الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرض تساوى الحديثين فيمكن الجمع بأن المراد بكونهما في قبر واحد أنهما كانا متجاورين، أو أن السيل خرق أحد القبرين فصارا كقبر واحدة
(قوله فما أنكرت منه شيئًا الخ) يعني وجدته لم يتغير عن هيئته التي دفنته عليها إلا بعض شعرات سقطت من لحيته من الجانب الذي يلي الأرض. وقوله شعيرات جمع شعيرة تصغير شعرة والتصغير للتقليل
(الفقه) دل الأثر علي الإرشاد إلى بر الأبناء بالآباء. وعلى أن الأرض لا تأكل أجساد الشهداء وقد علمت ما فيه. وعلى جواز دفن الاثنين في قبر واحد، لكن محله إذا دعت الضرورة إلى ذلك كما تقدم. وعلى جواز نقل الميت من قبر إلى آخر إذا دعت الحاجة إلى ذلك
(والأثر) أخرجه أيضًا البيهقي، وأخرج النسائي نحوه، وأخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله قال: لما حضر أحد دعاني أبي من الليل فقال ما أراني إلا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وإني لا أترك بعدي أعز عليّ منك غير رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وإن عليّ دينًا فاقض واستوص بأخواتك خيرًا فأصبحنا فكان أول قتيل ودفن معه آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته غير هنية في أذنه. والهنية تصغير هنة الشيء اليسير يعني غير أثر يسير غيرته الأرض من أذنه
(باب في الثناء على الميت)
الثناء في الأصل الذكر بالخير والمراد به هنا مطلق ذكر صفة الميت
(ص) حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ نَا شُعْبَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَرُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ "وَجَبَتْ". ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ "وَجَبَتْ". ثُمَّ قَالَ "إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ شَهِيد".
(ش)(رجال الحديث)(شعبة) بن الحجاج. و (إبراهيم بن عامر) بن مسعود بن أمية بن خلف القرشيّ الكوفي. روى عن سعيد بن المسيب وعامر بن سعد. وعنه شعبة والثوري وإسراءيل ومسعر. وثقه النسائي وابن معين وقال أبو حاتم صدوق لا بأس بة. روى له أبو داود والنسائي
(معنى الحديث)
(قوله فأثنوا عليها خيرًا) قد بين هذا الخير في رواية الحاكم عن أنس قال كنت قاعدًا عند النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فمرّ بجنازة فقال ما هذه الجنازة؟ قالوا
جنازة فلان الفلاني كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها
(قوله وجبت) أي ثبتت له الجنة أو المغفرة فالمراد بالوجوب الثبوت لا التحتم لأن الله تعالى لا يجب عليه شيء بل الثواب بمحض فضله تعالى والعقاب بمحض عدله
(قوله فأثنوا شرًا) وفي نسخة فأثنوا عليها شرًا أي ذكروها بشر. وقد بين الشر في رواية للحاكم عن أنس قال ومر بجنازة أخرى قالوا جنازة فلان الفلاني يبغض الله ورسوله ويعمل بمعصية الله ويسعى فيها. وذكر الثناء في جانب الشر مشاكلة وإلا فالثناء لا يستعمل إلا في الخير على اللغة الفصحى
"فإن قيل كيف" مكنهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من ذكر مساوى الميت وقد قال (اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم) رواه الترمذي عن ابن عمرو. وسيأتي للمصنف في "باب النهي عن سب الموتى" من كتاب الأدب: وفيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (إذا مات صاحبكم فدعوه ولا تقعوا فيه). وأخرج عنها البخاري والنسائي أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا وروى النسائي عنها لا تذكروا هلكاكم إلا بخير.
