتِّينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَشَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الْغَنَمُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمِائَةَ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ

ص: 153

مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ".

(ش) رجال الحديث) (عباد بن العوام) بن عمر بن عبد الله بن المنذر أبو سهل الواسطي مولى أسلم بن زرعة الكلابي. روى عن حميد الطويل وأبي إسحاق السبيعي وإسماعيل ابن أبي خالد وعبد الله بن عون وسعيد بن أبي عروبة وغيرها. وعنه أحمد بن حنبل وابنا أبي شيبة وسعيد بن سليمان الواسطي وأحمد بن منيع وغيرهم، وثقه ابن معين والعجلي وأبو داود والنسائي وأبو حاتم وابن حبان والبزار وابن سعد. وقال ابن خراش صدوق. وقال ابن سهل كان يتشيع فحبسه هارون. وقال أحمد مضطرب الحديث عن سعيد بن أبي عروبة. توفي ببغداد سنة خمس أو ست أو سبع وثمانين ومائة. روى له الجماعة.

و(سفيان بن حسين) بن الحسن أبو محمَّد أو أبو الحسن مولى عبد الله بن خازم الواسطي. روى عن إياس بن معاوية والحسن البصري والحكم بن عتيبة ومحمد بن سيرين والزهري وغيرهم. وعنه شعبة وعمرو بن علي المقدمي ويزيد ابن هارون ومحمد بن يزيد الواسطي وغيرها. قال يعقوب بن شيبة صدوق ثقة وفي حديثه ضعف وقال النسائي ليس به بأس إلا في الزهري. وقال عثمان بن أبي شيبة كان ثقة إلا أنه كان مضطربًا في الحديث قليلًا. وقال العجلي ثقة. وقال ابن سعد ثقة يخطئ في حديثه كثيرًا. وقال ابن عدي هو في غير الزهري صالح الحديث وفي الزهري يروي أشياء خالف فيها الناس. وقال ابن خراش لين الحديث. وقال ابن حبان هو ثقة في غير الزهري وقال في الضعفاء يروي عن الزهري المقلوبات. مات بالري في خلافة المهدي أو الرشيد. روى له الجماعة إلا البخاري لكنه استشهد به في الكسوف

(المعنى)

(قوله كتب رسول الله كتاب الصدقة الخ) أي أمر بكتابته للرجوع إليه بعد وفاته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ووضعه في المكان الذي وضع فيه سيفه ولم يخرجه إلى العمال الذين عينهم لجمع الزكاة استغناء بما كان يشافههم به من بيان الأحكام، فلما توفي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخرجه أبو بكر رضي الله عنه وعمل به أيام خلافته، ثم عمل به عمر من بعده وباقى شرح الحديث وفقهه يعلم مما تقدم

(الحديث) أخرجه أيضًا أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن والعمل على هذا الحديث عند عامة الفقهاء. وقد روى يونس بن يزيد وغير واحد عن الزهري عن سالم هذا الحديث: ولم يرفعوه وإنما رفعه سفيان بن حسين. وقال في كتاب العلل سألت محمَّد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال أرجو أن يكون محفوظًا وسفيان بن حسين صدوق اهـ.

وقد علمت

ص: 154

ما قيل في سفيان. وقال البيهقي تابع سفيان بن حسين على وصله سليمان بن كثير وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه. وأخرجه أيضًا الدارقطني والبيهقي والحاكم في مستدركه وقال سفيان بن حسين وثقه يحيى بن معين وهو من أئمة الحديث إلا أن الشيخين لم يخرجا له وله شاهد صحيح وإن كان فيه إرسال اهـ. وقال المنذري سفيان بن حسين أخرج له مسلم واستشهد به البخاري إلا أن حديثه عن الزهري فيه مقال

(ص) قَالَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قُسِمَتِ الشَّاءُ أَثْلَاثًا ثُلُثًا شِرَارًا وَثُلُثًا خِيَارًا وَثُلُثًا وَسَطًا فَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنَ الْوَسَطِ وَلَمْ يَذْكُرِ الزُّهْرِيُّ الْبَقَرَ.

(ش) أي قال سفيان بن حسين وقال محمَّد بن مسلم الزهري إذا حضر الساعي لأخذ الزكاة قسمت الغنم ثلاثة أقسام: قسم جيد وقسم متوسط وقسم رديء فيأخذ الساعي من المتوسط ولا يجور له أن يأخذ من الجيد كما لا يجوز له أن يأخذ من الرديء للنهي عن أخذ كرائم الأموال كما سيأتي للمصنف. ومحل هذا ما لم يتبرع بها ربها

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ قَالَ "فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ". وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الزُّهْرِيِّ.

(ش)(الواسطي) نسبة إلى واسط وهي مواطن كثيرة ولعل المراد منها واسط الحجاج قرية بين الكوفة والبصرة

(قوله بإسناده ومعناه الخ أي روى محمَّد بن يزيد الواسطي عن سفيان بن حسين الحديث بإسناد حديث عباد بن العوام ومعناه غير أن محمَّد بن يزيد ذكر في حديثه "فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون" وفي بعض النسخ فإن لم تكن بنت مخاض، وهذه الجملة لم تذكر في حديث عباد. ولم يذكر محمَّد بن يزيد في حديثه كلام الزهري في تقسيم الشياه إلى جياد وهزال ووسط

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَعَيْتُهَا عَلَى

ص: 155

وَجْهِهَا وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ "فَإِذَا كَانَتْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَيُّ السِّنَّيْنِ وُجِدَتْ أُخِذَتْ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ". فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ وَفِيهِ "وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ مِنَ الْغَنَمِ وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ".

(ش)(قوله قال هذه نسخة كتاب رسول الخ) أي قال الزهري هذه صورة الكتاب الذي أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بكتابته في بيان أحكام الزكاة. وقد سمعها ابن شهاب من سالم بن عبد فحفظها. وقد أمر عمر بن عبد العزيز حين أمر على المدينة بنقلها من كتاب عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر بن الخطاب فنسخت. ثم أمر عماله بالعمل بها وكتب بها إلى الوليد في عبد الملك فأمر الوليد عماله بالعمل بها. ثم لم يزل الخلفاء يأمرون بذلك بعده. ثم أمر بها هشام بن هانئ فنسخها إلى كل عامل من المسلمين وأمرهم بالعمل بما فيها ولا يتعدونها. كذا في رواية الدارقطني والحاكم

(قوله فذكر الحديث) أي ذكر الزهري الحديث عن سالم كما

ص: 156

رواه سالم عن أبيه وهو في الحاكم والدارقطني، وهذا كتاب يفسره: لا يؤخذ في شيء من الإبل صدقة حتى تبلغ خمس ذود. فإذا بلغت خمسًا ففيها شاة حتى تبلغ عشرًا، فإذا بلغت عشرًا ففيها شاتان إلى قوله فإذا كانت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الجمل حتى تبلغ عشرين ومائة

(قوله فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون الخ) هذا تفصيل وبيان لما أجمل في حديث أنس السابق من قوله فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وكل خمسين حقة وبه أخذ الجمهور كما تقدم

(قوله أي السنين وجدت أخذت) أي ما وجدت من الحقائق وبنات اللبون فلك أيها الساعي أخذه. وعلى هذا فالتخيير فيما ذكر للساعي وإليه ذهب الجمهور. ويحتمل أن المعنى أيّ السنين وجد أخذ من المالك فالخيار له. وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه حتى قالوا للمالك أن يؤدي القيمة مع وجود السن المطلوب ويجبر الساعي على قبول ذلك منه لأن الشارع اعتبر التيسير على أرباب الأموال كما قدم في كتاب الصديق، وإنما يتحقق ذلك إذا كان الخيار لصاحب المال

(قوله فذكر نحو حديث سفيان) أي ذكر يونس بن يزيد في روايته عن ابن شهاب نحو ما ذكره عنه سفيان بن حسين في الحديث السابق في زكاة الغنم. ولفظه كما في الحاكم والدارقطني: ولا يؤخذ من الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين شاة. فإذا بلغت أربعين شاة ففيها شاة حتى تبلغ عشرين ومائة. فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها شاتان حتى تبلغ مائتين. فإذا كانت شاة ومائتين ففيها ثلاث شياه حتى تبلغ ثلثمائة. فإذا زادت على ثلثمائة فليس فيها إلا ثلاث شياه حق تبلع أربعمائة شاة ففيها أربع شياه الخ. ومضمونه أن في كل مائة بعد ذلك شاة

(والحديث) أخرجه أيضًا الحاكم والدارقطني

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. هُوَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ رَجُلٍ أَرْبَعُونَ شَاةً فَإِذَا أَظَلَّهُمُ الْمُصَدِّقُ جَمَعُوهَا لِئَلَاّ يَكُونَ فِيهَا إِلَاّ شَاةٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ. أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ إِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ شَاةٍ وَشَاةٌ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَإِذَا أَظَلَّهُمَا الْمُصَدِّقُ فَرَّقَا غَنَمَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَاّ شَاةٌ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ.

(ش)(قوله هو أن يكون الخ) أي معنى قول عمر لا يجمع بين متفرق أَن يكون لكل اثنين فأكثر أربعون شاة وقد وجبت على كل واحد منهما الصدقة في غنمه فيجمعونها إذا قرب مجيء الساعي ليكون فيها شاة واحدة بدلًا من ثلاث. فقوله أظلهم الساعي أي قرب

ص: 157

مجيئه إليهم يقال أظل الشيء إذا قرب أو أقبل أو أشرف

(قوله ولا يفرق بين مجتمع أن الخليطين الخ) أي وتفسير لا يفرق بين مجتمع أن الخليطين يكون لكل واحد شهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما ثلاث شياه. فإذا قرب مجيء الساعي فرقًا غنمهما ليكون على كل واحد منهما شاة واحدة. قال مالك فهذا التفسير الذى سمعته. وبهذا التفسير فسر سفيان الثوري وقد ذكرناه فيما تقدم. وقدمنا أيضًا أنه ليس للساعي أن يفرق المجتمع لكثرة الصدقة ولا أن يجمع بين المفترق لتخفيفها أو زيادتها. وعليه فالنهي في الحديث لرب المال من جهة وللساعي من جهة. وليس حمله عل أحدهما بأولى من الآخر وإن قال الحافظ في الفتح حمله على المالك أظهر

(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ نَا زُهَيْرٌ نَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَعَنِ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ زُهَيْرٌ أَحْسَبُهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ "هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ حَتَّى تَتِمَّ مِائَتَىْ دِرْهَمٍ فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَىْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ وَفِي الْغَنَمِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَاّ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا شَيْءٌ". وَسَاقَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ قَالَ "وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي الأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ وَفِي الإِبِلِ". فَذَكَرَ صَدَقَتَهَا كَمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ قَالَ "وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنَ الْغَنَمِ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ إِلَى سِتِّينَ". ثُمَّ سَاقَ مِثْلَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ "فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً - يَعْنِي وَاحِدَةً وَتِسْعِينَ - فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتِ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَلَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ

ص: 158

الْمُصَّدِّقُ وَفِي النَّبَاتِ مَا سَقَتْهُ الأَنْهَارُ أَوْ سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَمَا سَقَى الْغَرْبُ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ". وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ وَالْحَارِثِ "الصَّدَقَةُ فِي كُلِّ عَامٍ". قَالَ زُهَيْرٌ أَحْسَبُهُ قَالَ "مَرَّةً". وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ "إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الإِبِلِ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَلَا ابْنُ لَبُونٍ فَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَانِ".

(ش)(قوله قال زهير أحسبه عن النبي الخ) أي قال زهير بن معاوية أظن أن أبا إسحاق السبيعي قال في حديثه بعد قوله عن علي عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهذا شك منه في رفع الحديث. وقد روى الدارقطني طرفًا منه من طريق زهير جازمًا برفعه وليس فيه قال زهير الخ

(قوله هاتوا ربع العشور) أي أعطوا ربع العشور في صدقة الفضة وقد بينه بقوله: من كل أربعين درهمًا درهم ودرهمًا الأول منصوب على التمييز والثاني مرفوع على الابتداء. وفي نسخة من كل أربعين درهمًا درهمًا بنصب درهمًا الثاني على البدلية من ربع العشور

(قوله فإذا كانت مائتي درهم الخ) أي فإذا كانت الفضة وزن مائتي درهم مضروبة كانت أو غير مضروبة وجب فيها خمسة دراهم. واختلف العلماء أيشترط في وجوب الزكاة فيها أن تكون خالصة من الغش أم لا؟ فذهب الشافعي وأحمد وأصحابهما إلى اشتراط ذلك وقالوا لا زكاة في المغشوشة حتى يبلغ الخالص منها مائتي درهم. وذهبت الحنفية إلى عدم اشتراط خلوصها. قالوا فتجب الزكاة في المغشوش إذا غلبت فضته وكذا إذا استوت الفضة وغيرها مراعاة لحال الفقير. وما غلب غشه يقوّم كعروض التجارة فإذا بلغت قيمته نصابًا زكى إن نوى فيه التجارة وإلا فلا. وقالت المالكية تجب الزكاة في المغشوش والناقص في الوزن إن راج كل منهما رواج الكاملة في المعاملات فإن لم ترج أصلًا أو راجت دون رواج الكاملة حسب الخالص في المغشوش. فإن بلغ نصابًا زكى وإلا فلا واعتبر كمال الناقص بزيادة ما يكمله فلو كانت المائتا درهم لنقصها تروج رواج مائة وتسعين لم تجب الزكاة فيها إلا بزيادة ما يكملها. وبقولهم في الناقصة قال أحمد

(قوله فما زاد فعلى حساب ذلك) أي ما زاد على مائتي درهم يكون بحسابه قل أو كثر فلا وقص فيها. وهو قول الجمهور منهم علي وابن عمر والنخعي ومالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد والثوري وابن أبي ليلى وابن المنذر مستدلين بحديث الباب: وبأن الزكاة وجبت شكرًا لنعمة المال. واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى ولا معنى لاشتراطه بعد ذلك فيما لا ضرر في تجزئته كالدراهم وقال أبو حنيفة وسعيد بن المسيب وطاوس والحسن البصري والشعبي ومكحول والزهري لا شيء في الزيادة على المائتين حتى تبلغ أربعين درهمًا. فإذا بلغتها ففيها درهم.

واستدلوا بما رواه الدارقطني من طريق المنهال بن الجراح عن حبيب بن نجيح عن عبادة بن نسى عن معاذ أن

ص: 159

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره حين وجهه إلى اليمن ألا تأخذ من الكسر شيئًا إذا كانت الورق مائتي درهم فخذ منها خمسة دراهم ولا تأخذ مما زاد شيئًا حتى يبلغ أربعين درهمًا وإذا بلغ أربعين درهمًا فخذ منه درهمًا.

قال الدارقطني المنهال بن الجراح متروك الحديث وعبادة بن نسى لم يسمع من معاذ. وبما في كتاب عمرو بن حزم من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم وما زاد ففي كل أربعين درهمًا درهم. ويأتي للمصنف وصححه الحاكم وابن حبان والبيهقي. لكن حديث معاذ مرسل وفيه متروك كما علمت: وقال ابن حزم فيه المنهال وهو كذاب وضاع يروي الحديث عن مجهول. وقال ابن حبّان كان يكذب.

وأجيب عما في كتاب عمرو بن حزم بأن في سنده سلمان بن داود الجزري قال فيه ابن حزم ساقط مطرح. وعلى مرض صحته فهو بمفهومه يفيد نفي الزكاة عما دون الأربعين بعد المائتين وحديث الباب يفيد بمنطوقه وجوب الزكاة فيما دون الأربعين وكذلك حديث في الرقة ربع العشر. وإذا تعارض منطوق ومفهوم قدم المنطوق. وأطال ابن حزم في الرد عليهم. وقال فبقيت الرواية عن علي وابن عمر رضي الله عنهما بمثل قولنا. ولا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف ذلك ثم ساق حديث أنس السابق في أول الباب. وقال فيه وفي الرقة ربع العشر. فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.

فأوجب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصدقة في الرقة ربع العشر عمومًا لم يخص من ذلك شيئًا إلا ما كان أقل من خمس أواق فبقي ما زاد على ذلك على وجوب الزكاة فيه فلا يجوز تخصيص شيء منه أصلًا اهـ "يعني إلا بمخصص ولا مخصص".

إذا علمت هذا تعلم أن الراجح قول الجمهور لقوة أدلته

(قوله فأن لم يكن إلا تسع وثلاثون الخ) أي إن لم يوجد من الغنم إلا تسع وثلاثون فلا زكاة فيها لعدم كمال النصاب. وفي نسخة فإن لم تكن إلا تسعًا وثلاثين بالنصب أي إن لم تكن الغنم إلا تسعًا وثلاثين

(قوله وساق صدقة الغنم الخ) أي ساق أبو إسحاق. بسنده إلى عي مرفوعًا بيان زكاة الغنم مثل ما في حديث الزهري المتقدم عن سالم عن أبيه

(قوله وفي البقر في كل ثلاثين تبيع الخ) أي تجب الزكاة في البقر في كل ثلاثين منها تبيع وهو ما له سنة عند الجمهور. وقالت المالكية ما له سنتان ودخل في الثالثة والأول هو الموافق للغة. وسمي بذلك لأنه يتبع أمه. والأنثى والذكر هنا سواء عند الأكثر لما رواه الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة وقالت المالكية الأنثى أفضل. ويجب في كل أربعين مسنة وهي ما لها سنتان عند الجمهور. وقالت المالكية ما لها ثلاث سنين والأول هو الموافق للغة. سميت بذلك لطلوع أسنانها. وفي النهاية قال الأزهري البقرة والشاة يقع عليهما اسم المسن إذا أثنيا "أي ظهرت ثناياهما" ويثنيان في

ص: 160

السنة الثالثة، وليس معنى إسنانها كبرها كالرجل المسن، ولكن معناه طلوع سنها في السنة الثالثة وتقدم أنه لا تتعين الأنوثة في الغنم اتفاقًا، وكذا في كل أنواع البقر عند الحنفية لحديث الباب ولما رواه الطبراني عن ابن عباس مرفوعًا وفيه: وفي كل أربعين مسنة أو مسن. وذهب الجمهور إلى أنه لا بد من الأنوثة فيما وجب فيه مسنة. ولم يبين في الحديث تفصيل ما زاد على الأربعين وقد بين في رواية أحمد من طريق يحيى بن الحكم عن معاذ قال. بعثني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصدق أهل اليمن "أي أجمع منهم الزكاة" وأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا ومن كل أربعين مسنة فعرضوا عليّ أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين فأبيت ذلك وقلت لهم حتى أسأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فقدمت فأخبرت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعًا. ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعًا، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة وتبيعين، ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعًا، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع. وأمرني ألا آخذ فيما بين ذلك شيئًا. وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها. ورواه أيضًا البزار. والحديث ضعيف لأنّ في سنده الحسن بن عمارة وهو ضعيف ويدل على ضعفه أيضًا ذكر قدوم معاذ على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من اليمن ولم يقدم إلا بعد موته صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فقد روى الإِمام مالك في الموطأ من طريق طاوس اليماني أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعًا، ومن أربعين بقرة مسنة، وأتي بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئًا وقال: لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وعلي آله وسلم فيه شيئًا حتى ألقاه فأسأله فتوفى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل أن يقدم معاذ اهـ

قال البيهقي طاوس وإن لم يلق معاذًا إلا أنه يماني وسيرة معاذ بينهم مشهورة اهـ من التلخيص. وفي الزرقاني على الموطأ قال عمرو بن شعيب: لم يزل معاذ بالجند منذ بعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن حتى توفي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر، ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه. قال أبو عمر توفي معاذ في طاعون عمواس سنة سبع عشرة. و"الجند" بليدة باليمن منها طاوس و"عمواس" بفتح أوله وثانيه أو بكسر الأوّل وسكون الثاني بلدة بفلسطين قرب القدس. ومع هذا فقد قال ابن عبد البر في الاستذكار: لا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ وأنه النصاب المجمع عليه فيها "وأما قول" ابن جرير الطبري صح الإجماع المقطوع به أن في كل خمسين بقرة بقرة، فوجب الأخذ بهذا وما دون ذلك فمختلف ولا نص في إيجابه اهـ

"فمردود" بحديث عمرو بن حزم فإن فيه: في كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة، وفي كل أربعين باقورة بقرة. وبحديث معاذ الآتي. وبغيره من الأحاديث، وإن كان في بعضها مقال، لكنها

ص: 161

لكثرتها يقوي بعضها بعضًا. فالحق ما في حديث الباب ونحوه من أن في كل ثلاثين تبيعًا. وفي أربعين مسنة، وفي الستين تبيعين، وفي السبعين مسنة وتبيع وهكذا. ولا شيء في الأوقاص عند الجمهور. وروى عن أبي حنيفة في المشهور عنه أنه لا وقص بين الأربعين والستين فما زاد على الأربعين فبحسابه. ففي الواحدة ربع عشر مسنة، وفي اثنتين نصف عشر مسنة، وفي الأربعة عشر مسنة وهكذا إلى ستين. ورى الحسن عنه أنه لا شيء في الزيادة حتى تبلغ خمسين ففيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع. وروى أسد بن عمرو عنه أنه لا شيء. في الزيادة إلى ستين وهو قوله صاحبيه وهو أعدل الأقوال والمختار وعليه الفتوى

(قوله وليس على العوامل شيء) أي لا يجب علي صاحب الماشية التي أعدت للعمل من حمل أو حرث وغيرهما زكاة، فعلى باقية علي حالها ويحتمل أنها بمعنى في أي لا تجب فيها زكاة. وعلى هذا أكثر العلماء. خلافًا لمالك القائل بوجوب الزكاة فيها أخذًا بمطلق الأحاديث، فإن المطلق يحمل على المقيد كما هو مقرر. ومن أدلة الجمهور ما أخرجه الدارقطني من طريق طاوس عن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس في البقر العوامل صدقة. قال الإِمام أحمد ليس في العوامل زكاة. وأهل المدينة يرون فيها الزكاة وليس عندهم في هذا أصل اهـ

(قوله وفي الإبل فذكر صدقتها كما ذكر الزهري الخ) أي وتجب الزكاة في الإبل وذكر أبو إسحاق بسنده إلى عليّ ما يجب في زكاة الإبل كما ذكر الزهري عن سالم عن أبيه في الحديث المتقدم وفيه: فكان فيه أي في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الصدقات. في خمس من الإبل شاة، وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه "ولما" كان في حديث عليّ ما يخالف بعض ما في حديث الزهري المروي عن ابن عمر. "نبه هنا" على موضع المخالفة بقوله قال: وفي خمس وعشرين خمسة من الغنم الخ فإن المتقدم في حديث ابن عمر: وفي خمس وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين. وحديث ابن عمر هو الحجة وعليه عمل العلماء كافة ولم نعلم له مخالفًا إلا ما روى عن علي من أن في خمس وعشرين خمس شياه وهو ضعيف. فإن في سنده عاصم بن ضمرة والحارث الأعور، وفي كل مقال حتى قال الشعبي حدثني الحارث الأعور وكان كذابا. وقال أبو إسحاق زعم الحارث الأعور وكان كذابا "وما أخرجه" الدارقطني من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه وفيه: وفي خمس وعشرين خمس شياه "ضعيف" لأن سليمان بن أرقم ضعيف الحديث متروك كما قال الدارقطني وقال الخطابي هذا "يعني قوله في خمس وعشرين خمسة من الغنم" متروك بالإجماع غير مأخوذ به عند أحد من العلماء اهـ

(قوله ثم ساق مثل حديث الزهري) وهو فإذا زادت "أي الإبل علي الستين" واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها بنتا لبون إلى تسعين

(قوله وفي النبات ما سقت الأنهار الخ) أي ويجب فيما أخرجته الأرض مما يقصد به استغلالها العشر إن

ص: 162

سقي بماء النهر أو المطر أو العيون ونصف العشر إن سقي بالآلة كالساقية والشادوف.