"أجيب" بأن النهي عن ذكر مساوي الأموات في غير المنافق والكافر والمجاهر بالفسق والبدعة أما هؤلاء فيجوز ذكر مساويهم ليتحرز من طريقتهم فحديث الباب مخصص لأحاديث النهي المذكورة. وأل في الأموات وكذا الإضافة في قوله اذكروا محاسن موتا كم وكفوا عن مساويهم للعهد والمعهود المسلمون المخلصون. وقيل إن الأمر بالكف عن مساوي الميت خاص بغير الكافر والمنافق فإن المؤمن الفاسق وإن جاز ذكر مساويه حال حياته ليبتعد عنها ويحذره الناس لا يجوز ذكرها بعد وفاته إذ لا فائدة فيه حينئذ خصوصًا مع احتمال أنه مات تائبًا، ولذا قال الجمهور لا يجوز لعن يزيد بن معاوية والحجاج الثقفي. والميت الذي ذكروه بالشر بحضرة النبي صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان من المنافقين لما تقدم في رواية الحاكم أنه كان يبغض الله ورسوله. وقال القرطبي يحتمل أن يكون النهي عن سب الموتى متأخرًا عن حديث الباب وأشباهه فيكون ناسخًا له ولا يخفى بعده لأنه لا يصار إلى النسخ إلا عند عدم إمكان الجمع وقد أمكن كما علمت
(قوله وجبت) أي ثبتت له النار واستحق دخولها أو العقوبة وفي رواية البخاري والبيهقي عن أنس قال مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًا فقال وجبت فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما وجبت؟ قال هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شرًا فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض
(قوله إن بعضكم على بعض شهيد) وفي نسخة شهداء وعند الشيخين أنتم شهداء الله في الأرض وفي رواية المؤمنون شهداء الله في الأرض يعني أن الله يقبل شهادة المؤمنين بعضهم على بعض ويحكم بمقتضاها
ويحتمل أن هذا خاص بالصحابة رضي الله عنهم لأنهم كانوا ينطقون بالصدق والحكمة لعدالتهم ومثلهم من كان على صفتهم من المؤمنين الأتقياء، فالمعول عليه في ذلك شهادة أهل الفضل والصلاح والصدق والأمانة بخلاف الفسقة لأنهم قد يذكرون أهل الفسق بالخير وأهل الفضل والصلاح بالشر فليسوا داخلين في هذا الحديث. ومصداق هذا الحديث قوله تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون، الرسول عليكم شهيدًا" أي جعلناكم عدولًا خيارًا تشهدون علي غيركم من الأمم ويكون الرسول مزكيًا لكم مبينًا عدالتكم
(وفي الحديث) تزكية من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته وإظهار عدالتهم وأن لشهادة المؤمنين مدخلًا في نفع المشهود له وضرر المشهود عليه "فإن" قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجبت بعد الثناء "حكم" عقب وصف مناسب مشعر بالعلية. ويؤيده ما رواه البخاري عن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال، "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا وثلاثة قال وثلاثة فقلنا واثنان فقال واثنان ثم لم نسأله عن الواحد" وما روى صاحب المرقاة من أنه صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال حين أثنوا على جنازة جاء جبريل وقال يا محمد إن صاحبكم ليس كما يقولون إنه كان يعلن كذا ويسر كذا ولكن الله صدقهم فيما يقولون وغفرله ما لا يعلمون.
قال والأظهر أن هذا أمر أغلبي فإن الثناء علامة مطابقة للواقع غالبًا، وليس المراد أن من خلق للجنة يصير من أهل النار بقولهم ولا عكسه إذ قد يذكر بالخير أو الشر وهو في الواقع على خلاف ذلك اهـ بتصرف.
وقال النووي في شرح مسلم والصحيح المختار أنه على عمومه وإطلاقه وأن كل مسلم مات فألهم الله تعالى الناس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلًا على أنه من أهل الجنة سواء أكانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا لأنه وإن لم تكن أفعاله تقتضيه فلا تتحتم عليه العقوبة بل هو تحت المشيئة فإذا ألهم الله الناس الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه تعالى قد شاء المغفرة له وبهذا تظهر فائدة الثناء اهـ.
قال الحافظ في الفتح وهذا في جانب الخير واضح ويؤيده ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعًا "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرًا إلا قال الله تعالى قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون". وأما جانب الشر فظاهر الأحاديث أنه كذلك لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره اهـ.
ويؤيده ما أخرجه الحاكم من طريق النضر بن أنس عن أنس وفيه يا أبا بكر إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر
(فقه الحديث) دل الحديث على جواز ذكر الميت بما فيه من خير أو شر. وعلى نجاة من شهد له الصالحون بالخير. ومحله إذا شهدوا بما يعلمون منه بحسب ظاهر حاله "فما يفعله" كثير من أهل زماننا من قول بعضهم بعد الصلاة على الميت ما تشهدون فيه ويريد بذلك الثناء عليه بخير ولو كان