"والغرب" بفتح فسكون الدلو العظيمة. وبعموم الحديث أخذ أبو حنيفة فقال تفترض الزكاة فيما يخرج من الأرض مما يقصد به استغلالها بلا شرط نصاب ولا بقاء.

فتجب في البقول والورد والرياحين والخضروات والفواكه وكل ما يقصد بالزراعة ولا تجب في نحو حطب وحشيش مما لا يقصد بالزراعة. وسيأتي بيان المذاهب في ذلك في باب "صدقة الزرع" إن شاء الله تعالى

(قوله وفي حديث عاصم والحارث الخ) أي ذكر أبو إسحاق في حديثه عن عاصم بن ضمرة والحارث الأعور أن الصدقة فيما ذكر تجب في كل عام. وقال زهير ظننت أبا إسحاق قال تجب في كل عام مرة. وفي بعض النسخ "قال أبو داود، وفي حديث عاصم الخ

(قوله وفي حديث عاصم إذا لم يكن في الإبل الخ) أي ذكر أبو إسحاق في روايته عن عاصم بن ضمرة أن من كان عنده من الإبل ما يجب فيه ابنة مخاض فلم توجد عنده هي ولا ابن اللبون دفع للساعي بنت لبون وأخذ منه الفضل وهو عشرة دراهم أو شاتين. وهو مذهب علي وعمر والثوري وقول لإسحاق وذهب زيد بن علي إلى أن الفضل بين كل سنين شاة أو عشرة دراهم. وتقدم بيان ذلك وأن الثابت في كتاب أبي بكر تقدير الفضل بشاتين أو عشرين درهمًا. وهو أصح من حديث على وفي بعض النسخ: قال أبو داود وفي حديث عاصم إذا لم يكن في الإبل الخ

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن أقل نصاب تجب فيه الزكاة من الفضة مائتا درهم. وعلى أنه لا وقص فيها. وعلى أنه لا زكاة في أقل من ثلاثين من البقر، وأن الثلاثين فيها تبيع وفي الأربعين مسنة وما بينهما عفو. وأنه لا زكاة في العوامل منها ومثلها الإبل في هذا. وفيه أن في خمس وعشرين من الإبل خمسة من الغنم. وأن بنت المخاض لا تؤخذ فيما دون ست وعشرين من الإبل. وتقدم أنه متروك بالإجماع. ودل على أن فيما أنبتته الأرض العشر إن سقي بغير آله ونصف العشر إن سقي بآله. وعلى أن من لزمته بنت مخاض ولم تكن عنده هي ولا ابن اللبون وعنده بنت اللبون دفعها إلى الساعي وأخذ منه الفضل عشرة دراهم أو شاتين. وتقدم ما فيه

(والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطني وابن أبي شيبة من طريق أبى إسحاق إلى علي مرفوعًا بلا شك. قال ابن القطان إسناده صحيح. لكن علمت أن في إسناده عاصمًا والحارث الأعور وهما ضعيفان. قال المنذري الحارث وعاصم ليسا بحجة

(ص) حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَسَمَّى آخَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَالْحَارِثِ الأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنِ

ص: 163

النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِبَعْضِ أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ "فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ -يَعْنِي فِي الذَّهَبِ- حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ". قَالَ فَلَا أَدْرِي أَعَلِيٌّ يَقُولُ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ. أَوْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "وَلَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ". إِلَاّ أَنَّ جَرِيرًا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ".

(ش)(قوله وسمى آخر) هذا من كلام سليمان أي ذكر عبد الله بن وهب أنه روى الحديث عن شيخ آخر مع جرير لم أحفظه. وهو الحارث بن نبهان. لكنهما لم يسمعا الحديث من أبي إسحاق فالحديث معلول بإسقاط رجل من سنده. ففي التلخيص نبه ابن المواق على علة خفية فيه، وهي أن جرير بن حازم لم يسمعه من أبي إسحاق، وقد رواه الحفاظ من أصحاب ابن وهب "سحنون وحرملة ويونس وبحر بن نصر وغيرهم" عن ابن وهب عن جرير بن حازم والحارث بن نبهان عن الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق. فالوهم في إسقاط الواسطة بين جرير وأبي إسحاق من شيخ المصنف سليمان بن داود اهـ بتصرف

(قوله ببعض أول الحديث) وفي بعض النسخ ببعض أول هذا الحديث. أي حدث عليّ عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ببعض أول الحديث السابق. وقد بينه جرير بقوله قال أي أبو إسحاق: فإذا كانت لك مائتا درهم ففيها خمسة دراهم يعني ربع العشر

(وفيه دليل) على أن أول نصاب الفضة مائتا درهم، وأن الواجب فيها ربع العشر وهو مجمع عليه. وتقدم بيان الكلام في الدرهم ومقدار نصاب الزكاة من الفضة بالعملة المصرية وغيرها

(قوله يعني في الذهب) تفسير من سيدنا على رضي الله تعالى عنه. وفاعل يعنى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله حتى يكون لك عشرون دينارًا) أي مثقالًا والمثقال لغة كل ما يوزن به قليلًا أو كثيرًا. وشرعا قدر مخصوص يزن أربعة وعشرين قيراطًا بالمتعارف ولو غير مضروب. وتقدم بيان المذاهب فيه، والعشرون مثقالًا وزنها بالدرهم المتعارف ثلاثون درهمًا وبالجرام ثلاثة وتسعون جرامًا وثلاثة أخماس جرام. ولا بد أن تكون خالصة

ص: 164

عند الشافعي وأحمد فلا زكاة في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابًا. وفي شرح الدميرى على المنهاج إذا كان الغش يماثل أجرة الضرب والتخليص تسومح فيه وعليه عمل الناس لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة. وذهبت المالكية والحنفية إلى عدم اشتراط خلوصها من الغش كما تقدم في الكلام على نصاب الفضة. وفيه دليل على أن الذهب فيه زكاة. وعلى أن نصابه عشرون دينارًا. وإليه ذهب الجمهور وهو رواية عن الحسن البصري. وروي عنه أيضًا أن نصابه أربعون دينارًا. وعلى أن الواجب فيها ربع العشر. وهو مجمع عليه لحديث الباب وحديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أرسله بكتاب إلى أهل اليمن وفيه: وفي كل أربعين دينارًا دينار رواه النسائي في الديات وابن حبان والحاكم. ولما أخرجه الدارقطني بسنده إلى ابن عمر وعائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارًا نصف دينار ومن أربعين دينارًا دينار. وفي الباب عدة أحاديث يقوي بعضها بعضًا. وبهذا تعلم رد قول ابن عبد البر لم يثبت عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الذهب شيء من جهة نقل الآحاد الثقات اهـ

ويرده أيضًا قوله تعالى "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" فإن المراد بالكنز فيها ما لم تؤد زكاته لما تقدم للمصنف في "باب الكنز ما هو؟ " من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز. ولما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد (الحديث)

(قوله وحال عليها الحول) فيه دليل اشتراط الحول في زكاة الذهب والفضة لأن نماءها لا يظهر إلا بمضي الحول غالبًا. وإليه ذهب الجمهور. وعن ابن عباس وابن مسعود أنه لا يشترط فيهما الحول وإليه ذهب داود وقال: من استفاد نصابًا لزمه أن يزكيه في الحال تمسكا بما دل على مطلق الوجوب من غير تقييد بالحول كحديث وفي الرقة ربع العشر ورد بأن المطلق محمول على المقيد وإلا لزم إهمال القيد

(قوله قال فلا أدري الخ) أي قال الراوي عن عليّ لا أعلم أن قوله فما زاد فبحساب ذلك من كلام علي أم من كلام النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ . وفيه دلالة على أن الذهب والفضة لا وقص فيهما حتى على أنه من كلام علي لأنه مرفوعًا حكمًا

(قوله وليس في مال زكاة الخ) المراد بالمال النامي كالمواشي والنقود لأن نماءها يظهر بمضي حول عليها. أما الزرع والثمار فقد أجمعوا على أنه لا يشترط فيها الحول بل تجب فيها الزكاة بمجرد إدراكها أو حصادها على الخلاف في ذلك لقوله تعالى "وآتوا حقه يوم حصاده" وظاهر الحديث يعم كل مال فيشمل الفوائد والأرباح الناتجة من النصاب وما استفاده

ص: 165

بنحو هبة أو إرث من جنس النصاب أثناء الحول. أما الأول فقد اتفقوا على أن الناتج من النصاب يتبعه في حوله.

وأما الثاني فقد اختلف فيه فذهب الشافعي وأحمد وعطاء وإبراهيم النخعي إلى أنه يتبع الأصل في النصاب لا في الحول، بل يستقبل به حول جديد سواء أكان الأصل نعما أم غيرها. فمن كان عنده ثلاثون من البقر ومضى عليها نصف حول ثم استفاد بغير نتاج عشرة، فإذا تم حول الثلاثين لزم فيها تبيع وإذا تم حول الفائدة وجب فيها ربع مسنة أو ثلث تبيع.

وهذا هو المروي عن أبي بكر وعليّ وابن عمر وعائشة. ومن كان عنده مائتا درهم مضى عليها تسعة أشهر ثم استفاد مائة أخرى زكى كلا عند تمام حوله. وقال الحسن البصري وأبو حنيفة وأصحابه يضم المستفاد من جنس نصاب إليه ويكون تابعًا له في الحول والنصاب سواء أكانت الفائدة حاصلة بهبة أو ميراث أو شراء أو نتاج أو غير ذلك فتزكى الفائدة مع الأصل لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أوجب في خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين من الإبل بنت مخاض، فإذا زارت واحدة ففيها بنت لبون من غير تفصيل بين الزيادة في أول الحول أو في أثنائه، ولأن المستفاد يضم إلى جنسه في النصاب اتفاقًا، فوجب ضمه إليه في الحول كالنتاج ولأنه إذا ضم المستفاد من النصاب وهو سبب فضمه إلى الأصل في الحول الذي هو شرط أولى. وذلك أنه لو كان عنده مائتا درهم مضى عليها نصف حول ثم وهب له مائة أخرى فإن الزكاة تجب في هذه المائة إذا تم حولها اتفاقًا ولولا المائتان ما وجبت الزكاة في المائة. فإذا ضمت إلى المائتين في أصل الوجوب فكذلك في وقته ولأن إفراد المستفاد بالحول يفضى إلى تجزئة الواجب في النعم وإلى اختلاف أوقات وجوب الزكاة وإلى وجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ثم يتكرر ذلك في كل حول وهذا حرج مرفوع بقوله تعالى "ما جعل عليكم في الدين من حرج"

وقد اعتبر الشارع دفع الحرج بإيجابه غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الإبل فجعل فيها الغنم، وبشرع الوقص في السائمة وضم الأرباح والنتاج إلى حول الأصل فدل ذلك على أن العلة دفع الحرج فيجب أن تتعدى إلى محل النزاع.

ووافق مالك أبا حنيفة في النعم فقال: يضم المستفاد منها إلى جنسه إذا كان الأصل نصابًا ويزكي معه في حوله دفعًا لتجزئة الواجب، ووافق الشافعي وأحمد في الذهب والفضة فقال: إن المستفاد منهما يضم إلى الأصل في النصاب لا في الحول. بل يستقبل به حول جديد.

ومما تقدم يعلم أنهم اتفقوا على أن الربح والنتاج يضمان إلى الأصل إذا كان نصابًا ولا يستأنف له حول لتعذر تميزه وضبط أوقات وجوده فجعل تبعًا للأصل إلا المالكية فإنهم قالوا يضم النتاج إلى الأصل وإن لم يبلغ نصابًا

(قوله إلا أن جريرا قال ابن وهب الخ) في الكلام تقديم وتأخير والأصل قال ابن وهب إلا أن جريرًا الخ، فجرير اسم أن وجملة يزيد خبرها، وقال ابن وهب معترض بين اسم أن وخبرها. وغرض المصنف بهذا بيان أن قوله وليس في مال

ص: 166

زكاة الخ انفرد جرير عن ابن إسحاق برفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وقد ثبت اشتراط الحول في غير حديث جرير.

فقد روى الدارقطني من طريق هشام بن عبد الملك ثنا بقية عن أسماعيل عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لا زكاة في مال امرئ حتى يحول عليه الحول.

ورواه أيضًا عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: ليس في المال زكاة حتى يحول عليه الحول.

ورراه عن أنس قال: إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول. ورواه أيضًا من عدة طرق مرفوعًا وموقوفًا

(فقه الحديث) دل الحديث على أن نصاب الففة مائتا درهم. وعلى أن نصاب الذهب عشرون مثقالًا. وعلى أن الواجب فيهما ربع العشر خمسة دراهم في الفضة ونصف دينار في الذهب. والمعتبر في كل الوزن لا القيمة على قول الجمهور خلافًا لما زعمه طاوس من أنه يعتبر في نصاب الذهب التقويم بالفضة فما بلغ منه ما يقوم بمائتي درهم وجبت فيه الزكاة وإلا فلا لأن الحديث يرده.

ودل أيضًا على أن شرط وجوب الزكاة حولان الحول. وهذا في غير الزروع والثمار كما تقدم. وعلى أنه لا وقص في الذهب والفضة

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبيهقي

(ص) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ".

(ش)(أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله الواسطي. و (أبو إسحاق) السبيعي

(قوله قد عفوت عن الخيل والرقيق) أي تجاوزت لكم عن الزكاة فيهما. وفي رواية ابن ماجه تجوزت لكم عن صدقة الخيل والرقيق. والحديث يدل على عدم وجوب الزكاة في الخيل والرقيق مطلقًا. فإن أن في كل من الخيل والرقيق للجنس. وإلى ذلك ذهب مالك وأصحابه والشافعي والحنابلة وأبو يوسف ومحمد. وهو قول علي وابن عمر والشعبي وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وكثيرين واستدلوا أيضًا بما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه" وبما سيأتي للمصنف في "باب صدقة الرقيق" ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق. وفي رواية عند مسلم ليس للعبد صدقة إلا صدقة الفطر. وقال أبو حنيفة وزفر

ص: 167

وحماد بن أبي سلمان وزيد بن ثابت تجب الزكاة في الخيل إذا كانت ذكورًا وإناثًا سائمة وصاحبها بالخيار إن شاء أعطى عن كل فرس دينارًا وإن شاء قومها وأعطى ربع العشر عن كل مائتي درهم خمسة دراهم وعن كل عشرين دينارًا نصف دينار.

ولا نصاب فيها عند أبي حنيفة في المشهور عنه وقيل نصابها ثلاثة أو خمسة. وأما المذكور الخلص والإناث الخلص ففيهما روايتان عن أبي حنيفة والراجح عدم وجوبها في المذكور ووجوبها في الإناث.

واستدلوا بما أخرجه الدارقطني والبيهقي في السنن عن الليث بن حماد والاصطخري ثنا أبو يوسف عن غورك بن الخضرم أبي عبد الله عن جعفر ابن محمَّد عن أبيه عن جابر قال. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: في الخيل السائمة في كل فرس دينار. قال الدارقطني تفرد به غورك وهو ضعيف جدًا ومن دونه ضعفاء اهـ

قال البيهقي لو كان هذا الحديث صحيحًا عند أبي يوسف لم يخالفه. وبما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر الخيل فقال "ورجل ربطها تغنيًا وتعففًا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر" لكنه ليس نصًا في الزكاة بل محتمل للزكاة وللجهاد عليها في سبيل الله وإعارتها وحمال المنقطعين عليها فلا يصلح دليلًا لهم.

واستدلوا أيضًا بما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جرج أخبرني عمرو بن دينار أن جبير بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى بن أمية يقول: ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلي بن أمية من رجل من أهل اليمن فرسًا أنثى بمائة قلوص فندم البائع فلحق بعمر فقال غصبني يعلى وأخوه فرسًا لي فكتب إلى يعلى أن الحق بي فأتاه فأخبره الخبر فقال: إن الخيل ليبلغ هذا عندكم ما علمت أن فرسًا يبلغ هذا. فنأخذ من كل أربعين شاة، ولا نأخذ من الخيل شيئًا. خذ من كل فرس دينارًا فقرر على كل فرس دينارًا. لكن ذلك اجتهاد من عمر فلا يكون حجة.

على أنه قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه خير أهل الشام في دفع زكاة خيلهم. فقد روى مالك عن الزهري عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة فأبى ثم كتب إلى عمر فأبى عمر، ثم كلموه أيضًا فكتب إلى عمر فكتب إليه عمر إن أحبوا فخذها منهم وارددها عليهم وارزق رقيقهم. ففي امتناع أبي عبيدة وعمر أولًا من أخذ الزكاة من أهل الشام في خيلهم ورقيقهم دليل واضح على أنه لا زكاة فيهما وإلا فما كان ينبغي أن يمتنع مما أوجب الله أخذه.

ومحل الخلاف إذا لم تكن الخيل للركوب والعبد للخدمة ولا للتجارة فإن كانت الخيل للركوب والعبد للخدمة فلا زكاة فيها اتفاقًا. وإن كانت للتجارة ففيها الزكاة عند عامة العلماء إلا الظاهرية فلا زكاة فيها مطلقًا عندهم: ولا زكاة في الحمير إذا لم تكن للتجارة لما رواه أحمد عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحمير فيها زكاة؟ فقال ما جاءني فيها شيء إلا هذه الآية الفاذة "الجامعة""فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره"

ص: 168

(فقه الحديث) دل الحديث زيادة على ما تقدم على عدم وجوب الزكاة في الخيل والرقيق

(والحديث) أخرجه أيضًا النسائي من طريق سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: قد عفوت عن الخيل والرقيق فأدوا زكاة أموالكم من كل مائتين خمسة. وأخرجه ابن ماجه بلفظ تقدم. وأخرجه الطحاوي من عدة طرق

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ

(ش) أي روى الحديث المذكور سليمان الأعمش عن أَبي إسحاق السبيعي عن عاصم مرفوعًا إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما رواه أبو عوانة الوضاح

(وحديث الأعمش) قد وصله الدارقطني قال: ثنا محمَّد بن قاسم بن زكريا ثنا أبو كريب قال عبد الله بن نمير عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. عفوت لكم عن الخيل والرقيق وليس فيما دون المائتين "من الفضة" زكاة

(ص) وَرَوَاهُ شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.

(ش) أي روى هذا الحديث مرفوعًا أيضًا شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية النحوي وإبراهيم بن طهمان كلاهما عن أبي إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور: ورواية إبراهيم ابن طهمان أخرجها الطحاوي

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى حَدِيثَ النُّفَيْلِيِّ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَرْفَعُوهُ أَوْقَفُوهُ عَلَى عَلِيٍّ.

(ش) أي روى حديث عبد الله بن محمَّد النفيلي الذي تقدم عن زهير مرفوعًا شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وغيرهما من طريق الحارث الأعور فقط موقوفًا على عليّ. وفي بعض النسخ "قال أبو داود" وروى حديث النفيلي الخ. والحاصل أن حديث النفيلي السابق رواه أبو إسحاق عن عاصم مرفوعًا وموقوفًا، ورواه عن الحارث مرفوعًا فقط. وكان الأولى ذكر هذه العبارة عقب حديث النفيلي. ولعل ذكرها هنا سهو من النساخ

(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ أَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ ح وَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ

ص: 169

أَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَلَا يُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا". قَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ "مُؤْتَجِرًا بِهَا". "فَلَهُ أَجْرُهَا وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا عز وجل لَيْسَ لآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ".

(ش)(الرجال)(حماد) بن سلمة. و (أبو أسامة) حماد بن أسامة. و (أبو بهز) حكيم بن معاوية بن حيدة بفتح الحاء المهملة وسكون الياء المثناة القشيري. روى عن أبيه. وعنه بنوه بهز وسعيد ومهران وسعيد بن أبي إياس. وثقه العجليّ وقال النسائي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب صدوق من الثالثة.

و(جد بهز) معاوية بن حيدة بن معاوية بن قشير القشيري. روى عن النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابن حكيم وعروة بن رويم اللخمي وحميد اليزني. قال ابن سعد وفد على النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم وصحبه وسأله عن أشياء وروى عنه أحاديث. وقال محمَّد بن السائب الكلبي أخبرنا أبي أنه أدركه بخراسان وقد غزا خراسان ومات بها. روى له أبو داود والترمذي والنسائي

(المعنى)

(قوله في كل سائمة إبل) أي في كل أربعين من الإبل السائمة بنت لبون. وهو محمول عند الجمهور على ما إذا زادت الإبل على مائة وعشرين وعند الحنفية على ما بعد مائة وخمسين. فلا ينافي ما تقدم من أن بنت اللبون تكون في ست وثلاثين إلى خمس وأربعين. فإن ذاك محمول على مبدأ العدد أو أن اسم العدد لا مفهوم له. فقول المصنف في كل أربعين بدل من قوله في كل سائمة

(قوله لا يفرق إبل عن حسابها) أي لا يفرق أحد الخليطين إبله عن إبل صاحبه فرارًا من الصدقة. فقوله عن حسابها أي عن مقدارها وعددها الذي تجب فيه الزكاة كما إذا كان لأحد الخليطين ثلاث من الإبل وللآخر اثنان فإن في مجموعها شاة ولو فرقاها لا يجب عليهما شيء

(قوله من أعطاها مؤتجرا الخ) أي من أدى الزكاة طيبة بها نفسه طالبًا أجرها من الله تعالى أعطاه ثوابها. وزاد ابن العلاء في روايته لفظ بها فقال: من أعطاها مؤتجرا بها

(قوله ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله) أي من منع الزكاة أخذت منه وأخذ نصف ماله عقوبة له على منع الزكاة. وشطر بالنصب عطف على الضمير في آخذوها باعتبار محله.

(وإلى جواز) العقوبة بالمال ذهب الإِمام يحيى والشافعي في القديم والهادوية وأحمد وإسحاق وقد قيل لا خلاف في ذلك بين أهل البيت أخذًا بظاهر هذا الحديث. وبحديث عمر مرفوعًا: إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه. أخرجه المصنف في "باب عقوبة الغال" من كتاب الجهاد

ص: 170

وبحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال وضربوه. أخرجه الحاكم والبيهقي والمصنف في الباب المذكور وبحديث سعد ابن أبي وقاص قال سمعت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: من وجدتموه يصيد فيه "يعني في حرم المدينة" فخذوا سلبه. أخرجه مسلم.

وبحديث ابن عمرو أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سئل عن الثمر المعلق فقال: من أصاب بفيه من ذى حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه. ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة. ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤديه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع. أخرجه المصنف في "باب ما لا قطع فيه" من كتاب الحدود. والخبنة بضم المعجمة وسكون الموحدة معطف الإزار وطرف الثوب: أي لا يأخذ معه في ثوبه.

وذهب الجمهور إلى أن العقوبة بالمال غير مشروعة لا فرق في ذلك بين مانع الزكاة والغال في الصدقة والغنيمة وغيرهما. وأجابوا عن حديث بهز بأنه لم يثبت: فقد قال الشافعي ليس بهز حجة، وهذا الحديث لا يثبته أهل العم بالحديث ولو ثبت لقلنا به اهـ

وسئل عنه أحمد فقال لا أدري ما وجهه اهـ

ودعوى أنه منسوخ غير مسلمة. قال الحافظ في التلخيص قال البيهقي وغيره حديث بهز هذا منسوخ. وتعقبه النووي بأن الذي ادعوه من كون العقوبة كانت بالأموال في الأموال أول الإِسلام ليس بثابت ولا معروف. ودعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ اهـ

"وأما" قول الحربي وابن حجر إنه لا دليل في حديث بهز على جواز العقوبة بالمال لأن الرواية وشطر ماله بالبناء للمجهول أي جعل ماله شطرين ويخير الساعي فيأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة ولا يلزمه مال فوق الواجب "فقد" رده النووي وغيره بأن الأخذ من خير الشطرين عقوبة مالية لأن الواجب الوسط بلا خيار. وأجابوا عن حديث عمر بأنه لا يصلح للاحتجاج به، فإن في سنده صالح بن محمَّد بن زائدة المدينيّ. قال فيه البخاري منكر الحديث. وقال أبو داود والنسائي ليس بالقوي وضعفه غير واحد. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد ذكر الحديث في ترجمة صالح المذكور لا يتابع عليه. وقال الدارقطني أنكروه على صالح ولا أصل له. ومثله حديث ابن عمرو الأول فإن في سنده زهير بن محمَّد وهو مجهول.

(وأجابوا) عن حديث سعد بن أبي وقاص بأنه من باب الفدية كما تجب على من يصيد صيد مكة فهو وارد علي سبب خاص الذي هو التعدي على صيد حرم المدينة فلا يتجاوزه إلى غيره. وكذا قوله في حديث ابن عمر والأخير "ومن خرج بشيء منه" أي من الثمر (فعليه غرامة مثليه) وارد علي سبب خاص فلا يتعداه إلى غيره فهو مما ورد علي خلاف القياس فيقتصر فيه على محل الورود. وإلا فقد دل الكتاب والسنة على تحريم مال الغير قال الله تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ) وفي حديث حجة الوداع "إنما دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" وفي حديث لمسلم كل

ص: 171

المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. وحديث الباب لو صح يكون كغيره فلا يدل إلا على عقوبة مانع الزكاة بخصوصه لا غير. ولا يلحق بالزكاة غيرها لأنه قياس في مقابلة النص القاطع الدال على حرمة مال المسلم ودمه. وقد خالف هذه الأدلة القطعية أكثر أولى الأمر في هذا العصر واسترسلوا في العقوبة بالأموال استرسالًا ينكره العقل والشرع، وأكثرهم جهال لا يعرفون شيئًا من أمر الدين. لا همّ لهم إلا قبض المال من كل من لهم عليه ولاية، ويدعون إنه من باب التأديب ولايصرفونه إلا في حاجاتهم. وكل هذا حرام معلوم حرمته من الدين بالضرورة فإنه من أكل أموال الناس بالباطل. وقد شب عليه الصغير وشاب عليه الكبير واستحكم الأمر ولا منكر ولا مزيل لهذا الشر فلا حول ولا قوة إلا باللهِ

(قوله عزمة من عزمات ربنا) عزمة منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف أي عزم الله علينا ذلك عزمة. ويجوز رفعه على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي ذلك عزمة. والعزمة في اللغة الجد في الأمر. والمراد بها هنا الحق الواجب. وعزمات الله حقوقه وواجباته

(قوله ليس لآل محمَّد منها شيء) أي أن الزكاة حق من حقوق الله تعالى ليس لآل محمَّد فيها نصيب

(فقه الحديث) دل الحديث على أنه لا زكاة في المعلوفة. وعلى نهي الخليطين عن تفريق الإبل رغبة في عدم الصدقة أو قلتها. وعلى الترغيب في إخلاص النية في إعطائها ابتغاء مرضاة الله تعالى. وعلى أنه يجوز للإمام أن يأخذ الزكاة قهرًا إذا امتنع من أدائها رب المال. وحينئذ يكتفي بنية الإِمام أو نائبه وتجزئ من هي عليه وإن فاته الأجر. وعلى أن ولاية قبض الزكاة إلى الإِمام أو نائبه. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي. وعلى أنه يجوز للإمام أن يعاقب بأخذ المال وتقدم ما فيه. وعلي أن الزكاة لا تحل لآل النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي وفي سنده بهز بن حكيم وهو متكلم فيه كما تقدم

(ص) حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ -يَعْنِي مُحْتَلِمًا- دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ.

(ش)(النفيلي) عبد الله بن محمَّد. و (أبو معاوية) محمَّد بن حازم الضرير

ص: 172

و (الأعمش) سليمان بن مهران. و (أبو وائل) شقيق بن سلمة

(قوله لما وجهه إلى اليمين) أي أرسله إليها عاملًا على الزكاة وغيرها

(قوله أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعًا أو تبيعة) تقدم أن التبيع ما له سنة ودخل في الثانية. ولا فرق هنا بين الذكر والأنثى. قال الخطابي يشبه أن يكون ذلك لقلة هذا النصاب وانحطاط هذا النوع من الحيوان فيسوغ لهم إخراج الذكر منه ما دام قليلًا إلى أن يبلغ كمال النصاب وهو الأربعون اهـ

يعني فتتعين الأنثى وهي المسنة. وتقدم أن هذا عند غير الحنفية. أما الحنفية فسووا بين الذكر والأنثى في جميع أنصبة البقر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال في كل ثلاثين في البقر تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة أو مسن رواه الطبراني. والحكمة في ذلك التقارب بين الذكر والأناث في الغنم والبقر وتباين ما بينهما في الإبل

(قوله من كل حالم الخ) أي بالغ بالسن أو غيره وهو المراد بقوله يعني محتلمًا. والمعنى أمره أن يأخذ من كل بالغ ذكر من أهل الذمة دينارًا جزية. وفيه دلالة على أنه لا جزية إلا على الرجال البالغين من أهل الذمة. ولم يصرح في الحديث به لكونه معلومًا. ويأتي تمام الكلام على ذلك في "باب الجزية" إن شاء الله تعالى

(قوله أو عدله من المعافر) وفي بعض النسخ من المعافري وفي بعضها زيادة قوله والمعافر ثياب الخ أي ما يعادل قيمة الدينار من ثياب باليمن وعدل بفتح العين المهملة وكسرها المثل. وقيل بالفتح ما عادل الشيء من غير جنسه وبالكسر ما عادله من جنسه وقيل العكس. ومعافر بوزن مساجد موضع باليمن أو حيّ من همدان باليمن تنسب إليها الثياب

(فقه الحديث) دل الحديث على أن زكاة البقر لا تجب في أقل من الثلاثين وهو مذهب الجمهور. وقال سعيد بن المسيب والزهري "يجب في كل خمس شاة قياسًا على الإبل. ورد بأن النصاب لا يثبت بالقياس وأنه لا قياس مع النص. ففي رواية النسائي من حديث معاذ. قال أمرني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين بعثني إلى اليمن أن لا آخذ من البقر شيئًا حتى تبلغ ثلاثين (الحديث) وعلى أن الجزية إنما تؤخذ من الذكر البالغ دينارًا أو قيمته،

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والترمذي وقال حديث حسن

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالنُّفَيْلِيُّ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالُوا أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ نَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.

(ش)(ابن المثنى (محمَّد. و (إبراهيم) بن ييزيد النخعي. و (مسروق) بن الأجدع

(قوله مثله) أي مثل الحديث المتقدم ولفظه كما في النسائي عن معاذ قال: لما بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن أمره أن يأخذ من ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة ومن أربعين

ص: 173

مسنة ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر اهـ.

وأعلّ ابن حزم هذه الرواية بأن، مسروقًا لم يسمع من معاذ ثم رجع وقال ابن القطان ينبغي أن يحكم على حديثه بالاتصال على رأي الجمهور اهـ

لأن مسروقًا كان في أيام معاذ باليمن فاللقاء ممكن بينهما. وقال ابن عبد البر في التمهيد وإسناده متصل صحيح ثابت اهـ

ومنه تعلم وهم عبد الحق في نقله عن ابن عبد البر أنه قال إن مسروقًا لم يلق معاذًا

(ص) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ نَا أَبِي عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْيَمَنِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ لَمْ يَذْكُرْ ثِيَابًا تَكُونُ بِالْيَمَنِ. وَلَا ذَكَرَ يَعْنِي مُحْتَلِمًا.

(ش) ساق المصنف هذه الرواية لبيان أن حديث معاذ كما رواه أَبو وائل عن معاذ بلا واسطة رواه مسروق عنه بواسطة والظاهر أن أبا وائل سمع الحديث منهما جميعًا. و (سفيان) الثوري

(قوله فذكر مثله) أي ذكر مثل حديث أبي وائل عن معاذ غير أنه لم يذكر فيه تفسير معافر وهو ثياب تكون باليمن ولا تفسير حالم بقوله يعني محتلمًا: ولفظه كما في الترمذي والدارقطني والحاكم قال: بعثه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر. قال الترمذي حديث حسن.

ورواه بعضهم عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث معاذًا إلى اليمن فأمره أن يأخذ وهذا أصح اهـ

أي أن روايته مرسلًا أصح من روايته متصلًا لما قيل من أن مسروقًا لم يلق معاذًا. وتقدم أنه كان في أيام معاذ فاللقاء ممكن بينهما ولذا حكم الجمهور باتصاله. وكأن الترمذي يرى رأي البخاري من أنه لا بد من تحقيق اللقاء فلذا رجح الإرسال

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ جَرِيرٌ وَيَعْلَى وَمَعْمَرٌ وَشُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ -قَالَ يَعْلَى وَمَعْمَرٌ- عَنْ مُعَاذٍ مِثْلَهُ.

(ش)(يعلي) بن عبيد تقدم بالرابع ص 320. و (معمر) بن راشد. و (شعبة) بن الحجاج و (أبو عوانة) الوضاح

(قوله قال يعلى ومعمر الحب الخ) يعني أنهما رويا الحديث عن الأعمش متصلًا بذكر معاذ أما الباقون فرووه مرسلًا

(ورواية يعلى) أخرجها النسائي بسنده إلى معاذ قال بعثنى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة ثنية. ومن كل ثلاثين تبيعًا ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر

(ورواية معمر) أخرجها الدارقطني ولم نقف على من

ص: 174

وصل بقية التعاليق. والحاصل أن هذا الحديث روي عن الأعمش من عدة طرق متصلًا ومرسلًا وصحح الترمذي إرساله وقد علمت ما فيه

(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ مَيْسَرَةَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ سِرْتُ أَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَارَ مَعَ مُصَدِّقِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "أَنْ لَا تَأْخُذْ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ وَلَا تَجْمَعْ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ". وَكَانَ إِنَّمَا يَأْتِي الْمِيَاهَ حِينَ تَرِدُ الْغَنَمُ فَيَقُولُ أَدُّوا صَدَقَاتِ أَمْوَالِكُمْ. قَالَ فَعَمَدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَى نَاقَةٍ كَوْمَاءَ -قَالَ- قُلْتُ يَا أَبَا صَالِحٍ مَا الْكَوْمَاءُ قَالَ عَظِيمَةُ السَّنَامِ -قَالَ- فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا قَالَ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ خَيْرَ إِبِلِي. قَالَ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا قَالَ فَخَطَمَ لَهُ أُخْرَى دُونَهَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ثُمَّ خَطَمَ لَهُ أُخْرَى دُونَهَا فَقَبِلَهَا وَقَالَ إِنِّي آخِذُهَا وَأَخَافُ أَنْ يَجِدَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِي عَمَدْتَ إِلَى رَجُلٍ فَتَخَيَّرْتَ عَلَيْهِ إِبِلَهُ.

(ش)(رجال الحديث)(ميسرة أبي صالح) الكوفي. روى عن علي بن أبي طالب وسويد بن غفلة. وعنه عطاء بن السائب وسلمة بن كهيل وهلال بن خباب. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال في التقريب مقبول من الثالثة.

و(سويد بن غفلة) بفتح الغين المعجمة والفاء ابن عوسجة بن عامر أبو أمية الجعفي الكوفي. ذكره ابن قانع في الصحابة. قال الحافظ في تهذيب التهذيب قيل إنه صلى مع النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا يصح. وقدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهذا أصح اهـ روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم من الصحابة. وعنه إبراهيم. النخعي والشعبي وسلمة بن كهيل وإبراهم بن عبد الأعلى وجماعة. وثقه ابن معين والعجليّ. توفي سنة ثمانين أو اثنتين وثمانين. روى له الجماعة

(المعنى)

(قوله قال سرت أو قال أخبرني الخ) بالشك من ميسرة والأول أرجح. وقوله فإذا في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يعني في كتابه ويؤيده الرواية الآتية عن سويد. قال أتانا مصدق النبي على الله تعالى

ص: 175

عليه وعلى آله وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده أي كتابه. فأفادت أن الذي سار مع المصدق سويد وأن المراد بالعهد الكتاب خلافًا لما قاله بعضهم من أن المراد به زمانه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله ألا تأخذ من راضع لبن) أي لا تأخذ صغيرًا يرضع اللبن. ونهاه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن أخذ الصغير لأنه يضر بمصلحة الفقراء فإن حقهم في الأوساط، ويحتمل أن الكلام على حذف مضاف أي لا تأخذ ذات راضع لبن والمراد ذات الدر لأنها من خيار المال. ومن زائدة على الاحتمالين. ويحتمل أن المراد لا تعد الصغار في نصاب الزكاة. وعليه يكون الحديث حجة لأبي حنيفة ومحمد في أن الصغار من الإبل والغنم والبقر لا زكاة فيها استقلالًا فلو ملك خمسًا وعشرين من الإبل وقد وضعت خمسًا وعشرين فصيلًا ومات الكبار كلها قبل تمام الحول وتم على الصغار فلا زكاة فيها. أما لو بقي من الكبار ولو واحدة فإنها تزكى تبعًا للأصل لا قصدًا وعند أبي يوسف يجب في الصغار واحدة منها إذا تم لها حول

(قوله وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم) وكذا غيرها من المواشي أي وكان العامل يأتي موارد المياه لما فيه من السهولة عليه في جمع الصدقة

(وقوله فحطم له أخرى دونها) أي قاد له ناقة بخطامها أقل من الأولى. والخطام الحبل الذي تقاد به الناقة

(قوله وأخاف أن يجد على رسول الله الخ) أي يغضب عليّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من أخذها قائلًا قصدت إلى رجل فتخيرت عليه أي أخذت خير إبله. ولعل التي أخذها كانت فوق الوسط المأمور بأخذه في الزكاة

(فقه الحديث) دل الحديث على أن الصغير من النعم والخيار منها لا يؤخذان في الزكاة. وعلى النهي عن جمع المفترق أو تفريق المجتمع خشية الصدقة على ما تقدم بيانه

(والحديث) أخرجه أيضًا الدارقطني من طريق عباد بن العوام

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ نَحْوَهُ إِلَاّ أَنَّهُ قَالَ "لَا يُفَرِّقْ".

(ش) أي روى الحديث هشيم بن. بشير عن هلال عن ميسرة بنحو رواية أبي عوانة عن هلال إلا أن هشيمًا قال في روايته لا يفرق بين مجتمع بياء الغائب. وفي رواية أبي عوانة لا تفرق بتاء الخطاب. فعلى رواية أبي عوانة يكون الخطاب والنهي للمصدق. وعلى رواية هشيم يكون النهي لرب المال عن تفريق المجتمع

(وهذا التعليق) وصله الدارقطني قال حدثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أبو حميد الجلاب أحمد بن أبي إدريس ثنا هشيم عن هلال بن خباب عن أبي صالح ميسرة عن سويد ابن غفلة قال: أتانا مصدق النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقعدت إليه فقلت إيش في كتابك؟ فقال ألا أفرق بين مجتمع ولا أجمع بين متفرق فأتاه رجل بناقة كوماء فأبى أن يقبلها.

وأخرجه النسائي بنحوه إلا أنه أتى بنون الجمع في الأفعال الثلاثة

ص: 176

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّازُ نَا شَرِيكٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَقَرَأْتُ فِي عَهْدِهِ "لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ". وَلَمْ يَذْكُرْ "رَاضِعَ لَبَنٍ".

(ش)(الرجال)(شريك) بن عبد الله النخعي. و (عثمان بن أبي زرعة) هو عثمان ابن المغيرة تقدم بالسادس ص 219.

و(أبو ليلى الكندي) سلمة بن معاوية. وقيل معاوية ابن سلمة الكوفي. روى عن سلمان الفارسي وعثمان وأم سلمة وخباب بن الأرت وغيرهم وعنه أبو إسحاق السبيعي وعثمان بن أبي زرعة وأبو جعفر الفراء وعبد الملك بن سليمان. قال ابن معين ثقة مشهور ووثقه العجلي وفي التقريب ثقة من الثانية. روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه

(المعنى)

(قوله قرأت في عهده) أي في كتابه كما صرح به في رواية الدارقطني

(قوله ولم يذكر راضع لبن) أي لم يذكر أبو ليلى الكندي في روايته النهى عن أخذ راضع اللبن

(والحديث) أخرجه أيضًا ابن ماجه بلفظ: جاءنا مصدق النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخذت بيده وقرأت في عهده: لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة فأتاه رجل بناقة عظيمة ململة فأبى أن يأخذها، فأتاه بأخرى دونها فأخذها وقال: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد أخذت خيار إبل رجل مسلم؟ وقوله ململمة أي مستديرة سمنا من اللحم. ورواه الدارقطني أيضًا وفيه: فأتاه رجل بناقة عظيمة حسناء ململمة فأبى أن يأخذها. وقال ما عذري عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا أخذت هذه من مال رجلٍ مسلم؟

(ص) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ نَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ الْمَكِّيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ ثَفِنَةَ الْيَشْكُرِيِّ -قَالَ الْحَسَنُ رَوْحٌ يَقُولُ مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ- قَالَ اسْتَعْمَلَ نَافِعُ بْنُ عَلْقَمَةَ أَبِي عَلَى عِرَافَةِ قَوْمِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُمْ قَالَ فَبَعَثَنِي أَبِي فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَأَتَيْتُ شَيْخًا كَبِيرًا يُقَالُ لَهُ سَعْرُ بْنُ دَيْسَمٍ فَقُلْتُ إِنَّ أَبِي بَعَثَنِي إِلَيْكَ -يَعْنِي لأُصَدِّقَكَ- قَالَ ابْنَ

ص: 177

أَخِي وَأَيَّ نَحْوٍ تَأْخُذُونَ قُلْتُ نَخْتَارُ حَتَّى إِنَّا نَتَبَيَّنُ ضُرُوعَ الْغَنَمِ. قَالَ ابْنَ أَخِي فَإِنِّي أُحَدِّثُكَ أَنِّي كُنْتُ فِي شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فِي غَنَمٍ لِي فَجَاءَنِي رَجُلَانِ عَلَى بَعِيرٍ فَقَالَا لِي إِنَّا رَسُولَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْكَ لِتُؤَدِّيَ صَدَقَةَ غَنَمِكَ. فَقُلْتُ مَا عَلَيَّ فِيهَا فَقَالَا شَاةٌ. فَأَعْمِدُ إِلَى شَاةٍ قَدْ عَرَفْتُ مَكَانَهَا مُمْتَلِئَةً مَحْضًا وَشَحْمًا فَأَخْرَجْتُهَا إِلَيْهِمَا. فَقَالَا هَذِهِ شَاةُ الشَّافِعِ وَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَأْخُذَ شَافِعًا. قُلْتُ فَأَيَّ شَيْءٍ تَأْخُذَانِ قَالَا عَنَاقًا جَذَعَةً أَوْ ثَنِيَّةً. قَالَ فَأَعْمِدُ إِلَى عَنَاقٍ مُعْتَاطٍ. وَالْمُعْتَاطُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ وَلَدًا وَقَدْ حَانَ وِلَادُهَا فَأَخْرَجْتُهَا إِلَيْهِمَا فَقَالَا نَاوِلْنَاهَا. فَجَعَلَاهَا مَعَهُمَا عَلَى بَعِيرِهِمَا ثُمَّ انْطَلَقَا.

(ش)(رجال الحديث)(وكيع) بن الجراح. و (عمرو بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن بن صفوان. روى عن عبد الله بن الزبير وجابر بن سعد وأمية بن صفوان. وعنه ابن جريج والثوري وابن المبارك: وزكريا بن إسحاق. وثقه ابن معين والنسائي وقال أبو حاتم مستقيم الحديث. روى له أبو داود والنسائي والترمذي.

و(الجمحي) بضم الجيم وفتح الميم نسبة إلى جمح بن عمرو.

و(مسلم بن ثفنة) بفتح الثاء المثلثة وكسر الفاء. وقيل بفتحها. روى عن سعر الدؤلي. وعنه عمرو بن أبي سفيان الجمحي. قال الذهبي لا يعرف وذكره ابن حبان في الثقات. وقال أحمد وغيره كان عريف قومه ولفضله استعمله نافع في علقمة على عراقة قومه ليصدقهم. وقال في التقريب حجازي مقبول من الثالثة. روى له أبو داود والنسائي

(قوله قال الحسن الخ) أي قال الحسن بن علي الخلال شيخ المصنف: روح بن عبادة أحد شيوخ الحسن يقول: مسلم بن شعبة وحاصله أن الحسن بن علي قال في روايته عن وكيع بن الجراح مسلم بن ثفنة. وقال في روايته عن روح ابن عبادة مسلم بن شعبة، وهذا هو الصواب. فالتصحيف وقع فيه من وكيع. قال في تهذيب التهذيب قال روح بن عبادة وغير واحد عن زكريا عن عمرو عن سلم بن شعبة. قال أحمد بن حنبل أخطأ فيه وكيع. وقال النسائي لا أعلم أحد تابع وكيعًا على قوله ابن ثفنة. وقال الدارقطني وهم وكيع والصواب مسلم بن شعبة اهـ.

وقال البخاري قال وكيع مسلم بن ثفنة ولا يصح اهـ

ص: 178

ورواية روح التي أشار إليها هي الآتية بعد

(قوله استعمل نافع بن علقمة أبي علي عراقه قومه) أي قال مسلم بن شعبة جعل نافع بن علقمة أبي رءيسًا على قومه ليتولى مصالحهم ويدبر أمورهم ويجمع صدقاتهم. فنافع فاعل استعمل. والعرافة على التعريف من تدبير أمور القوم وسياستهم والعريف القائم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يتولى أمورهم ويتبين الأمير منه أحوالهم يقال عرفت على القوم أعرف من باب قتل عراقة بكسر العين فأنا عارف

(قوله قال فبعثني أبي الخ) أي قال مسلم بن شعبة فأرسلني أبي إلى طائفة منهم. ففي بمعنى إلى.

و(سعر) بفتح السين وسكون العين المهملتين آخره راء مهملة كما في تهذيب التهذيب. وضبطه بعض الشراح بكسر السين وسكون العين المهملتين ابن سوادة. ويقال ابن ديسم كما صرح به في بعض النسخ العامري الكناني ويقال الدؤلي. قدم الشام تاجرًا في الجاهلية وأسلم. روى عن مصدقين للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه ابنه جابر ومسلم بن شعبة. قال الدارقطني له صحبة وذكره ابن حبان في الصحابة

(المعنى)

(قوله قال ابن أخي) أي يابن أخي فهو على تقدير حرف النداء

(قوله وأي نحو تأخذون الخ) يعني أي صنف تأخذون؟ فقال لي مسلم نأخذ الخيار بعد أن نتبين ونختبر ضروعها ونعرف جيدها من رديئها. وفي بعض النسخ حتى إنا نشبر ضروع الغنم أي نقيسها بالشبر ليتبين حالها من شبرت الشيء من باب قتل قسته بالشبر. وفي بعض النسخ نسبر بالسين المهملة وضم الباء الموحدة أي نختبر ونتعرف فهو من باب قتل يقال سبرت الشيء تعرفته

(قوله كنت في شعب الخ) بكسر الشين المعجمة أي طريق من هذه الطرق في الجبل

(قوله فعمدت إلى شاة الخ) أي قصدت إلى شاة عرفت مكانها وجودتها. وبين ذلك بقوله ممتلئة محضًا أي لبنًا خالصًا وشحمًا. فالمحض بالحاء المهملة والضاد المعجمة اللبن الخالص. وفي بعض النسخ فأعمد بصيغة المضارع من باب ضرب وعبر به استحضارًا للصورة الماضية

(قوله هذه شاة الشافع) يعني التي معها ولدها. سميت بالشافع لأن ولدها قد شفعها فصارت معه زوجًا. وقيل هي الحامل التي يتبعها ولد آخر

(قوله عناقًا جذعة) أي نأخذ عناقًا موصوفًا بكونه جذعة. والعناق بفتح العين المهملة الأنثى من ولد المعز لم يتم له سنة. والجذع بفتحتين ما ألقى مقدم أسنانه، وقد يكون ذلك لسنة أو دونها. قال في المصباح فالعناق تجذع لسنة وربما أجذعت قبل تمامها للخصب فتسمن فيسرع إجذاعها فهي جذعة. ومن الضأن إذا كان من شابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة. وإذا كان من هرمين "بفتح وكسر" أجذع من ثمانية إلى عشرة أشهر اهـ

وفي النهاية وأصل الجذع من أسنان الدواب وهو ما كان منها شابًا فتيًا: فهو من الإبل ما دخل في السنة الخامسة. ومن البقر والمعز ما دخل في السنة الثانية. وقيل من البقر ما دخل في الثالثة ومن الضأن ما تمت له سنة. وقيل أقل منها. ومنهم من خالف بعض هذا في التقدير اهـ

(قوله أو ثنية) عطف على عناق. والثني من الضأن والمعز ما له

ص: 179

سنة ومن البقر والجاموس ما له سنتان ومن الإبل ما له خمس. وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد ووافقهما مالك في الضأن والمعز والإبل. وقال الثني من البقر والجاموس ما دخل في السنة الرابعة. ووافقهما الشافعي في البقر والإبل. وقال الثني من الضأن والمعز ما دخل في الثالثة كالبقر.

قال في النهاية الثنية من الغنم ما دخلت في السنة الثالثة ومن البقر كذلك ومن الإبل في السادسة والذكر ثني. وعلى مذهب أحمد ما دخل من المعز في الثانية ومن البقر في الثالثة اهـ

أقول خلاف الأئمة في ذلك دليل على أنه مختلف فيه لغة فقال كل بما ترجح عنده

(قوله والمعتاط التي لم تلد ولدًا الخ) يعني لم تحمل وقد حان أوان حملها. وفي النهاية المعتاط من الغنم التي امتنعت عن الحمل لسمنها وكثرة شحمها اهـ

وقال: والذي جاء في سياق الحديث أن المعتاط التي لم تلد وقد حان ولادها. وذلك من حيث معرفة سنها وإنها قد قاربت السنن التي يحمل مثلها فيها فسمي الحمل بالولادة اهـ. وغرض سعر من ذكر هذه القصة بيان أن الخيار لا يجب دفعها في الزكاة

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ قَالَ أَيْضًا مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ. كَمَا قَالَ رَوْحٌ.

(ش) غرض المصنف بهذا بيان أن أبا عاصم الضحاك بن مخلد. روى هذا الحديث عن زكريا بن إسحاق في إسناده مسلم بن شعبة كما قال روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق كما سيصرح به في الحديث الآتي. وتضعيف ما قاله وكيع من أنه مسلم بن ثفنة. وفي بعض النسخ قال أبو داود أبو عاصم رواه عن زكريا

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ النَّسَائِيُّ نَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ شُعْبَةَ. قَالَ فِيهِ وَالشَّافِعُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا الْوَلَدُ.

(ش) ساق المصنف هذا لبيان حديث روح بن عبادة لكن من غير طريق الحسن بن عليّ

(قوله بإسناده بهذا الحديث الخ) أي بسنده وهو عن عمرو بن أبي سفيان وذكر الحديث وفسر في روايته الشافع بأنها التي في بطنها ولد.

(ورواية روح) أخرجها النسائي قال أخبرنا هارون بن عبد الله قال حدثنا روح قال حدثنا زكريا بن إسحاق قال حدثني عمرو بن أبي سفيان قال حدثني مسلم بن شعبة أن ابن علقمة استعمل أباه على صدقة قومه وساق الحديث اهـ

(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ بِحِمْصَ عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ

ص: 180

الْحَارِثِ الْحِمْصِيِّ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ -مِنْ غَاضِرَةِ قَيْسٍ- قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ وَلَا يُعْطِي الْهَرِمَةَ وَلَا الدَّرِنَةَ وَلَا الْمَرِيضَةَ وَلَا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ".

(ش)(رجال الحديث)

(قوله قرأت في كتاب عبد الله بن سالم) أشار به إلى أنه وجده في كتابه ولم يسمعه منه فهو معاق. و (الزبيدى) بالتصغير محمد بن الوليد

(قوله قال وأخبرني الخ) أي قال عبد الله بن سالم وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير هكذا هو في نسخ المصنف، لكن قال الحافظ في الإصابة في ترجمة عبد الله بن معاوية الغاضري روى حديثه أبو داود والطبراني من طريق يحيى بن جابر عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عبد الله بن معاوية الغاضري وذكر الحديث ثم قال: وأخرح البخاري في تاريخه من طريق يحيى بن جابر أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه أن أباه حدثه أن عبد الله بن معاوية الغاضري حدثهم قال قيل للنبي صلى الله تعالى عليه عليه وعلى آله وسلم ما تزكية المرء نفسه؟ قال يعلم أن الله معه حيث كان اهـ

ومنه يتبين أن في سند المصنف انقطاعًا حيث سقط منه عبد الرحمن ابن جبير شيخ يحيى بن جابر.

و(يحيى بن جابر) بن حسان بن عمرو بن ثعلبة الطائي أبو عمرو الحمصي. روى عن صالح بن نفير وعبد الرحمن بن جبير ويزيد بن شريح وغيرهم. وعنه الترمذي وحبيب بن صالح وعبد الرحمن بن يزيد ومعاوية بن صالح وجماعة. وثقه ابن معين والعجلي وقال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة ست وعشرين ومائة روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي.

و(عبد الله بن معاوية الخ) روى عن النبي صلى الله تعالى عليه عليه وعلى آله وسلم هذا الحديث فقط. وروى عنه جبير بن نفير. وغاضرة قيس قبيلة وأضافها إلى قيس للتمييز لأن في بني أسد غاضرة وفي بني صعصعة غاضرة

(المعنى)

(قوله ثلاث من فعلهن الخ) أي ثلاث خصال من فعلهن فقد ذاق حلاوة الإيمان وطعم من باب تعب

(قوله من عبد الله وحده الخ) أي أول الخصال أن يعبد الشخص الله وحده ولا يشرك به شيئًا ويعتقد أنه لا إله إلا الله. فهو في محل نصب مفعول لمحذوف وأتى به لزيادة التأكيد

(قوله وأعطى زكاة ماله الخ) أي وثاني الخصال إعطاء زكاة

ص: 181

ماله حال كونه طيبة بها نفسه أي راضية ومخلصة لله تعالى ومعينة على إعطائها في كل عام. فرافدة فاعلة من الرفد وهو الإعانة يقال رفدته أرفده من باب ضرب إذا أعنته

(قوله ولا يعطي الهرمة الخ) أي وثالث الخصال عدم إعطاء الهرمة أي الكبيرة في السنن الضعيفة ولا الدرنة يعني الجرباء وأصل الدرن الوسخ، ولا الشرط اللئيمة بفتح الشين المعجمة والراء رذائل المال وقيل صغاره. وشراره وهو أعم مما قبله لأنه يشمله وغيره كالشارد والناطح

(قوله ولكن من وسط أموالكم الخ) أي لكن تعطون الزكاة من وسط أموالكم لأن الله تعالى لم يكلفكم بالخيار رحمة بكم ولا يأمركم بالشرار مراعاة لحقوق الفقراء

(فقه الحديث) دل الحديث علي الترغيب في الإخلاص في العبادة. وعلى الترغيب في إعطاء الزكاة عن طيب نفس. وعلى أنه يؤخذ في الصدقة الوسط بن الأموال فلا يؤخذ الخيار ولا الدنيء

(والحديث) أخرجه أيضًا البزار والطبراني والبغوي موصولًا

(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ نَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مُصَدِّقًا فَمَرَرْتُ بِرَجُلٍ فَلَمَّا جَمَعَ لِي مَالَهُ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهِ فِيهِ إِلَاّ ابْنَةَ مَخَاضٍ فَقُلْتُ لَهُ أَدِّ ابْنَةَ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا صَدَقَتُكَ. فَقَالَ ذَاكَ مَا لَا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ وَلَكِنْ هَذِهِ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ عَظِيمَةٌ سَمِينَةٌ فَخُذْهَا. فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنَا بِآخِذٍ مَا لَمْ أُومَرْ بِهِ وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْكَ قَرِيبٌ فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَأْتِيَهُ فَتَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا عَرَضْتَ عَلَيَّ فَافْعَلْ فَإِنْ قَبِلَهُ مِنْكَ قَبِلْتُهُ وَإِنْ رَدَّهُ عَلَيْكَ رَدَدْتُهُ. قَالَ فَإِنِّي فَاعِلٌ فَخَرَجَ مَعِي وَخَرَجَ بِالنَّاقَةِ الَّتِي عَرَضَ عَلَيَّ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتَانِي رَسُولُكَ لِيَأْخُذَ مِنِّي صَدَقَةَ مَالِي وَايْمُ اللَّهِ مَا قَامَ فِي مَالِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- وَلَا رَسُولُهُ قَطُّ قَبْلَهُ فَجَمَعْتُ لَهُ مَالِي فَزَعَمَ أَنَّ مَا عَلَيَّ فِيهِ ابْنَةُ مَخَاضٍ وَذَلِكَ مَا لَا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ وَقَدْ

ص: 182

عَرَضْتُ عَلَيْهِ نَاقَةً فَتِيَّةً عَظِيمَةً لِيَأْخُذَهَا فَأَبَى عَلَيَّ وَهَا هِيَ ذِهِ قَدْ جِئْتُكَ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. خُذْهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- "ذَاكَ الَّذِي عَلَيْكَ فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ آجَرَكَ اللَّهُ فِيهِ وَقَبِلْنَاهُ مِنْكَ". قَالَ فَهَا هِيَ ذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ جِئْتُكَ بِهَا فَخُذْهَا. قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِقَبْضِهَا وَدَعَا لَهُ فِي مَالِهِ بِالْبَرَكَةِ.

(ش)(رجال الحديث)(أبو يعقوب) إبراهيم بن سعد. و (ابن إسحاق) محمد ابن إسحاق بن يسار.

و(يحيي بن عبد الله الخ) الأنصاري البخاري. روى عن زيد بن ثابت وأبى هريرة وسودة بنت زمعة وأم هشام بنت الحارث بن النعمان. وعنه إبراهيم بن محمد وصالح ابن إبراهيم ويحيى بن سعيد الأنصاري. وثقه العجلي وقال تابعي وذكره ابن حبان في الثقات روى له مسلم وأبو داود.

و(عمارة بن عمرو بن حزم) بن زيد بن لوذان بن عمرو الأنصاري البخاري. روى عن أبي بن كعب وعبد الله بن عمر. وعنه سلمة بن دينار وعمر بن كثير. وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات. روى له أبو داود وابن ماجه

(معنى الحديث)

(قوله فمررت برجل) لم نقف على اسمه

(قوله لم أجد عليه فيه الخ) أي لم أجد واجبًا عليه في ماله إلا ابنة مخاض

(قوله فقال ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر) وفي بعض النسخ ذلك ما لا لبن فيه الخ يعني أن بنت المخاض التي تريد أخذها لا منفعة فيها بلبن ولا ركوب وذكر اسم الإشارة العائد علي بنت المخاض باعتبار لفظ ما

(قوله وايم الله الخ) أي أيمن الله قسمي ما طلب أحد مني زكاة قبل هذا الوقت. فأيم اسم وضع للقسم

(قوله ذاك الذي عليك الخ) أي ما طلبه الساعي من بنت المخاض هو الواجب عليك فإن تبرعت بأجود منها أثابك الله عليه. قال في المصباح أجره الله أجرًا من باب قتل ومن باب ضرب لغة في كعب وآجره بالمد لغة ثالثة إذا أثابه

(فقه الحديث) دل الحديث على فضل ذلك الرجل ورغبته في الخير. وعلى جواز أخذ ما هو أعلى من الواجب في الزكاة برضا المالك ولا خلاف في ذلك. وعلي الترغيب في الدعاء بالبركة ونحوها لمن رغب في الخير وعمل به

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد عن أبي بن كعب قال بعثني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مصدقًا فمررت برجل فلم أجد عليه في ماله إلا ابنة مخاض فأخبرته أنها صدقته فقال ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر وما كنت لأقرض الله ما لا لبن فيه ولا ظهر ولكن هذه ناقة سمينة فخذها (الحديث) وصححه الحاكم. ولا ينافيه أن في إسناده محمد بن إسحاق وفي الاحتجاج

ص: 183

به خلاف لأن محله إذا عنعن وهو هنا قد صرح بالتحديث

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَا وَكِيعٌ نَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيِّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ "إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ".

(ش)(رجال الحديث)(يحيى بن عبد الله) بن محمد بن يحيي (بن صيفى) المكي مولى بني مخذوم. روى عن عكرمة بن عبد الرحمن وأبي معبد وأبي سلمة بن سفيان وسعيد بن جبير. وعنه ابن جريج وإسماعيل بن أمية وعبد الله بن أبي نجيح وجماعة. وثقه النسائي وابن معين وابن سعد وذكره ابن حبان في الثقات روى له الجماعة. و (أبو معبد) نافذ مولى ابن عباس

(المعنى)

(قوله بعث معاذًا إلى اليمن) وكان ذلك سنة عشر قبل حج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كما ذكره البخاري في آخر المغازى. وقيل كان سنة تسع عند منصرفه من تبوك كما ذكره الواقدى. وقيل سنة ثمان عام الفتح

(قوله إنك تأتي قومًا أهل كتاب) ذكره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توطئة لوصيته التى سيلقيها عليه ليستجمع معاذ همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم فلا يكون في مخاطبتهم كمخاطبة الجهلة من عباد الأوثان. وخص أهل الكتاب بالذكر دون غيرهم تفضيلًا لهم أو تغليبًا على غيرهم

(قوله فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله الخ) بدأ بالشهادتين لأنهما أصل الدين فلا يصح شيء من أعماله إلا بهما. واستدل الجمهور بحديث الباب على أنه لا يكفي في الدخول في الإِسلام النطق بإحدى الشهادتين بل لا بد من النطق بهما وقالوا لا يشترط التبرى من كل دين يخالف دين الإِسلام خلافًا لمن زعم ذلك لأن اعتقاد أن المعبود واحد وأن محمدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رسوله يستلزم بطلان اعتقاد كل دين يخالف دين الإسلام

(قوله فإن هم أطاعوك لذلك الخ) أي فإن أطاعوك

ص: 184

بالنطق بالشهادتين فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. وفي هذا دلالة لمن قال إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر معاذًا أن يأمرهم أوّلًا بالإيمان فقط ثم بفروعه ورتب العمل بها على الإيمان بالفاء.

وأيضا الشرط في قوله إن أطاعوك فأعلمهم الخ يفهم منه أنه لو لم يطيعوه لا يجب عليهم شيء من الصلوات

(وقال) جماعة إنهم مخاطبون بفروع الشريعة ولا تصح منهم إلا بالاسلام

(وأجابوا) عن هذا الحديث بأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب. ألا ترى أنه رتب في الحديث الزكاة على الصلاة بالفاء مع أنه لا ترتيب بينما في الوجوب. فلا يلزم من عدم الاتيان بالصلاة إسقاط الزكاة. وبأن مفهوم الشرط مختلف في الاحتجاج به وتقدم تمام ذك: بـ ص 153

(قوله فإن هم أطاعوك لذلك) أي في الأمر بالصلاة وصلوا فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم الزكاة في أموالهم إذا توفرت شروطها

(قوله وتردّ في فقرائهم) أي إلى فقرائهم. واحتج به من قال إنه يكفي إعطاء الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية المذكورة في قول الله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ

الآية) ولا يلزم تعميم جميعهم بالإعطاء. ولكنه غير مسلم لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم أكثر من غيرهم

(قوله فإياك وكرائم أموالهم) أي أحذرك من أخذ النفيس من أموالهم. فالكرائم جمع كريمة وهي النفيسة. وقيل هي ما يؤثر صاحب المال نفسه بها. وقال في المطالع هي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة وكثرة لحم. وحذره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ذلك لأن الزكاة شرعت لمواساة الفقراء فلا يناسب فيها الإجحاف بمال الأغنياء إلا أن يعطوا ذلك عن طيب نفس فيجوز كما تقدم

(قوله واتق دعوة المظلوم) أي اجتنب الظلم فلا تأخذ ما لا حق لك في أخذه ولا تفعل مع أحد ما يضره لئلا يدعو عليك. ودعاؤه سريع الإجابة والقبول حيث إنه مظلوم. وذكره عقب المنع من أخذ أنفس الأموال إشارة إلى أن أخذها بغير رضا صاحب المال ظلم. وفيه تنبيه أيضًا على المنع من جميع أنواع الظلم فهو تذييل سيق للتنفير من مطلق الظلم الشامل لأخذ النفيس وغيره

(قوله فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) تعليل للاتقاء. والمراد أنها مقبولة وليس لها مانع يمنعها من القبول. وإن كان الداعي عاصيًا فعصيانه على نفسه كما جاء في حديث أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه" قال الحافظ في الفتح إسناده حسن. وليس المراد أن لله تعالى حجابًا يحجبه عن الناس لأنه من صفات الحوادث وهي مستحيلة عليه تعالى

(فقه الحديث) دل الحديث على أن أصل الدين الإقرار لله تعالى بالوحدانية وللنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرسالة. وعلى أن الصلوات الخمس فرض في كل يوم وليلة. وعلى أن الوتر والعيدين ليس بفرض وهو مجمع عليه. والقول بوجوب ما ذكر له دليل آخر تقدم بيانه

ص: 185

وعلى أن الزكاة من واجبًات الدين وأن الإِمام هو الذي يتولى أخذها إما بنفسه أو بنائبه. وعلى أنها تدفع لفقراء المسلمين دون أغنيائهم. قال عياض والطيبي وغيرهما إن فيه دليلًا على أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون لعموم قوله تؤخذ من أغنيائهم. قال الحافظ في الفتح وفيه بحث اهـ

ووجهه أن الضمير في قوله تؤخذ من أغنيائهم راجع إلى المكلفين لقوله قبله فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم والصبي والمجنون ليسا من أهل الافتراض. وعلى أنه ينبغي للإمام أن يأمر ولاته بتقوى الله تعالى ويحذرهم من الظلم ويبين لهم قبحه. وعلي أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم الأموال بلا رضا أربابها بل يأخذ الوسط كما تقدم. وعلى أن دعوة المظلوم مستجابة

(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والبخاري ومسلم وابن ماجه والترمذي والدارقطني

(ص) حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ نَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا".

(ش)(رجال الحديث)(الليث) بن سعد. و (وسعد بن سنان) ويقال سنان بن سعد الكندي المصري. وصحح البخاري أنه سنان بن سعد: روى عن أنس بن مالك. وعنه يزيد بن أبي حبيب. وثقه ابن معين وذكر ابن حبان في الثقات. وقال الجوزجاني سعد بن سنان أحاديثه واهية. وقال ابن سعد والنسائي منكر الحديث. وقال في التقريب صدوق له أفراد من الخامسة روى له أبو داود وابن ماجه والترمذي

(المعنى)

(قوله المعتدي في الصدقة كمانعها) وفي بعض النسخ المعتدي في الصدقة الخ أي أن الساعي المتجاوز في أخذ الزكاة عن القدر الواجب كمانعها أصالة في الوزر لأنه لو أخذ زائدًا في سنة ربما منعها صاحب المال في السنة الأخرى فيكون سببًا للمنع. وقيل المراد أن المالك المتعدي بكتمان بعض المال أو كتمان وصفه عن الساعي كالمانع منها أصالة في الإثم لأن الساعي حينئذ يأخذ ما لا يجزئ أو يترك بعض الواجب.

ولا يقال إن هذا مانع الزكاة حقيقة فكيف يشبه بالمانع الأن هذا المخادع لما دفع شيئًا لم يطلق عليه أنه مانع عرفًا. فحسن التشبيه ليعلم قبح ما هو عليه. وقيل المعتدي من يعطيها لغير من يستحقها وقيل هو الذى يعطي ويمن ويؤذي. فالإعطاء مع المن والأذى كالمنع من أداء ما وجب. وقيل المعتدي هو الذي يجاوز الحد في الصدقة بحيث لا يبقى لعياله شيئًا. وفي هذا دلالة على تحذير المالك والساعي وتنفيرهما من الظلم في الزكاة

(والحديث) أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال حديث غريب من هذا الوجه اهـ

ص: 186